د. سيف عبد الفتاح: جنون القوة عند أمريكا أفقدها ضالتها
6 ذو الحجه 1425

<font color="#800000"> عبد الرحمن طه - القاهرة </font> </br> </br> على الرغم من الحروب الاستباقية التي خاضتها الولايات المتحدة على مدار تاريخها الحديث، وخاصة حربها في أفغانستان والعراق أخيراً، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى الاستقرار في هاتين الدولتين تحديداً، فضلاً عن أن نشر قواتها في معظم دول العالم لم يحقق حلمها لإقامة الإمبراطورية الأمريكية ولكن مع هذا التوسع في لغة القوة، فإن الدكتور سيف عبد الفتاح (أستاذ العلوم السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة) لا يتفق مع الآراء التي تذهب مع الرغبة الأمريكية في إقامة الإمبراطورية العالمية. <BR><BR> يفسر الدكتور عبد الفتاح في حوار مع موقع "المسلم" هذا التوسع بأنه دليل على الفشل، لوقوعه في الخطأ الإستراتيجي، فضلاً عن أن هدف الإمبراطورية - حسب ما يدعي أصحابها - إقامة الحق والعدل، كما يبدو في بعض جوانبها، في الوقت الذي تكيل فيه الإدارة الأمريكية بمئة مكيال، ويرى د. عبد الفتاح أن الحروب الاستباقية للإدارة الأمريكية تبحث عن عدو وهمي، وإن تكرار عبارة "الحروب الصليبية" لم تكن "فلتات" لسان، ولكنه يعبر عن نوايا حقيقية رغم ما قيل عن تفسير هذه العبارة أو أنه تراجع عنها. <BR> وفيما يلي نص الحوار: <BR><font color="#FF0000"> هل تعتقد أن الولايات المتحدة الأمريكية نجحت في بسط نفوذها على دول العالم وخاصة في المناطق التي ترى أنها تصدر الإرهاب مثل أفغانستان والعراق، وهل يمكن تفسير ما يحدث بأنه نتيجة للمصطلح الشهير "الحروب الصليبية" الذي أطلقه بوش، ثم تراجع عنه رغم ما يقال في كثير من تفسيراته؟ </font><BR>لا أرى أن هذه العبارة قيلت في سياق من"فلتات" اللسان؛ لأنها تكررت أكثر من موضع، وهي تعكس عقيدة تتعلق بما يسمى حروب النوايا أو الحروب الاستباقية، حيث يستخدم فيها اليمين الديني المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية المصطلحات الدينية لتأكيد أهدافه، ولذلك لا نعفي بوش من القول بأن ما خاضه كان حروباً صليبية. <BR><BR> ودليلي على ذلك إضافة إلى تكرار الكلمة في أكثر من مناسبة، أن الإدارة الأميركية دشنت تطبيقاً لهذه الكلمة على نحو ما يحدث ويقع في العراق من جرائم أمريكية، وما ترتكبه في أفغانستان، وعموماً علماء النفس يقولون: إن ما يفكر فيه الإنسان بكيانه، ويحاول إخفاءه، فإنه يمكن أن يعبر عنه وينطق به في لحظة ما، ولذلك لا يمكن إعفاء "بوش" من عبارته؛ لأن لها هدفاً معيناً.<BR><BR><font color="#FF0000"> وهل تعتقد أن الحرب على الإرهاب يمكن أن تتسع لتشمل دولاً أخرى في إطار الحروب الاستباقية التي تسعى الإدارة الأمريكية إلى تحقيقها؟ </font><BR>يجب النظر أولاً إلى أنه تحت مسمى "الإرهاب" رفع وزير الدفاع الأميركي شعاراً أسماه "الحرب العالمية على الإرهاب" لتحقيق أو تنفيذ مصالح أمريكا الكونية، وهذه قضية أخرى، ودفع هذا القول إلى أن أصبحت بعض الدول مستباحة للتدخل الأمريكي في مختلف القضايا الداخلية بهدف تحقيق إدارة حرب عالمية لمواجهة ما يسمى "الإرهاب"، إضافة إلى وجود رغبة أمريكية في تحقيق "جنون القوة" الذي تعمل الإدارة الأمريكية على بسطه وسيطرته على دول العالم، ومع جنون هذه القوة فإن هذه الحرب يمكن أن تتسع لتشمل عدة دول أخرى؛ لأن العدو هنا _كما ذكرت_ عدو وهمي ومجهول في الوقت نفسه، كما أنه غير محدد، ربما يكون "هلامياً" في الأساس، نتيجة لاختلاط مفهوم الإرهاب عند الإدارة الأمريكية مع من يعارض سياساتها، فكل من يعترض على قراراتها فهو ضدها، ومن هذا الفهم انطلقت الحرب على أفغانستان والعراق.. حتى المقاومة المشروعة في فلسطين لم تسلم من وصمها بالإرهاب، وفق المفهوم الأمريكي. <BR><BR>كل ذلك يكشف أننا أمام ظاهرة شاذة في التاريخ، وهي أن دولة صنعت لنفسها عدواً هو في الأساس كما ذكرت غير معروف، فضلاً عن أنها تهدف إلى إبادة كل من يقف حجر عثرة أمام مصالحها، وتعده عدواً وتقوم بمحاربته، وكون أن الحرب يمكن أن تتجه إلى سوريا أو إيران أو أية دولة أخرى يرتبط بحسابات خاصة، فالإدارة الأمريكية لا ترغب في فتح ملف وتزيده اشتعالاً مقابل غض الطرف عن ملفات أخرى، مع ما يكشف أننا أمام حزمة من السياسات الأمريكية تعمل على "تركيع" كثير من الدول ومحاولة إدخالها بيت الطاعة الأمريكي. <BR><BR><font color="#FF0000"> مع حدوث بعض التوترات في الداخل المحلي للدول العربية، هل ترى أن هذه التوترات لبعض الدول العربية والإسلامية مثل قضية "الحوثي" في اليمن و"وزيرستان" في باكستان، كان انعكاساً لاستجابة أمريكية في مطالبة الدول بالحرب على الإرهاب؟ </font><BR>هذه التوترات حدثت بالفعل، وهذا ينبئ عن دلالة، أن الإدارة الأمريكية سعت إلى إحداث بوادر حرب أهلية في كثير من الدول العربية والإسلامية، مثل ما ذكر السؤال فيما يتعلق بقضية "الحوثي" التي حسمت في اليمن، وأحداث "وزيرستان" التي ما زالت مشتعلة في باكستان. <BR><BR> كل ذلك يشير إلى أن الأوضاع كافة، لم تعد مستقرة، كما أنه لوحظ أن بعض الدول التي لا ناقة لها ولا جمل في الحرب على ما يسمى بالإرهاب وفق التفسير الأمريكي استخدمت هي ذاتها في تسيير هذه الحرب والمساهمة فيها، في الوقت الذي لم ينظر أحد فيه إلى الحل السياسي والذي أراه أفضل لإصلاح كثير من المشاكل المتعلقة في مواجهة الإرهاب. <BR><BR><font color="#FF0000"> وهل ترى أن الهدف الأمريكي هو القضاء على ما يسمى الإرهاب أم بسط النفوذ وتعزيز القوة بهدف إقامة الإمبراطورية الأمريكية؟ </font><BR>بعض آراء المحللين تذهب بالفعل إلى أن بسط النفوذ وتغليب لغة القوة إنما يهدف إلى إقامة إمبراطورية أمريكية كبرى، ولكنني لا أتفق مع هذه الآراء، وأعتبرها ظلماً للحقيقة، وهذا لا يعني عدم وجود إغراءات بغطرسة القوة في الوقت الذي ينبغي فيه أن تكون إغراءات القوة مجاورة لجوانب فرض العدل والمساواة، وأن يكون ذلك من أهم ملامح الإمبراطورية، وليس عن طريق الكيل بمكيالين، وإن كانت الإدارة الأمريكية تكيل بمئة مكيال. <BR> إن الإدارة الأمريكية تهدف إلى تكريس مفهوم التعالي على الآخرين بالسطوة العسكرية، كما أن الخطاب الأمريكي هو خطاب إقصائي رغم نشر الولايات المتحدة لقواته العسكرية في معظم أنحاء العالم. <BR><BR><font color="#FF0000"> ألا ترى أن التوسع في القوة الأمريكية هو عنوان للفاعلية، بدليل نشر قواتها في عشرات الدول كما ذكرت؟ </font><BR>لا أرى ذلك إطلاقاً عنوانا للفاعلية، لكنه عنوان للفشل؛ لأنها إذا كانت تهدف إلى التوسع خارجيا فإنها قد فشلت في تحقيق أمنها في الداخل، وهذا ما حدث في 11 سبتمبر، عندما لم يتحرك الجيش الأمريكي أثناء وقوع الهجمات لمدة 50 دقيقة، وكان يمكن وقتها أن تشهد الولايات المتحدة تحولات كبرى خلال هذه المدة، ومع وجود الجيش في الخارج، فإن الإدارة الأمريكية تسعى إلى تكريس مفهوم التعالي، ولذلك تصل هذه القوة إلى حد الهشاشة، فضلا عن أن تمركز القوات الأمريكية في أفغانستان، والعراق، والقرن الأفريقي، والمغرب العربي، وكوريا الجنوبية، والفلبين، يعد شكلاً من أشكال الخطأ الإستراتيجي وشكلاً من أشكال "الهرج". <BR><BR><font color="#FF0000"> في إطار انتقادات للدول التي أقحمت نفسها في الحرب على ما يسمى الإرهاب، ألا تعتقد أن هذه الدول كانت مضطرة إلى الدخول في مواجهة مع بعض التيارات التي تستخدم لغة القوة؟ </font><BR>أنا طالبت بضرورة الحل السياسي ليكون بديلاً للحل العسكري، وأن تكون المعالجة وفق الظروف الداخلية، وليس وفق الضغوط الأمريكية؛ لأن الحل العسكري هو الحل الذي ترغب فيه الإدارة الأمريكية لاستئصال مثل هذه التيارات التي ترفع الشعارات الإسلامية، إضافة إلى ذلك فإن هذه التيارات كانت قائمة قبل أحداث سبتمبر، وعند وقوعها أيقظت الولايات المتحدة لغة القوة لاستخدامها ضد هذه التيارات؛ لأنها أدركت أن الأمر أصبح مرتبطاً بأمنها، وعلى الجميع ضرورة التحرك للدفاع عن ذلك الأمن حتى لو كان على حساب الشأن الداخلي واستقراره. <BR><BR><font color="#FF0000"> كيف ترى مستقبل المقاومتين الفلسطينية والعراقية في ظل الظروف الدولية الحالية، فضلاً عن ممارسات الاحتلالين الأمريكي والصهيوني وسط صمت عربي وإسلامي واضح؟ </font><BR>بالنسبة للمقاومة الفلسطينية من خلال صمودها الذي تعلنه يوماً بعد يوم لتؤكد أنها قادرة على الاستمرار، فهي ليست وليدة الانتفاضة الأولى والثانية فقط، ولكن تاريخها طويل منذ احتلال فلسطين، ومن المهم أن تبحث المقاومة أيضاً في آليات أخرى مثل الإضراب على نحو ما حدث أخيراً مع الأسرى، وهذا شكل من أشكال الحكمة السياسية. <BR><BR>أما بالنسبة للمقاومة العراقية فإن المحتل الأمريكي أدرك حالياً أن غزو العراق ما هو إلا مستنقع، أخطأ في حساباته وأنه فشل فشلاً ذريعاً، وأعتقد أن المقاومة العراقية "لقنت" المحتل درساً سيتوقف عنده، في حال رغبته في توسيع ضرباته العسكرية، كما أن صمود المقاومة في العراق وفلسطين يؤكد أن وصمهما بالإرهاب هو زيف للحقائق وشكل من أشكال الزبد الذي لا يمكث في الأرض، وأن غيرها سيكون انبطاحاً واستسلاماً.<BR><br>