الدول الكبرى تسعى لجعل آسيا الوسطى "أفغانستان الجديدة"
23 ربيع الأول 1431
عبد الحق الأنديجاني

يتابع الخبراء والمحللون في شئون السياسة العالمية تصاعد القمع والاضطهاد على المسلمين في جميع دول منطقة آسيا الوسطى، ولاسيما في أوزبكستان التي بلغت الوحشية والطغيان الحكومي ضد الشعب المسلم المقهور إلى حد تعجز الكلمات عن وصفها وبيانها.

وفي هذه الأيام تواصل السلطات الأوزبكية تصعيد اعتقالاتها العشوائية للشباب المسلم والفتيات المحجبات وحتى النساء الكبيرات بمجرد الاشتباه فيهن بأن لهن نشاطاً دعوياً أو تعليمياً ولو بشيء يسير بين أقربائهن.

 

وحين يتأمل المرء فيما يجري من ظلم وطغيان يبقى حائراً ومتسائلاً "ما الذي يجبر هؤلاء الحكام الظالمين على تكثير أعدائهم وتصعيد الغضب الشعبي العارم ضدهم؟ أليست هذه الحملات الهمجية ضد أبناء وبنات هذه الشعوب المسلمة المسالمة تعجّل بسقوط هذه الحكومات الدكتاتورية الطاغية؟".

ولكن حين نرى ونشاهد بأم أعيننا وعبر مختلف وسائل الإعلام العالمية كيف أن دولاً مثل أمريكا وروسيا و"إسرائيل" والصين تؤيد وتشجع وتدعو – تارة علناً وتارة من وراء الستار - هذه الحكومات المتسلطة على رقاب المسلمين في آسيا الوسطى يزول العجب وينكشف السبب الحقيقي أكثر فأكثر.

 

وقد سمعنا ورأينا قبل أيام قليلة كيف أن المبعوث الأمريكي "ريتشارد هولبروك" يصول ويجول في المنطقة ويقابل زعماء دول آسيا الوسطى ويحذرهم من خطر تنظيم القاعدة والحركات الإسلامية وأن أنشطة تلك الجماعات لا تقتصر على أفغانستان وباكستان فحسب، بل ستتسع لتشمل أوزبكستان وطاجكستان وغيرهما من دول المنطقة.

ونحن لو لم نكن من أبناء هذه البلاد – بلاد آسيا الوسطى – ونعرف حقيقة الأوضاع الراهنة في جميع هذه الدول ربما صدقنا دعاوى المبعوث الأمريكي وأشياعه الذين أزعجوا آذاننا بكثرة تصريحاتهم المعلبة بقنابل موقوتة وأفقدوا أمننا بكثرة تدخلاتهم الحربية وفرض وصايتهم الإجرامية على الشعوب المسلمة.

 

ولكن الوقائع تدل دلالة واضحة على أن جميع الاضطرابات والتفجيرات التي نفذت في البلاد خلال السنين الماضية لم تنفذ إلا ووراءها أيد خفية واستخبارات سرية كانت تدفعها إلى الأمام لتحقيق أهداف إجرامية كبيرة، وقد تحققت لهؤلاء الكثير من أهدافهم تلك التي تركز أساساً على حرب الإسلام والمسلمين.
ولولا وقوف تلك القوى السرية والاستخبارات الحكومية وراء تلك الحركات لما كانت مساعيها تصب دائماً في مصالح تلك الحكومات والدول التي تعادي الإسلام والمسلمين.

ويزعم مجرمو الحرب المحليين والعالميين الذين يوقدون نيران الحروب في كل مكان بأن تنظيم القاعدة والحركات الإسلامية تشكل خطراً وتهديداً على العالم، وهم الذين تسببوا في توسيع دائرة تلك الحركات، وهم الذين أمدوهم وباعوا لهم الأسلحة المتنوعة، وهم الذين زرعوا عملاءهم في صفوف بعض تلك الحركات ليقوموا بتوجيههم إلى وجهة معينة، وينفذوا تفجيرات عشوائية متعددة في عدد من البلدان، حتى يختلقوا لأنفسهم مبررات وذرائع ليتدخلوا في شؤون الدول الإسلامية أمنياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعياً وغير ذلك، وينشروا الفوضى الخلاقة ومذابح وحشية وهمجية، كما فعلوا في أفغانستان وباكستان، والشيشان وداغستان، والعراق، وفلسطين، والصومال، وكما يريدون أن يفعلوا في اليمن والسعودية والسودان وغيرها من الدول.

 

وأما حكومات آسيا الوسطى ولاسيما أوزبكستان فكما هو معلوم فإنها وريثة الاحتلال الشيوعي الهالك، فهي لم تكن ولن تكون في يوم من الأيام مسلمة ولا ديمقراطية نزيهة، بل كل همها وسعيها وجهدها في المحافظة على أمنها وسلطاتها ومواصلة قمعها لكل من يأبى أن يكون عبداً مطيعاً لهم.
وفي ظل هذه العمليات القمعية الحكومية المستمرة والمتصاعدة يوماً بعد يوم نرى ونشاهد كيف أن الكثير من الشباب المسلم يضطر ليحمل السلاح ويذهب للانضمام إلى الحركات المسلحة بنية الجهاد، وهم لا يعرفون أن معظم تلك الحركات الجهادية مخترقة من قبل عملاء أعداء الإسلام.

 

ولهذا السبب ولعلمهم التام يعلن كبار المسئولين في الحكومة الأمريكية وغيرها بملء فيهم وبكل ثقة مما يقولون بأن "الحركات الإسلامية الجهادية" تشكل خطراً وتهديداً للأمن في آسيا الوسطى، وأنها سوف تتسلل إليها من أفغانستان وباكستان، وأنها سوف تقوم بعمليات وتفجيرات و و و ...
وكيف لا يجزمون بهذه المعلومات وكيف لا يتنبئون بهذه الاضطرابات وهم الذين يدبرونها ويخططونها ويديرونها من وراء الكواليس ؟!

وقد كشف العديد من الكتاب والمحللين الصحفيين بأن عودة الوجود الأميركي إلى أوزبكستان يشكل مصدراً رئيساً لانتشار الاضطرابات والفوضى في المنطقة، إذ غالباً ما تسعى التيارات المسلحة إلى تنفيذ أعمال تخريبية في المناطق التي تنتشر فيها قوات أميركية.
ويُذكر أن العلاقات الأميركية-الأوزبكية التي تعرضت لضربة بعد مجزرة أنديجان في أوزبكستان عام 2005م وتوجيه الإدارة الأمريكية بعض الانتقادات في مجال حقوق الإنسان والديمقراطية بسببها إلى حكومة كريموف، ثم وبعد سنتين أو ثلاث فقط بدأت تتحسن مرة أخرى.

 

وقد وقع الدكتاتور الأوزبكي المتسمي بـ "إسلام كريموف" مؤخراً بخطة التعاون الأميركية-الأوزبكية لعام 2010، والتي خرجت إلى الضوء بفضل دبلوماسية معاون وزيرة الخارجية الأميركية روبرت بليك، الذي زار طشقند أكثر من مرة، وتمكن من تقديم عروض مغرية للقيادة الأوزبكية، ولاسيما في المجال الاقتصادي -حسب مزاعمهم أمام وسائل الإعلام-.
وكان تصريح المسئول الأمريكي "روبرت بليك" قصيراً ومتعدد الدلالات، حين أشاد بدور أوزبكستان في الحرب على "الإرهاب" وأكد على أهمية توسيع التعاون الاقتصادي معها، ما يؤكد تبادل الخدمات بين الجانبين كل حسب إمكاناته وحسب احتياجاته. ‏
وتشير بعض المصادر إلى أن واشنطن دفعت مقدماً لأوزبكستان ثمن الود بينهما، حين أغلقت ملف محاكمة بحق جولنارا كريموفا – الدكتاتورة ابنة الدكتاتور- في المحاكم الأميركية، وقدمت لأوزبكستان وعوداً بتوسيع المشروعات الاقتصادية، ولا يستبعد بعض المراقبين أن تكون واشنطن قد أعادت المقيمين فيها من أبناء أنديجان في إطار هدايا كسب ود طشقند.

 

 

هذه الوقائع تعيد إلى الأذهان السياسة الخارجية الأوزبيكية التي تتغير من عام لآخر حسب الأجواء من دون أن تستقر على نهج معين، فتارة تعلن طشقند عن انسحابها من منظمات مشتركة تضم جمهوريات سوفييتية سابقة، وتهدف إلى توطيد التعاون بينها لحماية أمن واستقرار الجميع، مثل منظمة اتفاقية الأمن الجماعي، وتفتح الأبواب أمام القوات الأميركية، ومن ثم تعود وتغلق القواعد الأميركية لترتمي من جديد في أحضان الجارة روسيا، وهكذا دواليك. ويرى الخبراء في هذه السياسة عنصر عدم استقرار قد يؤثر في الوضع في أوزبكستان وفي المنطقة عموماً. ‏

 

النقطة الأخيرة التي تدفع إلى القلق تعود إلى وضع داخلي بدأت تتجه الأنظار نحوه في أوزبكستان التي تمكنت في عهد الرئيس كريموف من قمع الحركات الإسلامية كلها والحد من تدفق المسلحين إلى أراضيها عبر الحدود مع أفغانستان إلا أن تجارة المخدرات من أفغانستان والتي تلعب القوات الأميركية – حسب بعض المصادر- دوراً معيناً فيها، إضافة إلى التنافس الدائر في الخفاء بين مختلف المجموعات على السلطة معطيات تكشف مدى هشاشة الاستقرار في أوزبكستان.

 

وتجدر الإشارة إلى أن كريموف، دخل عامه الثالث والسبعين، وما زالت الصورة غير واضحة بالنسبة للقيادي المؤهل الذي سيخلفه في الرئاسة.
في هذا السياق، ينظر الخبراء إلى شخصيات ربما تتنافس على الرئاسة في أوزبكستان منها جولنارا كريموفا ابنة الرئيس وسفيرة حكومته في إسبانيا ولدى الاتحاد الأوروبي، لكنهم يرون أن فرصتها ضعيفة لأنها لا تحظى بدعم كاف في مؤسسة السلطة. والمرشح الآخر قد يكون رئيس الوزراء الحالي "شوكت مير ضياييف" أو رئيس الاستخبارات (خدمة الأمن القومي) رستام عناياتوف نظراً لقوة نفوذه حالياً في السلطة.

 

على الرغم من ذلك تبقى المخاوف قائمة من أن يؤدي غياب كريموف المفاجئ إلى صراع بين مختلف القوى على السلطة، وهو ما قد يتسبب في انتشار الاضطرابات العامة في البلاد وقد تكون تلك الاضطرابات المتوقعة مقصودة ومدعومة من جهة القوى الخارجية كأمريكا وروسيا و"إسرائيل" وغيرها. ‏