24 رجب 1430

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أبعث إليكم رسالتي وكلي أمل في أن ألقى لديكم حلا فيما يشغلني ..
وهو أن أبي رجل ملتزم ولله الحمد وقد كان طالب علم في شبابه ولكن لم يكن منتظما في الطلب ، وهو الآن في الأربعينات من عمره ، وأنا أتمنى أن يعاود طلب العلم ، ولكنه لا يملك الهمة وهو من أخبرني بذلك ، كما أنه انصرف الآن إلى أمور الاقتصاد ونحوها وهو منشغل بها، وأيضا يعاني مشكلة التسويف كثيرا ، لدرجة أنه منذ عشرين سنة مضت وهو يريد حفظ القرآن ، وقد بدأ بذلك فعلا عدة مرات ، فيحفظ مثلا جزءين أو ثلاثة ثم ينقطع ولا يكمل ، ثم يعاود الحفظ بعد سنوات وينقطع ولا يكمل وهكذا .. ولذلك فكرت أن أبدأ معه حفظ القرآن وفعلا بدأنا وعندما اجتزنا عدة صفحات من سورة البقرة ، كان مسرورا جدا وكان يحمد الله ، ثم أخبرني أنه إذا أتم حفظ سورتي البقرة وآل عمران - إن شاء الله - فإنه سيكون إنجازا وسيكتفي بحفظهما << يعني أن همته لحفظ القرآن كاملا قصرت ، علما بأنا توقفنا عن الحفظ بحجة قراءة تفسير ما حفظنا وبعدها لم نقرأ تفسيرا ولم نكمل حفظا !!
عموما والدي حفظه الله سهل الاقناع والحمد لله ، ولكن يحتاج لمن يحمسه ويتابع معه ، إلا أني لا أعرف كيف أبدأ معه ، كما أعتقد أنه سيكون أكثر التزاما لو كان مع جماعة ، فأرجو منكم أن تفيدوني بكيفية التعامل مع والدي ، وجزاكم الله خيرا .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

أجاب عنها:
د. مبروك رمضان

الجواب

وعليكم السلام ورحمة اله وبركاته
أشكرك على ثقتك في موقع المسلم وأسأل الله تعالى لك دوام التوفيق والرشاد.
دعني في البداية أشكرك على هذا الاهتمام وهذا النوع من البر مع الوالد فهي خطوة غالبا ما ننتظرها من الآباء وعندما تأتي من الأبناء فإن هذا يدل على الحب الذي يتمتع به هذا الابن وحسن التربية وجمال العشرة وصدق الطوية وعذوبة الفكر ونقاء القلب فنسأل الله تعالى لك ولوالدك دوام التوفيق والرشاد .
وسؤالك يدور حول نقطتين رئيسيتين هما : ضعف همة الوالد وكيف تجعله يستعيد هذه الهمة ؟
ولعلك تدرك أن الآباء بعد سن الأربعين غالبا ما يبدأ تفكيرهم يتوزع حول اهتمامات متعددة منها العمل واستقرار الأبناء وتأمين مستقبلهم والحفاظ على مستوى المعيشة وتحسينها للأبناء بما يتواكب مع احتياجاتهم خاصة بعد زيادة متطلباتهم وتوسعها وحاجتهم إلىأمور لم يكن الحاجة إليها قبل خمس أو عشر سنوات فالأولاد يكبرون ومنهم من بلغ ويحتاج إلى الزواج أو إلى دراسة معينة أو بيت وهنا يبدأ تفكير الآباء يتشتت وتضعف معه همة الشباب في طلب العلم أو ما كان عليه سابقا من العمل وفي الغالب ما يبدأ الآباءء في زيادة العمل أو البحث عن مصادر للدخل تساهم في الوفاء بمتطلبات الأبناء الجديدة .
إلا أن الهمة التي كانت لدى الوالد في حرصه على طلب العلم وحفظ القرآن من قبل لم تكن بذاك القوة التي تدفعه لتحصيل القدر الأوفى من الحفظ أو العلم لذا ننبه هنا إلى القدرات والاستعدادات النفسية والبدنية والقدرة على الاستمرار في طلب تحصيل غايات شرعية تحتاج إلى طول مثابرة .
و أنت في مرحلة الشباب لا تمر بما يمر به الوالد من ضغوط حياة ومتطلبات عمل وأسرة وأولاد وغيرها ولم يتشتت ذهنك كثيرا بمتطلبات متنوعة ومتعددة لذا فالوقت لديك أرحب وأوسع وأكثر تركيزا وأنفع إنجازا .
وما ينصح به هنا :
أن لا تكون عامل ضغط على الوالد فتستمر أنت في حفظك للقرآن وتستعين بعد الله تعالى بالوالد كي يسمع لك ويبارك لك إنجازك ويتابع معك تفوقك فهذا من أفضل أنواع البر به
أن تعمل قدر الإمكان على انتهاز فرص العطلات الرسمية والخلوية والتسابق مع الأسرة ومنها الوالد في حفظ ما تيسر من القرآن
أن تلزم نفسك بالاستمرار دون النظر لهمة الوالد والتي هي في الحقيقة ليست ضعف بل هي انشغالات بك وبإخوانك وأخواتك والعمل على توفير ما تحتاجون إليه مستقبلا وهو نوع بل من أهم أنواع الجهاد وحتى لا يترككم عيلة تتكففون الناس.
لا يعني هذا أن هذه هي فقط مهمة الوالد بل والدك لديه من الخير الوفير والحرص على الخير فلا تكن مانعا له بإلحاحك عليه بل كن دافعا له بأن تستمر أنت على هذا الاهتمام سوف تجده يتابع معك.
(( كما أن هناك بعض الأمور الهامة أيضا لا يسعك إهمالها ومنها :
1- أن تدعو الله لأبيك أن يفتح الله له ابواب الخير وأن يحببه في الإيمان والهدى
2- أن تختار الموقف المناسب والحالة النفسية الصافية لأبيك وتذكره بعودة طلب العلم بأسلوب مهذب راق وبلفتة من بعيد على استحياء , وأن تدفعه للقعود مع طلبة العلم واهل العلم ودعوتهم لبيتكم أو اصطحابه لدروس العلم في ايام مناسبة له ..وهكذا ))