هل تنجح فتح في استعادة قوتها الضائعة؟
4 رمضان 1430
د أسامة عثمان
حرصت قيادات فتح المجتمعة في مؤتمر الحركة السادس على ترك انطباع عند أفرادها ولدى الرأي العام الفلسطيني وغيره, أنها بصدد الرجوع إلى الساحة الفلسطينية بزخم, وتجدد, وعنفوان, يمكنها من إعادة تنظيم صفوفها, واستعادة مكانتها القيادية في صفوف الشعب.
 
وقد اعترفت, على لسان عباس الذي اختير رئيسا بالتزكية, إلى جانب رئاسته للسلطة, أن تراجعها يعود إلى أخطاء ارتكبتها, وإلى ضعف أدائها, وسوء إدارتها.
 
ولا يخفى أنها بعد نجاحها في عقد مؤتمرها السادس, قد لامستها نشوة, ومازج أبناءها شعور من الرضا بهذا "الإنجاز" ولاسيما وقد ترافق, وملابسات منع الحكومة في غزة أعضاء فتح من المشاركة في المؤتمر؛ ما ترك فرصة لمن اختلت مواقعهم, ومن هم في موقع المساءلة, أن يوظفوا هذا الموقف؛ لتحقيق الالتفاف حول القيادة الفتحوية الجديدة, ذات النهج الجديد المختلف عن نهج ياسر عرفات, وإن حاولت هذه القيادة استرضاء من يوصفون بالراديكاليين في الحركة؛ باستبقاء خيار المقاومة المتفقة مع الشرعية الدولية، من الناحية النظرية, دون أن يكون لهذا الخيار هامش حقيقي، إلا مما يسمى بالنضال الشعبي, والسلمي.
 
وقد أدركت فتح أن كثيرا من تراجعاتها عائد- بعد فوضويتها, وفلتان عناصرها, وسيادة الشللية, والمصلحية الضيقة- إلى تخليها عن خيار المقاومة, وإلى تماهيها مع السلطة؛ باندماج غالبية قادتها, وكوادرها في أجهزة السلطة الأمنية, والمدنية؛ ما جعل ولاءهم لها يتقدم, على أي ولاء آخر؛ لأن مصالحهم, مرتبطة, ببقاء السلطة, وقوتها. فأعلنوا أنهم بصدد العمل على استقلالية حركة فتح، بانفصالها عن السلطة, وبناء مؤسساتها, وترميم بنائها التنظيمي.
 
لكن المرجح ألا تبتعد تلك الأهداف عن منطقة الأمنيات, فالحركة, وإن كانت الآن, تبدو مندفعة بزخم الروح الثأرية, والرغبة في حماية وجودها, أمام ما تعتبره تهديدا لها من حركة حماس؛ فإن هذه الروح وتلك المشاعر ليست هي فقط ما يعوز الحركة, حتى تدب الروح في أوصالها اليابسة, أو الضامرة.
 
إن أية حركة فلسطينية, ولاسيما, إذا كانت تعلن عن نفسها حركة تحرر, ومقاومة, لن تكتسب ثقة الشعب, ولا التفاف أبنائه, ما لم تعد إلى صفوفه, وتعمل معه, في ساحات النضال, على نحو مطلق, دون الارتهان, إلى استحقاقات, والتزامات, يرتهن لها رئيسها, بوصفه رئيسا للسلطة, قبل أن يكون رئيسا لفتح.
 
ويتوجب على هذه الحركة التي أعلنت في مؤتمرها الأخير أنها تبقي على خيار المقاومة, مع خيار السلام, أن تواجه هذا التطرف والتحدي الذي يجدده نتنياهو كل يوم, ويصعِّده؛ إذ، ما البرنامج الذي ستتبناه الحركة في مواجهة هذا الواقع؟ وما نوع المقاومة التي ستراها لائقة بهكذا مواقف وأعمال من قبيل التهويد المستمر للقدس, والاستيطان المتواصل في محيطها!
هل يكفي لاستعادة ثقة الشارع الفلسطيني أن تضيف فتح إلى الاحتجاجات التي تُنظَم كل أسبوع في بلعين ونعلين وغيرهما على جدار الفصل العنصري, أن تضيف بضع عشرات من عناصرها, أو مؤيديها, وأن تشفع ذلك بنشاطات دعائية, وسلمية, وإعلامية, وحتى تفاوضية, كما أعلن احد مسؤولي فتح, حين تحدث عن أشكال المقاومة التي ستسلكها فتح!  
 
وبالرغم من النجاح المؤقت الذي حققه عباس في عقده المؤتمر السادس؛ فإن حركة فتح القائمة على الزعامة الشخصية, أكثر من قيامها على أفكار محددة, فقدت الكثير من تماسكها, وحيوتها, بعد رحيل قائدها التاريخي ياسر عرفات, ولا يملأ "أبو مازن" الفراغ الكبير الذي تركه "أبو عمار" .
 
والمعنى أن الظروف التي أفرزتها السلطة, والحضور الذي تحاول تضخيمه, على حساب القوى والتنظيمات, مهما كانت، من شأنه أن يكبح من غلواء المتحمسين من فتح, وأن يرشِّد نشاطهم, ويخفِّض سقف تطلعاتهم, إلا بمقدار ما تتوافق تلك النشاطات, والتطلعات, مع أهداف السلطة, والمواقف التي تحتاجها؛ فقد كان انعقاد الؤتمر فرصة لمحمود عباس، كي يستعيد شيئا من سلطته, على الحركة, وكي يدشن بها, المرحلة الجديدة التي تنخرط بها السلطة, في العملية التفاوضية, واستحقاقاتها, من خارطة الطريق, وغيرها, ويبدو أنه قد نجح في احتواء الحركة, وتهميش المعارضين لنهجه من أمثال فاروق القدومي, وهاني الحسن, وآخرون.