عرب آسيا بين 200 مزدوج نووي!
15 جمادى الأول 1439
أمير سعيد

أما الأول فهو ما يخص الترسانة النووية "الإسرائيلية"، والذي بات معلوماً من التقديرات العسكرية بالضرورة، حتى وإن لم تعترف به "إسرائيل" رسمياً، فشواهده كثيرة، وآخرها ما كشفه تقرير لمجلة ذا ناشيونال انتريست الأمريكية إبريل الماضي عن رسالة بريد إليكتروني خاصة بوزير الخارجية الأمريكي السابق كولين باول، تم تسريبها في سبتمبر 2016، وتحدث باول فيها عن امتلاك تل أبيب ترسانة من 200 سلاح نووي.
 

وأما الثاني، وللمفارقة؛ فإن ما يحذر منه هو الكيان الصهيوني نفسه؛ ففي ندوة في إطار فعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي المنعقد في دافوس السويسري يناير الحالي، توقع رئيس وزراء الكيان الصهيوني بنيامين نتنياهو أنه سيكون بإمكان إيران تخصيب يورانيوم كاف لمائة أو مائتي قنبلة نووية بموجب الاتفاق الدولي الحالي معها، قائلاً: "أعتقد أن الاتفاق النووي الحالي مع إيران معيب للدرجة أنه يضمن بأن إيران ستمتلك كل شيء تحتاج له من أجل إنتاج الأسلحة النووية بما في ذلك تخصيب المواد الانشطارية بكمية هائلة".
 

نتنياهو بالطبع ليس أهلاً للاستناد إلى تكهناته، لكن هذه وعبارته التالية التي قالها في تلك الندوة "سيكون باستطاعتهم الاختراق قدما وإنتاج ترسانة من الأسلحة النووية بوتيرة سريعة بدون أن يمنعهم من ذلك أي اتفاق دولي وبالفعل، الاتفاق الحالي يمكّنهم من القيام بذلك"، ليست بعيدة عن الحقيقة التي لا يمكن تجاهلها بخصوص عدم ممانعة الغرب في امتلاك إيران لسلاح نووي، ليس لأن التاريخ القريب منذ نشأة الجمهورية الإيرانية يفي لهذه القناعة بأسبابها الموضوعية فحسب بل لأن الاتفاق نفسه قد تم توقيعه لمنح إيران فرصة كافية لتملك سلاح نووي.
 

الاتفاق النووي لا يمنح الوكالة الدولية للطاقة الذرية فرصة للتفتيش الجدي على المنشآت النووية الإيرانية، وهو في أحسن في أحواله لا يعدو أن يكون مجرد "تسجيل موقف"، هذا في حال استطاعت الوكالة المرور من مراوغة الإيرانيين، أو كان لديها رغبة حقيقية في وقف هذا البرنامج، بالنظر إلى الإرادة الأمريكية التي وقفت خلف هذا البرنامج منذ بدايته. إذ كانت بداية المشروع النووي الإيراني أمريكية حين أنشأت إيران في العام 1972 منظمة للطاقة النووية, وعقدت اتفاقات بدء إنشاء مفاعلات نووية كبيرة الحجم مع الولايات المتحدة. وحيث إنها مضت قدماً في تهيئة العالم للقبول بإيران نووية عبر اتفاقها ودول أخرى معها قبل عامين على "تقنين المشروع النووي"، وليس إلغائه في مقابل رفع معظم العقوبات عن إيران!
 

فالاتفاق قد سمح لإيران بتطوير قدراتها الصاروخية وتجربة صواريخها، ولم يمنع تخصيب اليورانيوم عبر منع تطوير أجهزة الطرد المركزي، ولم يقيد تطوير البرنامج سوى في منشأة أراك، وسمح بتطوير البرنامج النووي ذاته، ولم يفرض قيوداً صارمة في التفتيش والمراقبة، برغم تأكيد الوكالة الدولية للطاقة الذرية قبل الاتفاق بنحو عام أن طهران قد تكون صممت قنبلة نووية بالفعل.

 

في حينه، رأى من يرصدون توافقاً استراتيجياً بين واشنطن وطهران في الاتفاق توطئة لامتلاك إيران سلاح نووي، استناداً لمعطيات عديدة منها التباين الواضح للسياسة الأمريكية بين تعاطيها مع بغداد وطهران في شأن البرنامج النووي؛ ففيما تعاملت واشنطن بكل حسم مع البرنامج العراقي إبان حكم صدام حسين وأعطت الضوء الأخضر للكيان الصهيوني لضربه، فإن واشنطن وتل أبيب لم تفعلا شيئاً يذكر سوى الاعتراف بهذا البرنامج أمريكياً، ورفضه "شكلياً" "إسرائيلياً".

 

قبل خمسة أعوام، كتبت في موقع "المسلم" بعنوان القنبلة النووية الإيرانية مرة أخرى، تعليقاً على تصريح رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نتنياهو لبرنامج "واجه الصحافة" على شبكة ان بي سي على هامش زيارته للولايات المتحدة لحضور الجمعية العمومية للأمم المتحدة: " بحلول منتصف عام 2013 ستكون إيران قد اجتازت 90% من الطريق نحو امتلاك اليورانيوم المخصب الكافى لصنع قنبلة.. على أوباما أن يضع خطا أحمر أمامهم الآن، قبل فوات الأوان"، قلت: "لكن الخط الأحمر الذي يتحدث عنه نتنياهو، على ما يبدو، لن يرسم أبداً؛ فلا الولايات المتحدة راغبة في إيقاف هذا البرنامج ولا تل أبيب ترى نفسها حقيقة في دائرة الخطر في حال الإعلان عن هذه القنبلة، لأن "إسرائيل" والولايات المتحدة بكل بساطة أكبر مستفيد من وجود قنبلة نووية إيرانية.."، وبالفعل؛ فإن التهديد الحقيقي لا يقع على الأمريكيين أو "الإسرائيليين" من البرنامج النووي الإيراني طبقاً لقاعدة سلاح الردع الذي تفوق فيه واشنطن وتل أبيب كثيراً طهران، هذا علاوة على أوراق أخرى تحول دون تهديد هذا البرنامج للولايات المتحدة والكيان الصهيوني وأوروبا لا تملكها الدول العربية بطبيعة الحال، ومنها ما جعل باكستان النووية أقل قدرة على المناورة أمام الولايات المتحدة بعد امتلاكها القنبلة النووية عما كانت قبلها!

 

لقد فرضت الولايات المتحدة شروطاً على إيران في اتفاقها معها قبل عامين قابلة للزحزحة وأقرت بنوداً معظمها غامض أو مرنة للغاية وسمح بالالتفاف عليه، وتجعل من التهديد بفرض عقوبات في حال خرق الاتفاق مجرد هراء وتمرير للبرنامج حتى حده الأقصى، وهو صنع قنبلة نووية إيرانية.

 

وبالعودة إلى تصريح نتنياهو بشأن إمكانية تصنيع إيران نحو 200 رأس نووي "بوتيرة سريعة"، كما قال، فإن امتناع الولايات المتحدة عن التعليق على تكهن "إسرائيلي" بهذه الخطورة وبهذا المستوى لا يعني أنها لا تأخذه على محمل الجد، وإنما يؤكد أن لا تغير يذكر في الاستراتيجية الأمريكية حيال البرنامج النووي الإيراني من بعد أوباما، على عكس ما أوحى بها الرئيس الأمريكي ترامب مراراً، والذي اكتفى في أقصى إجراءاته حيال الاتفاق النووي الذي نعته مراراً وآخرها في خطاب حالة الاتحاد يناير الحالي بـ"الشنيع"، وبأنه يحوي "أخطاء كارثية"، بتجديد الاتفاق لـ"المرة الأخيرة" انتظاراً لتعديل أخطائه من قبل الحلفاء الأوروبيين وإيران.

 

البرنامج النووي الإيراني ماضٍ كما هو مرسوم له، وكما يتوقعه نتنياهو تماماً، ولا يبدو في الأفق أن ثمة أي إجراء لكبح شهية الملالي لصناعة أسلحة نووية بعد نجاح حرسهم الثوري في صناعة وامتلاك صواريخ باليستية قادرة على حمل رؤوس نووية. وإذ يظهر أن ثمة تبايناً بين سياستي الولايات المتحدة و"إسرائيل" حيال هذا البرنامج النووي؛ فإن رضا الكيانين عن احتلال الميليشيات الإيرانية للشروط الحدودي بين سوريا وفلسطين، وميليشيا "حزب الله" للشريط الحدودي بين لبنان وفلسطين، يعني أن كلا الكيانين لا يرى تهديداً يذكر في طموحات طهران النووية العسكرية، ولو حصل بامتلاكها هذا العدد الذي توقعه به نتنياهو، وهو 200 رأس نووي، تماماً كتلك التي تمتلكها "إسرائيل" وفقاً للمجلة العسكرية الصهيونية "جينز"، التي نسبت إلى خبراء ذرة قولهم "أن إسرائيل تمتلك بين 150 و200 رأس نووي متفجر يمكن إطلاق بعضها لمدى بعيد بواسطة صواريخ أرض - أرض من طراز يريحو".

 

لقد لعبت الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وجنوب إفريقيا دوراً مهماً في إنشاء ورعاية البرنامجين النوويين "الإسرائيلي" والإيراني، وزادت إيران بالإفادة من روسيا والصين، والعديد من الدول الأخرى كألمانيا التي زودت إيران بمعدات ثقيلة، وباكستان (بمساعدة أبي القنبلة النووية الباكستانية عبدالقدير خان) والأرجنتين، وإسبانيا، وإيطاليا، وبلجيكا.

 

ومن ثم، لا يبدو أن البرنامجين يختلفان كثيراً بغير التوقيت، حيث يسبق أحدهما الآخر، وبالتالي في الكشف عنهما؛ ففيما يبدو البرنامج "الإسرائيلي" معلوماً بعد تصوير البروفيسور والخبير النووي "الإسرائيلي" مردخاي فعنونو 57 صورة للمفاعل النووي "الإسرائيلي" ونشره لها من خلال صحيفة صنداي تايمز البريطانية مشفوعة بعدد من الوثائق حول امتلاك الكيان الصهيوني سلاحاً نووياً، فإن البرنامج النووي العسكري الإيراني لم يتكشف بعد، وإن تناثرت حوله المعلومات شبه المؤكدة.. سيكون الفرق ربما في عدد الرؤوس النووية وأنواعها بين الحليفين اللدودين: "إسرائيل" وإيران.

 

وسيتوجب على عرب آسيا أن يتعايشوا مع حقيقة مريرة، تتعلق بوقوعهم بين مزدوجين نوويين يناصبان الفضاءين العربي والإسلامي العداء الشديد. إنها واحدة من تحديات منطقة إسلامية وقعت منذ أكثر من أربعة عشر قرن في دائرة الاستهداف الرومي والفارسي معاً.