سقوط "المنظومة الأخلاقية" الغربية
12 جمادى الأول 1439
خالد مصطفى

قبل أكثر من نصف قرن ومع انتهاء الحرب العالمية الثانية وما خلفته من أوجاع ومآسي وملايين القتلى والجرحى في العالم الغربي, وانتشار الدمار في العديد من المدن الكبرى بدأت مرحلة جديدة من الأفكار تموج في هذا العالم داعية إلى ضرورة العمل الجاد لبناء ما دمرته الحرب, وهنا انطلقت ثورة صناعية كبرى خرجت على إثرها النساء للعمل في كافة المجالات..

 

كان خروج النساء في هذا الوقت للعمل بسبب مقتل وإصابة الملايين من الرجال خلال الحرب كما كان أيضا محاولة من أجل تسريع وتيرة العمل والبناء وبما أن الأمر كان غريبا على هذه المجتمعات في هذا الوقت كان من الضروري وضع بعض النظريات لتبرير ما يحدث وكان من هذه النظريات "المساواة" و"الحداثة" وغيرها من الأفكار التي تدعو لنزع المرأة من بيتها ومن دورها الأهم في تربية الأولاد لكي تزاحم الرجال في كافة المجالات مهما كانت تنافي طبيعتها..وبالطبع بدأت الأمور بشكل تدريجي حتى وصلت إلى ما نحن فيه الآن كما بدأت الدعوة إلى تخلص المرأة من بعض ثيابها بحجة أن ذلك سيتيح لها حرية الحركة في مجالات العمل المختلفة, وبدأت التنورة الطويلة المتسعة تقصر رويدا رويدا وتضيق ثم بدأت الأكمام تنكمش حتى تلاشت تماما وأصبح الوضع على ما نراه الآن..

 

وعندما نجحت الثورة الصناعية في الغرب وحقق الاقتصاد نموا سريعا ظن البعض أن السبب هو في خروج المرأة للعمل وتجاهل العديد من الأسباب الأهم كالرغبة العارمة في تعويض سنوات الحرب والنظام الدقيق الذي وضع من أجل الوصول للأهداف المطلوبة في فترات محددة..في نفس الوقت ومع انشغال المجتمع الغربي ببناء ما تم تدميره لم يفطن لتردي وضع الأسرة و تربية الأولاد مع خروج الأم والأب معا للعمل...

 

هذه الأفكار والنظريات بدأت في الوصول إلينا في العالم العربي والإسلامي بعد سنوات قليلة عن طريق بعض الشباب الذين أرسلوا للدراسة في الغرب وعندما عادوا تم وضعهم في مناصب سياسية وثقافية وتربوية وإعلامية هامة تمكنوا من خلالها في نشر هذه الأفكار التي تقوم على فرضية خاطئة وهي أن "الغرب تقدم عندما خرجت المرأة للعمل ومساواتها مع الرجل في كل شيء" ومن هنا انطلقت الدعوات لما سمي وقتها بـ "تحرير المرأة" وكانت البداية في الدعوة لنزع حجابها وخروجها للعمل واختلاطها بالرجال بحجة أن هذا هو الطريق للتقدم والرقي...

 

وبالفعل تأثرت فتيات كثيرات بهذه الدعوات وبدأت حركة نزع الحجاب بالتخلي عن النقاب ثم التخلي عن غطاء الرأس حتى وصل الأمر إلى ارتداء المسلمات في كثير من الدول العربية لثياب تشبه ثياب الغربيات تماما..

 

ومع حدوث ذلك اندلع صراع في المجتمع بين الداعين للالتزام بالدين والعقيدة وبين دعاة الحداثة وكانت حجة دعاة الحداثة فيه أن الغرب انتصر على الغريزة والشهوة والجنس بأنه سمح بالاختلاط التام والمساواة المطلقة وبالتالي لاخوف على النساء من هذه الأمور وأن من يفكرون في هذه القضايا في عالمنا العربي هم من المتخلفين والرجعيين وأن المرأة يمكنها الاختلاط والتعري دون أن يفكر الرجل فيها كأنثى إلى غير ذلك من الترهات وانطلى ذلك على عدد غير قليل من أبناء مجتمعاتنا رغم أنه ينافي الواقع تماما كما أنه ينافي الشريعة الإسلامية ...

 

وقد وجه الغرب طوال سنوات طويلة أسهم الانتقاد لعالمنا العربي بزعم أنه "يتمسك بمبادئ بالية تعيق تقدمه" وصدق ذلك نفر من أدعياء الثقافة عندنا حتى انفجرت ثورة التحرش الجنسي الأخيرة في الغرب والتي كشفت عما جرى للمرأة منذ عشرات السنين من استغلال وإهانة على أيدي الرجال ليس فقط في مجال واحد ولكن في كافة المجالات وفي كافة المستويات بسبب الاختلاط في مجال العمل والتعري وعرفنا أن هذا الوحش الذي ادعى الغرب أنه روضه يعيش بداخله ويعبث في كل مكان ولكن بشكل خفي حتى انفضح المستور ورأينا كبار رجال السياسة والأعمال والإدارة قبل صغارها يتورطون في هذه الأمور رغم أن مجالات الممارسة الجنسية مفتوحة لهم ومع ذلك لم يتورعوا عن الاستغلال والتحرش وهو ما يؤكد أن هذا الوحش لا يمكن ترويضه إلا بالضوابط التي وضعها رب العباد.