العطاء الحضاري للإسلام في الجانب السياسي1/2
13 صفر 1430
د. محمد مورو

ضرورة النظام الإسلامي:

ما هو النظام الذي يصلح للإنسانية وتسعد به، ويحقق لها حياة مستقرة هانئة.... وبديهي أن إجابة السؤال بالنسبة للمؤمنين بالله... هي أن الله هو الذي خلق الإنسان، ويعلم ما يصلحه وما يفسده، ومن ثم فإن القواعد التي وضحها الله تعالى وأرشد بها الإنسان، هي التي تحقق ذلك الهدف. وبما أن الإسلام هو دين الله الحق، وبما أن الرسول صلى الله علية وسلم هو النبي الخاتم، فإن النظام الإسلامي وحده هو الذي يحقق ذلك، ولكن هذا في حد ذاته ليس حلا نهائيا، فالنظام الإسلامي يطبقه بشر، وثم فإن مستوى ارتفاع هذا البشر إلى مستوى النظرية هو شرط تحقيق ذلك، وهذا الشرط بدوره موجود في كل النظم، فالنظم كلها يطبقها بشر، ومن ثم فإن من الممكن أن يحسنوا التطبيق أو لا يحسنوه، سواء أكان النظام المطبق ربانيا أم وضعيا. ونخلص من هذا إلى أن النظام الوضعي والنظام الرباني يتساويان في شرط التطبيق، ولكن للنظام الرباني فضلاً لا شك فيه بالنسبة للنظرية.....

 

من زاوية أخرى فإن الخبرات البشرية ذاتها ومن خلال تجارب وقعت في التاريخ القديم والحديث والمعاصر تقول إن النظم الوضعية فشلت في الأمرين معاً، في النظرية والتطبيق على حد سواء، بل لقد عانت البشرية معاناة هائلة بسبب تطبيق النظم الكسروية والهرقلية، بل والديمقراطية والاشتراكية والفاشية والنازية والشيوعية، بل إن مستوى المعاناة كان بشعا، ففي ظل تلك الأنظمة وبالذات الديمقراطية منها حدثت إبادة لشعوب الأمريكتين وأستراليا وحدثت مذابح في معظم أرجاء العالم نفذها الرجل الأبيض، ونشأت الصهيونية ثم دولة إسرائيل، وهي حاله تجسيم للظلم على مستوى اغتصاب حقوق شعب وأرض وعلى مستوى انتهاك حقوق الإنسان بصورة يومية وعلى مدار الساعة لعشرات السنين تحت سمع العالم وبصره، والديمقراطية هي التي استخدمت القنبلة الذرية في الحرب العالمية الثانية وهي التي مارست نهب العالم، ولا تزال قوات الدول الديمقراطية تنتهك سيادة الشعوب في العراق وأفغانستان وفلسطين....الخ أضف إلى ذلك إفساد البيئة واستنزاف ثروات الأرض....الخ

 

والمحصلة أن هناك شقاء لا شك فيه ترتب على تطبيق تلك النظم،وهو شقاء جماعي... أما في التطبيق الإسلامي فإن المسألة مختلفة، صحيح أنه قد تقع هناك تجاوزات، ولكنها تجاوزات فردية لا ترقى إلى تشكيل ظاهرة، وهي مرفوضة طبعاً، أي أننا لو قارنا بين مستوى السعادة في ظل الحضارة الإسلامية ومستواها في الحضارات الأخرى وبخاصة الغربية نجد النتيجة لصالح الحضارة الإسلامية بامتياز، ونحن هنا نتكلم عن الظاهرة في مجراها الرئيسي، أو في المحصلة النهائية، ونكرر أن هناك استثناءات ولكنها لا تخرق القاعدة، هناك استثناءات إيجابية في الحضارات الأخرى، وهناك استثناءات سلبية في التطبيق الحضاري الإسلامي ولكن تظل القاعدة هي نفسها وبديهي أن النظام الإسلامي به من الاتساع والمرونة ما يسمح بالاستفادة أيضا من الخبرات الإيجابية للتجارب الأخرى، وهذا لا يخالف الشرع الحنيف، بل هو فريضة أوجبتها الشريعة الإسلامية ذاتها، فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها.

 

المنظومة الإسلامية:

المنظومة الإسلامية السياسية والاقتصادية والاجتماعية منظومة كلها خير، ذلك أنها من عند الله تعالى الذي يعلم ما يصلح الإنسان والجماعة الإنسانية وما يفسدهما{ألا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }الملك14، وهي تحتوي على مساحات محددة فيها تشريع واضح ومحدد ومساحات أخرى متروكة للاجتهاد البشرى في إطار المنهج الإسلامي ومن خلال النصوص ذاتها والتصورات الإسلامية.ومن خلال التطبيق ثبت أنها أفضل منظومة عرفتها البشرية في كل تاريخها الاجتماعي، وهي صالحة إن شاء الله للتطبيق في كل زمان ومكان، وهي القادرة في عالمنا المعاصر على إنقاذ البشرية من التخبط والتيه والشقاء والمعاناة.

 

المنظومة السياسية:

يقوم النظام السياسي الإسلامي على عدد من المحاور كالتالي:

(1)- المسئولية الفردية:

{قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ وَلاَ تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلاَّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى ثُمَّ إِلَى رَبِّكُم مَّرْجِعُكُمْ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ }الأنعام164، {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ }المدثر38
وكل إنسان مسؤول في حدود ميدانه: "كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته والرجل راع في مال أبيه ومسؤول عن رعيته فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته" "حديث صحيح – تحقيق الألباني تخريح السيوطي في الجامع الصغير".


(2)- تساوي الناس في الحقوق وعموم تلك الحقوق:

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات13، وفي الحديث الشريف «لا فضل لعربي على أعجمي ولا لقرشي على حبشي إلا بالتقوى»، «يا معشر قريش اشتروا أنفسكم من الله، لا أغني عنكم من الله شيئا، يا بني مناف اشتروا أنفسكم من الله لا أغني عنكم من الله شيئا يا عباس بن عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا، يا صفية بنت عبد المطلب لا أغني عنك من الله شيئا يا فاطمة بنت محمد سليني ما شئت من مالي لا أغني عنك من الله شيئا» حديث صحيح – صحيح الجامع الصغير للسيوطي – تحقيق الألباني.
 والدعوة الإسلامية ذاتها تتجه لكل الناس: القوي والضعيف، الغني والفقير السيد والعبد، العربي والعجمي والرومي والحبشي (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيراً وَنَذِيراً وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ }سبأ28

(3)- التضامن بين الرعية والتعاون على البر والتقوى:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُحِلُّواْ شَعَآئِرَ اللّهِ وَلاَ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلاَ الْهَدْيَ وَلاَ الْقَلآئِدَ وَلا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّن رَّبِّهِمْ وَرِضْوَاناً وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَن صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَن تَعْتَدُواْ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ }المائدة2
 

(4)- الشورى:

وإذا كان النظام الإسلامي في كل تفصيلاته يقود إلى حرية التعبير فإن الشورى تحديدا أكثر التصاقا بتلك المهمة، ذلك أنها تجعل حرية التعبير فريضة على الإمام أن يطلبها من الرعية، وعلى الرعية أن تؤديها إلى الإمام، وإلى غير الإمام، فالنصيحة لله وللرسول وللإمام وللعامة والخاصة على حد سواء، والدين النصيحة كما هو معروف {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ }آل عمران159

وهذا يعني أن الشورى فريضة بنص القرآن الكريم، وكذلك في الآية إرشاد إلى الحاكمين بألا يكونوا غليظي القلوب أو مخيفين مرعبين، وذلك حتى تستطيع الرعية أداء النصيحة إليهم بدون خوف، وفي تفسير القرطبي "الجامع لأحكام القرآن" "أن الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومن لا يستشير أهل العلم والدين فعزله واجب وهذا لا خلاف فيه {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لاَ تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلاَ مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُواْ أَوْلاَدَكُمْ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ }البقرة233.

والله تعالى هنا يزكي الشورى بين الأزواج حتى في أشد حالات الخلاف، ومن ثم فالشورى سياسة عامة بين الراعي والرعية، وسياسة خاصة بين الإنسان وزوجته، والفرد وأسرته والآخرين والأصدقاء على حد سواء، والأثر الإسلامي يقول "ما خاب من أستشار بل إذا استشارك أحد ولم تحسن له المشورة كنت خائنا للأمانة" كما قرر الشرع الإسلامي وهناك سورة كاملة من القرآن الكريم تسمى الشورى وجاء فيها قوله تعالى {وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ{37} وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{38} وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنتَصِرُونَ{39}} الشورى، وهذه الآيات تجعل الشورى من صفات المؤمنين وتقرنها بالصلاة وترك الآثام وغيرهما من صفات الإيمان.
وفي إطار المدح فإن الله تعالي ذكر في القرآن في إطار سرده لقصة بلقيس ملكة سبأ أنها {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ }النمل32.

وفي الحديث الشريف:

يقول الرسول صلى الله عليه وسلم لكل من أبي بكر وعمر «لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتكما» رواه ابن حنبل، وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال "ما رأيت أحداً أكثر مشورة لأصحابه من رسول الله رواه الترمذي
وقول الرسول الكريم«إذا استشار أحدكم المسلم فأشار عليه بغير رشد فقد خانه». رواه البخاري وأبن حنبل
وفي الأحداث التي حدثت في حياه الرسول صلى الله عليه وسلم الكثير الذي يؤكد على وجوب الشورى فقبل معركة بدر عقد الرسول صلى الله عليه وسلم مجلسا استشاريا لتبادل الرأي مع أصحابه، فقام أبو بكر الصديق فقال وأحسن ثم قال عمر بن الخطاب فقال وأحسن ثم قام المقداد بن عمر فقال "يا رسول الله، إمض لما أراك الله، فنحن معك والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسي "فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فو الذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه، فقال رسول الله خيرا ودعا له، ولم تقتصر استشارة الرسول صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر على هؤلاء الصحابة الذين هم من المهاجرين، بل أحب أن يستشير الأنصار أيضا فقال "أشيروا علي أيها الناس"وكان يقصد الأنصار وفطن إلى ذلك قائد الأنصار وحامل لوائهم سعد بن معاذ، فقال والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟ قال أجل. قال "فقد آمنا بك فصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله لما أردت، فو الذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك، ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا، إنا لصُبُرٌ في الحرب، صُدُقٌ في اللقاء ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك فسر بنا على بركة الله.
فسُرّ رسول الله بقول سعد، ثم قال «سيروا وأبشروا،فإن الله وعدني إحدى الطائفتين، والله فكأني أرى مصارع القوم»(1)
وسار الجيش المسلم إلى بدر، وهناك نزل في مكان معين فاعترض على ذلك الصحابي الحباب بن المنذر، وسأل الرسول صلى الله عليه وسلم هل هذا المنزل بأمر من الله أم أنه الرأي والمشورة، فأفهمه الرسول صلى الله عليه وسلم أنه الرأي والمشورة، فأشار الحباب بن المنذر بأن ينزل الجيش المسلم على البئر فيمنع الكفار من الماء ويستفيد به الجيش المسلم وحده، فقَبِل الرسول تلك المشورة وأمر بتنفيذها.(2)
وهكذا فإن الشورى كانت سلوكا نبويا منهجيا، في كل الحالات بل في حالات الحرب والطوارئ.

 

وفي غزوة أحد، تم عقد مجلس استشاري لتبادل الرأي بين المسلمين وكان من رأي الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يخرج المسلمون من المدينة وأن يتحصنوا بها، وأشار آخرون بالخروج من المدينة وألحوا في ذلك، وتنازل الرسول صلى الله عليه وسلم عن رأيه واستجاب لمشورة هؤلاء،(3) ورغم أن رأيه كان هو الصحيح .

 

ولم يكن أمر الشورى بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم قاصرا على أمور السياسة والحرب فقط، بل كان يستشير في شؤونه الأسرية أيضا، فقبل أن ينزل الوحي ببراءة السيدة عائشة من حديث الإفك دعا الرسول صلى الله عليه وسلم كل من علي بن أبي طالب، وأسامة بن زيد يستشيرهما في فراق أهله.

 

وفي طريقة التنبيه إلى وقت الصلاة، استشار الرسول صلى الله عليه وسلم المسلمين في ذلك فأشار البعض باستخدام البوق وآخرون باستخدام الناقوس، فأشار عليه عبد الله بن زيد "من الأنصار"، وعمر بن الخطاب "من المهاجرين" بالأذان المعروف الآن فأمر رسول الله بلالا به فأذّن، رواه ابن ماجة.

 

وفي دولة الخلفاء الراشدين كان الأمر على نفس الطريقة، فكل خليفة من الخلفاء الراشدين كانت له مجموعة من كبار الصحابة يستشيرهم ولا يقطع أمرا دونهم، سواء في أمور الحرب والسياسية، أو أمور الاجتهاد في الفقه أو القضايا والمنازعات أو حتى في شؤون الصحة والمرض، فالخليفة أبو بكر الصديق رضي الله عنه استشار في أمور كثيرة منها المواريث، والقضاء، وكان دائم السؤال عن الأمور التي تواجهه، فإذا وجد إجابة في كتاب الله أو سنة النبي أخذ بها، وإن لم يجد خرج فسأل المسلمين، أما عمر بن الخطاب فقد استشار في أمور منها تشديد الحد على شارب الخمر، والأخذ بنظام الدواوين. وتطوير جهاز الدولة وإنشاء جيش نظامي، وكذلك في الموقف من الوباء الذي وقع في الشام.
ومن مأثورات عمر بن الخطاب في هذا الصدد "من بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له، ولا بيعة للذي بايعه" رواه البخاري وأبن حنبل.
وكان الصحابة أيضا يفعلون ذلك يروي عياض الأشعري فيقول "شهدت اليرموك، وعلينا خمسة أمراء، فأصبنا أموالا فتشاوروا" رواه ابن حنبل.

________________
(1) صفي الرحمن المبار كفوري – الرحيق المختوم – دار النشر والتوزيع الإسلامية القاهرة – ط 2005
(2) ابن عبد البر – "الدرر في اختصار المغازي والسير – طبعة القاهرة 1966.
(3) صفي الرحمن المبار كفوري – مرجع سبق ذكره.