المعارض الليبي عاشور الشامس:ستكون هناك مفاجآت لأن النظام لا يتصرف بمنهجية
5 صفر 1427

حاوره من الجزائر: عبد الحق بوقلقول<BR><font color="#ff0000">الجماهيرية الليبية هي واحدة من البلاد العربية الكثيرة التي يتعسر على الواحد منا كثيرا أمر الإطلاع على حقيقة أوضاعها فهي، و الحق يقال، ظلت على مر سنوات طويلة تحظى "بتجاهل" كبير من قبل المنظمات الدولية حتى أن الأحداث الأليمة التي شهدتها مدينة بنغازي شرقي البلاد مؤخرا لم تأخذ حقها من التغطية الإعلامية الدولية؛ لأن معظم منابر الإعلام اعتادت، مع الأسف، أن تتعامل مع القضايا التي يمكننا أن نصفها بالتقليدية و من الأمثلة الحية على ذلك ما نلاحظه من برود شديد في التعاطي مع الأخبار التي ترد من أرض الشيشان مثلا إذ يمكننا أن نجد مئات العناوين الصحفية التي تهرع إلى الحديث عن مقتل رجل في لبنان في حين أنك بالكاد تجد بضع إشارات قليلة متفرقة عن المجازر التي تقع في ذلك الجزء من العالم الإسلامي بشكل يومي.<BR>و في سبيل أن نعطي دماء الذين سقطوا في بنغازي حقها لأنهم فقدوا أرواحهم لا لذنب اقترفوه سوى أنهم نهضوا في سبيل الذود عن خير البرية -صلى الله عليه و سلم- على الرغم من أن السلطات الليبية تعاملت معهم بتجبر لا يستطيع أحد تفسيره، اتصلنا بالأستاذ عاشور الشامس، وهو ناشط سياسي إسلامي ليبي معارض زيادة على كونه إعلامي مقيم في لندن حيث كان قد درس هندسة الطيران ليتخصص فيما بعد في الدراسات الشرقية و نال فيها شهادة الماجستير فضلا على أنه كان من مؤسسي الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا التي صارت أكبر وأقوى تنظيم سياسي معارض خلال الثمانينات قبل أن يصير حاليا، المشرف على موقع أخبار ليبيا إلى جانب اضطلاعه بمهمة المدير التنفيذي لمنتدى ليبيا للتنمية البشرية والسياسية، وهو منظمة غير حكومية تهتم بشؤون التنمية والمجتمع المدني في ليبيا و تشارك في الندوات وورش العمل المحلية والإقليمية والعالمية المتعلقة بالمجتمع المدني وترسيخ الديمقراطية والحريات العامة. </font><BR><font color="#0000ff">هل يمكن بداية أن تضعنا، في الجو العام في منطقة الجبل الأخضر إجمالاً، والذي سبق وقوع أحداث بنغازي الأليمة؟ بمعنى هل الأحداث هذه جزء من موجة الغضب العارم التي عمت العالم الإسلامي بعد إقدام الصحف الغربية على نشر الرسوم المسيئة للرسول الكريم-صلى الله عليه وسلم- أم أنها إحدى وجوه حالة الاحتقان التي بات عليها الشارع الليبي؟ </font><BR>تعرضت مدينة بنغازي بالذات والمنطقة الشرقية من ليبيا بشكل عام منذ منتصف التسعينات إلى ما لا يمكن وصفه إلا بالعقوبات الجماعية، وذلك لأسباب عدة منها سلسلة العمليات المسلحة التي قامت بها عناصر إسلامية ضد السلطة ما بين 1994 و 1996، وتهديم مبنى نادي الأهلي الرياضي ـ وهو من أعرق النوادي وأكبرها شعبية بين المواطنين في بنغازي ـ بأمر مباشر من الساعدي معمر القذافي (نجل العقيد) و مسؤول كرة القدم في ليبيا. فأهملت المنطقة وتوقفت مشاريع البناء والتنمية وأصبح هناك نقص واضح حتى في المواد الغذائية، وهذا كله ولد احتقانا و عداوة شديدة للنظام. مظاهرة 17 فبراير منظمة من قبل السلطات، أي مظاهرة رسمية دعا إليها خطباء المساجد علنا وقادها مشايخ الطرق الصوفية وبعض أعيان المدينة، للاحتجاج ضد تصريحات وزير إيطالي معادية للإسلام. ولكن حرق العلم الإيطالي أمام القنصلية وإطلاق الرصاص الحي المفاجئ على المتظاهرين وسقوط جرحى وموتى، أدخل بعدا لم يكن محسوبا في الساحة. فثارت ثائرة المتظاهرين... و غالبيتهم من الشباب العاطل عن العمل أو الموظفين الذين لم يستلموا رواتبهم لعدة أشهر، فضلا عمن لديهم مشاكل مع الحكومة.... فراحوا يعبرون عما في أنفسهم من حنق وغضب مستهدفين المؤسسات التي تمثل السلطة أو ترمز إليها كالمصارف ومراكز الأمن والشرطة ومقار اللجان الثورية وصندوق الضمان الاجتماعي... وهكذا. ولم يبرز ما يدل على وجود قوى سياسية أو إسلامية منظمة وراء التظاهر، وإن ارتفعت هتافات مضادة للعقيد القذافي والنظام وتعرضت صوره للرمي بالحجارة.<BR><font color="#0000ff">و لكن عين المتابع للأمر لا تخطئ بعض التغيرات التي تشهدها الجماهيرية والتي من آخرها إقدام السلطات على إطلاق سراح المعتقلين من تنظيم الإخوان المسلمين. </font><BR>السلطات الليبية في حالة صراع داخلي حول ضرورة التغيير والإصلاح في أساليب الحكم والإدارة، وضرورة معالجة الأزمة الاقتصادية الحادة التي تمر بها البلاد. وتشارك في هذا الصراع عناصر من داخل النظام وعناصر من خارجه، إضافة الى الضغوط الخارجية سواء القادمة من الغرب (والولايات المتحدة أساسا) أو من تيار إصلاحي متنامي بين المعارضين الليبيين في الخارج. ويتناول هذا الصراع عدة ملفات وقضايا منها السجناء السياسيين وحقوق الإنسان عموما، والإصلاحات القضائية و الاقتصادية والسياسية، و مشكلات التنمية ومستوى المعيشة و أسلوب إدارة الميزانيات، وحرية الصحافة والتعبير. وهناك شبه إجماع تقريبا على أن البلد لا يمكن أن تستمر بنفس الأسلوب والأشخاص الذين حكمت بهم خلال العقدين أو الثلاثة الماضية. المشكلة تكمن في مركزية اتخاذ القرار المركزة عند العقيد القذافي شخصيا، والهوة السحيقة بين الأقوال والأفعال. فعلى أرض الواقع لم تشهد البلاد أي إصلاحات حقيقية، وهذا ما يزيد من خيبة أمل المواطنين وحنقهم وعدم اطمئنانهم لصدق المسئولين.<BR> <font color="#0000ff">لنعد الآن إلى أحداث بنغازي. هل يمكننا القول بناء على ما تفضلتم أن هنالك فرقا في مستوى "النضج" الجماهيري بين إقليم الجبل الأخضر و بين طرابلس مثلا؟ </font><BR>كلا، ليس هناك تفاوت في مستوى النضوج السياسي، ولكن الفرق في درجة التوتر. فبنغازي منطقة قابلة للاشتعال لما ذكرته سابقا، وقد كان تسيير المظاهرة في بنغازي تحت هذه الظروف مغامرة غير مسئولة. ومما زاد الطين بلة السماح لعناصر مدنية (لجان ثورية وأمن) بحمل السلاح وإطلاق الرصاص الحي على متظاهرين سلميا. فقد كان لطرابلس نصيبها من المواجهة كما رأينا في أحداث مايو 1984 وغيرها. وهناك مدن أخرى أيضا ـ سبها وبني وليد والزاوية و مصراتة و ترهونة ـ سجلت مواقف لا تنكر في مناهضة النظام. أضف إلى ذلك أن الرفض الشعبي للنظام الليبي غير مقتصر على منطقة دون منطقة أو مدينة دون مدينة بل هو ظاهرة قومية تعم كل أرجاء البلاد.<BR><font color="#0000ff">بصراحة يا أستاذ الشامس: هل يمكن الحديث في هذا الظرف عن إمكانية حدوث التغيير في الجماهيرية؟ ألم تعد علاقات طرابلس بالغرب عموما و بالولايات المتحدة، على وجه خاص، في مأمن من أي خدش؟ </font><BR>هذا يتوقف على نوع التغيير المطلوب. فالذي يطالب بإزاحة النظام الحاكم بقضه وقضيضه حسب نموذج الانقلابات العسكرية التي عرفناها في المنطقة العربية، عليه أن يجد الوسائل والأدوات الكفيلة بتحقيق ذلك. وهذه في نظري غير متوفرة إلا ربما لعناصر داخل النظام الحالي. فالتغيير الجذري قد يكون ممكنا في حالة تحرك عناصر من داخل النظام الحاكم. أما إذا كان المقصود هو تغيير السياسات وأساليب الحكم والإدارة وطرح ترتيبات جديدة تسمح بمشاركة أوسع في صناعة القرار ورسم السياسات والتحكم في الدخل القومي وتوزيع الثروة وإدارة الاقتصاد، وبمحاربة الفساد العام في الدولة، و فسح المجال لمساحة أكبر لحرية التعبير والتعددية الفكرية والسياسية... فهذا في تقديري ممكن. وهو الأقل تكلفة وهو الأرحم بالشعب وبالحكومة. هناك إقرار من قبل المسئولين على جميع مستويات القيادة والإدارة في ليبيا بأن البلد في مأزق ومنخنق عصيب سببه السياسات المتبعة حتى الآن، وهناك اقتناع بضرورة الإصلاح والتغيير والتصحيح والتعديل. ولكن يبدو أنه ليست هناك إرادة لدى العقيد القذافي ومن حوله للإصلاح ربما خوفا من فقدان السيطرة على كل شيء ومن مشاركة آخرين في القرار ووضع السياسات وهو ما لم يتعود عليه العقيد القذافي طوال فترة حكمه.<BR><font color="#0000ff">ولكن التغيير يحتاج أيضا إلى بعض الدعم الدولي إذا ما تعلق الأمر بأنظمة مخابراتية كهذه التي تعرفها المنطقة العربية عموما، إلى أي حد يمكن التوفيق بين المعارضة الوطنية وبين العمالة فأنتم ترون بلا شك أن معظم- ولا نقول كل- دوائر المعارضة العربية باتت تحبذ ركوب الهامر؟ </font><BR>هناك تيار وطني أصيل بين المثقفين و التكنوقراط والمهنيين ورجال الاحتراف والمؤهلين الليبيين داخل ليبيا وخارجها من الصعب "شراؤه" من قبل قوى عالمية. والمطلوب من المجتمع الدولي هو عدم التدخل في الشأن الليبي ورفع أيديهم عن مجريات الأمور في البلاد ومناصرة دعاة الإصلاح والمشاركة والتعددية السياسية وأنصار حقوق الإنسان وسيادة القانون. والدعم المطلوب هو دعم معنوي صرف وليس الدعم المادي. وأنا على يقين أن هناك إمكانيات وموارد إنسانية وبشرية ومادية كافية لدى الليبيين لتحقيق مهمة الإصلاح والتغيير السلمي بأقل تكاليف وبتفاهم ووئام أكبر. والمطلوب هو مبادرات حقيقية صادقة شفافة من قبل النظام الحاكم نحو الإصلاح والتصحيح، وتعاون من قبل العناصر الوطنية المخلصة والقادرة على التأثير. وهذا يستدعي التخلص من بعض سياسات وأساليب الحكم السابقة وكذلك إبعاد الأشخاص الذين ارتبطوا بالقمع والإرهاب والفساد وتخريب المجتمع.<BR><font color="#0000ff">من هي برأيكم أقوى تنظيمات المعارضة الليبية؟ هل هم الإخوان فعلا؟ </font><BR>من ناحية العدد لا شك أن جماعة "الإخوان المسلمون" هي أكبر التنظيمات. ولكن الإخوان يعانون من نفس المشكلة التي واجهتها وتواجهها تنظيمات الإخوان المسلمون في بلاد عربية أخرى، وهي: هل الإخوان جماعة أهلية خيرية اجتماعية ثقافية تربوية؟ أم هي حزب أو تنظيم سياسي؟ هناك غموض في هذا الجانب يثير حفيظة النظام. فالإخوان كجماعة لا يعرف لها برنامج واضح ولا قيادات رسمية (كما هو الحال لدى حماس مثلا) رغم وجود شخصيات بارزة بين الإخوان.<BR>أما بقية الجماعات أو الفرق المعارضة فهي أيضا تفتقر لعنصر "التنظيم" وللبرامج السياسية (أغلبها لا يزيد حجمه عن شخصين أو ثلاثة أو بضعة أشخاص). فهي أقرب ما تكون إلى منابر احتجاج أو رفض. وهذه الفرق موجودة كلها خارج البلاد (غالبيتها في أمريكا وأوروبا) وتعاني من عدم وجود قواعد أو سند لها في الداخل يشكل أي تهديد أو خطر على النظام الحاكم. وقد كشفت أحداث بنغازي الأسبوع الماضي ذلك بكل وضوح، حيث لم يكن لهذه الفرق (بما فيها الإخوان) أي دور.. لا قبل أن تبدأ ولا بعد أن اندلعت. <BR><font color="#0000ff">و لكن الأحاديث الأخيرة لسيف الإسلام القذافي قد تترك الانطباع بأنه يجري التحضير لعقد صفقة "تعايش" بين السلطة وبين الإخوان وهذا سوف يكون بكل تأكيد على حساب باقي أطياف المعارضة ثم إن انسحاب الإخوان من مؤتمر لندن تذهب لتعزز مثل هذا الافتراض، ما رأيكم؟ </font><BR>ليس سرا أن هناك حوارا يجري بين الإخوان والنظام منذ عدة سنوات. وهذا أمر مشروع ولا غبار عليه حتى ولو كان مقتصرا فقط على قضية السجناء. ولكن مع اعتراضي على مصطلح "صفقة" (لإيحاءاته الميكيافلية المصلحية الضيقة) لا أرى ضيرا في فكرة "التعايش" بين النظام وخصومه... فالمطلوب في هذه المرحلة هو الاشتباك والتقارب والحوار وطرح كل القضايا على طاولة النقاش مادام الهدف هو خدمة الصالح العام وتحقيق الأهداف الوطنية العليا.<BR><font color="#0000ff">كيف تنظرون إلى مستقبل الجماهيرية يا أستاذ؟ هل يمكن أن نشهد تسارعا في التغيير بشكل غير منتظر بما أن أحداث بنغازي أيضا لم تكن منتظرة؟ </font><BR>نعم، ستكون هناك مفاجآت لأن النظام لا يتصرف بمنهجية، وتكاثرت عليه الملفات والقضايا. فلا يستغرب منه أن يتصرف بعشوائية وبصورة غير منظمة. المهم أن تكون لدى أنصار الإصلاح والتغيير السلمي داخل النظام المهارة والقدرة على إقناع غيرهم بأجندة الإصلاح وانتهاز كل الفرص والهوامش المتاحة لتفعيل برامج الإصلاح. وأحداث بنغازي تشكل تطورا مفصليا في العلاقة بين النظام والشارع الليبي، ونرجو أن يتعلم منها المسئولون مجموعة من الدروس الهامة في طريقة التعامل مع الناس.<BR><font color="#0000ff">نشكر لكم أستاذ عاشور الشماس تعاونكم. </font><BR><BR><br>