15 شوال 1432

السؤال

لدي ولد عمره 17 سنة، وبنت عمرها 15 سنة، ويلحون دائمًا في اقتناء جوالات بكاميرا وبلوتوث؛ تأثرًا أو تقليدًا لزملائهم، ولكنني- بصراحة- أخشى من الاستعمال السيئ للكاميرا، وأنها شبهة في الدخول إلى أي مكان (خاصة إذا كان فيه نساء) علاوة على شبهة التصوير؛ وهل هى حلال ام حرام؟.
وأقول لهم ليس لدي مانع من شراء أي جوال مهما كان ثمنه؛ بشرط عدم وجود الكاميرا (هذا للولد لأنه يحتاجه عندما يكون خارج البيت لشراء الحاجيات، أو عند عودته من المدرسة بمفرده، أما البنت فقلت لها عندما يكون له استخدام عندك ساشتريه لك)، وإنني أنا على سني الذي قارب الخمسين لا أحمل جوالا بكاميرا؛ لا أنا ولا والدتهم؛ وإنما جوالاتنا حديثة وبدون كاميرا.
وقد أحضرت لهم فتوي للشيخ بن جبرين؛ من موقع الموسوعة الشاملة، للافتاء بحرمة بيع جوالات الكاميرا، وصممت على رأيي. فما أدري هل أنا على صواب أم لا؟. أفتوني مأجورين.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الكريم:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر الله لكَ ثقتَك بإخوانك في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فإنني أشبه الهاتف الجوال في زماننا هذا وسائر الوسائل والأدوات الحديثة، بالسكين؛ والذي يتوقف حكمه الشرعي بحسب استخداماته، وحاجة المستخدم له، فمن اشترى السكين ليقتل به أحدًا، أو يزهق به روحًا فإنه يكون حرامًا، ومن اشتراه ليستعين به على تقطيع الطعام وقضاء ممصالح البيت، فإنه يكون حلالا.
ولا شك أن شبابنا في العالم العربي – للأسف الشديد- يجرون وراء الغرب؛ تقليدًا لهم في المظاهر والشكليات الفارغة، دون النظر إلى النافع المفيد، حتى صار شباب أمتنا مسوخًا؛ بلا خصوصية، وجرى شبابنا خلف ما يسمى بالموضة، في الملبس، والمأكل، وحتى قصات الشعر.
ولعل مما ابتلينا به في هذه الأيام انتشار أجهزة الهواتف الجوالة، من أحدث الموديلات والماركات العالمية، باهظة الثمن، حتى صار الشباب العربي فيما بينهم يتفاخرون بأنهم يمتلكون أحدث الموديلات من الهواتف الجوالة، ذات الكاميرات الدقيقة، والذاكرة الكبيرة، والاكسسوارات المتعددة، والألوان الزاهية، و....إلخ؛ حتى أساء البعض منهم استخدام تلك الإمكانات الجبارة لهذه الأجهزة في التقاط الصور للفتيات، دون علمهن، وتحميل الصور والمواد والأفلام الإباحية من تلك الشبكة العنكبوتية، وقانا الله وإياكم من شرها، وشر ما هي له.
ولا شك أن موقفك – أخي الكريم- الرافض لشراء جوالات بكاميرا لأولادك نابع من هذه المخاوف، وهذا القلق المشروع على أخلاقهم وسلوكياتهم، وهو امر لا يستطيع أحد أن يلومك عليه، لأنها مسئوليتك التي سيحاسبك الله عليها يوم القيامة؛ كما روى ابن عمر (رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ) قال: سمعت رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) يقول: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته: الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والخادم راع في ما سيده ومسؤول عن رعيته؛ فكلكم راع ومسؤول عن رعيته". متفق عَلَيْهِ.
غير أني أود أن ألفت انتباهك – أخي الحبيب- إلى بعض الأمور وهي أن:-
1- التقدم السريع في تطوير وإنتاج التكنولوجيا قد صار أسرع من قدرتنا على استيعابه، وهو ما يعني أن الحل في مواجهة هذه الثورة التكنولوجية لا يكون بدفن الرؤوس في الرمال كما تفعل النعام، وإنما في الاستخدام (الرشيد)، والتعامل (الحذر)، والاستفادة من المزايا والنتائج الإيجابية مع ترك العيوب والسلبيات وتنحيتها جانبًا.
2- الأفضل دائمًا أن نربي أولادنا، تربية إسلامية جيدة، ونؤسسهم على قواعد الإسلام العظيم، فنعرفهم الصواب والخطأ، والحلال والحرام، وما يصح وما لا يصح، ثم نتركهم يمارسون حياتهم دون وصاية، مع مراقبتهم (من بعيد)، وبطريقة ذكية، لنطمئن إلى ممارساتهم الحياتية، مع اعتماد منهج التصويب والترشيد والتقويم ولفت الانتباة، فهذا أفضل كثيرًا من المنع دون شرح وتوضيح.
3- يؤكد خبراء التربية على أهمية أعطاء الأولاد في سن المراهقة أو سن الشباب جرعات من الثقة بالنفس، مع إشعارهم بأنك تثق في اختياراتهم وتصرفاتهم، وأنهم لن يقدموا على فعل أو ارتكاب ما يغضب الله، مما نهى الله ورسوله عنه، فإن هذا مما يساعدهم على النضج والنمو السليم.
4- تجلس مع ولدك وابنتك؛ كلٍ على انفراد أولا، ثم معًا ثانيًا، جلسة حب ومودة، توضح لهما فيها أنك تحبهما، وتثق بهما، لكنك تخاف عليهما، ثم توضح لهما مخاوفك، وأسباب امتناعك عن شراء جوالات بكاميرا، وتنتهي معهما إلى أنك ستلبي لهما مطلبهما، وستشتري لهما جوالات بكاميرا، على أن يكونا على قدر المسئولية، وأن يعداك أن يكونا مثالا يحتذى بهما بين الشباب والفتيات من بني جنسيهما، فهناك من الوسائل الحديثة ما يمكنهما من استخدام جوالات زملائهما وأصدقائهما مع إمكانية نقل وتحميل المواد على فلاشات دقيقة وكبيرة جدا في ذات الوقت، فالمنع القصري ليس حلا كاملا!
5- تخبرهما أنك ستمنحهما فرصة لمدة ثلاثة شهور، إن أثبتا لك خلالها حسن النية، وحسن الاستخدام، فإنك ستكافئهما، وتمنحهما المزيد من الجوائز أو الهدايا، وإن أخفقا أو أساءا الاستخدام فإنك آنئذ ستضطر – آسفًا- إلى سحب هذه الجوالات منهما، وبهذا تضمن ارتقاءهما فكريًا وتقدمهما سلوكيًا، دون اتخاذ قرار صام بالمنع دون نقاش.
أسأل الله عز وجل أن يهدي لك أولادك، وأن يوجهما خير وجهة، وأن يصلح لك أحوالهما؛ آمين... وصلِ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.