في مديح " الهزائم" و"أبطالها" الخونة!
27 رمضان 1439
منذر الأسعد

ما الذي تبدل في العالم العربي من هزيمة 1967 النكراء حتى اليوم؟
وقبل الإجابة أشير إلى المقولة الشهيرة المنسوبة إلى أينشتاين: الغباء هو فعل  الشيء نفسه مرتين  بالأسلوب نفسه والخطوات نفسها و انتظار الحصول على نتائج مختلفة!

 

غابت الكارثة وبقي خطابها
تعمدتُ إرجاء الكتابة عن هزيمة 1967 قبل أيام -عند حلول ذكراها الحادية والخمسين-  لكي أرصد حديث العرب عنها، وخاصة في الدول التي انهزمت يومئذٍ ؛ فإذا بها تتجاهلها وكأنها حادث مروري عابر بين سيارتين أسفر عن أضرار هامشية فيهما!

 

وهذا منطقي في رأيي المتواضع، لأن الهزيمة عارٌ يتهرب منه الجميع – على عكس الانتصار الذي يكثر آباؤه ومعظمهم أدعياء!!-. لكن المنطق بعيد عن هذا المسلك بُعْدَ الثريا عن الثرى، إذا تذكرنا أن الأنظمة الاستبدادية تفاخرت يوم هزيمة حزيران/ يونيو 1967 زاعمةً أنها انتصرت على الصهاينة!

 

فقد ادعى هؤلاء المجرمون أن العدو لم يكن يريد احتلال مزيداً من الأراضي العربية- رغم أن الصهاينة احتلوا في تلك الهزيمة المخزية 3 أضعاف ونصف ضعف ما كانوا احتلوه سنة 1948 !- فالمعيار عند حلف الكذب هو بقاء النظم الديكتاتورية التي صنعت الهزيمة –وأفتاها كبير كهنتها بتسميتها نكسة للتخفيف من وطأتها على ملايين العرب الذين كانوا يصدّقون أبواق تلك الحكومات وأنها سوف ترمي اليهود في البحر!-.

 

لكن الأعجب من كل ما سبق –وكله من أعجب العجب- أن الورثة اجتنبوا ذكر تلك الكارثة إلا أنهم احتفظوا بخطابها المثير لسخرية الثكالى.. فهم ينتصرون على مئة دولة ،يتبوأ رأس قائمتها : العدو الصهيوني وأمريكا !

 

العدو الذي يمارس طيرانه سياحة يومية دموية فوق هام " المنتصرين" الجدد!

 

أَمِنوا العقوبة فزادوا إجراماً
مخطئ من يتوقع من هذه الزمرة مسلكاً مختلفاً.. فهي الوارث الفعلي لصانعي الكارثة .. لم تتبدل سوى الوجوه والقبعات.
وكيف يظن عاقل فيهم خيراً، وقد كان أسلافهم يتباهون بالهزيمة، فلم يُحاسَبْ أحد من صانعيها..

 

في مصر، نجح عبد الناصر في مسرحية التنحي وجاءت مخابراته بحشود الناس تهتف بحياته وتطالبه بالبقاء في موقعه.. ثم ألقى التبعة فعلاً على القادة العسكريين الذين سبق له أن اختارهم على أساس الولاء له وليس على أساس كفاءتهم!

 

في سوريا البعثية،حصل ما هو أشد قبحاً: وزير دفاعهم حافظ أسد صاحب البلاغ 66 الذي ادعى سقوط القنيطرة قبل  48 ساعة من سقوطها ، فاحتلها العدو من دون إطلاق رصاصة واحدة.. هذا الـ....؟ استحق الترقية من وزير دفاع إلى رئيس جمهورية!! وليس أي رئيس!! بل ملّكوه سوريا كمزرعة له ولعائلته فعاث فيها فساداً وأهلك الحرث والنسل، ثم أورثها ولده سفاح العصر الحديث بلا مُنازع!

 

عدو لا يخضع لطاغية
في المقابل، تمكن الصهاينة في حرب 1973 التي بدأها السادات وحافظ من قلب نتائجها لفائدتهم، إلا أن الصهاينة ألَّفوا لجنة للتحقيق في سبب وقوع الهجوم العربي المفاجئ – سميت لجنة أغرانات وصدر عن عملها كتاب وثائقي بعنوان: التقصير " بالعبرية: محدال" - .

 

المدهش أنهم ألَّفوا اللجنة سريعاً وكلفوها مهمة التحقيق في الأخطاء التي حدثت في تلك الحرب. ففي يوم 18/11/1973 اتخذت الحكومة الإسرائيلية قراراً بتشكيل لجنة تحقيق من خمسة أعضاء يختارهم رئيس المحكمة العليا للتحقيق في أمرين:

1)  المعلومات التي جُمعت خلال الأيام التي سبقت الحرب عن خطوات “العدو” ونواياه وتقديرات ومواقف الجهات العسكرية والمدنية المعتمدة فيما يتعلق بالمعلومات المذكورة.

 

2) استنفار الجيش "الإسرائيلي" للحرب بصورة عامة وتأهبه خلال الأيام التي سبقت الحرب والأعمال التي قام بها في الحرب.

 

 

بدأت اللجنة يوم 25/11/1973 أعمالها بجمع الشهادات، وعقدت 140 جلسة واستمعت إلى 58 شاهداً، كما قدمت إليها مواد خطية أخرى. وفي يوم 3/4/1974 أصدرت تقريراً أول أدانت فيه الجنرال دافيد اليعازر رئيس الأركان أثناء حرب تشرين، والجنرال شموئيل غونين قائد الجبهة الجنوبية، والجنرال زعيرا رئيس شعبة المخابرات آنذاك، وعدداً من ضباط شعبة المخابرات، بتهمة التقصير. وبرأت غولدا مائير رئيسة الحكومة الإسرائيلية في ذلك الوقت ووزير دفاعها موشي دايان من هذه التهمة.

 

 

وقد أبقت اللجنة مداولاتها سرية، وكذلك الشهادات التي قدمت إليها.

 

وبعد أن يرأت اللجنة الحكومة بشخص رئيسها غولدا مائير وزير دفاعها موشي دايان أصوت، فيما أوصت، بما يلي:

 

1)  تعيين مستشار خاص لرئيس الحكومة لشؤون المخابرات (من غير أفراد الجيش النظامي)، ويعمل إلى جانبه فريق صغير، ولكنه متميز، لمساعدة الحكومة في تقويم مستقل للمعلومات السياسية والاستراتيجية.

 

 

2)  تعزيز قسم الأبحاث في وزارة الخارجية الإسرائيلية وتنظيمه كهيئة مستقلة ضمن إطار الوزارة، على أن يكون أحد الأهداف الأساسية لهذه الهيئة التقويم المستقل للمعلومات السياسية والاستراتيجية.

 

 

3)  إجراء تغييرات أساسية وجوهرية في هيكل شعبة المخابرات العسكرية، وجهاز المخابرات بكامله، تضمن جعل مركز الثقل والتقويم ينصب في مجالات معلومات الاستخبارات العسكرية والاستراتيجية والميدانية والتكتيكية  وتضمن التغيير الملائم بل تشجيع الآراء المختلفة والمتضاربة للعاملين في قسم الأبحاث حول تقويمات شعبة المخابرات العسكرية التي توزعها على الهيئات المختلفة.

 

 

4)  أن تحدد بوضوح قواعد تلقي، وجمع، وتوزيع معلومات المخابرات الأولية بواسطة هيئات الجمع، سواء داخل المخابرات العسكرية أم خارجها، سواء أكان ذلك شغلها الرئيسي أو الثانوي، وتوزع على هيئات البحث المختلفة وعلى وزير الدفاع ورئيسة الحكومة.

 

 

5)  إنشاء وحدات ضمن أطر الموساد* تتولى تقويم المواد التي تجمعها الموساد.

 

 

وقد ألحقت لجنة أغرانات تقريرها الأول بتقرير إضافي ثان في 10/7/1974. ثم أصدرت تقريرها الثالث والأخير في 30/10/1975. وقد أوصت فيه بعدم نشره لأسباب أمنية، والاكتفاء بنشر مقدمة التقرير وملاحقة، كما أوصت بعدم نشر محاضر مداولات اللجنة لمدة ثلاثين عاماً اعتبارا من تاريخ تقديم التقرير، على أن ينشر كله أم بعضه بعد ذلك بموافقة رئيس الحكومة المحكمة العليا، وبناء على طلب الحكومة أو لجنة الخارجية والأمن، ويشترط أن يتضمن الطلب مبررات رفع السرية.

 

 

وقد أثار الجزء المنشور من التقرير الثالث ردود فعل وتعليقات في الأوساط الشعبية الإسرائيلية، خصوصاً أن اللجنة لم تجب على الأسئلة التي طرحت نتيجة الحرب، مما كان له أثره البالغ على تطور الحياة السياسية في الكيان الصهيوني منذ تاريخ هذا الجزء من التقرير.

 

بالروح بالدم يا عميل!
 من يستقري الواقع بلا أحكام مسبقة، سيتبين أن من أبرز نقاط القوة لدى اللعدو أنه لا يضع شخصاً فوق المساءلة، ولو كان صانع اغتصاب فلسطين مثل بن غوريون .. وليس في الكيان الصهيوني شخص واحد هتف خلال سبعين سنة من عمر الاحتلال : بالروح بالدم نفديك يا فلان !! – وهذا هو النعيق النمطي في بلدان الهزيمة حيث يضطر الناس إلى الهتاف بفداء الطاغية الذي يجمع بين الوحشية على شعبه والنذالة أمام العدو -!

 

علماً بأن هناك ألف قرينة تقترب من الدليل القاطع على أن الطغاة الذين يتشدقون بمقاومة الصهاينة ليسوا سوى عملاء لهم، ينفذون ما عجز العدو عن ارتكابه بنفسه!