بعد سبع سنواتٍ نازفة:هل سمع العرب والمسلمون باحتلال العراق؟!..
27 ربيع الثاني 1431
د. محمد بسام يوسف

هل تذكرون مشاهد النشوة التي غرق فيها الأميركيون وعملاؤهم، وهم يدنّسون بغداد المنصور والرشيد، يوم دخلوها همجاً معتدين مجرمين مدمِّرين.. يوم التاسع من نيسان عام 2003م؟!.. وذلك تحت الشعار المزيَّف: حرية العراق!!..
ماذا كانت نتائج العدوان الآثم على عراق العزّ والفخار، بعد سبع سنواتٍ من عمر الاحتلال؟!..

 

كانت النتائج تدميراً شاملاً للبلاد، وسَحقاً لبنيتها التحتية.. وقَتلاً لأكثر من مليونٍ من نساء العراق وأطفاله وشيوخه ورجاله وعلمائه ونوابغه وكفاءاته.. ومعاناةً مريرةً بفقدان أوليات العيش الكريم لإنسان القرن الحادي والعشرين، من الكهرباء ومياه الشرب النقية والدواء والغذاء والمشتقات النفطية.. وسجوناً ملأى بمئات الآلاف من شعبه.. وفضائح يندى لها جبين الإنسانية ترتكبها القوات المحتلة والحكومات العميلة.. وجرائم طائفيةً لم يسمع العالَم عن مثيلٍ لها في التاريخ، تقترفها ميليشيات خائنة حاقدة تتدرّب في إيران الصفوية الشيعية، ويخطِّط لها المحتلُ الأميركيّ ويشجّعها ويدعمها ويستخدمها لتحقيق مآربه.. وخمسة ملايين طفلٍ يتيم.. وأكثر من ستة ملايين مهجَّرٍ ولاجئٍ عراقيّ خارج البلاد.. وآلاف المختفين مجهولي المصير.. ومئات المليارات من الدولارات المنهوبة، وتمييزاً طائفياً شيعياً حكومياً في أبشع صوره.. وتزويراً مذهلاً للانتخابات بكل أنواعها.. وحكومةً مزدوجة العمالة للاحتلالين: الأميركيّ، والصفويّ الطائفيّ الإيرانيّ، لا تحكم حتى ما يسمى بالمنطقة (الخضراء) في طرف بغداد.. وجيشاً ممزّقاً.. وأجهزةً حكوميةً فاسدةً من اللصوص والنهّابين والقتلة والمجرمين والموتورين الطائفيين.. وانهياراً مخيفاً في مستوى التعليم المدرسيّ والجامعيّ.. وتوقّفاً كاملاً للتطوّر الزراعيّ والصناعيّ.. وتخلفاً صحياً وطبياً.. وانتشاراً للأمراض والأوبئة.. وملايين العاطلين عن العمل.. ومئات المساجد المدمَّرة.. وجثثاً مقطوعة الرأس على أرصفة الشوارع.. وثمانين بالمئة من أبناء الشعب يعيشون تحت خط الفقر.. وانعداماً كاملاً شاملاً للأمن.. و..!..
* * *

 

 

هل تتذكّرون أكاذيب صهاينة الإدارة الأميركية وتابعهم البريطانيّ (طوني بلير)، وبهتان أذنابهم الممالئين والخونة والمتواطئين والعملاء والأبواق الأميركية الصنع والإيرانية المنشأ؟!.. بَدءاً من أكذوبة (أسلحة الدمار الشامل) العراقية، وانتهاءً بأكذوبة (الديمقراطية)، ومروراً بأكاذيب: البناء، والإعمار، والتحرير، وإسقاط الدكتاتورية، والرخاء، والاستقرار، والأنموذج العراقيّ لكل أقطار المنطقة، والقضاء على الإرهاب، و..؟!..
ذلك هو العراق الأنموذج الذي وعدت به أميركة وعملاؤها: عراق ممزَّق، تحكمه المافيات الصفوية، وتتغلغل إيران الفارسية في كل مفاصله، وتستوطن فيه فرق الموساد الصهيونيّ!.. عراق لا يعرف الأمن أو الاستقرار، تسوده شرائع الغاب، ويغوص شعبه بدمائه حتى الرُكَب!.. عراق تنهبه عصابات الشركات الأميركية وأذنابها وسماسرتها، وتضيع دماؤه وخيراته في ذمم دول الغرب الصليبيّ الحاقد، وتُزهَق أرواح أبنائه كل لحظةٍ في مذابح المحتلّ الأميركيّ ومسالخ حُسينيّات أذنابه وحلفائه الصفويين القادمين من بلاد فارس الصفوية الحاقدة!..

 

 

لكنّ العراق الشامخ أبداً، على الرغم من جراحه الغائرة الكثيرة.. العراق الذي لقّن أولئك الجهلة المحتلّين الأبجديةَ والحرفَ والحضارةَ منذ فجر التاريخ.. قد لقّنهم اليوم كيف يكون الإنسان إنساناً، وعلّمهم كيف تكون الحياة عزيزةً، وكيف يكون الموت شرفاً!.. فوحدها المقاومة العراقية الباسلة، ووحدهم المجاهدون العراقيون الأبطال، جعلوا العدوَّ وعملاءه ووسائل إعلامه وصحفه، يعترفون بالهزيمة الكارثية، والضعف المذلّ، وخسارة الحرب والسلام معاً، كما ورد على لسان الإندبندنت البريطانية: [كانت سنواتٍ من المعاناة الأكثر إيلاماً، ويا لها من ذكرى غير سارّة، فكلما مرّ الوقت بدت المغامرة العسكرية كارثةً لكلّ من يهمه الأمر، فالعراق جعل الولايات المتحدة تبدو أكثر ضعفاً في عيون العالم، وإنّ مَن يفكّر بأنه كسب الحرب في العراق، فإنه مع مرور كلّ يومٍ يخسر السلام]!.. (صحيفة الإندبندنت البريطانية الصادرة في يوم الثلاثاء بتاريخ 20/3/2007م).
* * *

 

مهما كان المعتدون محترفين بفنّ الكذب، فإنهم لن يستطيعوا أن يحجبوا الحقائق، فقد خسروا أكثر من أربعين ألف قتيل، وأكثر من مئة ألف جريحٍ ومعوَّقٍ ومريضٍ نفسيّ، وأكثر من ألفي مليار دولار، وعشرات الطائرات الحربية، ومئات الدبابات والمدرّعات والآليات العسكرية والمدنية.. وتفكّك تحالفهم العدوانيّ، وأطيح برؤوسهم واحداً إثر واحد، ولعل أهم الرؤوس المطاحَة: (كولن باول) و(دونالد رامسفيلد) و(جون بولتون) و(بوش الصغير) و(ديك تشيني) و(كوندوليزا رايس).. وفوق ذلك كله، خسروا عملاءهم وخسرهم أولئك العملاء، وخسروا الدعم المعنويّ والماديّ العالميّ، وكذلك الهيبةَ، والمصداقية.. وأُذِلَّت آلتهم العسكرية التي طالما افتخروا بها.. وفوق.. فوق ذلك، خسروا الأمن الذي تمتّعوا به طوال عشرات السنين، الأمن الذي زعموا أنهم احتلوا العراق ليحقّقوه لشعوبهم وبلدانهم، التي يهدّدها الإرهاب الذي يدعمه العراق كما زعموا!..

 

إنهم لم يعتدوا علينا إلا لنهب نفطنا وثرواتنا، وللسيطرة على العالَم بسيطرتهم على بلادنا ذات الموقع الاستراتيجيّ الخاص، ولتحقيق الأمن الكامل والحماية التامة للقيطهم الصهيونيّ.. فخابوا وخسئوا، وقد أعلنوا خيبتهم وخسرانهم على لسان ناطقهم الرسميّ باسم قيادتهم المهزومة (إريك كلارك)، خلال مؤتمره الصحفيّ يوم الأربعاء بتاريخ 21/3/2007م في دبيّ، حين تلعثم بمراراته قائلاً: [إنّ الفشل الأميركي في العراق سيكون تأثيره رهيباً]، ثم ألقى الناطق الضابط المهزوم الضعيف باللائمة على بعض عملائه الخونة: [.. وإنّ بعض المعارضين العراقيين قدّم صورةً مضلِّلةً للأميركيين، وقادوهم إلى منـزلقٍ خطير]!.. ويا له من منـزَلقٍ لم يكتشفوه إلا بعد هزائم ضارية!..
* * *

 

لعل أهم ما انكشف جرّاء احتلال العراق، هو هذا العناق الوثيق بين العدوَّيْن المشترَكّيْن للعرب والمسلمين، وانكشاف مشروعَيْهما المشبوهَيْن: العدوّ الأميركيّ الصهيونيّ، والإيرانيّ الصفويّ الفارسيّ.. ولن يتحرّر العراق من الاحتلال الأميركيّ الصهيونيّ، إلا بانقلاب صفحة التآمر والمتآمرين إلى غير رجعة، وبردّ كيد العدوّ الإيرانيّ الصفويّ الفارسيّ إلى نحره، لإسقاط مشروع الصفويين الإيرانيين إلى غير رجعةٍ بإذن الحيّ القيوم، بعد افتضاحهم وانكشاف خياناتهم للإسلام والمسلمين، وافتضاح نذالة عملائهم ومجرميهم وحاقديهم وسفهائهم.. لكل ذي عَيْنٍ من أبناء أمة العرب والإسلام!..
* * *

 

لقد سقطت أميركة في العراق عسكرياً وحضارياً، وسقطت إيران الصفوية الفارسية فيه سياسياً وثقافياً وأخلاقياً ودينياً، وستسقط مؤامرات الكيان الصهيونيّ كما سقطا، ولن تنفعَهم كل الاستراتيجيات المعلَنة والسرّية، ولا كل الخطط الأمنية الاستعراضية، ولن ينفعَ العملاءُ أربابَهم، وليس أمام أميركة إلا الانسحاب الكامل الشامل من العراق الذي اعتدت عليه، وليس أمام مجرميها إلا المحاكمة العادلة الجديرة بمجرمي الحرب، وليس أمام خزائنها إلا التعويض عن كل الكوارث التي سبّبوها للعراق والعراقيين عن قصدٍ وسبق الإصرار، وليس أمام عملائهم العلاقمة الجدد إلا حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة، وحُكم التاريخ بابن العلقميّ وأبي لؤلؤة فيروز المجوسيّ، وليس أمام العالَم كله إلا أن يعترفَ بأنّ العراقيين المؤمنين بالله وعدالة قضيّتهم.. قد دحروا إمبراطورية الشرّ الأميركية، وأذلّوا عملاءها، وفضحوا الدولة الفارسية التي تزعم انتماءها لأمة الإسلام.. فالعراق ليس لهم، ولا للخونة الذين قدم الأميركيون على ظهورهم، ولا لجارة الشرّ الصفوية وأذنابها الحاقدين.. العراق لأهله، ولأمّته، ولشعبه الشامخ.. العراق لأبناء عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب، ولأحفاد سعد بن أبي وقّاصٍ وخالد بن الوليد والمغيرة بن شعبة وصلاح الدين الأيوبيّ.. ولبقية الأبطال الذين قوّضوا ممالك الروم والفُرس والصليبيين، وأقاموا دولة الإسلام والكرامة والرخاء والاستقرار والأمن والمحبة والسلام.. العراق لمحبّي آل البيت الحقيقيّين، وليس لعشّاق آل (البيت الأبيض الأميركيّ) الدجّالين!..

* * *