هل تتفكك باكستان؟
9 جمادى الأول 1430
طلعت رميح

تتحول المعركة من أفغانستان إلى باكستان, حتى أصبحت المعركة الجارية هناك هى حول باكستان أكثر مما هي حول أفغانستان, باكستان الآن تتهددها " كل مهددات امنها القومى " وسط أجواء ورياح عاتية على كل المستويات ومن كل الاتجاهات.

 

 

 المعركة لم تعد تجرى على أفغانستان فقط , أو لنقل أن المعركة الجارية الآن, تستهدف أفغانستان وباكستان, وأن القلب فيها هو باكستان , على اعتبار أن باكستان هي الأساس في وجود وقوة المسلمين في تلك المنطقةمن العالم سياسيا واقتصاديا وعسكريا, أو لأنها هي "الدولة القائمة" بينما أفغانستان هي الدولة المفككة والأضعف منذ خروج الروس وحتى الآن, ولأن حسم المعركة الأفغانية لم يعد ممكنا إلا بحسم المعركة الباكستانية, إذ تحول الصراع إقليميا, ودوليا, يستهدف باكستان التي ضعفت جراء ما حدث ويحدث في أفغانستان وممتدا إلى داخلها, وما يجرى على الحدود الهندية الباكستانية.

 

 

باكستان مهددة الآن, من خلال نقل عمليات قوات الاحتلال الأطلسية بقيادة الولايات المتحدة, إلى أرضها. الأمر لا يقتصر فقط على قيام طائرات الأطلسي بالإغارة اليومية على مناطق داخل الحدود الباكستانية, بل لأن هذه الغارات تعمق الجرح الغائر في جسد علاقات المجتمع الباكستاني مع الدولة, وتظهر تحالف سياسيا وعسكريا بين السلطة السياسية القائمة والجيش, مع قوات الأطلسي, ضد أبناء الشعب الباكستاني في منطقة القبائل, التي تتعرض يوميا إلى عمليات من الجيش الباكستاني أيضا, وكذا لأن لهذا الجاري, تداعيات تتمثل في إنهاك المجتمع والدولة الباكستانية معا, والأخطر أنه يمثل إنهاءً لسيادة الدولة الباكستانية على الأرض والشعب.

 

 
وباكستان مهددة الآن, بصراع مفتوح مع الهند. الأمر هنا لا يتعلق بفكرة احتمال اندلاع حرب محدودة أو شاملة بين البلدين, فذلك أمر لاشك أن الهند تحسب له ألف حساب, ولكن الصراع المفتوح مع الهند, يرتبط بتبعيات خطرة على استقرار باكستان داخليا, بعد فتح جبهة صراع وجودية مع الهند, إذ هذا الصراع يشكل ضغطا كثيفا ومشددا على طول الحدود وفى داخل باكستان, و هو يتيح للقوى الدولية المعادية ممارسة كل صنوف الضغوط الخارجية على باكستان بعد ما سنحت لها فرصة واسعة للتدخل في الشأن الباكستاني الداخلي, بحجة مكافحة الإرهاب, خاصة, في ظل المساعي الهندية الأمريكية الرامية لوضع باكستان على قائمة الدول "مصدرة الإرهاب".
 

هنا يتحول الضغط الهندي إلى ضغط أمريكي وصهيوني وبريطاني وفرنسي .. الخ, بما يجعل باكستان في مواجهة ريح عاتية على مستوى العلاقات الداخلية المضطربة أصلا بين الدولة .. والمجتمع.

 

 
وباكستان الآن, في وضع اقتصادي سيء, إذ تشير التقارير التي تناولت الطلب الباكستاني لصندوق النقد الدولي بإقراضها نحو 12 مليار دولار, أن هذا الطلب جاء على خلفية تقدير بأن الدولة ستعلن إفلاسها في غضون عامين, إذا لم تتلق هذا القرض, وهو ما يعنى ليس فقط تعرض باكستان إلى ضائقة داخلية, بل إنها باتت مقبلة على تنازلات أخطر أمام الضغوط الخارجية, تزيد العلاقات الداخلية المضطربة سوءا على سوئها.
 
هنا تتكامل صورة مأساوية لوضع باكستان: اقتصاد مدمر, واضطراب داخلي وصل حد استخدام السلاح بين جيش الدولة وجماعات داخلية, وصراع في أفغانستان يتحرك رويدا رويدا إلى الداخل الباكستاني, وصراع على الجهة الإستراتيجية والحضارية و التاريخية مع الهند, فإذا أضفنا إلى ذلك وضع دولي يتلمس الطرق سعيا لإفقاد باكستان أهم عوامل حفاظها على بقاء الدولة والمجتمع, أي السلاح النووي, إذ تصاعدت الآن الدعاية الصهيونية والأمريكية حول مخاطر تتهدد السلاح النووي الباكستاني, بما يتطلب حسب دعاواهم, تدخلا دوليا للإشراف على تأمين هذه الأسلحة.
 

هنا تصبح الصورة العامة لأوضاع باكستان وما يحيط بها, كاشفة عن تعرض باكستان لكل مهددات أمنها القومي خارجيا و داخليا, وفى حالة تشابك و تفاعل يمكن أن تخرج عن سيطرة الدولة الراهنة!

 

 
الضربة الخلفية
جاءت أحداث مومباى في الهند مفاجئة للمراقبين والمتابعين, الذين كانوا منغمسين في متابعة ما يجرى في أفغانستان داخل الحدود الباكستانية, وفى متابعة استقرار الحكم الحالي في باكستان الذي شكل بعد الأحداث التي جرت منذ بداية عودة بنظير بوتو حتى استقالة الجنرال الباكستاني برويز مشرف, بحكم أنها كانت فترة حافلة بالصراعات الدموية والسياسية على حد سواء.
 
 وبينما المراقبين يتابعون تأثيرات العمليات التي يقوم بها الأطلسي داخل الحدود الباكستانية, ويقلبون في واقع وحالة الانكسار التي أصيب بها حلف الأطلسي في أفغانستان, ويتحققون من نتائج الضربات الأطلسية في داخل حدود باكستان ودرجة تاثيرها على الأحداث في باكستان وأفغانستان, جرت أحداث مومباى, مفاجئة ومباغتة خاصة, وقد طال أمدها, لعجز الجيش والشرطة الهندية عن مواجهة الحدث, وهو ما طرح تداعيات أعمق وأبعد لها.
 
ظهرت التحليلات والتكهنات متعددة ومتنوعة. قيل إنها محاولة باكستانية لردع الهند عن تعميق نفوذها ودورها في أفغانستان, أي أنها جاءت امتدادا للعملية الأكبر في أفغانستان التي طالت السفارة الهندية فى كابول, والتى اتهم كرازاى - الحاكم الذى نصبته قوات الاحتلال الامريكية -باكستان صراحة بتدبيرها.
 
وفى ذلك جرت اقاويل عديدة, حول دور متجدد للمخابرات الباكستانية, يعمل حتى من خلف "الحكم الراهن" . وقيل انها فعل على غرار 11 سيبتمبر قامت به جماعة جهادية كشميرية قصدت منه الرد على الجرائم الهندية تجاه المسلمين فى الهند وكشمير, وفى ذلك جرى الاستناد إلى وقائع سابقة, حيث قام جهاديون من إقليم كشمير المحتل بالهجوم والتفجيرات فى أكثر من موضع وموقع, داخل الهند.
 

لكن هناك من رأى أن ما جرى - بغض النظر عن الجهة الفاعلة مباشرة - كان بمثابة ضربة خلفية لباكستان , تستهدف تشتيت عوامل قوتها على جبهتين – أفغانستان والهند – وتطوير الضغط الهندى عليها لإضعاف الدور الباكستاني في أفغانستان, وجذب الهند الصاعدة فى قوتها الاستراتيجية, نحو الضغط على باكستان, وللدخول فى تحالف مع الغرب لمكافحة الإرهاب, وأن ما جرى هو مؤامرة على باكستان لكسر ارادتها وربما انهاء وجودها, على غرار ما جرى من تحالف أمريكي مع إيران ضد العراق, أي أن ما نتابعه يجرى ضمن منظومة الهجوم الاستراتيجى على الأمة الاسلامية فى مكونها السني.

 

 

وهكذا وإزاء تصاعد الضغوط الهندية حد التهديد بعمل عسكرى شامل ضد باكستان وبعد التدخل الامريكى والغربي على خط الضغوط على باكستان لمزيد من التحرك نحو الصراع مع الجماعات والاتجاهات الاسلامية , بدا ان هذا التفسير هو الاقرب للصحة, لتصبح باكستان فى مواجهة ريح عاتية من كل الاتجاهات!

 

 
تفكيك الدولة
وواقع الحال , أن هدف تفكيك باكستان ليس حلما يجرى تفسيره, بل هو هدف معلن من قبل أطراف دولية وإقليمية عديدة.
 
هنا ينبغي التنويه إلى ما أورده الخبير الاستراتيجى الامريكى رالف بيترز فى مقاله حدود الدم , من ضرورة تفكيك باكستان, وتشكيل دولة الباشتون محل القسم السنى منها, بالجمع بين أبناء هذه العرقية في باكستان وأفغانستان.
 
كما الهند من زاويتها ما تزال تعتبر أن خروج باكستان من داخل "الدولة الهندية الكبرى" كان عملا اصطناعيا استهدف منه إضعاف الهند, ومن ثم هى فى صراع من يومها مع باكستان, التى ما تزال فى نظر الهند , أحد اقسام دولتها ومجتمعها.
 
وما زاد من هذا الطموح و الرغبة الهندية, استمرار الصراع بين الدولتين حول استقلال اقليم كشمير الواقع تحت الاحتلال الهندى, وتحالف باكستان مع الغرب خلال حقبة الحرب الباردة, وتحالفها مع الصين حاليا, وهى الخصم الاستراتيجى للهند فى تلك البقعة من العالم.
وفى ذلك يبدو الطرف الثالث المعلن ايضا, هو الكيان الصهيونى - الداخل فى تحالف متصاعد بمرور الوقت مع الهند - إذ يرى هذا الكيان أن امتلاك باكستان للسلاح النووى هو خطر استراتيجى لا يمكن إلا الانتهاء منه , بغض النظر عن من يحكم باكستان , باعتبارها سجلت السبق الاول فى امتلاك دولة اسلامية للسلاح النووى , وللاتهامات الكثيفة التى وجهت للبطل الباكستانى القدير خان, أبي المشروع النووى, بالعمل من اجل تطوير القدرة النووية لدول اسلامية عديدة.
 
فإذا أضفنا إلى ذلك , ان باكستان هى دولة اسلامية " وحيدة " فى منطقتها على النحو الإقليمى المباشر, وأنها بلد يعانى من انكشاف استراتيجى خطير جراء رضوخ برويز مشرف للضغوط الأمريكية, والدخول فى تحالف أنهى حكم طالبان ليحل محله حكم كرازاى المنفذ للمصالح الامريكية والصهيونية والهندية - لا الافغانية ولا الباكستانية - تصبح المهددات الخارجية لباكستان اقوى من قدرة " الدولة " على مواجهتها, خاصة إذا كانت تلك الدولة تحكم من قبل اقلية مذهبية فى نهاية المطاف, بغض النظر عن قصص الديموقراطية.
 

لكن الإشكالية الأعمق, أن هذا الضغط الخارجي, يأتي والبلاد فى حالة انقسامات واضطرابات داخيلة, يجرى فيها استخدام السلاح لأسباب تتعلق بذات الموضوعات المشتعلة الآن مع الأطراف الخارجية, وذلك هو واحد من مكامن الخطر "الاستراتيجى", التي تجعل البلاد تعيش ضمن متوالية هندسية من توليد وتفاعل التطورات, إذ كل تطور في مجال خارجى أو داخلى يمكن أن يتحول إلى تطورات متعددة متتالية وفى اتجاهات متنوعة تولد بدورها أحداثا أخرى, لا يمكن لأحد ضبط تفاعلاتها!

 

 
مهددات الأمن القومي
وهكذا فى التحليل العام , نجد أن باكستان تعيش فى ظروف تتعدد وتتنوع وتتكامل فيها مهددات الأمن القومي, جملة واحدة.
 
صراعها مع الهند وخطط الولايات المتحدة والكيان الصهيونى, وجميعها تتعلق بوجود باكستان كدولة.
الصراع على الحدود الممتد إلى داخل أفغانستان.
تفكك المجتمع وصراع قوى عديدة بالسلاح مع الدولة, دون قدرة من الجهاز العسكرى للدولة على حسم الأمر.
انهيار القدرات الاسترتيجية للدولة في المجال الاقتصادي خاصة.
 وكلها مهددات تأتى, والدولة الباكستانية ما تزال تحاول البحث عن شرعيتها, وتثبيتها وجودها بعد مرحلة الجنرال مشرف!
 
هنا, تدخل باكستان فى دوامة الفعل ورد الفعل دون القدرة الكاملة على الموازنة الاستراتيجية, ودون قدرة على الحسم الاستراتيجي في أي من القضايا المهددة لكيانها مع ارتباك فى استخدام الأوراق المتاحة.
 
 فإذا هي ظلت منصاعة للقرار الامريكى وعلى تحالفها مع الولايات المتحدة في حربها في أفغانستان وامتدادها إلى داخل حدود باكستان, فإنها تدخل فى حالة حاسمة من افتقاد شرعية جهاز الدولة فى تمثيله للمصالح العليا لباكستان, وفى أبجديات الحفاظ على سيادتها على أرضها وحماية شعبها وهو ما يضعف مقدرات الدولة - والمجتمع - ويدخلها في متوالية لا نهاية لها إلا الانهيار الشامل داخليا.
 
وإذا هي تخلت عن التحالف مع الولايات المتحدة أو أدارت ظهرها لحلف الأطلسي لتحقيق سيادتها على أرضها وحماية شعبها, فذلك يعنى أنها دخلت فى مواجهة تحالف استراتيجي بين الأطلسي والولايات المتحدة من جهة, والهند من جهة أخرى, دون أن تجد سندا استراتيجيا لمواجهة هذا التحالف, حيث لا الصين ولا روسيا, راغبة فى الدخول فى تحالف معها, على هذا المستوى من الصراع.
 
وإذا هي تحولت إلى نمط من "التحركات التكتيكية" بدلا من اتخاذ قرارات إستراتيجية, فإن لمثل هذا النمط من إدارة الأزمات مخاطر جمة على التوجهات الاستراتيجية, خاصة فى ظل تشكيل حالة معقدة من المهددات الاستراتيجية على النحو الحاصل لباكستان الآن.
 لقد ناورت باكستان بامكانية سحب قواتها العسكرية المحتشدة على الحدود الباكستانية الأفغانية وتحويلها نحو الحدود مع الهند, للضغط على مواقف الولايات المتحدة وأوروبا على صعيد صراعها مع الهند, لكن الولايات المتحدة قابلت الموقف الباكستانى بالتلويح بالتوسع فى استخدام القوة داخل الاراضى الباكستانية – بما يعنى زيادة تاجيج المشاعر الشعبية ضد الحكم فى باكستان – كما هى ردت بتطوير الموقف الامريكى المطالب باجراءات باكستانية ضد الجماعات الإسلامية.
 
كما جرت فى تلك الفترة, عمليات ضد مخازن وقوافل الامداد والتموين لقوات الاطلسى المتواجدة فى باكستان, فكان أن دخل حلف الأطلسي فى مفاوضات مع روسيا وبعض دول آسيا الوسطى لمرور القوافل من أراضيها بدلا من الأراضي الباكستانية , وهو ما حمل معنى عدم مساندة الهند اقتصاديا بطبيعة الحال.
 

ولقد شهدنا كيف جرت عملية تعبئة باكستانية داخلية لموجهة الخطر الهندى – بعد التهديدات المتكاثرة بشن عدوان هندى ضد باكستان – وهو ما نتج عنه صدور إعلانات من جماعات إسلامية بالوقوف مع الدولة إذا واجهت الهند, فكان أن تدخلت الولايات المتحدة بالاعتراض والرفض لتقارب بين الحكم والجماعات الاسلامية, التى تعتبرها الولايات المتحدة جماعات "إرهابية".

 

 
وصفة .. الخراب
هنا يبدو القول مفهوما, أن الوصفة للخراب, هى بالضبط ما تقوم به الإدارة الحالية للدولة الباكستانية, من الاستمرار فى الاشتباك والتردد على كل الجهات, دون إدراك السبب الأساسي لكل ما هي عليه الآن, وهو الارتباط بالخطة الأمريكية بالاحتلال الأطلسي لأفغانستان!