6 رجب 1433

السؤال

السلام عليكم، بارك الله فيكم؛ على ما تقدموه.
منذ كنت طفلا عمري 13 عامًا؛ اصبت بخوف مفاجئ، وكان عنيفًا إلى أبعد حد، ومن ثم أصبت بالوسواس القهري مدة 13 عام، وأنا أتعالج منذ 3 سنين، وهناك تحسن، لكني لا أشعر نفسي أني متحرر من الوسواس، وتوابعه من خوف وقلق، من أن الافكار ذهبت.
والنقطة التي أود أن أطرحها عليكم هي: مشكلة قرار الزواج، فأنا أقلق من مجرد ذكره، وأهرب منه دائمًا، مع أني سليم جنسيًا، ولكن لا أدري ما هو السبب بالتحديد، أشعر بتردد وضعف شديدين.
والمشكلة أن أهم مقومات الزواج: الحزم، وتحمل المسؤلية، حتى بيني وبين نفسي لا أتحدث بموضوع تكوين الأسرة، خاصة أن دخلي محدود، وأحس أن شخصيتي ضعيفة، وهذا الموضوع يتعبني كثيرًا، أرجو منكم الإجابة، وشكرًا.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا السائل:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فهمت من سردك لتاريخ المرض أن البداية كانت "الخوف" ثم تدرج المرض معك حتى وصل إلى "الوسوس القهري"، وقد ذكرني هذا بالأساليب التربوية الخاطئة التي يلجأ إليها بعضنا؛ من أجل إسكات أطفالنا، أو كمبرر لعدم تلبية احتياجاتهم، أو حتى تلك الأساليب غير التربوية التي ينتهجها بعض المدرسين لمعاقبة بعض التلاميذ في المرحلة الابتدائية أو ما يسبقها، والحق أن هذا كله مخالف لمنهجنا الحكيم، ولديننا الإسلامي الحنيف؛ الذي يحض على تحفيز الصغار، ونفض الخوف من قلوبهم، وتعويدهم على الشجاعة والجرأة؛ لينشأوا على الخصال الصحيحة، ويتربوا على خلق الشجاعة والإقدام.

وقد حرص النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وأصحابه (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم) من بعده على تربية النشء على الثقة بالنفس والشجاعة والإقدام، ونبذ الخوف والجبن عنهم حتى لا يعتادوه، وها هو رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) عندما رأى صبيًا صغيرا يدعى سمرة بن جندب يلح عليه واثقا من نفسه أن يجيز مشاركته في جيش المسلمين، وينظر إلى الصبي وهو يقول: إن رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) قد أجاز رافعًا وردني مع أني أصرعه، فأمرهما رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) أن يتصارعا، فغلب سمرة رافع، فضحك رسول الله (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وأجازهما معا.

وها هو عبد الله بن الزبير بن العوام (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)؛ ابن السيدة أسماء بنت أبي بكر الصديق (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا)؛ فبينما كان يلعب مع الغلمان مر عليه عمر بن الخطاب (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) فلم يجر من أمامه كما فعل بقية الصبيان؟، فاستوقفه عمر (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) وقال له: لماذا لم تفر يا غلام مثل بقية الغلمان؟؛ فقال له بأدب يملؤه الثقة بالنفس والشجاعة في الحق: لم يكن الطريق ضيقًا فأفسحه لك!!. إنها التربية الإسلامية التي تزرع في نفوس الغلمان صفات كريمة كلشجاعة والإقدام ولثقة بالنفس.

أخي الكريم:
إن تطور الخوف إلى وسواس؛ ثم تطور الوسواس إلى وسواس قهري له توبع وآثار؛ مثل: الخوف والقلق من المستقبل ومن المجهول لهو أمر طبيعي؛ طالما أننا لم نتحرك لالتماس العلاج، أو كنا نتحرك في الطريق الخطأ. إن أول خطوت العلاج من هذا المرض هي العودة إلى الله (عَزَّ وَجَلَّ)، وإعلان التوبة الصادقة، والاستعاذة به (سبحانه وتعالى) من ذلك الشيطان الرجيم، الذي يريد أن يفسد علينا ديننا ودنيانا.

وما تحتاجه الآن – أخي- هو أن تعود إلى الله (عَزَّ وَجَلَّ) عودً حميدًا؛ فتغتسل، وتتوضأ وضوءك للصلاة، وتصلي ركعتين من دون الفريضة، ثم تتضرع إلى الله (عَزَّ وَجَلَّ) أن ينقذك من وساوس الشيطان وغمزه ولمزه، فإنه سبحانه خير معين، وأن تواظب على أداء الصلوات الخمس في الجماعة الأولى بالمسجد ما استطعت إلى ذلك سبيلا، ثم تجعل لنفسك وردًا من القرآن الكريم (جزءً يوميًا على سبيل المثال)، وألا تغفل عن ذكر الله (عَزَّ وَجَلَّ)، وعن الأوراد المأثورة عن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)، ثم ترفع راية العصيان لهذا الشيطان الرجيم، فلا تخشاه مهما حاول أن يثبطك، أو أن يفسد عليك توبتك.

واعلم أخي الحبيب- شفاك الله وعافاك- أن الزواج الذي يصوره لك شيطانُك على أنه مشكلة بلا حل؛ سيكون - بإذن الله تعالى- حلا لكل مشاكلك، فلا تدع الشيطان يخوفك منه، فتوكل على الله، واستعن بالله، وخذ قرار الزواج، وأنت مطمئن البال، مرتاح الضمير، واعلم أن الهجوم خير وسيلة للدفاع، فلا تهرب من مواجهته، بل حدث نفسك بأنك قوي بالله، وأنك قادر على خوض التجربة التي خاضها من هم: أصغر منك سنًا، وأضعف منك جسدًا، وأقل منك تعليمًا، ولا تقلق طالما أنك كما تقول "سليم جنسيًا"، فلا تتردد ولا تسمح للشيطان بأن يسرب إليك الضعف أو الخوف، وتوكل على الله، إن الله يحب المتوكلين.

أما عن محدودية دخلك؛ فأعتقد أنها من الحيل التي يحاول الشيطان بها أن يثنيك عن اتخاذ قرار الزواج، الذي يعلم أنه سيحررك منه، فهذا الشيطان الرجيم يلف حبلا من الوهم والتخويف والترهيب حول عنقك، والقرر بيدك أخي الكريم، فمد يدك واقطع الحبل المضروب حول عنقك، وقل للشيطان: أعوذ بالله منك، ومن همزك ولمزك وغمزك، وارفع لدى نفسك الإحساس بقوة شخصيتك، ولم لا وأنت رجل سليم من الناحية الجنسية، فتوكل على الله (عَزَّ وَجَلَّ) ولا تتردد.

وفي الختام؛ أذكر نفسي وإياك ببعض الأدعية المأثورة عن النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)؛ والتي ستكون بإذن الله تعالى خير معين لك؛ في التخلص من هذا الشعور الكاذب الذي يسعى الشيطان لخنقك به، ولا تنس أن تقول قبل نومك: حسبي الله ونعم الوكيل، ثم تقرأ آية الكرسي والمعوذتين وسورة الإخلاص وآخر سورة البقرة، وتنام على طهر؛ وهذه بعض الأوراد المأثورة:-
1- فقد كان النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) يقول عند الكرب: "لا إله إلا الله العظيم الحليم، لا إله إلا الله رب العرش العظيم، لا إله إلا الله ربُّ السماوات ورب الأرض ورب العرش الكريم". (صحيح البخاري ومسلم).

2- وقد كان دعاء نبي الله يونس (عليه السلام) لما التقمه الحوت: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين". "لم يدع بها مسلم في شيء قط إلا استجاب الله له". (أخرجه الترمذي).

3- وكان من دعاء النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، أصلح لي شأني كله لا إله إلا أنت". (أخرجه أبو داود).

4- وقال النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "ما قال عبد قط إذا أصابه هم وحزن اللهم إني عبدك وابن عبدك، وابن أمتك ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي، إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكان حزنه فرحاًً". (أخرجه أحمد).

5- وقال النبي (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): "من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، ومن كل هم فرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب". (أخرجه أبو داود).

نسأل الله (عز وجل) أن يصرف عنك كيد الشيطان وغمزه ولمزه وهمزه، وأن يهد قلبكَ، ويرد إليك ثقتك بنفسك، وأن يصرف عنك الخوف والقلق والوساوس. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.