10 صفر 1432

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركات وبعد:
مشكلتي مع زوجي.. منعني من الإنجاب نهائياً وأنا في كامل صحتي وشبابي، ولم أنجب غير 3 أولاد ذكور وأصغرهم في 11 من عمره، وأتمنى أن أحمل ويرزقني الله ببنت إن شاء الله، ولكن زوجي يرفض الحمل تماماً ويتمنى أن أعمل مانعاً دائماً بعملية جراحية أو غيرها، وحالتنا المادية جيدة ونسكن في بيت ملك ولكن زوجي بخيل ومقتر ويفكر أن يتزوج من أخرى هذه الأيام وبكل وقاحة يصرح لي بأني قد انتهت صلاحيتي!!
أنا أتمنى أن يتزوج بأخرى حتى يتحصن عن الحرام لأني سمعته يحادث ويلتقي بنساء منهم البنات والمتزوجات وأخبرته أني متنازلة عن كل الأيام ما عدا يوم واحد حتى أضمن وجوده مع أولاده لو ليوم واحد.
أحس أني ضائعة في هذه الدنيا وأخاف من المستقبل كثيراً، يئست من هذا الزوج! إنه إنسان قاسٍ عديم الضمير والمشاعر.. أحب أنْ أخبركم أنَّ علاقتي بأولادي ممتازة وأحاول أن أربيهم على أمور الدين.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

أختي السائلة الكريمة:
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، أشكرك أولا على حرصك على بيتك وأسرتك، وحبك لكل فرد داخل هذه الأسرة، هذا الحب الذي حثَّك لمراسلة الموقع وعرض استشارتك عليه، لتتزودي بما يفيدك من نصائح وإرشادات تساعدك على الاضطلاع بوظيفتك كزوجة وكأم مربية.
وأنا بدوري سأحاول أن أقدم لك معالم مضيئة توجهك في طريقك وهي:
أولاِ: في حديثك ركزت اهتمامك أكثر على الأمومة ورغبتك في الإنجاب. وجعلت جوهر المشكل هنا، في حين أن قلب المشكل ينبض من داخل طبيعة العلاقة التي تربطك بزوجك، فعليها مدار استقرار بيتك وأسرتك، واعلمي أن سلامة هذا القلب وصحته تنعكس على صحة وسلامة جسم الأسرة بكل فروعها وأفرادها.
لهذا عليك واجبا هو أولى واجباتك وأسها، هو واجب التقرب لزوجك، وسعيك لعقد حوار ناضج وهادئ بينكما، ولو تكرر في أوقات وأماكن مختلفة، خلالها أنصتي إليه أكثر مما تتحدثين عن مشاكلك، وكأنك أم لزوجك أو صديقته أوأخته قبل أن تكوني زوجته، لأنه يحتاج في فترات إلى إنسانة تفهمه وتنصت إليه أكثر، وتحتوي كل ما يعيشه ويشعر به بعقلها وحكمتها وحسن تدبيرها، مرأة تكتمل فيها الصفات التي تتوزع في نساء شتى، فتختصر كل ذلك في جمال روحها وحكمة عقلها ورحابة صدرها وبهاء وحسن شكلها، فيلجأ إليها في كل صغيرة وكبيرة ويشعر عندها براحته وسعادته وسكونه..
تأكدي بأن زوجك يحتاجك كما يحتاجك أبناؤك، يحتاج احترامك وحبك الكبير له، وعنايتك واهتمامك به وبطلباته ورغباته، وتخصيص أعز أوقاتك لأجله، وباختصار إنه كما يحتاج مشاركتك لاهتماماته ومساندتك وتشجيعك وافتخارك وإعجابك به، فهذا سيساعدك لتحصينه من الوقوع في الحرام.
واجتهدي لتكوني تلك المرأة التي يبحث دائما عنها، واملئي عينه وقلبه وفكره، حتى لا يضطر ليربط علاقة محرمة مع امرأة تلبي احتياجه العاطفي أو الجسدي، وتعوضه عما يفتقده فيك..
ولعل رفضه لإنجاب أولاد آخرين إنما هو نتيجة لما يراه من اهتمامك التام بوظيفتك كأم، وانشغالك عنه بصرف كل وقتك في تربيتهم على حساب وظيفتك كزوجة، فحاولي أن تهتمي بهذا الجانب وستستوعبي أسباب رفضه لإنجاب أولاد آخرين.
كذلك أنظري للمسألة بعيه وقلبه وفكره، لا بعينك كأنثى وكزوجة وكأم، ستشعري حينها بحجم معاناته في مقاومة هذه الفتن التي حوله، وأشدها ضررا فتنة النساء والشهوات، وإلا ما حذر منها النبي صلى الله عليه وسلم فقال:(ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء).
ي الوقت نفسه كوني حكيمة في التعامل معه ومع رفضه لرغبتك في الإنجاب، فلعل لديه أسبابه الخاصة التي لا يذكرها إما مراعاة لمشاعرك، أو لخجله من أن يفصح لك عما يرغب به ويتمناه كزوج، والدليل أنك اكتشفت بنفسك أن له علاقات محرمة بنساء أخريات، وكذلك رغبته بالزواج من أخرى.. فهذه كلها مؤشرات تنبئك عن افتقاده لأشياء يحبها ويتمناها في المرأة، ثم ما معنى أن يصل الزوج إلى أن يهين زوجته فيقول لها تصريحا لا تلميحا: لقد انتهت صلاحيتك كزوجة، ولم يتبق لك إلا صلاحيتك كأم، أليس هذا مؤشرا خطيرا يهدد حياتك الزوجية وأسرتك، ويعلمك بنفاذ ذلك الرصيد الذي يجمع بينكما، من مشاعر الحب والإعجاب والارتباط العاطفي والنفسي، وضياع المودة والرحمة ومعاني السكن في علاقتك الزوجية.
فعليك أن تنتبهي لهذا الناقوس الخطير، وتتداركي هذا الوضع، وتصححي ما ينبغي عليك تصحيحه.
لهذا أنصحك كزوجة قبل أن أنصحك كأم تحب أولادها وتطمح إلى أن تكثّر من ذريتها ويكون لها أسرة كبيرة فأقول:
إن عليك مسؤولية جسيمة وثقيلة، تتقدم مسؤوليتك كأم لأنك زوجة قبل أن تصيري أما، واستقامة الأصل تتقدم استقامة الفرع، فلا تهملي ولا تقصري في واجبات زوجك كما لا تفرطي في حقوقك كزوجة، ووازني بين الواجبين، كما وازني بين واجبين آخرين: واجبك كزوجة وواجبك كأم، لا تجعلي أحد الكفتين تغلب الكفة الأخرى، بل ضعي ميزان حياتك الزوجية بتكافؤ الأنصبة وتقسيم المراتب وصرف الأوقات والاهتمام والرعاية (...)حتى يأخذ كلٌّ نصيبه وحقه بقانون عادل ومنظم.
ولعل حبك للأولاد سرقك من حبك لزوجك، وعاطفة أمومتك جذبتك فملت بكل مشاعرك فلم تتركي نصيبا لزوجك بالقدر الذي يرغبه ويتمناه ويكفيه، فحاولي أن تعالجي هذه المسألة وتضبطي هذا الميزان، وحتى لو جار هو عليك علميه بعدلك معه كيف يعدل معك ويرغب بذلك.
ثانيا: أنت الحمد لله أم لثلاث أولاد وهم على ما أعتقد في سن متقاربة وأعمار صغيرة، وأرى أنهم بحاجة لقوتك ونشاطك ووقتك، فلا تستعجلي الإنجاب.
خاصة أن هذا الموضوع سيطرح مشاكل بينك وبين زوجك. بعد أن حسم فيه بشكل نهائي، أخريه لفترة ولا تجعليه هاجسا، ولا تلحي عليه وتتحدثي عنه في كل الأوقات وفي كل حواراتك، إنما اجعليه هدفا من بين أهدافك، التي تحتاجين لأجل تحقيقها ترتيبا وتخطيطا وتدرجا، وتريثا وحكمة... وتستنفذ طاقة ومكابدة ومجاهدة.
ثالثا: أنت تشعرين بالضياع وبالقلق النفسي، وتخافين من المستقبل كثيرا، وربما لأجل هذا ترتبطين بقوة وبإلحاح برغبتك في الإنجاب، وكأنك تبحثين عن الأمان بوجود أولادك حولك، وبحبك لهم وحبهم لك، أو كأنك تبحثين عن السكن الذي افتقدته مع زوجك، وتحتمين بالأولاد مما تخافين منه من تقلبات الزمن..
فأنصحك أن تتخلصي من هذه الأوهام وتوثقي علاقتك بربك، وتضعي كل أمنك وأمانك فيه، فهو سبحانه من سيمنحك الراحة والسكينة والطمأنينة التي تنشدينها، فتقربي إليه وفرُّي إليه، فستجدي عند باب التذلل بأعتابه كل ما تفتقدينه، وحينها سيصغر في قلبك كل الأحاسيس التي تؤلمك، وستعظم في عينك أهداف أخرى هي أرقى وأسمى من مجرد أهداف دنيوية، كما ستجدي حاجتك تقضى فيما تعلق قلبك به من أمور الدنيا، فاسلكي هذا الطريق فسيوصلك لمبتغاك إن شاء الله.
رابعا: أختم بما بدأت به ليكن من أهم أهدافك أن تكسبي حب زوجك وتحسّني علاقتك به كما هو شأن علاقتك بأبنائك، وتأكدي بأنك تمتلكين القدرة والكفاءة التي تفوقت بها في علاقتك بأبنائك فنجحت في الاضطلاع بمهمتك.
والمستقبل أمامك لتتداركي أخطاءك التي ربما لا تلاحظينها بسبب حبك الكامل لأولادك، ولا تنسي أن قلوبنا مستعدة لتحمل أنواعا مختلفة من الحب والعطاء، وليس صنفا واحدا من الحب وهو حب الأم لأولادها..
فجاهدي وناضلي لتسترجعي زوجك، ولتستعيدي ثقته بك وتشعرينه بوجودك في قلبه وعقله وحياته بشكل عملي.
صححي نظرته لك، وأحيي بريقك في عينيه، وابعثي داخل بيتك روحا جديدا، وابعثي بقلب زوجك أحاسيس قد تكون ماتت أو تلاشت أو ضعفت اتجاهك، واسترجعي إعجابه بك كمرأة، واحترامه لشخصيتك وتقديره لمكانتك ووظيفتك، وامنحيه فرصة ليراك من جديد بعين مختلفة وبإحساس مختلف، يراك زوجة جميلة وأما جميلة..
حاولي أن تنجحي في هذا كما نجحت في أن تكوني أما صالحة، وأنت لا تعدمين وسيلة في تحقيق ذلك، حتى لو حاولت مرات وفشلت، تأكدي أنك في كل محاولة تتقدمين خطوات في حياتك، وتتحدين مشاكلك وتتغلبين على معاناتك.
وإياك أن تتوهَّمي الفشل أو تفقدي الأمل، لأنه ما زال بقلب زوجك لك مكانة وإعزاز، وإلا ما احتفظ بك ولو كأم لأولاده، لأنه يستطيع أن يفارقك ويبحث عن مربية لهم، أو زوجة تكون أما لهم، أو يتركهم معك ويبدأ حياته من جديد مع زوجة أخرى.
أسأل الله العلي القدير أن يوفقك في حياتك الزوجية والأسرية ويرزقك الذرية الصالحة ويشيع بينكم المودة والرحمة والسكينة.