مسلمو ايطاليا.. انكفاء على الذات
16 ربيع الأول 1431
علا محمود سامي

لا يقل حال المسلمين في ايطاليا عن حال إخوانهم في أوروبا، وخاصة فيما يتعلق بالعديد من المشاكل التي تواجههم جراء تعنت بعض الدعايات بحقهم، ومحاولات تشويه صورتهم، وخاصة التي يسيطر عليها اللوبي الصهيوني المنتشر بفاعلية في دول أوروبا.
غير أن أوضاع الجاليات المسلمة في ايطاليا تحديدا يختلف كثيرا عن حال إخوانهم في العديد من الدول الأوروبية، في ظل تزايد حالات الهجرة غير الشرعية من دول عربية وإسلامية إلى ايطاليا، وخاصة من مصر ودول المغرب العربي، حيث يحمل معهم المهاجرون الكثير من المفاهيم والأفكار المغلوطة عن صحيح الدين الإسلامي، فضلا عن عدم فهم صحيح للعقيدة الإسلامية.

 

مخاطر الهجرة

خطورة هذه الهجرات، أن المسلمين الوافدين إلى ايطاليا كثيرا ما يكونون صغارا، وتحديدا في سن الثامنة عشرة، حيث يصارعون الموت عبر المراكب غير الشرعية وصولا إلى البلد الحلم بالنسبة لهم، اعتمادا على أن القانون الايطالي لا يسمح بإعادة أمثال هؤلاء الأحداث إلى بلادهم، ويقر في الوقت نفسه دمجهم في الحياة الايطالية، والعمل على توفير ملاجئي لهم ومدارس لتعليمهم اللغة الايطالية حتى إذا ما تجاوزا سن الثامنة عشرة، قامت الجهات الرسمية بتوفير وظائف لهم، لدمجهم في المجتمع الايطالي بشكل عملي.

 

الخطورة هنا تكمن في أن هؤلاء الأحداث غالبا ما يفدون إلى ايطاليا محملين بمفاهيم مغلوطة عن الإسلام، وعدم وعي به، أو عدم توفر مادة صحيحة عنه، فضلا عن افتقادهم تعلم مبادئه، فيكبرون وهم محملين بهذه المفاهيم المغلوطة، أو المعلومات السطحية عن الدين الحنيف، فقد ينشرونه بين إخوانهم المسلمين من الجاليات العربية، وقد يكونون هم عرضة في الوقت نفسه لأفكار مشوهة، قد تثيرهم تحت نعرات عرقية أو اثنية.
وفي جولة لموقع "المسلم" بايطاليا يلاحظ المرء حال هذه الجاليات المسلمة التي تكاد تتقوقع على ذاتها، بفعل عدم الفاعلية في العمل الإسلامي تارة، أو بفعل جهل بمفاهيم الدين الحنيف تارة أخرى.

 

انحراف أخلاقي

عدم الفهم هذا يجده الزائر لايطاليا منعكسا على سلوك المسلمين هناك، علاوة على أبناء الجيل الثاني والآخر الثالث الذين نشأوا في ايطاليا، فاكتسبوا سلوكيات غير سوية في داخل مجتمع الهجرة، فانتشرت بينهم شراهة التدخين، وتناول المشروبات الكحولية، واتخاذ العلاقات غير الشرعية بين الشباب والفتيات مسلكا يوافق واقع المجتمع الايطالي.

 

ولذلك قد تنعزل بعض الفتيات المسلمات عن بيوت أسرهن بعد بلوغهن السن ليعشن في منازل أصدقائهن من الشباب، سواء كانوا شبابا مسلمين أو ايطاليين، مستندين في ذلك إلى قوة القانون الايطالي الذي يسمح للأبناء بالانعزال عن محيطهم الأسري بعد بلوغهم، في حال رغبتهم في ذلك، والإقامة لدى أصدقائهم.

 

وعلاوة على ذلك من حالات التفسخ الاجتماعي والسلوكي، فان هناك من الشباب من يصادق أبناء جنسه، ليمارس معه رذيلة اللواط، والشئ نفسه تفعله بعض الفتيات مع بعضهن، في إشارة واضحة لغياب دور الأسر العربية والإسلامية لأبناء هذا الجيل من ناحية، وللتأثر الواضح بالسلوكيات والانحرافات الأخلاقية في المجتمع الايطالي من ناحية أخرى.

 

الحالات السابقة لأوضاع الجالية العربية والإسلامية في ايطاليا ولدت حالة عن طبيعة معيشتهم داخل مجتمع الهجرة، الذي يلهث وراءه الشباب عبر "أمواج الموت" وقوارب العذاب في مخاطرة يقطعها الشباب العربي والإسلامي من المدن الحدودية المتخمة لايطاليا، وهو يدرك أنه قد يعود عبر صناديق إلى أهله، إلا أنه اللهاث وراء المادة، والانخراط في مجتمع جاهلي، على الرغم من مظاهر المدنية والتقدم العمراني والحداثي الذي يعيشه.

 

"فوبيا الإسلام"
وعلاوة على ذلك، فان من ينجح في توفير عمل له في ايطاليا بالإقامة فيه، فان هذه الأعمال أقل ما توصف بأنها أعمال دنيوية، فلا يتم تولي المسلمين مناصب مرموقة في ظل ما يعرف ب"فوبيا الإسلام"، والخوف من وصولهم إلى المناصب المرموقة، وكشكل من أشكال العنصرية ضدهم.
وإذا كان الحديث منصبا على ما يواجه المسلمون في ايطاليا من حالات تفسخ اجتماعي وانحلال أخلاقي، فان المرء لا ينبغي له أن يتناسى دور الفاتيكان في عمليات التنصير، وممارسته على نطاق ليس بالخاف لهذه العمليات، وخاصة مع القادمين عبر القوارب غير الشرعية، حيث تقدم لهم المعونات العاجلة باسم الفاتيكان.

 

ولذلك، يمارس قادة الفاتيكان معاول الهدم عبر أفكار تنصيرية بدعوى أنها تبشيرية تنتظر أمثال هؤلاء المهاجرين وغيرهم من المقيمين في ايطاليا، وربما لا يكون هذا غريبا على ايطاليا، وهى دولة الفاتيكان، عاصمة المذهب المسيحي الكاثوليكي.
هذه كلها مظاهر تتكاتف معا بما تشكل تحديا واضحا يواجه الجاليات العربية والإسلامية بايطاليا، والحالمين بالهجرة إلى هذه البلاد، وهو الأمر الذي يتزايد إذا علمنا أن ايطاليا جميعها لا يوجد بها سوى مسجدين، أحدهما في روما، والآخر في ميلانو.

 

المسجدان معترف بهما رسميا، وما سواهما فهو غير معترف به، ما يجعل من حق السلطات الايطالية إغلاق أي مسجد ترى أنه يشكل قيدا أو يثير جاليات أخرى، إضافة إلى غيرها من المشاكل التي تواجه المسلمين في أوروبا، ومنها القيود التي تضعها بعض الدعايات ضد الحجاب أو النقاب على وجه الخصوص، فضلا عن المواقف المسبقة من أصحاب اللحى، ومن يعلنون عن سمتهم الإسلامي.

 

خلفية تاريخية

وأخيرا.. يبقى أن نشير إلى أن ايطاليا، هي إحدى دول حوض البحر الأبيض المتوسط، وتنتمي إلى دول جنوب أوروبا، وعاصمتها روما، وتتبع إيطاليا عدة جزر من أهمها جزيرتا صقلية وسردينيا.

 

ودام الحكم الإسلامي لجزيرة سردينيا أكثر من قرنين، وانتشر الإسلام خلالها في الجزيرة، وفي نهاية الحكم الإسلامي لسردنيا حكمها أمراء مسلمون من أبنائها، ولكن التحالف المسيحي الذي تكون من دولة بيزا وجنوا سيطر في النهاية على الجزيرة وعندئذ تغير وضع المسلمين، فمنذ الاستيلاء على سردينيا ظهر التحدي للمسلمين بالجزيرة، فكثرت الهجرات الإسلامية منها وشنت حرب الإبادة على المسلمين بسردينيا، وكان السبب الرئيسي في إخلاء الجزيرة من المسلمين.

 

أما شبه جزيرة إيطاليا، فقد دخلها الإسلام، عندما هاجم المسلمون مدينة برنديزى سنة (221هـ - 836م) ثم استولوا على نابولى في السنة التالية لها، واستولوا على كابوه في سنة (227هـ -841م)، واحتل المسلمون تارانتوا، ودخلت جيوش محمد الأول الأغلبي مدينة روما سنة (232هـ- 846 م) وأجبرت البابا على دفع الجزية.

 

إلا أنه بعد فترة استطاع التحالف المسيحي استرجاع بعض المدن الإيطالية على أثر الخلافات التي نشبت بين القوة الإسلامية في المشرق والمغرب فاسترجعت قوات التحالف المسيحي مدن برينديزى في سنة (257هـ - 870 م) وبارى، وتارنتوا، وحاول الحفصيون والفاطميون استعادة احتلال جنوبي إيطاليا في مستهل القرن الخامس الهجري، فهاجم الحفصيون نابولي وجاتيه، وهاجم الفاطميون جنوه في سنة (322هـ -934م) كما حاول الأتراك العثمانيون الاستيلاء على جنوبي إيطاليا في سنة (886 هـ - 1481م).

 

وبرزت الجالية الإسلامية في إيطاليا بعد الحرب العالمية الثانية عندما هاجر إليها بعض المسلمين من أوروبا الشرقية، ثم أتت هجرات إسلامية من المناطق الإسلامية التي خضعت للاستعمار الإيطالي في إفريقيا، وهاجر إليها بعض العمال المسلمين من تونس، ويضاف إلى هذا اعتناق بعض الإيطاليين الإسلام.

 

كما يوجد في إيطاليا أعداد كبيرة من الطلاب المسلمين الذين يدرسون بالجامعات الإيطالية، ويقدر عدد المسلمين في إيطاليا حالياً حوالي 500 ألف مسلم.
وحسب إحصاء "ويكيبديا"، فانه ينتشر في إيطاليا حتى نهاية 2008 وبداية 2009 ما يزيد على 700 مراكز إسلامي على كافة المساحة الايطالية من الشمال إلى الجنوب عبر مقاطعاتها العشرين.

 

غير أن هناك المؤسسات ذات الصفة الوطنية تضم العديد من المراكز الإسلامية الأعضاء إلى جانب مركزها الرئيسي، وكانت أول وأضخم هذه الهيئات الإسلامية اتحاد الجاليات الإسلامية في إيطاليا والذي يضم حوالي 150 مركزا إسلاميا تنتشر في معظم المقاطعات الايطالية ومقره الرئيسي بمدينة روما وان كان أعضاء الهيئة الإدارية العليا يقيم اغلبهم خارج روما .