أنت هنا

22 ذو القعدة 1428
المسلم - هيئة نت

وجه الأمين العام لهيئة علماء المسلمين بالعراق الشيخ‎ ‎حارث الضاري ‏رسالة مفتوحة للعشائر العراقية كلها على اختلالف أطيافها ومكوناتها مساء ‏أمس الجمعة محذرًا من المحتل الأمريكي وحيله .‏
ومهد الشيخ لحديثه بالتأكيد على الأزمة الخانقة التي يمر بها الاحتلال ‏الأمريكي، من جهة انهيار جنوده في العراق، وضغط نوابه في الكونجرس ‏الذين يشترطون اتخاذ قرار بالانسحاب في مقابل تمويل عمليات الجنود، ‏بسب الخسائر الفادحة لآلته العسكرية، وبشر بأن العراق على مشارف ‏النصر والخلاص .‏‎
وأوضح الضاري أن العدو‏‎ ‎بالرغم من كل ذلك لم ييأس بعد، وأنه بصدد ‏البحث عن حيلة يحفظ بها ما بقي من ماء وجهه، منبهًا إلى علم قادة ‏الاحتلال وإدارته بثقل العشائر العراقية، وهو السبب وراء توجهه إليها، ‏محاولاً الظهور بمظهر الصديق الناصح، لجر زعماء العشائر للمؤتمرات ‏واللقاءات المفضية للتقسيم بزعم خوفه عليهم من ظلم الآخرين.‏
وذكر الضاري بأفعال الاحتلال حين دخل البلاد، وسعى لإذلال الجميع، ‏واعتقل أشراف العشائر، وقضى على ما لديهم من‎ ‎قيم وأعراف وتقاليد.‏‎
وقال الضاري: "لقد سعى عدونا منذ بداية الاحتلال إلى تقسيم‎ ‎البلاد عرقيًا ‏وطائفيًا؛ لأن ذلك يجعل من البلاد ضعيفة هشة، يسهل انقيادها، والتحكم‎ ‎بثرواتها، وإبقائها ساحة للفوضى، تعجز عن تطوير نفسها (..) إنه يريد أن ‏يجعل من العراق لبنان ثانية" .‏‎
ودعا الضاري العشائر العراقية جميعها إلى أخذ العبرة من لبنان؛ "لأن‎ ‎العدو ‏يسعى إلى زعزعة أمننا على هذا النحو، من أجل أن يمرر علينا ما مرره ‏على هذا‎ ‎البلد الشقيق"‏‎.
وبرهن الضاري على صحة أقواله بـ"مجلس الحكم الذي قسم العراق لأول ‏مرة تقسيما‎ ‎عرقيًا وطائفيًا، ثم الدستور الذي أرسى دعائم هذه المحاصصة، ‏وأعد لها القاعدة لتتحول‎ ‎من النظرية إلى التطبيق، ثم سياسيات القتل الطائفي ‏التي تبناها المحتل، وساعدته في‎ ‎ذلك قوى الشر من الداخل والخارج ‏لترسيخ الانقسام، والذي دفعنا جميعا ثمنها غاليا‎ ‎من دماء أبنائنا، ولازلنا ‏ندفعه مجانا بسبب فتن الاحتلال، والسياسات الممالئة له‎ ‎ممن ارتضاه ‏الاحتلال لحكمنا" .‏‎
وبين الضاري أن كل ذلك كان مخططًا له ليصب في سياق إضعاف العراق ‏وأهله، وأوضح أن مشروع بايدن سيء الصيت الذي قسم العراق إلى أقسام ‏إنما جاء لجس النبض، ورصد نضوج الفكرة ومدى تقبل الشعب لها.‏
وأشار الشيخ الضاري إلى أن ‏‎ ‎بعض الساسة قد أيدوا هذا المشروع رغبة ‏في تحقيق مصالحهم دون مصالح شعبهم، وأن همهم من نظام الفدرالية أن ‏يكونوا على رأس السلطة فيها، والمنتفعين من‎ ‎عوائدها.‏
وتحدث الشيخ في بيانه عن المخطط الجديد الذي والذي وصفه بأنه يهدف ‏إلى "تفتيت الطائفة الواحدة، والعشيرة‎ ‎الواحدة، والمنطقة الواحدة، ومن ثم ‏إنشاء كانتونات، ومناطق مسلحة يقتل بعضها بعضا، وصناعة أمراء حرب ‏متنافسين، ليوقد الفتنة في بلدنا العزيز، وليمزق أوصاله، وليبقيه ضعيفا، ‏وليبقى هو السيد، ومن جاء بهم من قوى الشر، ويوصل البلاد في النهاية‎ ‎إلى حرب أهليه يستعر أوارها في كل مكان من أنحاء الوطن"‏‎.
وحذر الضاري أبناء‎ ‎العشائر من إنجاح المخطط الأمريكي لكونه سيبذل ‏جهده وماله لإحداث مراكز استقطاب داخل العشيرة الواحدة، "وسيغذي ‏الأقطاب جميعًا بالمال والسلاح، ليحدث من ثم صراعات دموية داخلية، بل ‏إنه بدأ فعلا باتخاذ مثل هذه الخطوات في‎ ‎الوسط والجنوب من أرض ‏العراق"‏‎.
وضم الضاري صوته لشكاوى عشائر الجنوب التي أعربوا فيها عن ‏استيائهم من‎ ‎ظلم دولة جارة ذات نوايا عدوانية، حيث استعملت‎ ‎الطائفية ‏جسرًا لتحقيق مصالحها، بسعيها لتقسيم‎ ‎العراق، وفصل المحافظات الجنوبية ‏عن البلد الأم، مبينًا أن ظلم هذه الدولة لم يقتصر على المناطق الجنوبية، بل ‏طال بغداد بشكل‎ ‎قاس، والمناطق الوسطى والشمالية أيضا‎ .
وأكد الضاري اعتماد هذه الجارة لأساليب التصفية الجسدية، لكل من ‏يعارضها في مشاريعها‎ ‎التوسعية، حيث قتلت الكثير من‎ ‎رؤساء القبائل ممن ‏يعارضون الاحتلال والفدرالية وأي تدخل أجنبي .‏‎
ونبه الشيخ إلى أن الاحتلال الأمريكي هو من مهد طريق التدخل لهذه ‏الدولة، وأتاح لها نفوذًا قويًا داخل العراق الأمر الذي مكنها من ارتكاب ‏الجرائم والحماقات، وفعل‎ ‎الأفاعيل، وأن ذلك تم بتنسيق بين الجهتين ‏لمصالح مشتركة، وأن كل جهة سعت لاستغلال‎ ‎الجهة الأخرى لتحقيق ‏أهدافها على حساب دمائنا ووحدتنا وكرامتنا، محذرًا من السماح "باستغلالنا ‏لخدمة إحدى الجهتيتن لتحقيق مصالح لها، فالجهتان ليس في وارد تفكيرهما‎ ‎مصلحة العراق على الإطلاق" .‏‎
وخطأ الشيخ تعليق الآمال في الخلاص على جهات‎ ‎جاءت مع المحتل، ‏ونفذت سياساته، وكانت ومازالت تربتط معه بأجندة، مبينًا أن هذه الجهات ‏لن تنفك ـ في كل الأحوال ـ عن هذا الارتباط، ولن يكون بمقدورها أن ‏تفعل ذلك، لأنها‎ ‎ذهبت في هذا الشوط المشبوه بعيدا .‏‎
ووصف الضاري ما تضمنته الوثيقة التي وقعها مؤخرًا رئيس الوزراء ‏العراقي نوري المالكي مع الرئيس الأمريكي جورج بوش بأنها بمثابة رهن ‏للعراق ومستقبله وثرواته بيد جلاديه، وأنها "فضيحة للإدارة الأمريكية التي ‏لم‎ ‎تكتف باحتلال العراق وتدميره، بل تسعى للاستيلاء عليه مدى الحياة، ‏وفضيحة على‎ ‎ساستها الذين نصبتهم على سدة الحكم، ورضوا لأنفسهم ‏الارتماء في أحضانها، والعمل في‎ ‎خدمتها"‏‎.
وطالب الأمين العام لهيئة علماء المسلمين بالعراق جميع العراقيين ‏بالاعتصام بحبل الله أولا، ثم التطلع إلى الوحدة، واعتبار التجاوز عليها خطًا ‏أحمر، والمضي قدما نحو إبعاد العدو وكل مخلفاته من أرض العراق بشتى ‏الوسائل المتاحة .‏
ونبه الشيخ إلى الفهم الخاطئ الذي تمكن من نفوس بعض الطيبين من كون ‏بقاء الاحتلال ضمانة للحيلولة دون الانزلاق إلى اقتتال داخلي، مبينًا أنه من ‏قبيل الأوهام، لكون الاحتلال‎ ‎أصل المشاكل، وهو الذي يقف خلف كافة ‏الأزمات والصراعات والجرائم التي لم يألفها العراقيون من قبل، ولم يعرفوا ‏لها نظيرا في تاريخهم، مؤكدًا على أن من أهداف الاحتلال استمرارية ‏دوامة الاختلافات والفتن .‏‎
ودعا الضاري العراقيين إلى المطالبة بعودة الجيش العراقي، والتمسك به، ‏على الرغم مما‎ ‎يشاع حوله من إشاعات باطلة ومغرضة ومفتراة ممن كانوا ‏يحقدون عليه لإنجازاته في‎ ‎خدمة البلاد، وخوفا من عودة العراق بلدا له ‏شأن .‏
وطالب الشيخ الجميع بتأمل أوضاع الجيش الحالي وأجهزة الشرطة، التي ‏شدد على أنها إنما أسست لخدمة المحتل، وتنفيذ مشاريعه، وأن الشعب ‏العراقي لم يجن من ورائها سوى القتل الطائفي والعرقي وسرقة‎ ‎أموال ‏الناس والدولة ومنها النفط، واستهداف الأبرياء، واجتياح المدن، وتعذيب ‏السجناء وهتك الأعراض، واستهداف بيوت الله .‏
وثمن الضاري إعادة الحياة للمؤسسة‎ ‎العسكرية الوطنية بعد رحيل الاحتلال، ‏مؤكدًا على أن ذلك سيختصر الزمن في استتباب الأمن، وإعادة الوضع ‏الطبيعي للبلاد .‏‎
وحول ما يسمى بمشاريع إعمار العراق قال الشيخ الضاري: "لا تتوقعوا أن ‏يبني‎ ‎لكم الاعداء بلدا، فما جاء الاعداء إلا للهدم والتخريب" مشددًا على أن ‏المليارات اتي انفقت تحت هذا الشعار قد تلاشت ولا إعمار؛ لأنها ذهبت إلى ‏جيوب العملاء‎ ‎الموالين للاحتلال كرشاوى لشراء الذمم .‏
وأكد الضاري أن إعمار‎ ‎البلاد وبناؤها سيبقى متوقفا على العراقيين أنفسهم ‏وقال: "فلنتهيأ لهذا اليوم الذي نبني فيه بلادنا بيد‎ ‎أبنائنا البررة المخلصين ‏على نحو يعيد العراق لأهله، ويعيد له موقعه المتميز في‎ ‎العالمين العربي ‏والإسلامي" .‏