المملكة العربية السعودية وامتلاك السلاح النووي: المعوقات والمحفزات
23 صفر 1430
هشام منور

أدى النزاع الإيراني الغربي المتصاعد مؤخراً على خلفية سعي إيران لامتلاك برنامج نووي تدعي أنه مخصص للأغراض السلمية فحسب إلى تعزيز مخاوف دول المنطقة، وبالذات الخليجية منها، من حيازة الدول المجاورة للتكنولوجيا النووية، واحتمال قيام سباق نووي بما له من أبعاد عسكرية وأمنية على دول المنطقة، في ظل امتلاك "إسرائيل" لترسانة نووية عسكرية معروفة، واحتقان أزمات المنطقة وتصاعد التهديدات الاستراتيجية التي تعرفها.

 

والحال أن كبرى الدول الخليجية (المملكة العربية السعودية) لم تكن بعيدة عن هذه الأحداث، إذ اعتبر كثير من المحللين الغربيين أن إعلان المملكة العربية السعودية عن رغبتها في تطوير برنامج سلمي للطاقة النووية تحت مظلة التعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي، وتوقيعها منتصف العام المنصرم لاتفاقية تفاهم مع الولايات المتحدة الأمريكية بخصوص هذا الشأن، ما هو إلا سير في اتجاه امتلاك التقنية النووية أسوة بدول الجوار الإقليم (الهند، باكستان وإسرائيل).

 

وقد تناولت العديد من الدراسات والأبحاث الصادرة في الغرب مؤخراً تحليل المحفزات والمعوقات التي تقف أمام امتلاك المملكة العربية السعودية للتكنولوجيا النووية، ومنها على سبيل المثال دراسة الباحثة في مركز (جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي) (كيت أملن) والمعنونة بـ"هل ستمتلك المملكة العربية السعودية أسلحة نووية؟ ". (1)

 

 تشير الدراسة بوضوح إلى افتقار السعودية إلى الموارد الطبيعية والقدرات التكنولوجية والخبرة العلمية اللازمة لتطوير برنامج متقدم التي تخولها سواء لحيازة سلاح نووي أو مجرد امتلاك الطاقة النووية، وترى الباحثة إمكانية قيام السعودية إزاء ذلك بشراء تلك التقنية بشكل كامل من حليفتها (باكستان) ذات الباع في كيفية إنتاج الطاقة والسلاح على حد سواء. إلا أن ذلك قد يعوقه مخاوف الحكومة السعودية من مواجهة عزلة دولية محتملة قد تنجم عن مثل هذه الصفقة مع باكستان، وما قد يلحقه ذلك من أضرار بعلاقاتها وسمعتها السياسية والاقتصادية.

 

يعتبر كثير من المحللين الاعتبارات الأمنية هي المحفز الأساسي وراء احتمال سعي المملكة العربية السعودية لامتلاك السلاح النووي، اعتمادًا على افتراض أن الأسلحة النووية ستجعل السعودية أكثر قوة وردعًا للأعداء، ولكن حتى الآن لا تشير تصريحات المسؤولين السعوديين أو حتى الأفعال السعودية ذات الصلة، إلى أن مثل هذه العوامل تدفع المملكة إلى السعي نحو امتلاك الردع النووي، أو أن مثل هذه العوامل قادت السعودية في السابق لتطوير أسلحة نووية.
ولكن، ما الذي يحفز السعودية لامتلاك التقنية النووية أكثر من ذي قبل؟.

 

ترى الدراسة أن العامل الأمني يشكل في الآونة الأخيرة هاجساً مهماً للحكومة السعودية، فامتلاك السعودية لثروات طبيعية ونفطية على مساحة كبيرة مكشوفة تقدر بحوالي المليوني كيلو متر (هي مساحة السعودية) يجعلها أكثر عرضة للهجمات الإرهابية التي عانت منها مؤخراً بشكل متزايد. يضاف إلى ذلك موقع السعودية الجغرافي في منطقة متوترة ومحتقنة بأزمات ونزاعات خطيرة وطويلة يفرض عليها، من الناحية الأمنية حماية حدودها ومقدراتها من عواقب أي نزاع أو حرب محتملة. وعلى الرغم من امتلاك السعودية لترسانة معقولة من الأسلحة التقليدية المتقدمة، إلا أن قدراتها العسكرية التقليدية لا تزال أقل من المستوى المطلوب مقارنة بدول أخرى في المنطقة، وذلك نظرًا لقلة عدد سكانها.

 

كما ترى الدراسة، بحسب بعض المحللين والمراقبين، أن نجاح إيران في امتلاك أسلحة نووية أو حتى برنامج نووي سلمي، سوف يدفع السعودية إلى منافسة إيران والسعي لامتلاك ما تملكه إيران في ظل التنافس "البارد" بين الدولتين على زعامة العالم الإسلامي، وبسط النفوذ على المنطقة، فضلاً عن منعكسات ذلك على الأمن القومي السعودي. ورغم ذلك، تؤكد الباحثة على أنه لا يوجد دليل مادي ملموس على أن القادة السعوديين قد قرروا بالفعل امتلاك التقنية النووية كرد فعل على أنشطة إيران النووية، ولكن إذا نجحت إيران في امتلاك أسلحة نووية، فإن الموقف السعودي قد يتغير، على حد تعبير الباحثة.

 

وتُطرح الدراسة "إسرائيل" بوصفها محفزًا محتملاً للسعودية نحو امتلاك السلاح النووي في بعض الأحيان، إذ تمثل إسرائيل النووية تهديداً حقيقياًً للسعودية. إذ ترفض الحكومة السعودية الاعتراف رسميًّا بإسرائيل، وتطالبها بالانسحاب من الأراضي العربية المحتلة، وترى السعودية في الترسانة النووية الإسرائيلية عقبة أساسية أمام تحقيق السلام في الشرق الأوسط. وهو الأمر الذي يبرر سعي المملكة المحتمل مستقبلاً لامتلاك التقنية النووية.

 

وترى الباحثة أن هناك المزيد من العقبات التي تقف أمام سعي السعودية لامتلاك سلاح نووي، منها علاقات السعودية الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، فالسعودية قد لا ترغب في امتلاك أسلحة نووية؛ لأن ذلك سيؤدي إلى توتير علاقاتها مع الولايات المتحدة، المورد الرئيس للأسلحة التقليدية للمملكة. وتتمثل العقبة الثانية في الإدانة الدولية التي ستواجهها السعودية نتيجة القلق من أن يحدث مثل هذا الأمر ضررًا كبيرًا بعلاقاتها السياسية والاقتصادية مع الدول الأخرى، وقدرتها على جذب مزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى داخل البلاد. فضلاً عن أن السعودية عضو بمعاهدة منع الانتشار النووي منذ عام 1988، ووقعت العديد من الاتفاقيات الإضافية مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 2005.

 

وتستنتج الدراسة في نهاية المطاف أنه بالنظر إلى الوضع الأمني الحالي، فإن السعودية لن تميل إلى تطوير أسلحة نووية في المدى القصير، لأن كلفة تطوير مثل هذه الأسلحة تفوق المحفزات الأمنية الباعثة عليها، لكنها تؤكد على وجود ثلاثة عوامل قد تغير الموقف السعودي الحالي. يتمثل أولها في احتمال توتر العلاقات السعودية الأمريكية، ما سيدفع السعودية إلى السعي نحو تطوير الأسلحة النووي لردع أي عدوان خارجي. واحتمال نجاح إيران في امتلاك ترسانة نووية. ويتمثل العامل الثالث في تغير توجه القيادة السعودية نفسها، الذي قد يحدث تحولاً في الإدراك للمكاسب الناجمة عن تطوير أسلحة نووية.

 

ويبدو أن عوامل التحفيز أو التثبيط المحتملة ترتبط بشكل أوثق بمجريات الأحداث وتفجر الأوضاع في منطقة الشرق الأوسط، ومدى قدرة الحكومة السعودية على إدارة ملفات الصراع والاحتقان التي ما لم تجد منفذاً للحل، سوف تفضي دون أدنى شك إلى إعلان سباق جديد للتسلح لا تكون الأسلحة النووية فيه أول المغريات، ولن تكون آخرها بكل تأكيد.

 

ـــــــــــــــــــــــ

1  - للاطلاع على الدراسة كاملة، يمكن متابعة الدراسة على موقع مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار النووي.