23 ذو الحجه 1432

السؤال

أعاني منذ صغري من بعض الاعتقادات السلبية عن نفسي؛ وهي باختصار: أني في صغري تعرضت لكثير من التحرشات نظراً لوسامتي؛ بل انتهكت استغفالاً لصغر أو اغتصاباً، وتبعه تعيير حتى أحياناً من أقرب الناس؛ فكانت حياتي مثل كابوس، وعيش مع وحوش بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معنى.
ثم منَّ الله عليَّ بالالتزام حتى تطورت في ذلك، وأصبحت ممن يشار إليه في ذلك المنشط الذي كان سببا في ذلك، بل أصبحت الرجل الأول فيه، وهو نشاط جامعي بحكم أني أصبحت معيداً في نفس الكلية.
ولا يزال معي كثير من الاعتقادات السلبية عن نفسي؛ لدرجة لا تطاق؛ بحكم الماضي الأسود؛ حتى أصل في بعض الأحيان إلى درجة حرجة عن نفسي وعن حياتي ورجولتي؛ من حيث إدارتي لرجال لم يدنس شرفهم مثلي، وأني كما يقال- باختصار- مفعول به.
أشيروا علي فأنا مقبل على زواج، وعلى ابتعاث خارجي (فهل إلى نجاة من سبيل؟)، أرجو أن تهتموا لموضوعي؛ فلأول مرة في حياتي أعرض الموضوع على أحد.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فكما أن الإسلام يجب ماقبله؛ فإن التوبة تجب ما قبلها من الذنوب والمعاصي؛ وكل ما تشعر به من مرارة الماضي، والذكريات السيئة، ليس لك فيه ذنب، بل إن الذنب فيه على هؤلاء الذئاب الذين يحلو لهم تلويث الثياب الطاهرة، وقتل البراءة في نفوس أطفال وغلمان الأمة، في ظل غياب الرقابة من البيت والمجتمع والحكومات التي أهملت الأمن الاجتماعي لصالح الأمن السياسي، وتركت هؤلاء المجرمين، خفافيش الظلام، دون عقاب رادع.
وتكشف لنا رسالتك عن الحياة الجديدة التي أقبلت عليها؛ والتي يملؤها الأمل بالله، والرغبة في تحقيق الذات؛ بالنجاح والتفوق الدراسي، وكذا بالريادة والمسئولية في النشاط الجامعي، وهي حياة جديرة بأن تمسح من أجلها تلك الذكريات المشوشة، والماضي الأليم، وأن تقبل عليها بكل جد واجتهاد؛ فهي فرصتك السانحة لبناء شخصيتك من جديد، حسبما تحب وتريد، فإياك إياك ووساس الشيطان اللعين، الذي يحاول أن يردك إلى الماضي ليضيع عليك حلاوة الواقع، وولذة الأمل في مستقبل مشرق.
وتذكر- أخي- كيف أصبح خالد بن الوليد (رضي الله عنه) سيف الله المسلول بعدما ظل سنين طوال على رأس جيوش الكفر يحارب الإسلام، وكيف لان قلب عمر بن الخطاب (رضي الله عنه) بعدما تحجر سنين طوال معاندًا لدعوة الحبيب محمد (صلى الله عليه وسلم)، كتب السيرة مملؤة برجال انقلبت حياتهم من النقيض إلى النقيض، بعدما خرجوا من ضيق الدنيا (الكفر) إلى سعة الدنيا والآخرة (الإسلام)؛ ليس هذا وحسب بل إن الله عز وجل يقلب ذنوب العصاة تلالا من الحسنات بعدما سلموا وحسن إسلامهم؛ قال تعال: (إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا) [الفرقان- 70].
وحتى يكون كلامنا عملي؛ فإنني أنصحك بالآتي:-
1) استعذ بالله من الشيطان الرجيم: ولا تستجب لنداءاته ووساوسه؛ ومحاولاته القذرة تذكيرك بذلك الماضي الأسود، وامتثل لأمر ربك حين يناديك: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ* مَلِكِ النَّاسِ* إِلَهِ النَّاسِ* مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ* الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) [سورة الناس].
2) أحرص على أداء الصلوات الخمس: في جماعة وفي المسجد ما استطعت إلى ذلك سبيلا: (... وَأَقِمِ الصَّلاَةَ إِنَّ الصَّلاَةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ...) [العنكبوت- 45]، فإنها خير عون للعبد: (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)[البقرة- 45].
3) اجعل لسانك رطبًا بذكر الله: واحرص على أن يكون لك ورد من الأذكار المأثورة عن النبي (صلى الله عليه وسلم)، امتثالا لأمر الله (عز وجل): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللهَ ذِكْرًا كَثِيرًا) [الأحزاب- 41]، (... وَاذْكُرُوا اللهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [الجمعة- 10].
4) أكثر من الاستغفار: وانتخب الأوقات الفاضلة التي ورد تفضيلها في صريح القرآن أو صحيح السنة المطهرة، قل تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا) [نوح- 10]، وقال أيضًا: (وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللهُ) [آل عمران- 135]، وعن أبي هريرة (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال، قال رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ): والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب اللَّه تعالى بكم ولجاء بقوم يذنبون فيستغفرون اللَّه فيغفر لهم" (رواه مُسْلِمٌ)، وعن أنس (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال سمعت رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمْ) يقول: قال اللَّه تعالى: يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئاً لأتيتك بقرابها مغفرة" (رواه الْتِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيْثٌ حَسَنٌ). عَنان السماء قيل هو: السحاب، وقيل هو: ما عنّ لك منها: أي ظهر. و قراب الأرض بضم القاف، وروي بكسرها والضم أشهر وهو: ما يقارب ملأها.
5) ابدأ مع نفسك صفحة جديدة: فلا تحاسبها على ما مضى، ولا تعاتبها على ما وقع منك في الصغر رغمًا عنك، وتجنب جلد الذات، فإن غاية ما يتمنى الشيطان أن يزرع اليأس والقنوط في قلب العبد المؤمن، فيضخم له ذنبه، ويقنطه من رحمة ربه، فلا تسمح – أخي الحبيب- لشيطانك أن يفسد عليك حياتك، أو أن يشكك في رجولتك؛ وأن يذكرك بأنك "مفعول به"، فاستعص عليه وأقبل على الحياة.
6) توكل على الله وعجل بأمر الزواج والابتعاث خارجي: وسوف يوفقك لله إلى النجاح والفلاح، وأوصيك أن تتكتم هذا الأمر، ولا تخبر به أحدًا، وخاصة الفتاة التي ستكون شريكة حياتك، وكما كانت هذه هي المرة الأولى التي تعرض فيها موضوعك على أحد – كما قلت في رسالتك- فلتكن هي لمرة لأولى والأخيرة، وأقنع نفسك بأنك إنسان سوي، قادر على الزواج، والسفر والاعتماد على النفس، ولم لا وقد أثبت شخصيتك بنجاحك وتفوقك الدراسي، وتعيينك معيدًا بنفس الكلية التي تعلمت بها، وترقيك حتى صرت مسئولا عن نشاط جامعي، فبدد عن نفسك الخوف وأقدم على الحياة بحب ورغبة في إثبات الذات.
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يصلح فساد بينكما، وأن يهد قلبيكما للاستجابة لنداء الشرع والعقل، وأن يصرف عنكما كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.