د. محمد الحسيني: البرهنة على خرافة المسيحية سهل، وإنصاتها إلينا مستحيل.
24 رمضان 1427

<BR>الدكتور مهندس محمد الحسيني إسماعيل، واحد من القلائل أصحاب الباع والخبرة والدراية في موضوع مقارنة الأديان، وله العديد من المؤلفات التي أثرت هذا التخصص شديد الأهمية، خاصة في هذا الوقت الذي توجه فيه ناحية الإسلام.<BR>وفي هذا الحوار نتجول مع عالمنا الجليل في أهم نقاط الصراع والتماس مع الآخر الديني، وخاصة النصرانية الغربية.<BR> والدكتور مهندس محمد الحسيني إسماعيل، تخرج في كلية الهندسة ـ جامعة القاهرة عام 1965 م، والتحق بالقوات المسلحة المصرية كضابط مهندس عامل منذ هذا التاريخ، وحصل على بكالوريوس في العلوم العسكرية في يناير 1966م.<BR>حصل على درجة الدكتوراة في الفلسفة من كلية الهندسة ـ جامعة القاهرة في يونيو 1983 م في هندسة القوى والمحركات الخطية، كما حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة من كلية الهندسة ـ جامعة ولاية أيوا ـ بالولايات المتحدة الأمريكية في ديسمبر 1987 م، في الهندسة الكهربية.<BR>ترقي في القوات المسلحة المصرية حتى رتبة اللواء، وشغل منصب نائب مدير مركز البحوث الفنية للقوات المسلحة المصرية.<BR><BR><font color="#0000FF">*البابا السابق يوحنا بولس الثاني اعتذر لليهود وللأرثوذكس عن الجرائم التي ارتكبت في حقهم عبر التاريخ... فلماذا لم تعتذر الكنيسة الكاثوليكية اعتذاراً مماثلاً للمسلمين عن الحروب الصليبية؟</font><BR>** العلاقة بين اليهودية والمسيحية ـ بجميع طوائفها ـ أصبحت في الوقت الحاضر علاقة وجود ومصير (وأشدد على كلمة مصير)! ويجب ألا ننسى أن الجزء الأول من الديانة المسيحية (أي العهد القديم) هو الديانة اليهودية.. أي أن اليهودية جزء من الكيان المسيحي نفسه، وبجميع طوائفه،.. فالاعتذار هنا يتم بين الإخوة.. حتى وإن أرجؤوا الخلاف بينهم حتى يتم الانتهاء من إبادة العالم الإسلامي!<BR> بينما ـ في المقابل ـ يصنفون العالم الإسلامي بأنه العدو. فلابد من التنبه إلى أن العالم اليهودي والعالم المسيحي معا تجمعهم الكراهية للإسلام والمسلمين.. ومصيرهم الجمعي، مرتبط بإبادة العالم الإسلامي.. ومحو الإسلام من الوجود. فكيف تعتذر الكنيسة لعدو تخطط لإبادته!. وربما من فضل الله ـ تعالى ـ أنهم لا يعتذرون لنا حتى لا نقع في فخ الخداع! فربما.. أقول ربما.. وليس جزما.. أن يجمع العالم الإسلامي ـ هذا العالم المغيب فكريا والمتخلف واقعياً ـ إدراكهم للخطر المحدق بهم من المسيحية واليهودية معا!<BR><BR><font color="#0000FF">* البابوية الكاثوليكية هي المسئولة تاريخيا عن شن الحروب الصليبية، وهي صاحبة محاكم التفتيش وغيرها من المآسي ومع ذلك تؤجج مشاعر المسلمين على هذا النحو.. ألا ينطوي ذلك على نوع من التناقض؟ ولماذا لم يتم فضحها عالمياً؟ وما دور الإعلام الإسلامي في هذه القضية؟</font><BR>** لا أرى وجود أي تناقض.. وقد تعرضت لفضح هذه المآسي تاريخيا بشكل موجز في كتاباتي السابقة، وخصوصا في آخر إصداراتي: "السقوط الأخير". أما دور الإعلام الإسلامي.. فأعتقد أنه أجهل من أن يتعرض لهذا التاريخ، وإذا علم بالحقيقة فإنه أجبن من أن يتعرض لمثل هذه المسائل. فيجب ملاحظة أن جميع الأنظمة العربية ـ في الوقت الحاضر ـ تعمل لحساب الصهيونية العالمية! وأخيرا؛ من الذي سوف يقوم بفضحهم..؟! نحن.. أم هم الذين سوف يقومون بفضح أنفسهم بأنفسهم.. لحسابنا..!<BR><font color="#0000FF">* ما هي في رأيك أسباب عدم اعتذار البابا للمسلمين؟</font><BR>** هل تريدين أن تعرفي من هم المسلمون من منظور الغرب.. الذي تريدين الغرب أن يقدم الاعتذار لهم..؟! سأقول لك.. وأرجو ألا تخجلي من هذه الإجابة..!<BR>فإن أصدق صورة يمكن أن تعبر عن هذه الحقبة التاريخية الهامة من حياة الشعوب الإسلامية (والعربية بوجه خاص) وموقف الدول الغربية منها.. هي صورة الجندي الأمريكي الذي يبول فيها فوق رأس الجندي العراقي (العربي المسلم) الأسير وهو راكع أمامه على ركبتيه.. مطأطئ الرأس في انكسار شديد.. ويديه مقيدتان خلف ظهره..! فكيف تكون هذه رؤيتهم لهذا العالم.. ثم تريدين أن يعتذروا لهم..!! (ملحوظة: نشرت هذه الصورة في معظم الصحف العربية في أثناء حرب الولايات المتحدة على العراق ـ حرب الخليج الثالثة)<BR><font color="#0000FF">* رغم الخلاف بين الكاثوليكية والأرثوذكسية إلا أن البابا في محاضرته المشئومة استشهد بكلام إمبراطور بيزنطي أرثوذكسي.. كيف تفسر ذلك؟</font><BR>** تفسير ذلك بسيط للغاية.. إذا علمتِ أن الخلفية الدينية للديانة المسيحية ـ بجميع فئاتها من أرثوذكس وكاثوليك وبروتستانت وشهود يهوه.. وخلافه ـ تربط مصيرها المشترك بإبادة العالم الإسلامي.. ومحو الإسلام من الوجود!<BR><font color="#0000FF">* بماذا تفسر تهليل الدوائر الصهيونية واليمين الأمريكي المتطرف للبابا الحالي في بداية عهده؟</font><BR>** في الواقع يوجد اتفاق كبير بين الآراء الدينية المتشددة للبابا بينيديكت الـ 16، والدوائر الصهيونية واليمين الديني المتطرف في الولايات المتحدة الأمريكية. فتصريحات البابا الأخيرة من شأنها أن تمنح الجنود الأمريكان شعوراً بأنهم يمارسون عملاً شرعياً في القتل الذي يمارسونه في العراق وفي أفغانستان وفي كل البلاد التي تحتلها الولايات المتحدة الأمريكية، كما توفر هذه التصريحات ـ أيضا ـ الغطاء الديني (والنفسي) للسياسة الأمريكية الاستعمارية!<BR><BR><font color="#0000FF">* بعد تصريحات البابا وتصرفات الغرب بقيادة الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة.. هل نستطيع القول إننا أصبحنا أمام حملة صليبية جديدة؟</font><BR>** نعم في الواقع؛ نحن نواجه الحملة الصليبية الأخيرة أو النهائية (The Ultimate Crusade).. والمتوقع أن يتم فيها ـ من وجهة نظرهم ـ إبادة العالم الإسلامي.. ومحو الإسلام من الوجود!<BR><font color="#0000FF">* ما هي الوسائل التي استقى منها الغرب معرفته عن الإسلام عبر التاريخ وقادت هذا الفهم المغلوط؟</font><BR>** موقف الغرب من الإسلام لا علاقة له بفهمه للإسلام.. بل وأؤكد أن معظم أئمتهم تعلم حقيقة الإسلام! أما بالنسبة للعامة التي لم تفهم الإسلام، فليس لديهم الاستعداد لفهم الإسلام.. والتاريخ خير شاهد على طول عدائية المسيحية للإسلام.! فموقف المسيحية من الإسلام هو موقف ذاتي.. ينبع من النصوص الدينية الخاصة بكتبهم المقدسة، أي هي كراهية ذاتية (تنبع من داخلهم وليس من مؤثرات خارجية)، وهي تحتم عليهم إبادة العالم الإسلامي.. ومحو الإسلام من الوجود.. لارتباط هذا ـ كما يعتقدون ـ ببعثهم ومصيرهم!!! وحتى بفرض أننا نجحنا في شرح الإسلام.. وفهمت المسيحية الإسلام.. فلن يتغير موقفها منه!!!<BR>فلكي يغيروا موقفهم من الإسلام لابد من أن نغير اعتقادهم في المسيحية.. وليس القيام بشرح الإسلام (المجني عليه).. وهي قصة صعبة جدا ـ وإن كانت ممكنة ـ ولكنها قصة يطول شرحها.. وتقع تحت فكر التحول في النموذج الديني!!!<BR><BR><font color="#0000FF">* كيف ترى العلاقة بين المؤسسة الكنسية والمشاريع الاستعمارية والهيمنة الغربية على العالم الإسلامي؟</font><BR>** العلاقة هي ارتباط سياسي واقتصادي.. يدعمها ويضفي عليه الشرعية اللازمة والكافية الفكر الديني. ويقع في خلفية هذه العلاقة فكر المؤامرة.<BR><font color="#0000FF">* ما هو الأثر المنتظر لمثل هذه التصرفات على الفكر الإسلامي ومؤسساته في المستقبل؟</font><BR>** لا أتوقع أي رد فعل من المؤسسات الإسلامية.. فهي مؤسسات ينقصها الرؤية الحقيقية للوضع الراهن.. ولهذا تراها مستغرقة في وعظ الأتباع.. ولا تكف عن الحديث عن مكارم الأخلاق.. لإعطائنا الانطباع الخاص.. بأننا الإرهابيون حقا.. وليس هم! وهي المؤسسات التي لم تدرك بعد الفرق بين الإرهاب والدفاع عن النفس.. كما لم تدرك بعد.. الفرق بين الوعظ والدعوة..!!!<BR><font color="#0000FF">* كيف ترون المواجهة السياسية والفكرية مع الغرب و"إسرائيل"؟</font><BR>** لابد من عرض موقف الغرب ـ في إيجاز شديد ـ من الشعوب العربية والإسلامية بصفة عامة، وبيان أن حركة الغرب وسياسته الخارجية التي ينتهجها مع العالم الإسلامي يسيطر عليها الخلفية الدينية وبشكل صارخ، ويمكن تلخيص هذا الموقف في التالي:<BR>أولا: أسطورة يهودية تتمثل في الاعتقاد في "العودة إلى أرض الأجداد".. وهي تحتم إبادة الشعب الفلسطيني كناتج طبيعي من الاستعمار الاستيطاني الإحلالي لتسكين الشعب اليهودي في فلسطين بدلا من الشعب الفلسطيني.<BR>ثانيا: أسطورة مسيحية تتمثل في الاعتقاد في: "العودة الثانية للسيد المسيح (أي الله) إلى الأرض " هي العودة التي تشكل الاعتقاد في " العقيدة الألفية السعيدة ". وتحتم هذه العودة ضرورة تنفيذ الآتي:<BR>- إبادة شعوب العالم الإسلامي (عالم الشر)، ومحو الإسلام من الوجود، كمقدمة ضرورية وأساسية لهذه العودة. <BR>- أن تصبح القدس ـ أي أورشليم ـ عاصمة أبدية لإسرائيل. <BR>- بناء الهيكل على نفس مكان المسجد الأقصى ومسجد قبة الصخرة.. بعد إزالتهما (كشرطين أساسيين آخرين للعودة الثانية للإله ـ أي المسيح ـ إلى الأرض).<BR> ثالثا: يوفر لهم الاعتقاد في هذه الأساطير تحرير ضميرهم الديني والإنساني من الإحساس والشعور بالذنب (أي التحرر من النفس اللوامة) عند قيامهم بإبادة المسلمين.. والاستيلاء على ثرواتهم.. ونهب ممتلكاتهم. فمن غير المعقول على الضمير الإنساني السوي؛ أن نراه يستجيب ـ كما يفعلون ـ لمجرد كلب سقط في حفرة عميقة (رأيت ذلك بنفسي على قناة: Reality TV) ليسارعوا في إنقاذه وتقديم الرعاية الطبية له.. بينما ـ في المقابل ـ لا يثير شفقتهم المجازر اليومية التي تتم وتجري على الشعوب العربية في فلسطين والعراق.. إلا إذا كان ضميرهم قد غيّب بفعل الإيمان في عقيدة دينية تبرر لهم مثل هذا السلوك الإجرامي مع الشعوب العربية..!!!<BR>وهناك منظور نفسي آخر يقول به سيجموند فرويد ـ مؤسس التحليل النفسي ـ وعلى الرغم من يهوديته: بأن إدعاء العودة إلى "أرض الميعاد أو الأجداد" هي حيلة لجأ إليها يهود موسى كي يخففوا من حدة المشاعر التي يواجهها المستعمر من قبل السكان الأصليين. <BR>وهنا نرى أن البعد الديني يتجلى بأعمق معانيه في علاقاتهم بالعالم الإسلامي..!!! فالبعد الديني يحقق لهم أقصى ما يصبون إليه في تحقيق مآربهم الدنيوية في الاستيلاء على ثروات العالم واقتصاده وتسخير شعوبه لخدمتهم (ليصبح لهم بمنزلة مزرعة الخنازير).. بدون أي إيلام نفسي أو حرج فطري ناتج عن سلوكهم الإجرامي مع هذا العالم..!!!<BR><font color="#0000FF">* هل تصمد العقيدة المسيحية أمام النقد العلمي الذي يؤسسه علم مقارنة الأديان؟</font><BR>** بداية لابد لنا من أن نقرر بأنه؛ ليس من الصعب إقناع المسيحية بصدق ما نقول، ولكن الصعب ـ كل الصعب ـ إقناع المسيحية لأن تنصت إلى ما نقول!!! حيث تتجسد المشكلة الحقيقية مع رجال الدين المسيحي، الذين يقومون ببث الخوف والهلع في نفوس أبنائها من الدين الإسلامي (نظرا لهشاشة العقيدة المسيحية ووثنيتها)، وكذا ترهيب الأبناء من الخوض في مناقشات دينية مع المسلمين خوفا من أن يفتنوهم في دينهم! كما تؤكد الكنيسة دائما لشعبها إلى عدم الإنصات إلى التحكيم العقلي في المسائل الدينية، وعليهم أخذ كل ما يمليه عليهم رجال الدين المسيحي ويقبلوه بدون تفكير!<BR><font color="#0000FF">* ما هي الأسس التي يمكن الانطلاق منها في هذا المجال لدحض الفكر الصهيوني؟</font><BR>** لابد من مواجهة فكر الغرب و"إسرائيل" من أجل تغيير النموذج السائد عن نشأة "إسرائيل" وجذورها التاريخية من أجل مواجهة تزييف التاريخ القديم للمنطقة على أيدي الباحثين اليهود، والذي يقول إنه كانت هناك "مملكة إسرائيلية عظمى" حكمها داود ثم سليمان في فلسطين حوالي عام 1200 ق. م، رغم أنها لم تكون سوى لحظة عابرة في التاريخ. <BR>ولدحض تلك المزاعم يتطلب الأمر تسليط الضوء على حقيقة الوجود اليهودي التاريخي بالمنطقة، استنادًا إلى وثائق مصدرها غربي في الأساس، لهدم الحجة الأساسية للصهيونية وهي: "العودة إلى دولة الأجداد" وعلى الضمير الإنساني أيضا الذي غيبه الإعلام الصهيوني.<BR>ومن ذلك النموذج ما قام به الدكتور سلمان حسين أبو ستة الذي قام بتوثيق الوطن الفلسطيني من جمع آلاف من الكتب عن فلسطين بعضها مطبوع في القرن التاسع عشر، من بينها كتاب لشاتوبريان وآخر للافونتين، وكذلك الموسوعة التي أعدها البريطانيون عن فلسطين الأرض المقدسة في عام 1871م برعاية الملكة فكتوريا وتقع في عشرة أجزاء، وهي موسوعة تحتوي على 26 خريطة لفلسطين عام 1870م موضح عليها كل قرية وكل مزار، وملحق بها عشرة مجلدات واحد عن طيور فلسطين، وآخر عن نباتات فلسطين، واثنان عن القدس: "الآثار العمرانية"، إلى جانب مجلد به 15 ألف اسم مكان ومزار كلها أسماء عربية مدونة باللغة العربية والإنجليزية واللاتينية وليس بها اسم يهودي واحد، مما يثبت زيف الادعاء بوجود أماكن يهودية في فلسطين في تلك الحقبة من الزمان.<BR><br>