مؤتمر المرأة المسلمة.. رسم الخارطة الحقيقية
7 جمادى الأول 1431
أمير سعيد

لم يتسن لي حضور مؤتمر المرأة الذي أقيم في البحرين، لكن أخباره ـ على قلتها ـ كشفت عن حالة جديدة بدأت تسري في الأوساط الإسلامية المحافظة، ساعية إلى بلورة رؤية جديدة يمكن لها أن ترسم خارطة طريق للتعاطي مع المستجدات المتسارعة فيما يخص النظرة الغربية للمرأة التي يراد لها أن تسود في عالمنا الإسلامي، وأيضاً في محاولة صياغة منهج تطبيقي يتفاعل مع الواقع المتغير، ويتنسم مقاصد الشريعة وأهدافها.

 

والذي يلفت النظر كثيراً في واقع الأمر في هذا المؤتمر الذي ضم أطيافاً وألواناً مختلفة لكنها متناغمة في حدبها على المرأة الإسلامية، وحرصها على إعلاء القيم الإسلامية الرحيمة والعادلة الخاصة بإحدى أهم ركائز المجتمع المسلم، أنه لم يقتصر على الجانب التفاعلي الدفاعي إزاء ما تتعرض له المرأة المسلمة مثلما اتسمت به مشاريع سابقة، قدم بعضها أولوية المواجهة مع المشاريع التغريبية على نحت مشروع بنائي واقعي جديد، يتعامل بوعي راسخ، ونظرة ثاقبة للمناخ الذي توضع فيه تلك المشاريع في حيز التنفيذ. إنما الذي أقر أعين كثير من المتابعين، أن المؤتمر حاول، وهي خطوة ليست نهائية بطبيعة الحال، أن يتجاوز إلى مسألة البناء التطبيقي لمشروع إسلامي "محافظ" للمرأة المسلمة، يدرك مساحة الفكر المتاحة، وإمكانات التطبيق المتعددة، والتي تنظر باحترام لكينونة المرأة، ولا تتعاطى معها من خلال حزمة من المتطلبات والواجبات.

 

ومن الطبيعي أن يشاطر كثيرون د. فؤاد العبد الكريم رئيس مركز باحثات أحد الجهات المنظمة للمؤتمر الرأي حول اختلاف وثيقة المرأة التي وقعها المشاركون في المؤتمر عن الاتفاقات وتوصيات المؤتمرات الغربية من حيث ترافق الوثيقة بين مسألتي حقوق المرأة وواجباتها، بخلاف نظائرها الغربية التي تتناول المسألة "الحقوقية" للمرأة من دون التطرق لواجباتها، لكن من الإنصاف أيضاً القول بأن هذا الترافق برغم تشديد الشريعة الإسلامية عليه إلا أنه لم يكن متوازناً في طرح بعض الإصلاحيين عموماً، ممن هالتهم التغييرات السلبية المتسارعة على صعيد النسوي بحفز غربي متعمد عن رؤية قضايا الواجبات التي يتحتم على المجتمع الإسلامي النظر إليها حيال المرأة وحريتها الحقيقية واحترام ذاتها ومساحات التفكير المتاحة لها وهوامش الإبداع المنضبط المبسوط لها.

 

وهنا؛ فإن النضج يستلزم استيعاب مناطق المباح والمحظور تمهيداً لمباشرة عمل نهضوي فاعل ومؤثر في المجتمعات الإسلامية، مأخوذ إلى قيمها ومسترشداً بشريعتها الغراء.

 

إن تبيان سلبيات النظم البشرية المتخبطة، والمشاريع المرهونة باستراتيجيات "استعمارية" وقراءة واعية رشيدة للمستقبل المنظور، والتدقيق في المرامي الحقيقية للمؤتمرات المتوالية المستهدفة للمرأة عموماً، والمسلمة خصوصاً، هو أمر محمود وواجب محتوم لابد أن ينبري له أكفاء، وعظم الهجوم يستلزم وجود جهد دفاعي مكافئ، لاسيما أن تلك المشاريع التغريبية التي تنبثق عنها اتفاقات دولية ليست جهداً فكرياً ترفياً، وإنما هي قرارات وإجراءات ملزمة للدول الإسلامية تغوص إلى أعماق الخصوصية الإسلامية فيما يخص قوانين الأحوال الشخصية وقوانين العقوبات المدنية وغيرها، بما يجعلها تمس أدق وشائجنا الاجتماعية، ويخدش، بل يزلزل أركان بيوتنا وأسرنا الوادعة، لكن هذا بطبيعة الحال ليس إلا جزءاً من الحل، وهو مفتاح لباب يولج منه إلى ترشيد خطى المرأة المسلمة، وبعده، تبدو ثمة خطوات آكد منه وأهم، وهي المبادرة إلى القيام بجهد بنائي رشيد، لا يتسم بسياسات ردود الأفعال وإن كان يعيها ويتعامل معها بقدر كبير من الاستيعاب والفهم، وأولى خطوات ذلك هو الإفادة من التجارب الإسلامية الرائدة حول العالم، والسعي لوضعها في إناء حضاري عريض.

 

وبالتأكيد لا يزعم المؤتمر أو رعاته أن لهم قصب السبق في التمهيد لمشروع نهضوي للمرأة المسلمة، لكنهم بالفعل قد أسهموا في لململة كثير مما هو مبعثر في هذا السياق، وبادروا إلى تقريب وجهات النظر وتعريف أصحاب التجارب بعضها ببعض، ورؤية الآثار التي خلفتها المشروعات التغريبية في بلدان سبقت غيرها ـ أو بالأحرى انحدرت قبل غيرها ـ في قطع خطوات كبيرة في تطبيق تلك المشاريع.

 

لقد كان المؤتمر مساهمة جادة في قرع الآذان بما ينتظر هذه الأمة المسلمة، وما تباشره بعض التيارات التغريبية المنتسبة إليها، ولعل من المفيد أن تصل صرخة المؤتمرين إلى قطاعات نخبوية ورسمية وشعبية في حوضنا الإسلامي الشاسع، وأن تتجاوز إلى المنظمات الدولية مثلما حرص البيان الختامي على ذلك، وقد كان في الحقيقة شيء من ذلك كبيراً بلا شك.

 

نعم، لقد استاء البعض من منظمي المؤتمر من التغطية الإعلامية الضعيفة للمؤتمر، ولهم كثير من الحق في ذلك، لكن في المقابل، أرى أن قسطاً من التغطية الإعلامية قد حازه المؤتمر، وللناشطين في هذا المجال أن يدركوا أن غدهم يصنعونه بيومهم، وأن السالك في درب كهذا تحوطه سياجات عالية، وعوائق متعددة، ومشاريع قوية مضادة وذات إمكانات هائلة، واستراتيجيات ترسخت لعقود بل قرون، لا يمكن زحزحتها إلا بجهد موصول لن يكون أبداً موضع ترحيب من القوى العالمية وأتباعها ـ هذا السالك، لابد أن يدرك حجم التحديات التي تنتظره، ويرسم صورة واقعية غير حالمة للمأمول من جهده.

 

وعليه؛ فإن هذه، على زخمها الواضح، وكسرها لقواعد لعبة "رد الفعل" وانتظار الضربات، ليست إلا خطوة وبداية في طريق لن يكون أبداً معبداً، وسيعوز المتحملين لهذه المهمة خطوات تاليات يتحسسون قبلها مواضع أقدامهم، ويرمقون على الدوام علامات الطريق، ولابد أن يستتبع هذه القراءة الواعية التي بدت في كثير من أوراق المؤتمر جهود حثيثة في مناطق التطبيق.

 

كما، من الضروري الانتباه إلى أن ما يعالجه المؤتمر وغيره من الفعاليات ليس مسألة تمس اختلافات فقهية يمكن أن يراها طرف على نحو ما، ويراها غيره على غير ذلك، بل إنها من صميم الثوابت التي تمثل قاسماً مشتركاً لكل من يحرص على مؤسسة الأسرة المسلمة، وموقع المرأة البارز فيها، من أن ينالها ثلم ممن لا يريدون لأمتنا خيراً، وإذن؛ فالطاقة الاستيعابية لأصحاب الرؤى والأفكار لابد أو تتسع باتساع حجم التحديات، وأظن ذلك مما يفطن إليه المخلصون.