الأستاذ أنور هدام: الحرية هي أساس التمكين.. استقلنا من الإنقاذ حفاظًا على مشروعها الأصيل.. الجهل طريق الاختراق
10 شوال 1428

عُرف الأستاذ أنور نصر هدام كقيادي إسلامي بارز في الساحة السياسية الجزائرية ضمن أطر حركة البناء الحضاري الإسلامية، التي انضمت بدورها إلى الجبهة الإسلامية للإنقاذ أواخر الثمينات من القرن الماضي، وسرعان ما اشتهر على المستوى الدولي حينما شغل منصب ممثل الهيئة البرلمانية للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الخارج بعدما اكتسحت الجبهة الانتخابات البرلمانية، ما أدى إلى انقلاب سياسي وعسكري دام على الخيار الشعبي، ما أفرز بدوره هذا النشاط الذي شغله الأستاذ هدام في الخارج بشكل لافت، وتجسد في التعريف بعدالة القضية التي تحملها الجبهة في المحافل الدولية التي كان لها خيارها المساند للانقلاب الجزائري.<BR>الأستاذ هدام عاد كرئيس لحركة الحرية والعدالة الاجتماعية الجزائرية بعدما أسهمت سنوات السجن والإبعاد في الولايات المتحدة في إنضاج أفكار سياسية جديدة لديه، وكان لابد من التعرف على آرائه، خصوصاً والجزائر مقبلة على انتخابات محلية في الشهر القادم تكاد تخلو هي أيضاً من أنصار الجبهة الغائبة عن الساحة السياسية. <BR>حاورناه رجاء التعرف إلى نظرة حركته وتياره في الماضي والحاضر، ورؤيته للمستقبل الجزائري، فكان هذا الحوار الذي تناول فيه علاقة تياره بالإنقاذ، ورأيه في مسألة نضج الحركة الإسلامية، وتصوره لجماعات العنف ومسألة الاختراق الأمني لها والذي شمل في اعتقاده الجماعة الإسلامية المسلحة البائدة والجماعة السلفية للدعوة والقتال وتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي.. <BR><BR>حوار: أمير سعيد<BR><BR><BR><font color="#0000FF"> شكلتم حركة الحرية والعدالة، وشرعتم في الدخول في المعترك السياسي في الجزائر، هل تتوقعون أن ترث الحركة شعبية الجبهة الإسلامية للإنقاذ؟ </font><BR><BR>بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد الأمين وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. وبعد: في البداية وبناسبة شهر رمضان المبارك أسأل الله العلي العظيم أن يتقبل منا ومنكم وسائر المسلمين الصيام والقيام وأن يجعل حظنا من هذا الشهر الكريم الرحمة والمغفرة والعتق من النار، آمين. كما أتقدم بالشكر الجزيل لموقع المسلم الموقر على هذا الاهتمام الواسع بقضايا العالم الإسلامي وشؤون الصحوة الإسلامية، وأغتنم هذه الفرصة الكريمة كي أتوجه لكم ولفضيلة الشيخ ناصر بن سليمان العمر ولجميع طاقم الموقع بالتحية الخاصة عبر منبركم الإعلامي.<BR>وعودة لسؤالكم الكريم، تأسيس حركة الحرية والعدالة الاجتماعية، والتي لا تزال عبارة عن فريق عمل سياسي ولم ترق إلى مرتبة الحزب السياسي، الهدف منه تجديد وسائل العمل وفق الرؤية الإستراتيجية للحركة الإسلامية بتنويع الوسائل وتجديد المناهج بحسب ما تراكم من الخبرات وبحسب ما استجد من وعي بالرهانات التي تواجه حركة الصحوة الإسلامية، ولا علاقة له بموضوع الشعبية والوراثة لأن وضع العمل السياسي في الجزائر كما في غيرها من بعض بلادنا الإسلامية والعربية وضع شاذ ولذلك لا يمكننا الحديث عن قياس لشعبية المؤسسات لأن الجزائر تعيش حالة الطوارئ وحالة انسداد سياسي وتعتيم إعلامي رهيب؛ فلا يمكننا الحديث عن عمل سياسي نزيه ولا منافسة سياسية حضارية تخدم مصالح البلاد والعباد... فليست هناك انتخابات نزيهة وحرة بل هناك التزوير وهناك خيانة إرادة الأمة وهناك التدليس والغش المنظم الذي تشرف عليه دوائر جناح العلمانيين المتطرف المعادي للإسلام وقيمه.<BR><BR>ومع هذا، فإن المشاكل الحالية التي تواجه الجزائر ليست مستعصية عن الحل؛ فعلى أهل العلم والدعاة ورجال السياسة من أبناء الصحوة أن ينفضوا عنهم غبار الركود والحزبية الضيقة وأن يتحملوا مسؤولياتهم والقيام بواجبهم كل من موقعه.<BR><BR>وهكذا وكما جاء في بيان الإعلان عن تأسيس "حركة الحرية والعدالة الاجتماعية" بتاريخ يوم 11 يناير 2007، نحن من جهتنا تحملنا مسؤوليتنا للمساهمة من خلال فريق عمل سياسي على أرض الجزائر، بكل حزم وتميز وفعالية بحول الله، في تفعيل الجهود الوطنية للم شمل الشعب ودفن الأحقاد، وطي صفحة الماضي المؤلم وفتح صفحة جديدة وإخراج البلاد من أزمتها، لإنجاز ما كنا ندعو إليه ونعمل له منذ عقود، من استتباب الأمان والاستقرار، وتحقيق الحرية والعدالة الاجتماعية والتنمية لشعبنا بكل فئاته. <BR><BR><font color="#0000FF">تكاد تكون كلمة "العدالة" قاسماً مشتركاً في مسميات الأحزاب الإسلامية اليوم من تركيا إلى المغرب مروراً ببلدان أخرى، هل يعبر ذلك عن شعور بأن غياب العدالة هو السبب الرئيسي في نكبة الأمة المسلمة؟ ولماذا "العدالة الاجتماعية" فقط؟</font><BR><BR>بالفعل، إن المتتبع للواقع المعاش لجل شعوب عالمنا الإسلامي يلاحظ بكل وضوح حرمان مجتمعاتنا من العدالة والأثر السلبي لغياب العدالة على وضع شعوبنا المسلمة وذلك في مختلف المجالات السياسية والمجتمعية والثقافية والاقتصادية...و قد تتفاوت درجة الحرمان من بلد إلى آخر ومن مجال إلى آخر. وفي بلدكم الجزائر، غياب العدالة واضحة في جميع المجالات ولذلك نريد التركيز عليها جميعا ومنه عبارة "العدالة الاجتماعية". <BR>وبسبب هذا الحرمان جاء تركيز بعض هذه الأحزاب الجديدة ذات مرجعية إسلامية على مسألة تحقيق العدالة من خلال صياغة برامج واقعية عملية قابلة للتعاطي مع المشكلات المعاشة لجميع فئات المجتمع وفي جميع الأصعدة، ومع مشكلات التنمية والنهوض الحضاري للدول والمجتمعات وتأهيل الإطارات الوطنية لتستلم مهامها وتنخرط في مشروع التنمية الشاملة خاصة بعد فشل كل الأيديولوجيات الدخيلة على إيجاد الشروط النفسية للإقلاع الحضاري وبقيت دولنا في ذيل الركب بالرغم مما تتمتع به من ذخائر إستراتيجية ومواد أولية. وعليه، فإن على مختلف التيارات داخل البلدان غير النامية ـ ولا أسمح لنفسي الادعاء أنها في طريق النمو ـ بما فيها بلدان عالمنا الإسلامي، عليها الانتقال من "مرحلة الإيديولوجية" وكثرة الانشغال بها إلى مرحلة تجسيدها على أرض الواقع لما يخدم صالح بلداننا وشعوبنا. فمعظم التيارات بما فيها مع الأسف الشديد الكثير من فصائل الحركة الإسلامية، نجدها متخندقة في الجدل الأيديولوجي العقيم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، تاركين شعوبنا تتخبط في الجهل والفقر والتخلف والتبعية رغم الثروات الهائلة التي حبا الله بها بلداننا. فأين نحن من واجب التمكين وإقامة ديننا حق الإقامة؟ أين نحن من الآية الكريمة: " الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة". <BR>على الحركة الإسلامية تجاوز مرحلة الاكتفاء بالدعوة للمشروع الإسلامي، والانتقال إلى مرحلة جديدة هي مرحلة تنزيل المشروع الإسلامي إلى الواقع المعيشي، وتحويل المفاهيم والشعارات إلى برامج قابلة للتنفيذ في الواقع وليس في الخيال... فإخوانكم في مدرسة البناء الحضاري الإسلامية في الجزائر، منذ عقود من الزمن ونحن نعمل من أجل تهيئة الظروف الضرورية للانتقال إلى مرحلة تالية عن مرحلة التعريف بالفكر الإسلامي والتعريف بالاقتصاد الإسلامي كمفاهيم، إلى مرحلة التطبيق والممارسة وتنفيذ الخطط التنموية المنبثقة عن قيم الإسلام ومقاصده وعن الرؤية الإسلامية التي تسع عدة اجتهادات متنوعة ومتكاملة في جوهرها؛ لهذا كان عنوان "ملتقى الدعوة" الثاني (في صيف 1990): " مستلزمات الانتقال من مرحلة الدعوة إلى مرحلة الدولة"، كما أن التحاق بعض إطاراتنا بصفوف الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي اعتمدتها آنذاك مدرستنا كإطار للعمل السياسي العلني، في نفس الفترة، كان من أجل المساهمة في تحقيق ذلك، لكن الظروف العامة في الجزائر آنذاك لم تكن مواتية: فلا الزمرة المستولية على مفاصل الحكم كانت جاهزة للانتقال من مرحلة التغني بالأيديولوجية إلى مرحلة التنافس النزيه على الإنجاز والبناء؛ فحولت تلك الدوائر الحقودة على الإسلام وأبناء الصحوة الإسلامية، منافسة سياسية سلمية إلى صراع عسكري دموي كلف البلاد الكثير. ولا بعض فصائل الحركة الإسلامية هي الأخرى كانت في مستوى التحديات، فسقطت فريسة تلك الدوائر ومناوراتها المختلفة إلى حد أننا اليوم نجد في الجزائر بعض الفصائل المحسوبة عن الصحوة الإسلامية ترتع في أحضان الانقلابيين ومنها من انجر إلى معارك داخلية هامشية... لكن ولله الحمد نرى اليوم بعض أبناء الصحوة الإسلامية ـ ونحسبهم كذلك من بعض البلدان المسلمة أمثال إخواننا في ماليزيا وتركيا وفلسطين والمغرب يحققون فصولا لا يستهان بها من هذا المشروع الحضاري التغييري التمكيني ثبتهم الله وسدد خطاهم ... <BR><font color="#0000FF">خلافاً لهذا المسمى، فكدتم أن تنفردوا بمسمى "الحرية" عن سائر الأحزاب الإسلامية؛ فهل أسهم ماضيكم السياسي كشخص أو كجبهة في إيلاء هذا المعنى تقديماً على قضية "الخبز" التي تمني بها الأحزاب دوماً ناخبيها؟ هل تعتبرون أن "الحرية" قبل "التنمية"؟ </font><BR><BR>نعم، الحرية هي أساس التمكين في الأرض... وهذا الاهتمام بالحرية ومكانتها يعود إلى المدرسة الدعوية التربوية الفكرية التي ترعرعنا في أحضانها، أي مدرسة البناء الحضاري الإسلامية التي تنتسب إلى المدرسة الإصلاحية وبالخصوص إلى مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين. فمن أجمل ما قرأته في شأن الحرية هو ما كتبه رئيس الجمعية ورائد الحركة الإسلامية المعاصرة في الجزائر الإمام الراحل عبد الحميد بن باديس.. كتب الإمام في مقال له بعنوان " عيد الحرية" في مجلته الشهاب في شوال 1354&#65259; / يناير 1936م: <BR>"حق كلّ إنسان في الحرية كحقه في الحياة، ... والمتعدّى عليه في شيء من حريته هو المتعدّى عليه في شيء من حياته، ... وما أرسل الله الرسل عليهم الصلاة والسلام وما أنزل عليهم الكتب وما شرع لهم الشرع إلاّ ليعرّف بني آدم كيف يحيون أحراراً وكيف يأخذون بأسباب الحياة والحرية وكيف يعالجون آفاتها، وكيف ينظمون تلك الحياة وتلك الحرية حتى لا يعتدي بعضهم على بعض وحتى يستثمروا تلك الحياة وتلك الحرية إلى أقصى حدود الاستثمار النافع المفضي بهم إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة ...ولقد كانت هذه الشريعة المحمدية بما سنّت من أصول وما وضعت من نظم وما فرضت من أحكام أعظم الشرائع في المحافظة على حياة الناس وحريتهم، وما كان انتشارها ذلك الانتشار العظيم في الزمان القليل على يد رجالها الأوّلين إلا لما شهدت فيها الأمم من تعظيم للحياة والحرية والمحافظة عليها وتسوية بين الناس فيها مما لم تعرفه تلك الأمم من قبل: لا من ملوكها ولا من أحبارها ولا من رهبانها".<BR>أخي الفاضل، ما فائدة الخبز في ظل الظلم والطغيان والاستعباد؟ هناك عائق كبير يواجه مجتمعاتنا وهو عائق الاستبداد والظلم والعدوان على الحريات؛ فمجتمعاتنا الإسلامية لا تزال رهينة لكل أشكال التعسف والظلم والقهر السياسي الذي بدوره يولد أنواع أخرى من القهر الاجتماعي والمعيشي وسيطرة المافيا السياسية والاقتصادية والعصابات الملوثة إيديولوجيا على مجتمعاتنا كل ذلك بسبب غياب الحرية.<BR><BR>وهنا جاءت تسمية الحرية لكي نضع أنفسنا في اللحظة التاريخية. ينبغي أن يبقى مطلب الحرية مطلبًا رئيسا في جهود الحركة الإسلامية لبسط ظلال الحرية في مجتمعاتنا حتى تنعم بالحد الأدنى من الاستقرار الاجتماعي والسياسي والأمن الاقتصادي.<BR><BR><font color="#0000FF">في بيانكم الأخير حول مبادرة بعض رموز النخبة السياسية في البلاد، عرفتم أنفسكم كنائب منتخب لدى البرلمان الجزائري ديسمبر 1991، هل تخليتم عن مسمى رئيس الكتلة ـ أو البعثة ـ البرلمانية للجبهة الإسلامية للإنقاذ في انتخابات ذلك العام؟</font> <BR><BR>كنت بالفعل رئيس البعثة البرلمانية للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الفترة ما بين عامي 1992 إلى 2002، بعثة تابعة للمكتب التنفيذي الوطني. وقد تم حل البعثة البرلمانية خلال مؤتمر الجبهة لصيف 2002 وأصبحت بعدها المستشار السياسي للمكتب التنفيذي الوطني إلى غاية استقالتنا الجماعية من المكتب الوطني في سنة 2004، الاستقالة التي أقبلنا عليها حفاظا على مشروع الجبهة الإسلامية للإنقاذ التي أصبحت وضعيتها الداخلية تشكل خطرا حقيقيًا على المشروع الذي ناضل من أجله الملايين من أبناء الشعب الجزائري المسلم، المئات الآلاف منهم قدموا الغالي في سبيل الدفاع عنه، تقبلهم الله من الشهداء والصالحين. وهكذا، ومنذ الإعلان عن فريق عمل السياسي لحركة الحرية والعدالة الاجتماعية لم يكن لي أن أتحدث باسم الجبهة.<BR>أما مسألة التأكيد على عنوان "نائب منتخب لدى البرلمان الجزائري ـ ديسمبر 1991 ـ إنما هو من باب الوفاء للملايين من أبناء شعبنا الذين اختاروا ذات يوم الجبهة الإسلامية للإنقاذ دون عشرين حزبا أو ما يزيد رغم التهديدات الواضحة من قبل جناح العلمانيين المتطرف المحارب للإسلام.<BR><BR>نحن من دعاة المستقبل الواعد ومن دعاة طي صفحة الماضي لكن على أن يكون طيا عادلا. هكذا التأكيد على عنوان " النائب المنتخب" إنما هو لتذكير جميع الذين تم انتخابهم في تلك الانتخابات المشهودة ـ مهما كانت انتماءاتهم الحزبية ـ بما على عاتقنا جميعا من مسؤولية كبيرة اتجاه الشعب حتى يسترجع بإذن الله وعونه سيادته وحقه في تقرير مصيره واختيار من يراه هو لا غيره صالح لتدبير شؤون دنياه وحماية مصالحه الإستراتيجية.<BR>لا يجوز لنا على الإطلاق ومهما كانت الذريعة نحن نواب ديسمبر 1991 الانحياز إلى انقلابيي يناير 1992؛ فتحقيق ذلك التراضي بين الحكام والمحكومين هو مفتاح تحرير شعوبنا المسلمة من التخلف والتبعية والدخول من جديد في التاريخ.<BR>وبالنسبة لبلدنا الجزائر، الذي اختار شعبه النظام الجمهوري، لا يمكن تحقيق ذلك التراضي إلا من خلال إصلاحات سياسية جادة توفر لشعبنا الشروط الملائمة لاختيار بكل حرية السلطة السياسية في إطار تعددية حزبية حقيقية، وهذا الذي نريد المساهمة فيه من خلال فريق العمل السياسي لحركة الحرية والعدالة الاجتماعية. <BR><BR><font color="#0000FF">بين هتافات الجموع المناصرة للجبهة الإسلامية للإنقاذ قبيل انتخابات 91 "ما تخافوش ما تخافوش.. الرزاق مش حمروش"، وبين ترحيبكم بمبادرة رئيس الوزراء الجزائري السابق مولود حمروش، مشوار نضالي طويل، هل يمكن اختصاره هنا؟ </font><BR><BR>لم يكن لنا في الجبهة الإسلامية أية مشكلة شخصية مع السيد حمروش، رئيس الوزراء الأسبق، مشكلتنا كانت ولا تزال مع الدوائر المستولية على مفاصل الحكم والتي أملت عليه خطة التزوير للانتخابات آنذاك، وبعد ما كشفت ذلك الجبهة الإسلامية، ضحّت تلك الدوائر بالسيد حمروش.<BR><BR>أريد هنا فتح قوس لعلنا نساهم من خلاله في تنوير قرائكم المحترمين حول خلفية الأحداث في بلدكم الجزائر الجريح: عند الشعوب والأمم المتشبعة بثقافة العمل السياسي الحزبي التعددي، تؤخذ مواقف الأحزاب من وثائقها الرسمية ومن المتحدثين الرسميين باسمها وليس من هتافات الشارع التي في بلداننا كثيرا ما تكون من صنع الاستخبارات والتي مع الأسف الشديد تعمل دوما على تقويض أي حركة تغييرية؛ فبصمات أجهزة الاستخبارات عديدة ومتنوعة ومنها تحريضها آنذاك بعض الشباب جديد عهد بالإسلام، والذين لم يتشبعوا بعد بالتربية الربانية، ودفعهم إلى عدم احترام قيادة الحزب وتعليماتها حيث أقبل بعضهم إلى الاستعراض بالبدلات العسكرية و" الأفغانية" وإطلاق هتافات من أجل الجهاد وسط تظاهرات أرادتها قيادة الجبهة أن تكون سلمية سياسية ... ومنها هتافات ولافتات تزعم أنه " لا ميثاق لا دستور قال الله قال الرسول"، هتافات أخذها الانقلابيون ذريعة لتبرير جريمة انقلاب 11 يناير النكراء، هتافات الجبهة الإسلامية للإنقاذ براء منها: فكيف يكون لقيادة الجبهة الادعاء أنه " لا ميثاق لا دستور قال الله قال الرسول" وهم يدركون أن أول ما أقدم عليه قدوتنا الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم، بعد استتباب الأمر في المدينة المنورة، هو إصدار "صحيفة المدينة" والتي هي بمثابة أول دستور لأول دولة غالبيتها مسلمون: صحيفة هدفها تنظيم العلاقات بين المسلمين بل وبين المسلمين وغير المسلمين مواطني الدولة الفتية.<BR><BR>إنها بالفعل هتافات بمثابة كلمة حق أريد بها باطل كما قال الإمام علي رضي عنه وهو برد على عبارات شبيهة لخوارج عصره: "لا حكم إلا الله".<BR><BR>صحيح أنه لدينا تحفظات على الدساتير تلوى الأخرى المفروضة على شعبنا منذ فجر الاستقلال،و صحيح أننا نرفض تلاعب الدوائر الحاكمة بوثيقة الدستور، هذه الوسيلة الحضارية التي من شأنها ضبط العلاقات داخل المجتمعات وفق ما يرى فيه المواطنون يحقق مصلحتهم، لكن زعم أننا لسنا في حاجة إلى دستور وأنه علينا الاكتفاء بـ " ما قال الله وما قال الرسول" هذا افتراء على الله وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم. <BR>أما بالنسبة للمبادرة المشار إليها في سؤالكم، فهي ليست خاصة بالسيد حمروش ولكن مبادرة لثلاث<BR>شخصيات وطنية. ونحن في حركة الحرية والعدالة الاجتماعية دعمنا المبادرة من منطلق اقتناعنا بأن كل خطوة في الطريق السليم يجب أن نعززها وندعمها ونمد لها أيدينا لنؤازرها على فعل الخير. فالسقف الذي نجتمع تحته هو سقف المطالبة بحل سياسي شامل لأزمتنا الوطنية بعيدا عن الحلول الترقيعية وبعيدا عن سياسة الهروب للأمام لأن الجزائر تدفع الثمن الغالي بسبب التسويف والإرجاء ووضع الرأس في الرمال لتجاهل حقائق الواقع كما يفعل انقلابيو 11 يناير. <BR><font color="#0000FF">ما الذي استفدتموه من تجربة الإنقاذ؟، وما الذي تحاولون تجنبه في تلك المرحلة؟</font><BR><BR>هذه أسئلة تحتاج إلى مداخلة طويلة ليس هذا مقامها ولا وقتها. نريد التركيز في هذه المرحلة على تحقيق التوافق الوطني حول السبيل السليم العادل لتجاوز الأزمة: فلن نسمح لأنفسنا الحديث عن العمل الحزبي وشعبنا يعيش مرارة حالة الطوارئ وكبت الحريات وأخطار سياسة ما يسمى بـ "الفوضى الخلاقة". إن مستقبل الجزائر ووحدة شعبها وسلامة أراضيها في خطر حقيقي.<BR><BR><font color="#0000FF">وجهت إليكم اتهامات عديدة من قيادات إسلامية، تمس علاقتكم بالنظام وبالولايات المتحدة الأمريكية، ما تقولون عنها؟ </font><BR>في الحقيقة، إنه للمرة الأولى أسمع أن هناك اتهامات وجهتها لي قيادات إسلامية! وعلى كل حال نحن طبعا لا نتوقع لكل عامل في سبيل الله إلا أن يتهم بكل شنيعة وقد اتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنون والمرض وغيرها من التهم الباطلة فهذا محفوظ في سيرة الرساليين الثابتين على مبادئهم. يعلمنا الإسلام أن " المؤمن من تُعدّ خطاياه" و أنه ليس هنالك من معصوم من الخطأ سوى الرسول صلى الله عليه و سلم. و حيث أجهل فحوى الاتهامات، أكتفي بالتذكير أنني سُجنت في الولايات المتحدة بطلب من النظام الانقلابي الجزائري أربع سنوات كاملة كما أنني اليوم أخضع للإقامة الجبرية بضواحي واشنطن و ذلك منذ قرابة سبع سنوات، أي منذ الإفراج عني لثبات بطلان التهم. كل ذلك لشل فعاليتنا وقدراتنا على النشاط والحركة وحرمان الجزائر من احد الأصوات التي تصدع بالمطالبة بحل سياسي شامل وعادل ومتوازن ولا أعتقد أن "صديقا" للولايات المتحدة أو " مطبل" لمشاركة انقلابيي 11 يناير الحلفاء المفضلين اليوم للإدارة الأمريكية الحالية في ما تسميه الحرب على الإرهاب أن يسجن في سجونها فهذا من المهاترات. أما بالنسبة للنظام فيكفي أن تعلم إلى حد الساعة يرفض عودتي للجزائر بالرغم أنني تلقيت دعوة رسمية من طرف رئيس الجمهورية ولكن الدعوة أحبطت في آخر لحظة وطلب مني إلغاء العودة بعد أن أحزمت حقائبي!! فهل يستقيم هذا مع الاتهامات المشار إليها في سؤالكم! <BR>يا أخي الفاضل، أعلم أنني من الذين يعرف عنهم شعبنا أننا اتخذنا عهدا أمام الله ثم أمام الشعب و التاريخ بأننا بإذن الله و رعايته سوف لن ننحاز إلى الباطل، و أن تكون دوما دعوتنا للمعروف بالمعروف و نهينا عن المنكر بغير منكر، نسأل الله الثبات لنا و لجميع العاملين في سبيله من أجل صالح شعوبنا و أمتنا المسلمة. <BR><font color="#0000FF">هل ما زلتم على مسافة بعيدة من القيادي السابق في الهيئة التنفيذية بالإنقاذ رابح كبير؟ </font><BR><BR>لم نتواصل منذ أربعة عشر سنة. وللتذكير، كنت من المؤسسين للهيئة التنفيذية والتي بالنسبة إلينا تم وأدها في أيامها الأولى بسبب إصرار الأخ كبير، بمعية اثنين أو ثلاثة فقط من مؤسسي الهيئة، جعل الهيئة بديلا منافسا للمكتب التنفيذي الوطني ونحن كنا نريدها بعثة تابعة للمكتب حيث من الخطورة بمكان تزعّم القيادة خارج أرض الوطن فيصبح المرء فريسة أطماع الطامعين وكيد الكائدين. وقد أكد التاريخ صحة موقفنا هذا المشترك لجميع قيادات الخط الأصيل للجبهة الإسلامية للإنقاذ. <BR><BR><font color="#0000FF">تعددت الحركات والأحزاب وتلك المزمعة تحت التأسيس التي خرجت من رحم الجبهة الإسلامية للإنقاذ، كيف يمكن للمواطن العادي تحديد أيها أقرب لتلك التي منحها هذا الفوز الكبير في انتخابات تسعينات القرن الماضي؟ </font><BR><BR>لا يسعني سوى التحدث باسم حركة الحرية والعدالة الاجتماعية الفتية. أريد التأكيد مرة أخرى أننا لا نريد ولا نسعى أن تكون حركتنا بديلا عن الجبهة الإسلامية للإنقاذ ولا منافسة لها. فانطلاقا من قناعاتنا ومن قراءتنا للوضع الداخلي والوطني والإقليمي والدولي، إنما نريد في هذه المرحلة بذل قصارى جهودنا من أجل طي صفحة ما ترتب عن جريمة انقلاب 11 يناير طيا عادلا وفتح المجال السياسي لجميع أبناء الشعب بمن فيهم أنصار الجبهة الإسلامية للإنقاذ. لقد حاولنا بذل هذه الجهود في إطار الجبهة، لكن مع الأسف الشديد لقد حدث انسداد في مؤسسات الجبهة التي كانت قائمة ولم يعد ممكنا توحيد خطاب فعالياتها في هذا الظرف الحرج والدقيق الذي يمر به بلدنا. وهذا ما أدى بنا إلى السعي لتجاوز مشكلة غياب المؤسسات الحزبية الفاعلة التي تمكننا من تحمل مسؤولية المساهمة في حل أزمة بلدنا حلا عادلا.<BR><BR>أما الحديث عن القرب من المواطن فهذا سابق لأوانه لأن بلدنا الجزائر لا يزال يعيش مرارة الانسداد السياسي وإغلاق جميع منافذ العمل العلني حتى على الأحزاب المعتمدة شكلا... هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى أريد اغتنام فرصة طرحكم هذا السؤال لتنبيه السياسيين من أبناء الصحوة الإسلامية إلى ضرورة العمل الجاد من أجل بلورة ثقافة سياسية تمكننا من المساهمة في خدمة الصالح العام آخذا بعين الاعتبار واقع مجتمعاتنا التي أضحت تتسم بالتنوع على مختلف الأصعدة الدينية والثقافية والعرقية والسياسية. لا يمكننا تجاهل ظاهرة التنوع داخل مجتمعاتنا. التنوع داخل مجتمعاتنا أصبح واقعا يحتاج إلى ثقافة قبول الرأي المخالف والمنافسة النزيهة لخدمة الصالح العام، بدل ثقافة الاستئصال وإلغاء الآخر التي يتسم بها العلمانيون المتطرفون، ثقافة لغة الغاب التي كلفت الجزائر الكثير. <BR><BR><font color="#0000FF">اتهمتم سابقاً أو نسبت إليكم علاقات بالمجموعات المسلحة في الجزائر، وكنتم توصفون في وقت ما بالراديكالية، ثم بالاعتدال، ما هي رؤيتكم الآن للعمل الذي كانت تقوم به ـ أو ما زالت تقوم به ـ كل من تلك المجموعات: الجيش الإسلامي للإنقاذ ـ الجيا ـ الجماعة السلفية للدعوة والقتال ـ تنظيم القاعدة. </font><BR><BR>إن ما حدث يوم 11 يناير 1992 من وقف للمسار الانتخابي في الجزائر هو فعلا بمثابة جريمة نكراء عطلت مسار شعب بأكمله نحو التحرر من التبعية ونحو استعادة أسباب التمكين والدخول في التاريخ بعد غياب عنه لقرون طوال.<BR><BR>أريد هنا تنبيه قرائكم المحترمين، وأبناء الصحوة على وجه التحديد، إلى أن فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ بثقة غالبية الشعب الجزائر في بداية التسعينيات من القرن الماضي في انتخابات تنافس خلالها أكثر من عشرين حزبا لم يكن وليد طفرة، بل كان بفضل من الله ورعايته مكافئا سبحانه وتعالى جهودا متواصلة لشعبكم الجزائري المسلم منذ مطلع القرن العشرين من أجل التغيير ما بنفسه والاصطلاح مع الله اصطلاحا جماعيا. فرائد الحركة الإصلاحية التغييرية في الجزائر، الشيخ الإمام عبد الحميد بن باديس، بدأ نشاطه الدعوي التربوي هو وثلة من العلماء منذ 1913. إذًا، نتائج انتخابات يونيو 1990 المحلية وديسمبر 1991 البرلمانية في الجزائر ما هي سوى ثمرة تلك الجهود الدعوية التربوية والوعي بالقدرات الذاتية والتخلص من ذهنية التبعية لرجل الغرب ولثقافة الغربي المحتل.<BR><BR>إن انقلاب 11 يناير 1991 ومصادرة حق الشعب في اختيار من يراهم هو قادرين على خدمته والتحسين من أوضاعه المعيشية وحماية مصالح الإستراتيجية، مصادرة حق الشعب هذا فعلا جريمة نكراء حولت كما أسلفت منافسة سياسية سلمية إلى صراع عسكري دموي كلف البلاد الكثير. وأمام رفض الانقلابيين دعوة الجبهة الإسلامية للإنقاذ معالجة أزمة اختيار السلطة السياسية بطريقة سياسية سلمية، وإقدام الانقلابيين بدل ذلك على الزج بخيرة أبناء الشعب وأمل مستقبله في السجون والمعتقلات والمحتشدات الصحراوية ـ بل وفي معسكرات صحراوية كان المحتل الفرنسي قام بها في الستينيات بتجارب قنابل نووية، معرضين المعتقلين إلى أمراض خطيرة ـ أمام هذا كله تحمل بعض العلماء والدعاة في الجزائر مسؤولية الدعوة إلى الجهاد في سبيل الله ليس للوصول إلى السلطة بالقوة كما يزعم البعض ـ فلم نكن نحتاج إلى ذلك حيث نحن هم السلطة المنتخبة ـ بل من أجل الدفاع عن النفس وعن مؤسسات الشعب المنتخبة. وبالفعل، وبعد التحري لدى القيادة الميدانية للجبهة الإسلامية للإنقاذ، أعلنت البعثة البرلمانية عن تأييدها لحق أبناء الشعب في الدفاع عن حق الشعب والعودة إلى المسار الانتخابي؛ فلم يكن لنا سوى الوقوف إلى جانب شعبنا؛ فأعلنا صراحة دون لف أو دوران موقفنا هذا مع التأكيد دوما عن رفضنا لأي عمل إرهابي يطال الأبرياء العزل: فشتان بين قتال المحارب ـ أي القتال المشروع حسب جميع الشرائع البشرية وقبلها حسب شرع الله ـ وبين قتل النفس البريئة.<BR><BR>فلا يمكن على الإطلاق ومهما كانت الذريعة ومهما صدر من فتاوى المتفقهين السفهاء، لا يمكن على الإطلاق التقرب إلى الله بأعمال تغضب الله ورسوله : " يا أيها الذين آمنوا قاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين".<BR><BR>يا أسفاه... تاريخ البشرية مليء بالحروب؛ فلغة الغاب كانت هي السائدة في تاريخ البشرية إلى أن جاء الإسلام ليغير من ذلك الوضع الجاهلي فأوصى بالسعي لفض النزاعات بطرق سلمية وأمر بالإصلاح ما بين الناس وبالصلح، " والصلح خير" وإن تعذر ذلك وبغى طرف على الآخر، فأدخل قوانين ذهبية على الحروب لحماية الأبرياء غير المحاربين والنساء والمسنين والأطفال، بل والأشجار والطبيعة والحيوانات. فمفهوم أسلحة الدمار الشامل الذي هو من صنع حضارة الغربي هو مفهوم محرم لدينا في الإسلام. يا أسفاه... إسلام السلام وحماية النفس البشرية وحقها في الحياة أصبح اليوم رديف الإرهاب والبشاعة بفعل خوارج العصر من تكفيريين و"متسلفين" ـ السلف الصالح من أهل العلم والورع براء منهم ـ بفعل غلاة نصف متعلمين...و كما هو الحال في الجزائر، عدم تعمقهم هذا في العلم سهل توظيفهم من قبل دوائر حقودة على الإسلام في أعمال إجرامية كلفت البلاد الكثير وعطلت مشروع الصحوة الإسلامية الحضاري التنموي؛ فتجربة الجزائر المريرة مع العمل المسلح رسّخ قناعة لدينا أنه بالفعل وكما قال فقهاؤنا "أن الجهاد من أحكام السلطان". أي من الشروط الأساسية لصحة القتال إيجاد الإطار الممكن الذي بإمكانه صيانة الجهاد وحماية صف المقاتلين من أي اختراق شيطاني يٌفضي إلى اقتتال داخلي أو إلى انحراف عن الهدف.<BR><BR>علينا بالصبر والمصابرة لتحقيق شروط القتال بما فيها السعي الجاد في محاولة توفير جميع الوسائل السلمية لفض النزاعات. هذا لا يعني الانحياز إلى المعتدي الباغي كما هو شان بعض إخواننا من أبناء الصحوة في الجزائر ونحسبهم كذالك، غفر الله لنا ولهم. وقد يكون هؤلاء الإخوة لعله من الذين شملهم سؤالكم حيث عابوا علينا رفض الانقلاب على خيار الشعب ووقوفنا إلى جانب أبنائه في الدفاع عن النفس وعن مؤسسات الشعب المنتخبة. وبدل مؤازرتنا سامحهم الله أقدموا على مشاركة الانقلابيين في الحكم ـ أم هم يظنون كذالك، حيث لم يُمكنوا من التقرب من مفاصل الحكم ومراكز صنع القرار الحقيقية ـ وهم يعلمون أن الانقلابيين هم الذين حوّلوا المنافسة السياسية السلمية إلى صراع عسكري دموي كما حوّلوا الصراع العسكري هذا إلى إرهاب أسود نتيجة اختراق قيادة المخابرات المجموعات المسلحة وتحويل بعضها مثل "الجيا" بالأمس واليوم الجماعة السلفية للدعوة والقتال أو ما يُسمى تنظيم القاعدة في البلاد المغاربية إلى أبشع تنظيمات إرهابية عرفها تاريخ بلدنا بل ولا ربما البشرية.<BR><BR><font color="#0000FF">هل لقاعدة العراق أو الجزائر علاقة بالولايات المتحدة الأمريكية، أن توظف الولايات المتحدة عملها لمصالحها؟ </font><BR><BR>آه... يا أسفاه على عراقنا الجريح... عراق الحضارات ...ما يقع اليوم في العراق يشبه بكثير ما حدث بالجزائر من تقويض وتحريف لمسار المقاومة... قالت العرب قديما يفعل الجاهل بنفسه ما لا يفعل العدو بعدوه. بسبب تخبط الرؤية وعدم وضوح المسار الاستراتيجي نقدم خدمات مجانية على طبق من ذهب يستفيد منها العدو ويوظفها ضمن أجندته، والأحداث العالمية تغلي بالجماعات والمجموعات والتشكيلات التي تطفو على السطح مثل الفقاعات والتي ثبت بحكم الواقع وبدليل السنة التاريخية في غالبيتها على صلة بدوائر مشبوهة معادية لنهضة الأمة. <BR>والغربيون لديهم تاريخ حافل في مجال التوظيف وصناعة الفقاعات بداية من الجاسوس البريطاني المشهور لورنس "العربي" الذي هندس وخطط وأنشأ دولاً لا تزال قائمة إلى يوم الناس هذا، وانتهاء بكرزايات ومالكيات لا يملكون إلا الأسماء الطنانة.<BR><BR><font color="#0000FF">ماذا تمثل لكم هذه الشخصيات الآن: الشيخ مدني ـ الشيخ بلحاج ـ حسان الحطاب ـ علي بن حجر ـ الزاوي ـ عبد الودود؟ </font><BR><BR>كما تعلمنا عن مشايخنا من السلف والخلف، لا ينبغي الاستنان بسنن الأحياء، نسأل الله حسن الخاتمة لنا ولجميع الدعاة العاملين في سبيل الله والثبات على الحق والعدل. نسأله سبحانه وتعالى أن يجعلنا نحن والذين نعرفهم ممن شملهم سؤالك ـ أي الدكتور عباسي المدني وعلي بن حاج وعلي بن حجر وأحمد الزاوي حفظهم الله ـ والمئات الآخرون من الدعاة والعلماء من أبناء الجزائر الطاهرة، نسأله سبحانه أن يجعلنا جميع ممن تصفهم الآية الكريمة: " من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا" صدق الله العظيم. <BR><BR><font color="#0000FF">كيف ترون الوضع في الجزائر الآن بعد مرور سنوات على قانون الوئام؟ وكيف تقومون هذا القانون؟ </font><BR><BR>قانون الوئام تجازوه قانون المصالحة وكلاهما دون المتوقع وقد عبرنا عن تحفظنا على كلا القانونين عند صدورهما، وكنا نأمل أن يرتفع سقف السلطة وأفقها لحل الأزمة الوطنية ولا تختصر الأمور في مجرد قوانين بل دعوناها السلطة وخاصة رئاسة الجمهورية مرارا إلى تنظيم مؤتمر وطني جامع تمثيلي غير إقصائي للخروج برؤية وطنية جامعة تشكل الحد الأدنى من التوافق الوطني.<BR><BR>وكما أكدت عليه في خاتمة كتاب لي تحت عنوان " المصالحة الوطنية في الجزائر: خطوة حضارية نحو حل أزمة اختيار السلطة السياسية"، كتاب تم نشره مؤخرا بمعهد "الهوقار" بجنيف (www.hoggar.org)، وكما برهنّا عليه في الماضي، نحن على استعدادنا الكامل للإسهام في تحقيق أي مشروع جاد ينبع من إرادة صادقة ويهدف إلى إيجاد حل شامل وعادل لجميع جوانب الأزمة يمكّن كل الأطراف المتضررة من استرجاع حقوقها المشروعة، وهذا كفيل بتحقيق مصالحة وطنية حقيقية شاملة تهدف إلى رأب الصدع وتجفيف الدموع وتضميد الجراح وطي صفحة دماء والمواجهة. بالفعل، وإن حاول بعض المستولين على مفاصل الحكم اليوم في الجزائر من جعل المصالحة أداة أمنية ومناورة سياسية وتضييع فرصة حل أخرى على الجزائر دولة وشعبًا، فإن دعوتنا الصادقة لمصالحة حقيقية وإيماننا بضرورتها وحتميتها تجعلنا لا نتذرع بمكائد هؤلاء دعاة الاستئصال للتشكيك في جدوى المصالحة الوطنية وضرورتها. وسوف نبذل قصارى جهدنا من أجل مواصلة الطريق نحو تحقيق المصالحة الشاملة القائمة على أساس عدم التجني على الحقيقة التاريخية وعدم الإقصاء، وعلى أساس إنصاف المظلومين وتجلية الحقيقة كاملةً حول المأساة الوطنية بما فيها قضية المفقودين. <BR><BR><font color="#0000FF">إلى أي مدى تلقون باللائمة على أجهزة الاستخبارات الجزائرية في تفشي العنف وشيوع المجازر أثناء العشرية الحمراء؟ </font><BR>كما هو واضح في ما جاء ضمن جوابنا عن أحد أسئلتكم أعلاه والمتعلقة بمسألة العمل المسلح، فليس لدينا أدنى شك في تورط بعض أجهزة الاستخبارات. كما أننا نحن من أنصار معرفة الحقيقة حول ما جرى في الجزائر، ومعرفة الحقيقة لا تعني تصفية الحسابات ولكن بغرض إزالة كافة الأحقاد ودفنها، ونحن في مرحلة الدعوة للمصالحة الوطنية الشاملة ليس من المروءة ولا من الأخلاق الإسلامية أن نقلب المواجع وننكأ في الجراح، لغة المرحلة تغلب التسامح مع معرفة الحقيقة الكاملة التي تمكن بلدنا من تحصين نفسه من وقوع جرائم مماثلة مستقبلا. <BR><BR><font color="#0000FF">بنظرك إذا كان الرئيس بوتفليقة محسوباً على التيار المعتدل نوعاً ما في السلطة، وكذا رئيس الوزراء بلخادم، فلماذا يسعى المحسوبين على الإسلاميين إلى تصفيته؟ ولحساب من يتم ذلك؟ </font><BR><BR>هناك خلط كبير في الجزائر، وعلينا أن لا ننسى أن "السيد" بوتفليقة نفسه لم يوجه أصابع الاتهام للمحسوبين على الإسلاميين بل وجهه إلى دوائر معادية في الجزائر في الخارج، وعندما تصدر بعض البيانات تتبنى هنا وهناك يطرح أكثر من علامة استفهام عن الفاعل الحقيقي !! <BR><BR><font color="#0000FF">من خلال خبرتكم السياسية في الجزائر، أيهما كان أيسر على أجهزة الاستخبارات في اختراقه، التيار السياسي المعتدل أم التيار المسلح ومجموعات العنف؟ </font><BR><BR>في غياب الثقافة السياسية التي تؤمن بالتعددية وبثراء المرجعيات المتنافسة في الحقل السياسي تزدهر ثقافة الاختراق لتحريف الجماعات السياسية وشل قدراتها عن العمل الجاد، ولذلك ظاهرة الاختراق أدت إلى تفجر أحزاب سياسية وانشقاقها حتى يتم إضعافها وهو نفس ما حدث بالنسبة للمجموعات المسلحة وهناك عدة تقارير ودراسات بهذا الخصوص يمكن الرجوع إليها في هذا الشأن. ولكن لا ينبغي أن يثنينا هذا عن القيام بواجب السعي لخدمة بلدنا وشعبنا ...من المتداول لدينا داخل الصحوة الإسلامية في الجزائر مقولة " اعرف الحق تعرف أهله". <BR><BR><font color="#0000FF">هل لمستم في فترة من الفترات يد للموساد في المجازر مثلما تحدثت بعض المصادر؟ </font><BR><BR> ليس بحوزتنا الأدلة القطعية حول هذا الموضوع كل ما لدينا هو بعض المعلومات حول تدخل بعض الأجهزة الفرنسية في الأحداث الدامية والله أعلم ولذلك نحن مصرين على إيجاد إرادة سياسية وطنية ودولية لمعرفة الحقيقة وفتح تحقيق شفاف حول جميع الجرائم المرتكبة في حق الشعب.<BR> <BR><font color="#0000FF">كيف ترون موضوع الفساد في الجزائر، هل جرى التحكم فيه نوعاً ما وتحييد بعض الجنرالات الفاسدة في السلطة؟ </font><BR><BR>إن حركة الحرية والعدالة الاجتماعية في الجزائر، بصفتها فريق عمل سياسي لمواطنين سياسيين إصلاحيين، يهمهم مصلحة المجتمع ومستقبل البلاد، تقوم باستمرار بمعاينة ميدانية للوضع العام المعاش من قبل الشعب. وقد نشرت مؤخرا ملخص لأول تقرير لها حول الوضع الاجتماعي السياسي الأمني في الجزائر، وقد قام موقعكم الموقر بتغطية التقرير. <BR>فمثلا على الصعيد الاجتماعي، من العبارات المتداولة في الشارع الجزائري اليوم هي "طاق على من طاق" و"الدولة غائبة". فعلا، تشهد الجزائر اليوم فوضى عارمة سائدة على جميع الأصعدة:<BR><font color="#ff0000"> ــ ارتفاع كبير غير مبرر في الأسعار: </font>ارتفاع يظهر وكأنه "مبرمج" من قبل رجال مافيا المال المؤثرين على مفاصل الحكم منذ انقلاب 11 يناير المشئوم، <BR><font color="#ff0000"> ــ احتقار مفرط للمواطن البسيط: </font> تدني كبير وفوضى مبرمجة في الخدمات العامة: <BR>. أسواق الخضر والفواكه منتشرة في الأرصفة والطرقات بدون رعاية أدنى نظام أو نظافة،<BR>. الإداريون في مؤسسات الدولة غير ملزمون بأوقات العمل، وغير عابئين بخدمة المواطن، <BR>. تفشي الغش في كل المستويات، ونهب للثروات وتفنن في الرشوة من أعلى الهرم إلى أدناه، <BR>. استعراض طبقة الحكام لمظاهر ثروتها الفاحشة ـ من "فلات" ضخمة ومن سيارات فخمة، ومن <BR> حفلات جنونية الخ... ـ التي اكتسبتها طيلة العشرية الظلماء التي مرت على شعبنا جراء جريمة 11 يناير النكراء، في وقت ازدادت شرائح كثيرة من المجتمع فقرا مميتا، <BR><font color="#ff0000"> ــ انتشار مٌمنهج لجميع أنواع الفساد،</font> بما فيها المخدرات، وحتى داخل المؤسسات التعليم الأساسي، والجري المفرط وراء المادة وثم المادة حتى امتزجت الذهنيات والعقليات باعتبار الفساد إصلاحا، <BR><font color="#ff0000"> ــ انتشار ظاهرة اليأس</font> والقنوط المؤدي إلى الانتحار، أو الجريمة أو الهجرة الغير القانونية.<BR><BR>و مما خلُص إليه تقرير الحركة هو أن الوضع الاجتماعي هذا والفساد هذا مرتبط أساسا بالوضع السياسي في البلد والذي لا تزال تتحكم فيه تلك الدوائر الانقلابية. فالوضع العام في الجزائر يشهده بكل وضوح آثار سلبية لسياسة ما يسمى بـ"الفوضى الخلاقة" تقوم بها هذه الدوائر لضمان استمرارية قبضتها على مفاصل الحكم. فهي سياسة خطيرة غير مسئولة أدت إلى أزمة اجتماعية عميقة أصبحت تشكل خطرا حقيقي على مستقبل البلاد وشبكة العلاقات الاجتماعية.<BR><BR>فنحن نرى أنه أي إصلاح لما آل إليه الوضع الاجتماعي مآله الفشل إذا تم تجاهل ما آل إليه الوضع السياسي في البلد والمتسببين فيه.و عليه، يستوجب على الجميع التحرك الجاد والمسئول من أجل إيجاد إرادة سياسية وطنية لتصحيح الوضع الذي يزداد تأزما يوما بعد يوم: <BR><BR><font color="#0000FF">هل لكم وجود حقيقي في الجزائر، ولماذا إذن تحركتم من خلال إقامتكم في الولايات المتحدة الأمريكية؟ </font><BR><BR>أعضاء فريق العمل السياسي لحركة الحرية والعدالة الاجتماعية موجودون داخل البلد وخارجه. وما تتناوله هذه الأيام وسائل الإعلام الوطنية والدولية من تقارير دولية ومحلية حول الوضع المزري في الجزائر ومن فساد قاتل لأي مشروع تنموي كلها تدل على أن تقرير الحركة ليس ببعيد عن الواقع المعاش مما يدل لعله عن مدى وجود الحركة في البلد. بل ينبغي توجيه السؤال إلى مختلف الدوائر الحاكمة حول مدى إدراكها بالواقع الجزائري المعاش. فمما خلُص إليه تقرير الحركة هو أن ما نٌسب لبعض المسئولين من تصريحات تداولتها بعض وسائل الإعلام الوطنية مفادها أنه " ليس هنالك أزمة اجتماعية في الجزائر" وأنه "على الأقل لم نشعر بها في الحكومة" إنما يدل عن مدى عمق الهوة بين الفريق الحاكم بمختلف كتله وحقائق الجماهير الشعبية، خاصة بعد انقلاب 11 يناير 1992. <BR>صحيح لقد تم منعي شخصيا إلى اليوم من العودة إلى أرض الوطن بحقوق المدنية والسياسية الكاملة غير المنقوصة، لكننا من خلال ضبط آليات العمل الجماعي المؤسساتي تمكنا بحمد الله وعونه الحفاظ على وجود متواصل على أرض الواقع في بلدنا الغالي الجزائر طيلة الخمسة عشر سنة الماضية في غربتنا المفروضة علينا نسأل الله أن يرد كل مغترب إلى أهله سالما غانما، آمين. <BR><BR><font color="#0000FF">هل ما زال الحكم الصادر ضدكم نافذاً في الجزائر؟ وهل من مسعى لإلغائه بعدما ألغيت إجراءات ضد متورطين فعلياً في أعمال عنف؟ </font><BR><BR>في الحقيقة هناك أحكام كثيرة نافذة صدرها ضدنا ما نعده قضاء مسيس غير مستقل في الجزائر منها أحكام بالإعدام (اثنين أو ثلاثة والله أعلم) وحكم بالسجن المؤبد وحكم آخر بالسجن لعشرين سنة أو ما يزيد، كما لا يزال نافذا أكثر من أمر بالقبض(للأنتربول) الدولي علينا بطلب من السلطات الجزائرية، أوامر بالقبض إن دلت على شيء إنما تدل على تلاعب الانقلابيين بالمؤسسات الدولية وبهيبة الدولة الجزائرية حيث هي أوامر بالقبض فاقدة لأي دليل كما بينت ذلك السلطات المعنية الأمريكية ولذلك رفضت هذه الأخيرة تنفيذ الأوامر بالقبض. <BR>زد على هذا، الجهات التي عملت كما أسلفت على إجهاض مشروع عودتي في إطار الدعوة التي وجهها إلي "السيد" رئيس الجمهورية للمساهمة في المصالحة قبل ظهور نصوصها، الجهات نفسها أعادت الكرة مؤخرًا لدفع بعض مصالح وزارة العدل الأمريكية وبعض مصالح الاستخبارات الأمريكية لتلفيق اتهامات قديمة جديدة وإعادتي إلى أرض الوطن لكن مهانًا ومذلولاً، ونحن بالطبع بالمرصاد لهذه الشطحات وإن كانت مضيعة للوقت والجهود حيث طال الزمن أو قصُر سوف تتجلى الحقيقة...<BR><BR>وفي نفس الوقت جهات أخرى من داخل الدوائر الحاكمة جديدة الالتحاق بها ، ولم تتلطخ أيديها بدماء الأبرياء، تسعى بالفعل للتصالح، طلبت منا مؤخرا، خوفا من أن تغدر بنا بعض الأجهزة على غرار أخي عبد القادر حشاني رحمه الله وتقبله من الشهداء والصالحين، طلبوا منا التريث وعدم الإلحاح على العودة والاستفادة من تدابير ميثاق السلم والمصالحة، التي قدمناها في الوقت المحدد ولم نحصل إلى اليوم عن الرد الرسمي بشأنها.<BR><BR>ونحن موقفنا واضح، سوف نستعمل كل الوسائل القانونية للرد على أي تهمة تطبخ هذه الأيام في حقي داخل أروقة محاكم الهجرة بأمريكا تمس بشرعية ما قمت به من نشاط سياسي محض دفاعا عن حق الشعب في تقرير مصيره. وبالتوازي، سوف أواصل الجهود من أجل حق العودة إلى أرض الوطن، حيث، وفق قراءتنا لبنود ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، ورغم تحفظنا على ما جاء فيه والكيفية التي صدر فيها، ليس هنالك ما يمنعنا من استرجاع حقوقنا المدنية والسياسية الكاملة غير المنقوصة. وجميع الدوائر النافذة في الجزائر تعلم جيدا ذلك. نحن دعاة خير، نتطلع للمستقبل نرى بإمكاننا المساهمة الفعلية في حل أزمة بلدنا ومعالجة مخلفات الأزمة الوطنية الناجمة عن جريمة انقلاب 11 يناير النكراء. <BR><BR><font color="#0000FF">ما الذي قمتم به من أجل حل أزمة المفقودين في الجزائر؟ </font><BR><BR>إن ملف المفقودين من أهم الملفات التي لا يمكن ترقية مشروع الرئيس للمصالحة إلى مصالحة وطنية حقيقية دون معالجته، معالجته تفوق قدرات أي طرف فاعل في الساحة بمفرده فهو يتطلب إرادة سياسية وطنية. فملف المفقودين هو ضمن الملفات الأساسية التي نعمل من أجل تحقيق وفاق وطني حول ضرورة معالجتها حتى نتمكن جماعيا كجزائريين دون إي إقصاء أو تهميش من طي صفحة الماضي المؤلم وفتح معا صفحة التآخي والتصالح والحرية والعدالة الاجتماعية والإصلاحات السياسية والتنمية الاقتصادية. <BR><BR><font color="#0000FF">كثير من الدراسات الإستراتيجية تتحدث الآن عن مسعى حثيث للولايات المتحدة للحلول مكان فرنسا نفوذاً في المغرب العربي لاسيما الجزائر النفطية، كيف تقومون الموقف من هذه الزاوية؟ وهل يؤثر وجودكم في الولايات المتحدة سلباً عليكم سياسياً من هذه الزاوية من قبل الخصوم؟</font><BR><BR>مسعى أمريكا للسيطرة على منطقة المغرب الإسلامي مسعى قديم وقد بدأ يتجلى منذ أوائل 1995 حيث تزايد وبسرعة فائقة وجود الشركات الكبرى الأمريكية في الصحراء الجزائرية بكثرة وفي بضعة سنين... على سبيل المثال لا الحصر، شركة "أنرداكو" الأمريكية ـ لنائب الرئيس الأمريكي له بطرق ملتوية مصالح جمة فيها ـ لم تكن تكسب أي حقل للنفط في الجزائر قبل انقلاب 1992، أصبحت تكسب ما لا يقل عن أربعة عشر حقلاً للنفط في وسط التسعينيات. وهذا عيب على دولة تدعي احترام حقوق الإنسان والديمقراطية أن تسمح لنفسها الدفاع عن شركاتها والتفاوض باسمها من أجل اكتساح سوق النفط مع نظام انقلابي له يد في جرائم الحرب وجرائم ضد الإنسانية.<BR><BR>هل يؤثر وجودنا في الولايات المتحدة سلبا علينا سياسيا، نعم لقد تم ذلك وليس من قبل الخصوم فقط بل من قبل جهات في الإدارات الأمريكية المتتالية؛ فبعد فشل محاولات تلوى الأخرى " لتليين" موقفنا من انقلاب 11 يناير، وأمام إصرارنا على عدم الانحياز إلى الباطل، عملت تلك الجهات على تعطيل نشاطنا السياسي الذي تكفلنا إياه القوانين الأمريكية والدولية. وهكذا، وعلى عكس ما روجت له بعض وسائل الإعلام، حاولت تلك الجهات في الإدارة آنذاك منعي من الذهاب إلى روما للمشاركة في لقاءات مع الأحزاب الجزائرية الفاعلة آنذاك ، لقاءات ـ كنت أحد المحضرين لها ـ تُوجت بـ "العقد الوطني" المشهور من أجل حل سياسي للأزمة الجزائرية والذي مع الأسف الشديد رفضه الانقلابيون. كما حاولت التشويش على مبادرة ثانية قمنا بها السنة الموالية أي في فبراير 1996 حيث تمكنا بفضل من الله إقناع رئيس جنوب إفريقيا الأسبق " نيلسون مانديلا" لتبني القضية الجزائرية التي تجاهلها العالم، والتوسط من أجل توفير الشروط الملائمة لحوار جزائري ـ جزائري على غرار لقاءات روما لكن هذه المرة بمحاولة إقناع العسكر بضرورة المشاركة. مع الأسف الشديد، مباشرة بعد عودتي إلى أمريكا من جنوب إفريقيا تم تفعيل إجراءات لمحاكم الهجرة لتعطيل تحركاتي السياسية إلى حد اعتقالي طيلة أربعة أعوام كاملة على خلفية ما أسموه أدلة سرية لم يتسن لنا ولا للمحامين بل ولا لقاضي الهجرة معرفة فحواها: وذلك ببساطة لأن الملف فارغ تماما. واليوم ونحن بصدد انجاز تقدم في محاولاتنا ترقية مشروع المصالحة تُعاد الكرة لإدخالنا في متاهات قضائية نسأل الله الثبات على الحق والعدل . <BR> <BR><font color="#0000FF">الالتزام الديني والعودة إليه في الجزائر خصوصاً والمغرب العربي عموماً، هل أنتم راضون عنها؟ أو ترونها دون المتوقع؟ وماذا عن الأحزاب الإسلامية في هذا المضمار؟ </font><BR><BR>نحمد الله على نعمته الواسعة؛ فرغم كيد الكائدين هنالك عودة جماعية إلى الله في البلدان المغاربية ولله الحمد والمن. نسأل الله المولى عز وجل أن يبعث في شعوب المنطقة أئمة يهدونهم بهديه وسنة نبيه عليه أفضل الصلاة والتسليم وأن يمكنهم في الأرض ليقيموا دين الله الحنيف. <BR>أما فيما يخص الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية، نسأل الله أن يسدد خطى إخواننا في حزب العدالة والتنمية بالمغرب الشقيق وأن يلهمهم الحكمة للتواصل مع باقي الأحزاب، خاصة تلك التي تنسب نفسها إلى المرجعية الإسلامية.<BR><BR>أما بالنسبة للجزائر، إنه من أولوياتنا المرحلية السعي للتواصل مع كافة أبناء الصحوة والأحزاب ذات المرجعية الإسلامية. لكن الأمر غير سهل، حيث في الوقت الذي نرى فيه تنسيق مكثف بين الدوائر العلمانية المتطرفة المحاربة للإسلام، نرى للأسف الشديد تشتت فظيع بين مختلف التيارات المنتسبة للمرجعية الإسلامية. فهي لم تفق بعد من غفلتها ومما أصابها غداة انقلاب 11 يناير. لقد تم توريط بعضها إما في سدة الحكم، دون تمكينهم من السلطة الفعلية النافذة كما أسلفت، فهي منذ حينها منشغلة أكثر بالحفاظ على المناصب والكسب المزيد من المال، وإما في معارضة في قالب شرعية 11 يناير الانقلابية وهي اليوم تتخبط في انقسامات تلو الأخرى، والبعض الآخر يتم تهميشها تارة وتارة أخرى يتم دفعها عند الحاجة إلى الإعلان عن رغبتها في تتشكل حزب مقبول من الدوائر الحاكمة.... ورغم هذا كله، نحمد الله أن منّ على شعبنا العودة الجماعية إليه سبحانه لأبناء وبنات الشعب الجزائري المسلم المجاهد الذي احتضن الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنا وجعل منه الركن الأساسي والمحوري لشخصيته وهويته. <BR><BR>و في الختام، ونحن نودع في هذه الأيام شيخا جليلا من أعلام الجزائر، ألا وهو الإمام العلامة الدكتور محمود بوزوز الذي التحق هذه الأيام بالرفيق الأعلى في جنيف بسويسرا، أحب أن أتقدم بتعازي حركة الحرية والعدالة الاجتماعية إلى عائلة المرحوم وطلابه في الجزائر وأوروبا. وللذين أصبحت الجزائر بالنسبة إليهم رديفا للعنف والإرهاب وموطن قلق وفوضى، بسبب جهل الجهلة، وكيد الكائدين ومكر المتربصين بالصحوة الإسلامية والحركة الإصلاحية، أريد هنا تقديم نبذة من حياة هذا الرجل لقرائكم المحترمين لعلها تعطي صورة مغايرة للجزائر الجريحة، صورة تبين حقيقة ما أنجبت الجزائر من رجال قدموا الكثير للإسلام وللأمة الإسلامية. فالمرحوم من رواد الحركة الإصلاحية الجزائرية وقد عاصر رموزها كالإمام عبد الحميد بن باديس والشيخ البشير الإبراهيمي والشيخ فضيل الورثلاني والشيخ العربي التبسي والشيخ مبارك الميلي والشيخ أحمد سحنون وغيرهم – رحمهم الله جميعا. كما أن الشيخ محمود بوزوزو، رحمة الله عليه، من رواد الحركة الوطنية في الجزائر، الداعين إلى وحدة صفوفها ومن مجاهدي ثورة 1954 التحريرية. كما هو من مؤسسي حركة الكشافة الإسلامية في الجزائر. تتلمذ على يده آلاف الطلبة في الجزائر وفي سويسرا، كان خطيبا بالمسجد الكبير بجنيف وأستاذا بمدرسة الترجمة التحريرية والفورية، التابعة لجامعة جنيف ولدى الأمم المتحدة إلى حين تقاعده، وتخرّج على يديه أجيال من المترجمين العرب الكبار من جميع البلدان العربية، والذين يحتلون اليوم مواقع هامة داخل المنظمات الدولية في جنيف ونيويورك وغيرها. <BR>وإلى جانب ذلك، الشيخ بوزوزو كان فارس قلَـم وإعلامي من الطِّـراز الأول باللّغتين العربية والفرنسية، حيث كان يكتب افتتاحية البصائر مع الشيخ أحمد سحنون عند غياب الشيخ الإبراهيمي، وأصدر خلال ثلاث سنوات (1951-1954)، مجلة "المنار"، وهو عنوان لا تخفى دلالاته الإصلاحية، إذ يرجع بِـنا مباشرة إلى مجلة "المنار" الشهيرة، التي كان يصدرها في الشرق رشيد رضا، تلميذ محمد عبده في أواخر القرن التاسع عشر. وتواصلت تجربته الإعلامية، وهو في سويسرا، إذ كان عضوا في هيئة تحرير مجلة "المسلمون" المصرية التي أعاد الدكتور سعيد رمضان إصدارها من جنيف في بداية الستينات من القرن الماضي، وكان الشيخ إضافة لحفظه للقرآن والأحاديث يحفظ الأشعار القديمة والحديثة وكان يقرض الشعر أيضا. <BR>فبمناسبة هذا المصاب الجلل نبتهل إلى الله العلي القدير أن يدخل شيخنا وإمامنا جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين، كما ندعوه سبحانه أن يرزق أهله وذويه صبرا جميلا. وأن يهدي الله شبابنا للإقتداء بمثل هؤلاء العلماء العاملين الربانيين المخلصين لدينهم وشعوبهم وأمتنا المسلمة. نسأله سبحانه أن يلهمنا جميعا لما فيه خير ديننا ودنيانا وآخرتنا وشعوبنا وأمتنا المسلة، آمين وبارك الله فيكم والسلام عليكم.<BR><br>