رسالة شكر إلى قناة الجزيرة
28 محرم 1430
إبراهيم الأزرق

قرأت مقالاً لأحد الفضلاء يقول فيه: "إننا نعتقد أن أول سلاح تتمنى إسرائيل نزعه هو قناة (الجزيرة). ولعلها ستصر في أي اتفاق وقف إطلاق نار على منع (تهريب الصحافيين) إلى غزة قبل وقف (تهريب السلاح)".

 

ولم يُبْعِد صاحبه فقد كانت لقناة الجزيرة في هذا الحدث أكثر من يد بيضاء استدعت شكر كثير من الفضلاء لها، ومن جملة أياديها في الأزمة الأخيرة ما يلي:
1- نقلت الصورة كما هي بينما حَجَبَ مشاهدَ الأشلاء وجثث النساء والشيوخ والأطفال آخرون دأبوا على بث صور أخرى كان الأجدر بها أن تُحْجَبَ.

 

2- طرحت وجهة النظر المخالفة للمستضاف الصهيوني أثناء استضافته بكل قوة ووضوح، مع نقل صور الأحداث بجوار صورة المستضاف وقد فضح ذلك كذب بعض المستضافين وأبعد تعاطف العقلاء معه، الأمر الذي أحرج بعض المستضافين في أحيان كثيرة، وزاد المشاهدين يقيناً بإجرام الصهاينة وتعديهم.

 

3- في أحيان كثيرة تحس التعاطف في العبارات والألفاظ التي تخرج من أفواه المذيعين والمذيعات، إما بانتقاء بعضهم ألفاظاً تدل على ذلك، أو في طريقة أدائها، وقد سمعت لبعضهن مقابلة مع بعض اليهود كانت أقرب إلى التحقيق، فنبرة الصوت الغاضبة، والأسئلة المحرجة كانت ظاهرة، فجزاها الله خيراً وتاب علينا وعليها.

 

4- بل في بعض المواقف تشعر بأن الجزيرة تقدم دعماً مباشراً للمجاهدين، ومن ذلك على سبيل المثال عندما بدأت الغارة البرية على تل الهوى، كان المذيع يتحدث مع شاهدة عيان في المنطقة، فذكرت له دخول الجنود والآليات الصهيونية، فسألها المذيع  بفطنة عن الموقع والمكان وكأنه يريد تعيينه للمجاهدين فجزاه الله خيراً.

 

5- أضف لما سبق المقابلات والاتصالات المتضمنة لتحليلات عسكرية وسياسية وكلمات شرعية من أكابر أصحاب هذه العلوم كل هذه كانت تهدى للمجاهدين بالمجان من قناة الجزيرة دون توقف أو انقطاع.

 

والحق أن قناة الجزيرة قد أوصلت رسالة كتمتها القنوات الجائرة التي رفضت العدل والإنصاف وأبت باسم الحياد إلاّ التعدي والظلم، فإن التوسط بين الوسط والمتطرفين أقصى اليمين محصلته تخرج بصاحبه عن حدِّ التوسط والعدل إلى التطرف الذي يضاعف المصاب.
إن الحياد قد يحمد إن كان توسطاً بين طرفين، لكن لا ينبغي أن يحمده عاقل إن كان اتخاذ موقف وسط بين ظالم ومظلوم، أو بين حق وباطل! فحقيقة هذا التوسط تطرف نحو الظلم والباطل.

 

وهذا معنى مقرر حتى عند من يُسَبّحون بحمد الحياد بين غزة وتل أبيب! وتأمل هل تجد قناةً تسلك مسلك الحياد بين متطرفين غلاة دمروا المنشآت وأهلكوا الحرث والنسل وقتلوا الأنفس المعصومة في تفجيرات ببلاد إسلامية، وبين حكومة تلك البلاد؟ على سبيل المثال تلك القناة التي أخذ بعض كبرائها في إلقاء المواعظ عن المهنية والحياد هل تستطيع إدارتها أن تكون محايدة ومهنية بين الإرهابيين المفسدين وبين الأنظمة في المنطقة؟ فأين هم إذاً من التوسط بين وجهة النظر والوجهة الأخرى؟! لماذا لا يعرضون وجهة نظر الإرهابيين المنتمين إلى الإسلام ويتيحون لها المجال الذي يتاح للدولة؟ وما السر في كونهم لا ينشطون لذلك ويهرعون إليه إلاّ إن كان الإرهابي إسرائيليا أو أمريكياً أما إن كان مسلماً فلا حياد ولا مجال للتوسط بينهم وبين الأنظمة في نقل الصورة الأخرى ووجهة النظر المغايرة؟!

 

وهذا يدلك على أن الحياد دعوى تستر بها الدعوات المأجورة سوءاتها.. ولو قُدِّرَ أنْ كانَ حقيقةً فأخطأ من مدحه بإطلاق، فالحياد إنما يستحق الحمد في مواضع، كما يستحق الذم في أخرى، وقد يستحق المدح بتفسيرات، ويستحق الذم إن فسر بتفسيرات أخرى، وجماع ذلك أن من حاد إلى الحق فقد أصاب، ومن حاد عن الحق فقد أساء وأخطأ، ومن أراد من الإعلاميين أن يكون حياديا بهذا المفهوم فقد أراد لهم أن يدخلوا في الزمرة التي قال الله تعالى عنها: (مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا) [سورة النساء:143-145].

 

والنفاق مذموم سواء ادعى صاحبه الإسلام أو لم يدعه، والحياد الظالم قبيح سواء وقع فيه مسلم أو غيره، إذ الظلم قبيح عند الناس كافة على اختلاف أديانهم، والعدل والإنصاف محمود وإن جاء من شيطان، وقد عدل في قضية غزة بعض رؤساء الدول وبعض الشعوب والأمم، وما كانوا بإسلاميين، لكن قيمة العدل، اقتضت منهم كلمة الحق، وقريب من هذا شأن قناة الجزيرة فإنا لا نعدها قناة إسلامية؛ أخذت على عاتقها نصرة الإسلام وتبيين منهجه، ولاهي تعتبر نفسها كذلك بل المخالفات الشرعية فيها كثيرة –وإن كانت خيراً من غيرها- لكنها قناة عدلت في هذه القضية، واختارت الوقوف مع الحق، ونأت بنفسها عن الظلم، وهذا اختيار المنصفين والعقلاء، وتلك هي المهنية التي تستحق المدح، وذلك هو الحياد العادل الموجب للإشادة، ومن صنع إليكم معروفاً فكافئوه وهذا عام، فجزى الله تعالى القائمين عليها والعاملين فيها خيراً.