5 ربيع الأول 1433

السؤال

السلام عليكم؛ ولدي عمره 6 سنوات، ألاحظ أنه لا يركز كثيرًا عندما أكلمه، أو يكلمه أحد غيري، فهو شارد الذهن، والمدرسون يشكون من عدم تركيزه، ويؤكدون أنه يشرد في الفصل، وقد أخبرني المعلم بأن هناك شئ غامض في ولدي؛ حيث إنه يفهم الدرس ويشارك، وعندما أساله مرة أخرى يقول: لا أعرف!.
فأحيانًا يحل دروسه دون شرح أو مساعدة، وتكون صحيحة؛ وأحيانًا لو تشرح له لساعات لا يستوعب، ولا يفهم!، وأنا أشبهه بالأسهم؛ أحيانًا مستواه يرتفع، وأحيانًا يتدنى، لا أعلم ما علته؟؛ علمًا بأنه كثير الحركة، ولا نستطيع السيطرة عليه، عندما يلعب وتزيد شقاوته يصرخ كثيرًا ولا يكترث لكبير أو صغير.. أرجوك.. أريد حلا لولدي.. أرجو المساعدة.. وشكرًا.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
ترد لنا كثيرًا من الاستشارات يشكو فيها الآباء والأمهات من عدم تركيز أطفالهم في فصول الدراسة، كما يشكون من شرودهم الذهني، وعدم استقرار أحوالهم الاستيعابية، وانقلابهم السريع من الفهم والتفاعل والمشاركة إلى الخمول والتكاسل وعدم الرغبة في الإجابة والتقصير في عمل الواجبات، وبطء الاستيعاب، فضلا عن شكواهم المستمرة من "كثرة الحركة" ورفع الصوت والصراخ أثناء اللعب، وعدم الانصياع لنداءات الآباء والكف عن الشقاوة!
والحقيقة أن التعامل مع الأطفال في هذه المرحلة العمرية بقسميها؛ المبكرة (1- 5 سنوات)، أو المتاخرة (6- 12 سنة)، يحتاج إلى مهارات خاصة، وقدرة عالية على استيعاب متطلبات هذه المرحلة العمرية، مع فهم طبيعة هذه المرحلة، وخصائص الأطفال النفسية والسلوكية فيها، مع الاعتراف بصعوبة هذه المرحلة؛ لكونها مرحلة الحفر والتأسيس؛ فما يتعلمه الطفل في هذه المرحلة يحفر في ذاكرته، حتى يكبر ويصل إلى مرحلة المراهقة؛ حيث يقوم باسترجاعها وتحليلها والأخذ منها، والبناء عليها.
ومعظم البحوث والدراسات التربوية الحديثة، التي تهتم بدراسة الطفل في هذه المرحلة العمرية المبكرة تؤكد أن الطفل في هذه السن يتصف بخصاص ثابتة مثل: الفوضوى، والفضول، وكثرة الحركة والنشاط، والتمركز حول الذات؛ مع التأكيد على دور الأسرة في تهذيب سلوكيات الطفل، وتعويده على السلوكيات الأساسية مثل: النظافة والنظام، وهو ما يؤدي أحيانًا إلى ضيق الأطفال وتذمرهم من الضبط والربط، فيلجأون لإظهار رفضهم واحتجاجهم برفع الصوت في البكاء، أو العصبية والحدة في التعامل مع إخوته، أو القيام بتصرفات عدوانية مثل: تكسير بعض الأطباق أو الأكواب الزجاجية، أو تحطيم ما تطوله يده.
وقد يلجأ بعض الأطفال في هذه السن إلى إظهار "الصراخ" و"رفع الصوت" لكي يلفتوا انتباه آبائهم وأمهاتهم، فضلا عن الغيرة التي تكون في أحيان كثيرة دافعًا لا يمكن تجاهله وراء هذه السلوكيات العدوانية، إضافة إلى اعتبار مثل هذه التصرفات نوعًا من الاحتجاج المعلن، على إهمالهم والانشغال عنهم؛ وهو ما يعني أن هذه السلوكيات العصبية التي تصدر عن الأطفال في هذه السن سلوكيات طبيعية تصدر من أطفال.
ويسعدني – أخي الكريم- أن ألخص لك في النصائح التالية:-
1- استعن بالله يصلح لك حال ولدك: فمن استعان بالله هداه، ومن لجأ إلى الله وقاه، ومن سأل الله اعطاه، وأنصحك أن تقوم من الليل، فتتوضأ وتصل ركعتين من دون الفريضة، وبعد السلام وقبل القيام من جلسة التشهد، ارفع أكف الضراعة إليه سبحانه، واسأله أن يصلح لكِ ولدكِ، وأن يصرف عنه شياطين الإنس والجن وأن يرزقه اليقظة والانتباه وأن يصرف عنه الشرود.
2- لا تنزعج فالولد مازال صغيرًا: فعمره لم يتعد ست سنوات، وما زال في الوقت متسع لتدريبه على الانتباه واليقظة، كما أن هذه المشكلة التي يعاني منها ولدك، يعاني منها كثير من الآباء والأمهات، ولا يعني هذا أنه ليست هناك مشكلة، لا.. بل إنها مشكطلة ولكنها ليست خطيرة ولا مستعصية على الحل، فلا يجب أن هون منها كما لا يجب ألا نهول منها أيضًا، بل يجب أن نضعها في حجمها الطبيعي ونسعى إلى إيجاد حل لها.
3- عود ولدك النوم مبكرًا والاستيقاظ مبكرًا: فإن مما ابتليت به معظم الأسر في عالمنا العربي، ترك الأطفال في هذه السن المبكرة يسهرون أمام التلفاز، لساعات متأخرة من الليل؛ وهو ما يتسبب في استيقاظهم متأخرين عن مواعيد مدارسهم، أو أنهم يقومون في حالة من الخمول والكسل لعدم أخذهم القسط الوافر من النوم، حيث يوصي الأطباء بألا يقل عدد ساعات النوم عند الأطفال في هذه السن عن ثماني ساعات كاملة متصلة.
4- لا تقلق من كثرة حركته وصراخه: فهذه أمور طبيعة في هذه المرحلة العمرية، وتلك من أبرز خصائصها، ولا تنس أنه ما زال طفلا صغيرًا؛ وأنه يحب اللعب، فهيئ له جوًا مناسبًا للعلب مع أقرانه والاختلاط ببعض إخوته أو جيرانه، فهذا مما يساهم في بناء شخصيته بصورة صحية، ويوسع مداركه، ويترك تأثيرات إيجابية على سلوكياته، واعلم أن غالب ما يقوم به من سلوكيات هدفها لفت الانتباه إليه.
5- تجنب ضربه ولا تنس تقويمه: وشتان بين الأمرين؛ فضرب الأطفال في هذه السن المبكرة يترك آثارًا سلبية على شخصيته؛ وقد يصيبه بالخوف والجبن، وقد يساهم في زيادة حدته وعصبيته، ويزرع الكراهية في نفسه عندما يكبر، ولا تتجاهل تقويمه وتوجيهه حتى لا يتمادى في السلوكيات الخاطئة.
6- إياك ولعنه وتجنب الدعاء عليه: فقد روي عن أنس بن مالك (رضي الله عنه)؛ صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وخادمه طوال 10 سنوات في المدينه، أنه قال: "لم يكن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) سبابًا ولا فحاشًا ولا لعانًا" (رواه البخاري)، كما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء" (رواه الترمذي). كما نهى النبي (صلى الله عليه وسلم) عن الدعاء على الأولاد والأموال والأنفس، مخافة أن يوافق هذا الدعاء ساعة إجابة، فقال (صلى الله عليه وسلم): "لا تَدْعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَوْلادِكُمْ، وَلا تَدْعُوا عَلَى أَمْوَالِكُمْ، لا تُوَافِقُوا مِنْ اللَّهِ سَاعَةً يُسْأَلُ فِيهَا عَطَاءٌ فَيَسْتَجِيبُ لَكُمْ" (رواه مسلم).
7- اكتشف أنسب الطرق لإصلاح طفلك؛ فإن ما يصلح مع طفل قد لا يناسب آخرًا؛ ومن ثم يجب عليك أن تجرب العديد من الوسائل مع ولدك؛ وأن تراقب ردود فعله عقب كل وسيلة؛ وان تقيم الموقف على الطبيعة، حتى تصل إلى الطريقة الأنسب للتعامل معه، فهناك من يصلحه التجاهل، وهناك من يصيبه التجاهل بمزيد من العناد والعصبية، فجرب الوسائل بين الترغيب والترهيب، والتجاهل والاهتمام؛ والله المستعان.
8- ساعده على تنظيم وقته: وضع له جدولا مكتوبًا، وعلقه في مكان بارز في غرفته، ليتعلم احترام الوقت، على أن يكون واضحصا في الجدول الوقت المخصص للمدرسة، والوقت المخصص للطعام والشراب، والوقت المخصص للراحة والنوم، والوقت المخصص للمذاكرة، وهكذا....إلخ، وعوده على حل واجباته أولا بأولا حتى لا تتراكم عليه الواجبات، فتثقل، ويتكاسل عن أدائها.
9- زره في مدرسته وتابع معلميه: ولا تستكثر على ولدك نصف ساعة أسبوعيًا من وقتك الثمين، لتزوره في مدرسته، والجلوس لدقائق مع مدرسيه، والثناء عليه أمام زملائه لتحفيزه وتشجيعه، واطلب من مدرسيه أن يعملوا على تفعيل مشاركاته في الفصل، وألا يتركوه ساكنا، فالمشاركة والتفعيل ينشطانه ويذهبان الشرود عنه.

وقبل الختام؛ أقول لك: لا تضخم الأمر فليس هناك شئ غامض في ولدك؛ طالما أنه "يفهم الدرس ويشارك"، وطالما أنه "يحل دروسه دون شرح أو مساعدة، وتكون صحيحة"، فهذا دليل على سلامة عقله، ورجاحة تفكيره، وأن لديه إمكانات جيدة. أما عن قولك "أنا أشبهه بالأسهم؛ أحيانًا مستواه يرتفع، وأحيانًا يتدنى"، فهذا أمر طبيعي فمن ذا الذي يستقر على حال؟!، والإنسان عامة والطفل خاصة يتأثر بحسب الحالة المزاجية التي يمر بها، أما عن قولك أنه "كثير الحركة"، لدرجة أنك "لا تستطيع السيطرة عليه"، وأنه "عندما يلعب وتزيد شقاوته يصرخ كثيرًا ولا يكترث لكبير أو صغير" فهذه خصائص طبيعية لهذه المرحلة العمرية، بل إن كثير من الأطباء والخبراء يقولون إنها "ظاهرة صحية"، ولها آثار إيجابية مستقبلا عن صحته النفسية.
وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.