الأقصى والقدس .. تهويد لا ينقطع
1 ربيع الأول 1431
علا محمود سامي

في الوقت الذي ينشغل فيه الفلسطينيون بخلافاتهم والحكومات العربية والإسلامية بأزماتها، تقوم سلطات الاحتلال "الإسرائيلي" بعمليات تهويد واسعة بحق مدينة القدس الشريف للمسجد الأقصى المبارك على نفس النطاق، حتى أصبح الاحتلال يراهن على العام الجاري( 2010) لإكمال مراحله النهائية من مخططه لتهويد المدينة المقدسة ولثالث الحرمين الشريفين.

 

وعلى الرغم مما كتب ، وما سيكتب عن الجرائم الصهيونية ، فإنه حري بالكتاب دق ناقوس الخطر من وقت لآخر ، وخاصة في هذا العام – على وجه التحديد- لما يخطط للمسجد الأقصى المبارك، فضلا عن أهمية جعل قضية القدس متوهجة في العقول ، وفضح ما تتعرض له من تهويد وصهينة ، ليكون للعرب والمسلمين جهودهم في الدفاع عن المدينة والأقصى المبارك ، كما يسخر الاحتلال كافة إمكانياته للنيل منهما.

 

والواقع ، فان المخطط الصهيوني – المخطط له هذا العام- يشمل الاعتداء على القدس، بكل ما تضمه من حجر وبشر، فالبيوت الفلسطينية في المدينة مهددة بالهدم بحجة عدم وجود ترخيص للبناء، ومعاناة 3000 بيت فلسطيني من الهدم ، بعد فتح ملفاتها تمهيدا لإزالتها، علاوة على ما أصبح يعانيه البشر من تهديد بالنوم في العراء والتحاف السماء.

 

وفي الوقت نفسه ، فان هناك مخططا "إسرائيليا" لبناء 50 ألف وحدة سكنية في القدس خلال العام الجاري (2010) ، في الوقت الذي لم يلتزم فيه الاحتلال بتجميد الاستيطان وبناء المستوطنات التي تعد جميعها غير شرعية لإقامتها على أرض مغتصبة، وتمزيقها لأرض محتلة.

وعلى هذا النحو ، تمضي سلطات الاحتلال في تنفيذ تلك المخططات، بعدما وجدت لنفسها الفرصة سانحة نتيجة للانقسام الفلسطيني الداخلي، ونتيجة أيضا لصمت مطبق من جانب الحكومات العربية والإسلامية.

وبالنظر إلى التقارير الواردة عبر وكالات الأنباء، فان عدد المنازل التي هدمتها سلطات الاحتلال الإسرائيلية منذ احتلالها للقدس في العام 1967 بلغ 24 ألفا و145 منزلا، فيما جمدت بلدية القدس منذ مطلع السنة الماضية عمليات هدم منازل شيدت بصورة غير شرعية في القدس الشرقية حتى لا يتم هدم مبنى يحتله مستوطنون في حي سلوان، وهو ما يثير تناقضا يماريه الاحتلال على نطاق واسع.

 

تحذير جيولوجي

ودفعت جرائم الحفريات تحت المسجد الأقصى المبارك بنقيب الجيولوجيين العرب بهجت عدوان إلى التحذير من هذه الإجراءات التي تتم عبر أعمال الحفر الصهيونية التي تجرى تحت أساسات المسجد الأقصى، وهو ما يؤدي إلى تهديد المسجد بالدرجة الأولى لهدمه دون تحمل أية مسؤولية قانونية أو أدبية.

ويعتبر عدوان - وفق ما حملته وكالات الأنباء- أن أعمال الحفريات المستمرة ستؤدي إلى إضعاف أساسات المسجد، وأن هذه الأعمال يرافقها تفجيرات صناعية نووية في صحراء النقب تهدف إلى خلق زلازل تبدو طبيعية لهدم الأقصى بعد إضعاف أساساته من أجل التهرب من أية مسؤولية على الكيان الغاصب.

ويدق العدوان ناقوس الخطر حول المسجد الأقصى الذي بات مهددا بالانهيار من ناحية أخرى بسبب الأمطار في جزء من شارع سلوان والذي يقع على بعد 300 متر من الأقصى، بما يعد دليلا واضحا على بدء تأثر المنطقة المقدسة بالظواهر الجيولوجية سواء الطبيعية أو الصناعية.

 

قرارات عنصرية

ووفق تقرير أعددته مؤسسة المقدسي لتنمية وتطوير المجتمع فإن عدد البيوت التي هدمت منذ العام 1992 وحتى أكتوبر 2009 بلغ 1009 منازل، منها 103 منازل خلال الشهور العشرة الأولى من عام 2009، بينها 24 منزلا هدم بطريقة الهدم الذاتي، و82 منزلا هدم من قبل وزارة الداخلية وبلدية القدس، فيما بلغ عدد الأفراد الذين شردوا من منازلهم جراء الهدم في نفس الفترة ألفا و459 شخصا، فيما بلغ مجموع غرامات سلطات الاحتلال على المقدسيين بين عامي 1999 و2008 نحو 184 مليون شيكل (50 مليون دولار)، فيما تمت مصادرة 58 آلية، بلغت تكلفة الغرامة لاسترجاعها نحو 11 ألف دولار.

ويتوقع خبراء وناشطون مقدسيون مزيدا من عمليات الهدم والإخلاء والترحيل خلال العام الجاري ، ما يتطلب وقفة عربية وإسلامية لمساندتهم في محاكم الاحتلال، وإعادة بناء ما يهدم من منازل.

 

وحسب المؤسسة ذاتها ، فإن هناك أربعة أنواع من الهدم في القدس: وهي الهدم العقابي من قبل الجيش ردا على عمليات فدائية فلسطينية، والهدم الإداري الذي تنفذه بلدية القدس، والهدم لأسباب عسكرية، وأخيرا الهدم القضائي الذي تصدر به قرارات عن محاكم الاحتلال.

وقد تم أخيرا تسريب وثيقة من بلدية القدس تفيد نية الاحتلال بهدم 312 مبنى خلال العام الجاري، وتضم هذه المباني أكثر من 1900 وحدة سكنية، وإن كانت بعض الضغوط الدولية تؤخر هدمها حاليا، في الوقت الذي نجح فيه الاحتلال في تشريد 568 فردا خلال العام المنصرم في "بيت حنينا والعيسوية وسلوان والطور"، بينهم 281 طفلا ، ما جعل هذه الأفراد تلجأ إلى أقاربها، أو تغادر القدس، أو ما زالت تبحث عن مأوى.

وعلاوة على ذلك فان المقدسيين كثيرا ما يتعرضون لغرامات تقدر بملايين الدولارات خلال السنوات العشر الأخيرة، بحجة البناء غير المرخص ، وهذه الجباية "شكلت ميزانية استثنائية للبلدية وحولت لصالح المستوطنات".

 

خطة مستقبلية للتهويد

وعبر هذه الإطلالة ، فانه حري بنا التوقف عند محصلة هذه العمليات العدوانية ضد الأرض المقدسة والمسجد المبارك، وهى أن الاحتلال ينوي خلال هذا العام السعي إلى تعزيز التهويد والصهينة من خلال ما يقوم به الاحتلال ، والعمل على تكرار مشاهد احتلال المتطرفين اليهود لاقتحام المسجد المبارك ، والعيث فيه فسادا، فضلا عن الاستمرار في الحفريات التي تنقسم إلى قسمين: حفريات في البلدة القديمة، وتتجه ناحية الجدار الغربي، وحفريات أو أنفاق في سلوان ، وتتجه للجدار الجنوبي.

كما أن الهدف المعلن للحفريات هو البحث عن هيكل سليمان المزعوم، في الوقت الذي لم يعثر فيه الصهاينة على حجر يؤكد مزاعمهم رغم تنقيبهم عن هذا الهيكل منذ احتلال المدينة المقدسة .

ومن وقت لآخر ، تكشف الأحوال الجوية مخاطر التشققات التي بدأت تظهر في جدران المسجد الأقصى والمئات من العقارات والمنازل الفلسطينية المحيطة به بفعل الحفريات الإسرائيلية المتواصلة تحته.

 

والواقع ، فان تقارير إعلامية تكشف عن اتساع انهيار الأراضي الذي وقع في الشارع الرئيسي في بلدة سلوان، وامتد لمسافات إضافية في ظل استمرار هطول الأمطار، ما قد يؤدي إلى اتساع نطاق وإطار الانهيار ليشمل أجزاء كبيرة من الشارع الذي لا يبعد عن جدار المسجد الأقصى من جهته الجنوبية سوى عشرات الأمتار.

وبحسب عالم الآثار المصري د. عبد الحليم نور الدين ، فان أعمال الحفائر بالقدس تتم منذ بداية فترة الانتداب البريطاني، حتى اتسعت في الفترة الأخيرة ، في ظل تعدد النشاطات الأثرية في المدينة المقدسة، والتي تؤكد أحقية العرب والمسلمين فيه.

وكانت أهم هذه الحفريات هي التي جرت في الفترة الواقعة بين (1961) و(1967)م على يد العالمة الإنجليزية "كاثلين كنيون"، وبعد سقوط القدس في أيدي "الإسرائيليين" في العام (1967) م، قام المحتلون بإجراء العديد من الحفريات في مناطق متعددة من مدينة القدس لكنها تركزت وبشكل كبير في منطقة المسجد الأقصى المبارك.

ومن الملاحظ أن جميع النشاطات الأثرية من مسوحات وحفريات والتي تمت في مدينة القدس قامت بها مؤسسات إسرائيلية وغربية، ولم تقم أية مؤسسات عربية بإجراء أية حفريات بالمدينة.

 

ووفق السياق التاريخي ، فان أقدم البقايا الأثرية في القدس تعود لأكثر من 50 ألف عام خلت، وأن أقدم ذكر لمدينة القدس ورد في نصوص اللغة المصرية والتي تعود إلى 1850 ق.م، أي منذ الأسرة الثانية عشر الفرعونية، وأن تواجد المصريين في فلسطين بشكل خاص كان منذ أكثر من خمسة آلاف عام من الوقت الحاضر، خاصةً في المنطقة الواقعة إلى الجنوب من مدينة يافا وجنوبي بئر السبع.
ولاشك أن كل ذلك يدحض أي افتراءات بوجود تاريخي ل"بني إسرائيل" في المدينة المباركة ، والذين خرجوا قبل 3500 عاما في عهد رمسيس الثاني، ما يؤكد أن الوجود المصري كان سابقا على دخول "بني إسرائيل" للمدينة المقدسة ، فضلا عن السياق التاريخي لدخول الكنعانيين بها، واستقرارهم فيها.