افغانستان الى حرب ابادة شاملة
5 ذو الحجه 1430
طلعت رميح
تشير التقديرات والتحليلات والتصريحات الصادرة فى الفترة الاخيرة، بشان تطورات ومالات العدوان الامريكى –الاطلسى على افغانستان، الى وصول كل الخطط السياسية والعسكرية والاعلامية، التى اعتمدت منذ بدء الاحتلال وحتى اليوم، الى حالة المازق الشامل، فضلا عن تكاثر المؤشرات على احتمالات حدوث فوضى شاملة فى هذا البلد، بسبب التضارب بين جيوش الاحتلال وبعضها البعض، وبالنظر الى وصول الظواهر الافغانية المرتبطة بالاحتلال الى حد تهديد بعضها البعض، بالحرب .
غير ان وصول الخطط والقوات والمرتبطين بالاحتلال الى حالة المازق والفوضى، لا يعنى ان قوات الاحتلال قاب قوسين او ادنى من الانسحاب او الاستسلام، او ان الظواهر الافغانية المرتبطة بالاحتلال صارت فى حالة اعداد النفس للمغادرة مع الاحتلال، ذلك ان المعارك ذات الطبيعة الاستراتيجية من وزن المعركة الجارية على افغانستان، يملك فيها الاحتلال بدائل متعددة للبقاء فى المعركة (تحت شعار عدم الانسحاب حتى انفاذ المهمة) لاسباب تتعلق بوجود قوات من دول متعددة فى حلف كبير مثل حلف الاطلسى، ولان المنطقة التى تجرى فيها المعركة، ذات حساسية خاصة اذ تهدد الهزيمة والانسحاب منها، مخططات كبرى للولايات المتحدة والاطلسى على الصعيد الدولى، اذ تلك المعركة سينتج عنها تغيير فى التوازنات الدولية لا الاقليمية فقط، وكذا لان المعركة تشهد تداخلا بين مصالح وتوازنات تتعلق بصراعات كبرى فى الاقليم (الهند-ايران-باكستان)، كما يجب الوضع فى الاعتبار ان القوة المقابلة فى الصراع، لم تصل بعد الى مستوى القدرة على احراز النصر النهائى، اذ يعلمنا تاريخ الصراعات ان طرفا ما يكون قد هزم –لعوامل عديدة-غير انه يبقى فى ساحة الصراع، لان الطرف الاخر المقابل، لم تتهيا له سبل احراز النصر النهائى كاملة .
الوضع الراهن
فى الوضع الراهن فى افغانستان، يبدو المشهد بالغ التعقيد، لتعدد القوى المتصارعة ولحالة الاضطراب التى وصلت اليها الاوضاع كليا.
من جانب، فنحن امام تصاعد قوة حركة طالبان، كما يظهر من زيادة عدد القتلى من الجنود الغربيين، اذ ارتفعت اعداد قتلاهم بنسبة 55% عن العام الماضى، كما زادت العمليات ضد قوات كرازاى بنسبة 90%، وزادت اعمال الكمائن بنسبة 100% .واللافت هنا –فى مشهد طالبان-هو ان الحركة اصبحت ذات قدرة على التحرك الاستراتيجى لا القيام بهجمات تكتيكية فقط، اذ هى صارت تنسحب من احدى المديريات امام هجوم غربى، لتهاجم فى مديرية اخرى بعيدة عن تلك التى انسحبت منها، كما هى صارت تقوم باعمال هجومية فى احد المديريات لجذب القوات الغربية اليها، لتبدا هى هجومها الرئيسى فى ذات المناطق التى قل وجود قوات الاحتلال بها نتيجة سحب بعض القوات منها لمواجهة هجوم طالبان الاول.كما اللافت هنا ايضا، ان حركة طالبان صارت اقرب الى "الحركة الوطنية الجامعه"، اكثر منها تلك الحركة التى عرفها الناس من قبل، اذ تعددت اسباب الانضمام اليها، بعد انفضاح عملية الاحتلال والمتعاونين معها، من جهة، وبسبب الجرائم التى ترتكبها قوات الاحتلال الاطلسية بصفة يومية من خلال القصف الجوى .لقد اصبحت جرائم الناتو مفجرا لحركة تطوع واسعة فى صفوف طالبان .
ومن جانب ثان، فان القوات الرئيسية للاحتلال –اى القوات الامريكية-قد وصلت الى مازق حاد باعتراف قادتها الميدانيين، اذ تشير التصريحات المتعددة التى صدرت فى الفترة الاخيرة، الى ان هذه القوات باتت تواجه اوضاعا تتدهور على نحو حاد، كما تشى بذلك اعداد القتلى وخسائر طائرات الهليوكبتر ..الخ .
لكن الابرز على المستوى الاستراتيجى، هو ان القوات الامريكية صارت تنسحب من "قواعد" لها فى بعض المناطق، تحت الضغط العسكرى لطالبان، او بالدقة تحت القصف المباشر والسيطرة الميدانية لمجاهدى حركة طالبان، وهو ما يعنى وقوع تحولات فى موازين القوى (بالمعنى الشامل لطبيعة مثل هذا النمط من الحرب ) لمصلحة طالبان .
وفى الجانب الثالث، فان اوضاع حلف الاطلسى وقواته فى افغانستان، باتت فى حالة مزرية، وفق ظواهر عديدة، اولها ان بعض الدول ظلت على موقفها الرافض لزيادة عديد قواتها العاملة ضمن قوات الاطلسى رغم المناشدات والطلبات المستمرة منذ نحو عام .وثانيها، ان بعض الدول قد وضعت سقفا زمنيا لبقاء قواتها هناك .وثالثها،ان علاقة قوات الدول الاطلسية العاملة فى الميدان قد دخلت مرحلة من الشكوك المتبادلة، وهو ما كشفته الاتهامات التى وجهت للقوات الايطالية .لقد نشرت الصحف البريطانية اخبارا وتحليلات عن قيام القوات الايطالية بدفع مبالغ مالية لجماعة محلية فى منطقة انتشارها ضمن قوات الاطلسى، لضمان عدم تعرضها لضربات، وان هذا التصرف الايطالى جاء بعد ان تعرضت القوات الايطالية لضربة قاسية، ودون علم قيادة قوات الاطلنطى، وهو ما ادى لاصابة القوات الفرنسية التى انتشرت فى ذات مكان الانتشار السابق للقوات الايطالية، بضربة قاسية هى الاخرى راح ضحيتها 10 جنود فرنسيين، اذ جاء انتشار القوات الفرنسية وفق معلومات وتقديرات بهدودء تلك المنطقة .وفى ذلك تبدو طبيعة الشكوك المتبادلة بين قوات الاطلسى على الارض وخلال القتال، كما تظهر حالة من الصراع بين الدول المتشاركة فى الاحتلال، اذ شعر الايطاليين بالارتياب جراء قيام الصحافة البريطانية بنشر تلك الاخبار واعتبروه محاولة للدس بين ايطاليا وفرنسا ..الخ .
والمعنى هنا، ان قوات الدول الاطلسية تتصرف كوحدات مستقلة، دون ارتباط وثيق بالقيادة العامة لقوات الاطلسى، وان المهددات على الارض، صارت تدفع كل قوة للتفتيش عن وسائل للنجاة بنفسها، وان اخبار الصراعات بين الدول باتت منقولة الى علاقات القوات العاملة على الارض ..ببعضها البعض ..الخ.
وفى الجانب الرابع، فان مشهد العملية السياسية التى شكلها الاحتلال صار ماساويا الان، ويمكن القول انه اصبح عصيا على الاصلاح .كان الهدف من اجراء الانتخابات فى افغانستان، تحقيق حالة من تجديد النخب المتعاونة مع الاحتلال، وتثبيت وجودها على خريطة الحكم فى افغانستان، كما كانت هناك اهداف اخرى تتعلق بتوسيع تمثيل المتعاونين مع الاحتلال فى السلطة المشكلة، ليشمل مجموعات عرقية وسكانية اخرى، بما يحشد قوى جديدة محلية فى مواجهة طالبان او بما يقوى من عوامل المواجهة السياسية لها، فضلا عن ان اجراء الانتخابات هو حالة مفصلية فى المشروع الغربى فى افغانستان-وغيرها-اذ هى البضاعة التى تقدم للراى العام، لتجعل صورة الغرب براقة، ضمن اطار عملية الغزو الثقافى .
لكن ما جرى فى الانتخابات اجمله وصف قائد عسكرى امريكى بالقول بان ما نتج عنها من عمليات تشويه لصورة التجربة الامريكية والاطلسية، لا يكفى لمعالجته ارسال نحو مليون جندى للقتال فى افغانستان .الانتخابات تركت اثارا خطرة على علاقات حلفاء الاحتلال من الافغان، اذ هم انقسموا وهددوا بعضهم البعض، حتى وصل الامر الى ظهور انحيازات كانت مخفية من الدول الاطلسية المشاركة بقوات فى احتلال افغانستان، لهذا الطرف او ذاك فى معادلات الصراع الناتجة عن الانتخابات .لقد اظهرت الانتخابات، مدى ضعف سيطرة القوة الاطلسية وقوة الحكم الافغانى المرتبط بها، على مناطق واسعة فى البلاد، او بالدقه هى اظهرت قوة طالبان وتصاعد حالة الرفض للاحتلال، بحكم انخفاض نسب التصويت الى درجة تفقد لعبة الانتخابات كل اهدافها .
وفى الجانب الخامس، فان الوضع المزاجى والسياسى لجمهور المواطنين الافغان صار جاهزا للاشتعال العنيف فى كل مناطق افغانستان ضد قوات الاحتلال وضد الحكم الموالى للاحتلال، وهو ما تظهره ردود الفعل الشعبية على الغارات الاطلسية، وهو كان واضحا للغاية فى دلالاته ومؤشراته فى تلك المظاهرات التى اندلعت فى العاصمة الافغانية ضد قوات الاطلسى، بعد اتهام احد الجنود بتدنيس المصحف الشريف .
زيادة القوات
ووسط هذا الوضع المازوم والمازق المتصاعد واحتمالات الفوضى الشاملة من جهة، ومع تزايد قوة طالبان وما تحققه من انجازات على حساب طرفى الاحتلال، رفع القادة العسكريين الامريكيين طلبا للرئيس الامريكى بزيادة عدد القوات الامريكية فى افغانستان بنحو 40 الف جندى، ليصل عديد القوات الامريكية والاطلسية الى ذات رقم القوات العاملة فى العراق (140الف ).
هنا ظهرت كل اشكال المازق وحالة الاضطراب الاستراتيجية التى صارت عليها عملية احتلال افغانستان .فى امريكا حدث انقسام خطير،اذ وقف العسكريين ومعهم الجمهوريين مع فكرة زيادة عدد القوات الامريكية فى العراق، بينما وقف اوباما والحزب الديموقراطى والراى العام الذى يصعد من رفضه لاستمرار احتلال افغانستان .الحزب الجمهورى وجدها فرصة لتاكيد كل ما ردده حول ضعف اوباما وتردده وعدم صلاحيته لتولى موقع قيادة الولايات المتحدة عامة والقوات العسكرية الامريكية خاصة، كما وجدها الحزب فرصة لاعادة تجديد مشروع جورج بوش فى احتلال الدول العربية والاسلامية واستمرار المواجهة مع الاسلام وتصعيدها .والعسكريين، باتوا يخشون شبح الهزيمة الشاملة التى جرت فى فيتنام، بعدما كثرت اوجه الشبه بين ما يجرى فى افغانستان وما جرى فى فيتنام، وفى ضوء وصول القوات الامريكية الى ذات الحالة التى عاشتها القوات السوفيتية خلال احتلالها افغانستان، وكذا بحكم انهم باتوا يواجهون احتمالات حدوث حالة انهيار حادة لمعنويات جنودهم جراء نزيف الخسائر، وبسبب حالة التفكك التى تعيشها المجموعات المرتبطة بالاحتلال بما يجعل حركة القوات تجرى فى بيئة غير امنة من كل الاتجاهات.اما باراك اوباما والحزب الديموقراطى، فقد وجدوا انفسهم فى مازق لا يحسدون عليه، فاذا هم وافقوا على زيادة عدد القوات بهذه النسبة الهائلة، ففى ماذا يختلفون عن بوش والحزب الجمهورى، وكيف يدبروا ميزانيات ارسال تلك القوات والوضع الاقتصادى مازال متراجعا او كيف يبررون كل هذا الحجم الزائد من الانفاق .وبالدقة فان الواقع فى المازق الان وعلى نحو حاد هو باراك اوباما الذى اصبح فى قلب عاصفة قد تغير مساراته جميعا .اوباما هو المسئول عن الاستراتيجية الفاشلة الجارى تطبيقها، اذ هو وصل الى البيت الابيض على اساس التحول من التركيز على الحرب فى العراق الى الحرب فى افغانستان، وهو بعد تسلمه الحكم اعلن عن استراتيجية جديدة والان يثبت فشلها .وهو من جانب اخر، يواجه معارضة فعلية وحادة من الحزب الديموقراطى، الذى ترفض غالبية قياداته ونوابه فى مجلس النواب والشيوخ، زيادة القوات .وهو من جانب ثالث، لا يستطيع ببساطة تجاهل مطالب العسكريين خاصة والامور تتدهور على نحو حاد، وهو من قبل ومن بعد يرى ان لا امكانية لتحقيق النصر فى الحرب على افغانستان.وبينما هو واقع فى ظل كل تلك الضغوط عاجلته قيادة الاطلنطى باصدار قرار بزيادة عدد القوات، بما اوقع اوباما فى ذروة المازق .
وفى كل ذلك يظل المعنى وراء زيادة عدد القوات، هو الاخطر، اذ نحن امام بداية ارتكاب مذبحه شاملة وحرب ابادة شاملة فى افغانستان .الخلاف فى امريكا واقع بين من يرى تكثيف الضربات الجوية واعمال المجموعات الخاصة ضد حركة طالبان، ومن يرى ان الوجود البرى الكثيف هو الحل اذ يجب القيام بعملية سيطرة واسعة على الارض واجتثاث عناصر الحركة من خلال حركة على كثيفة الارض ايضا .لكن ما ينبغى التشديد عليه هو ان كلا الطرفين متوافقين على ضرورة القيام بعمليات ابادة شاملة –جوية او برية كانت- وهو ما يعنى ان القادم فى افغانستان هو سلسلة من عمليات الابادة لمناطق سكانية باكملها، على نحو اسوا مما كنا نشاهد خلال العدوان على المدن العراقية الباسلة كالفلوجة وتل عفر واحياء بغداد الصامدة، لاختلاف الانتشار السكانى وطبيعة المنازل فى افغانستان من جهة، وبسبب كل عوامل الاضطراب الحاصلة على ارض افغانستان.
ستكون مذبحه مروعه، وسيدفع الانسان الافغانى ثمن بقاء اوباما فى السلطة وثمن فشل خطته السابقة وثمن صراعات النخب المتحالفة مع الاحتلال وخلافات فرقاء وحلفاء الاطلنطى .