رجال يتخوضون في مال الله
7 رمضان 1439
د عبدالرحمن اليوسف

عن خولة الأنصارية رضي الله عنها ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إن رجالا يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة " رواه البخاري

 

وقد رأيت أن بعض الذين يقومون على جمع الزكاة والصدقات والهبات وأموال الوقف والتبرعات يدخلون تحت هذا الحديث وذلك أن هذه الأموال هي من أخص أموال الله وبعض الذين يقومون عليها من الجمعيات واللجان الخيرية والأفراد الذين يتولون هذه الأموال يخوضون فيها بغير علم فمن ذلك إنهم يقتطعون نسبة من هذه الأموال قد تصل إلى 15 أو 20 في المائة تحت بند ما يسمونه بالمصروفات الإدارية ثم إنهم يقتطعون كذلك بعد ذلك نسبة من مال المشروع الخيري الذي يوكلون به كمسجد أو دار أيتام أو آبار ونحو ذلك بحجة قيامهم بتنفيذ هذا المشروع وهذا الاقتطاع لا يحل لهم بل هو من السحت وهو أشد حرمة من المكوس والغلول والسرقة لأن كل ذلك يفعله من يفعله وهو يعتقد حرمته وأما هذا المال المقتطع من الزكاة والصدقات والوقف والمشاريع الخيرية يفعله من يفعله وهو يظن انه مباح له والحال انه حرام وأشد حرمة مما ذكرنا من السحت والغصب والاختلاس والغلول فهم يتخوضون في مال الله بغير علم والذين توكل إليهم جمع الزكاة وتوزيعها والصدقات والقيام بالمشاريع الخيرية إنما هم في حقيقة الأمر وكلاء عن المتصدق والمتبرع والوكيل له أجر الوكالة فقط بحسب العمل الذي يوكل به وليس له إلا أجر المثل ومعنى أجر المثل يعني الأجر الذي يتقاضاه من يقوم بمثل هذا العمل فالقائم على جمع الزكاة من أي من الأموال كالزروع والثمار والإبل والغنم والبقر والنقود ليس له من الأجر إلا ما يفرض له ولا يحق له أن يأخذ نسبة معينة مما يجمعه من هذه الأموال بل ولا أن يتقبل هدية من المزكي لنفسه كما في الحديث: "عن أبي حميد الساعدي قال استعمل رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من الأسد يقال له ابن اللتبية قال عمرو وابن أبي عمر على الصدقة فلما قدم قال هذا لكم وهذا لي أهدي لي قال فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر فحمد الله وأثنى عليه وقال ما بال عامل أبعثه فيقول هذا لكم وهذا أهدي لي أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدى إليه أم لا والذي نفس محمد بيده لا ينال أحد منكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر ثم رفع يديه حتى رأينا عفرتي إبطيه ثم قال اللهم هل بلغت مرتين" صحيح مسلم

 

فهذا الحديث نص صريح على أن العامل على الزكاة ليس له إلا ما يفرضه الإمام من أجل عمله في جمع الزكاة وتوزيعها وليس له نسبة منها وليس له كذلك أن يقبل هدية لنفسه.

 

والقائمون على جمع أموال التبرعات والزكوات والأوقاف والهبات إما أن يكونوا مأذون لهم من الحاكم كما هو الحال في قانون جمعيات النفع العام أو إنهم يقومون بهذا من عند أنفسهم بثقة الناس في أمانتهم فيعطونه هذه الأموال لتوجيهها في مصارفها وهؤلاء المأذون لهم في جمع هذه الأموال وتوزيعها ليس لهم من هذه الأموال إلا أجرة المثل للقيام بهذا العمل ولا يحق لأحد منهم أن يقتطع من هذا المال نسبة لنفسه أو زيادة على ما هو من اجر المثل ومثال ذلك أنك لو كان لك عمل مثل بناء بيت ووكلت مقاولاً ليقوم به أو مهندسا ليشرف عليه واتفقتما على أجر فإن الأمر كذلك في الذين يوكلون بالقيام بالمشاريع الخيرية نيابة عن الغير لا يحل لهم أن يأخذوا إلا أجرة المثل للعمل الذي يقومون به.

 

ومما يجب التفطن إليه أن الذين يقومون بتنفيذ الأعمال الخيرية نيابة عن المحسنين ينبغي أن يكونوا من المحتسبين الذين لا يأخذون أجرا على عملهم وهذا هو الأوفق والأولى وأما إن كانوا ينشئون الجمعيات واللجان من أجل أن يوظفوا أنفسهم فيها ويفرضوا هم لأنفسهم رواتب من أموال الزكاة والصدقات وأموال المتبرعين فإن هذا جريمة مركبة.

 

فالمرجو من المؤسسين للجان والجمعيات الخيرية والقائمين على جمع أموال الله وتوزيعها أن يراجعوا ما يقومون به وأن يعلموا أن كل اقتطاع من هذه الأموال لأنفسهم غير أجرة المثل سيكون حراماً وسحتا فكيف إذا كان بعضهم يتوسع في صرف هذه الأموال أموال الله التي يجمعونها على أنفسهم في الأسفار وفي القيام في الفنادق الفخمة وركوب الدرجة الأولى في الطائرات وكل ذلك من أموال الله التي جمعت للفقراء والمساكين.

 

وليكن معلوماً أن سهم العاملين عليها في الزكاة ليس بنسبة منها وإنما بأجرة المثل فالعامل على الزكاة لا يأخذ إلا أجرة العمل الذي يقوم به فقط ولا يحل اقتطاع نسبة عامة من الزكاة يقال أنها تعطى للعاملين عليها وللأسف أن بعضهم يقتطع هذه النسبة التي تصل أحيانا إلى 10 بالمائة من جميع أموال الزكاة لتكون في الرواتب وما يسمى بالمصروفات الإدارية وهذه جريمة كبرى وخوض في مال الله بغير علم.

 

والله حسبنا ونعم الوكيل,,,

 

 

المصدر/ صفحة الشيخ على الفيس بوك