الجزائر/ مصر: انهيار الإنسان لن تعوّضه الكرة!
22 ذو القعدة 1430
ياسمينة صالح







حرب الإعلام التي يقودها أشباه الإعلاميون في البلدين، حرب السباب والشتائم، والتهديدات "بالهزيمة النكراء" وبالعبور! حرب لتزكية أحقاد غريبة بين الشعبين، على مرأى من الدولتين، ومن النظامين ومن السلطتين! قالت إحدى الصحف الساخرة أنها أفضل الطرق التي تجعل الرئيس في البلدين يرتاح من مطالب الشعبين بالخبز والكرامة والكبرياء المرفوس بين أرجل السلطتين من عشرات السنين! حرب ستبدو صادمة لمن لا ناقة له ولا جمل في الموضوع، لكن الجديد أن وقودها هذه المرة يأتي من إسرائيل نفسها، إنها السخرية! في مقال بعنوان" حرب الحياة أو الموت" كتبت صحيفة معاريف الإسرائيلية تتكلم عن الصراع " الكروي" بين مصر والجزائر لأجل الصعود إلى كأس العالم، لكن المقال الذي ترجمته صحف فرنسية (عن صحف إسرائيلية) تكلم عن أشياء أخرى أراد بها " يعقوب "زيهو" الصحفي الرياضي الصهيوني أن "يفتي" بالحرب السياسية بين البلدين الشقيقين والتي قد تصل إلى قطع العلاقات الدبلوماسية، و السبب ليست غزة وليست الأراضي الفلسطينية المحتلة وليس تهويد القدس وتهديد المسجد الأقصى بالهدم، بل السبب: كرة القدم!

 

الكرة أهم من الكرامة، من العرض، من الأرض!؟

لا أحد يمكن أن ينسى واقع الشعبين الجزائري والمصري عند الحديث عن أي موضوع آخر سواء سياسي أو فكري أو ثقافي أو...، حتى لو كان رياضيا، ونعني بالواقع، الظروف الصعبة التي يجترها 80 مليون مصري على أيد نظام أحادي الصوت، رافض التداول على السلطة، غارق في الفساد يحلم بتوريث الحكم، الرافض أن يرتفع صوت آخر غير صوته الرسمي، والذي أدى بأجمل وأعظم بلد إلى الانهيار وإلى التهلكة. فعلى الصعيد الاقتصادي، جاءت في دراسة قام بها مصريون نشرت بعض مقاطعها مواقع جامعية بريطانية أن الوضع الاقتصادي المصري لم يتقدم قيد أنملة منذ السبعينات من القرن الماضي، وأنه بالموازاة ذلك تراجعت القدرة الشرائية للمواطنين إلى أخطر مراحلها منذ الأربعينات، وأصبح من البديهي أن نجد مواطنا لا يملك ثمن خبزه اليومي، قبالة مواطن آخر يرمي الخبز في المزبلة! غياب العدالة الاجتماعية أحالت أربعة أجيال متتالية على البطالة النفسية، في شعور شبه عام بعدم جدوى الأوضاع، وأن التغيير مهما بدا صغيرا يبدو مطلبا شعبيا لأجل التحرك من ذلك اللاشيء الذي حوّل البلد إلى حالة من العبء الاقتصادي والاجتماعي في غياب بدائل جذرية يرفضها النظام حتى لو وُجدت! مصر العظيمة حولها نظام الفساد والرشوة والقهر السياسي إلى دويلة عادية، كثر الرافضون لسياستها الخارجية، وكثر الطامعون في بعثرة استقرارها، وصل الأمر إلى حد محاولة فتح باب العنف السياسي في شكل خلايا بعضها ذات توجه شيعي ممولة من قبل إيران وبعضها ذات توجه قبطي ممولة من قبل الولايات الأمريكية، يراد بها توجيه فقر وغضب وحنق العامة ضد النظام نفسه على شكل فوضى عارمة، وأيضا ضد الدولة بمؤسساتها لإفراغها من المحتوى، وهي كلها مطامع إسرائيلية بامتياز! في الجانب الآخر، نجد الجزائر الغنية بالنفط والغاز والخيرات الطبيعية، سكانها لا يتجاوز 34 مليون، وأرضها ثاني أكبر الدول مساحة بعد السودان، يعيش شعبها تحت الخط الأحمر من الفقر، ويهرب شبابها على متن قوارب الموت نحو دول تبدو أفقر من الجزائر نفسها من حيث الموارد، عدد المنتحرين فيها تجاوز كل الخطوط، حيث كشف أن كل عشر دقائق يتم تسجيل محاولة انتحار، في دولة تبيع لشعبها الوعود والشعارات الرنانة التي لا تسمن ولا تغني من جوع، دولة ينظر الأثرياء فيها إلى الشعب من شرفة الوجاهة اليومية، ويطلقون لقب "الفاشل" على الشعب الذي يموت بكل الطرق لأنه فشل في أخذ السلطة منهم، وفشل في مواجهتهم بالمطالب اليومية، وفشل في استرجاع كرامته المهدورة  في العالم بسببهم! هذان الشعبان اللذان يعيشان تحت أحذية السلطتين كلّ في بلده، ويعيشان الذل والهوان، والإرهاب النفسي الممارس رسميا ضدهما يتوعدان بعضهما اليوم بالهزيمة النكراء في مباراة كرة قدم، ويرتفع صوتهما بقدرة قادر ليشتم بعضهما البعض ولتنقل "معاريف" الإسرائيلية تلك الشتائم بلهجة البلدين وتترجمها إلى القراء اليهود بالعبرية! يا للمهزلة!

 

لمصلحة من هذه الضغينة؟

من يتصفح صحف صهيونية مثل "معاريف" و" أحرينوت" وبين صحف فرنسية مثل" لوفيغارو سبور" أو مجلة" باري ماتش" سوف يكتشف نفس التوجه منذ أسبوعين تقريبا، وسوف يجد حجم الحرب النفسية التي تدار ضد الشعبين المسلمين الشقيقين، فقد ذهبت "معاريف" إلى الحديث عن حرق العلم المصري في الجزائر، ونشرت صحف فرنسية أنه تم حرق علم الجزائر في مصر، وهو ما أعادت نقله صحف ببغائية ومنتديات مراهقة في الجزائر ومصر، زادت سكب الزيت على النار، في غياب رد فعلي رسمي من نظام الدولتين المتواطئين في هذا الشر. فجأة نسي المصريون والجزائريون مشاكلهم اليومية ونسوا كل الهموم المثقلة التي تنخرهم يوما بعد يوم، ولم يعد يهمهم في الدنيا سوى التأهل إلى المونديال، تدحرجت كرة الضغينة التي ضخمها أعداء البلدين، وصارت تتدحرج من أعلى الجبل إلى أن أصبحت بهذا الحجم الخطير من العداء الغريب، وغير المفهوم، كان لزاما أن يتدخل العقلاء في البلدين لطرح السؤال الأبسط: لماذا لم تغضبوا ولم تثوروا ولم تتوعدوا بالانتقام عندما دكت إسرائيل غزة دكا أمام أعينكم وأمام أعين العالم أجمع؟ ولماذا لم تثوروا ولم تتوعدوا بالهزيمة الساحقة وإسرائيل تهدد المسجد الأقصى بالهد، وتهجر السكان العرب من القدس الشرقية لتهويد المدينة وفق خطة الأغلبية الساحقة التي أقرتها "غولدا مايير" في الستينات من القرن الماضي، واستعادها أولمرت، وصار يطبقها بحذافيرها "ايهود باراك" بتأييد مباشر من الولايات الأمريكية التي ضحك رئيسها "باراك أوباما" على المسلمين في خطابه التاريخي من القاهرة عندما بدأ كلمته بعبارة " السلام عليكم"!

 

الإسلام هو الحل!

ليس شعارا مفلسا هذا الذي نؤمن به، لأن الإسلام هو الذي استطاع أن يوّحد المسلمين والمؤمنين مثلما وحّد قارات قبل اليوم، ومثلما وحد الشعوب تحت نفس الراية، ونفس الأمل ونفس الهموم المشتركة، والحال أن ابتعاد الفرد عن دينه حوّله إلى كرة قدم بين أرجل الكبار، يركلونه من مكان إلى آخر، باسم العولمة تارة وباسم حوار الحضارات الذي نكتشف أنه يؤسس لسخرية تقودها الولايات الأمريكية نفسها لأجل أن نوقع على بياض في مسيرة الألف ميل إلى الاستسلام المطلق الذي تريده إسرائيل لتضمن الأمن لشعبها، على حساب شعوب المنطقة، فليس مهما في قاموس المجتمع الدولي أن تسقط أطنان من القنابل على سكان غزة، طالما هنالك إمكانية تبرئة المجرمين وجعل المعتدي مدافعا عن نفسه، أليس هذا ما قالته وزيرة خارجية أمريكا في المغرب منذ يومين؟ ألم تتحدث عن حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها برا وبحرا وجوا، من حقها أن تمارس القرصنة البحرية في كل بحار العالم، لتدافع عن أمنها واستقرارها، لأن العالم كله يعرف أن الشعب العربي أصبح مجرد كرة، تقودها الأنفس الأمارة بالسوء، لتنسى بؤسها الحقيقي وتتحول عن هدفها المطلق: القدس، فشتان بين تحرير القدس بالرجال، وبين التأهل للمونديال بالأرجل يا خيرة أمة أخرجت للناس!