المجزرة البحرية...تداعيات وآثار
20 جمادى الثانية 1431
د. ياسر سعد

ما حدث يوم الاثنين الدامي لا يضاف إلى الجرائم الكثيرة والاعتدءات الآثمة والتي أدمن على أقترافها الكيان الصهيوني مستغلا ضعف الوازع الأخلاقي الدولي والانحطاط العربي الرسمي فحسب، بل سيشكل علامة فارقة في الصراع بين محتل غاشم ومقاومة صابرة وصامدة تملك إيمانا راسخا وعزيمة مكينة. شجاعة وبسالة قافلة الحرية، والدماء التي سالت في عرض البحر وما رافقها من صور وانطباعات وردود فعل عالمية وشعبية عارمة، جاءت لتعيد رسم صورة الصراع، ولتعيد التأكيد على مفاهيم تعرضت لحملات عارمة من التشويه والتشويش، ولتذكر بقيم ومبادئ كان يراد لها أن تموت تحت هجمات وموجات إعلامية ورسمية تريد أن تنشر ثقافة الإنهزام واليأس والقنوط. كثيرة هي المحطات والصور والتي تستحق التأمل والتوقف عندها مما أفرزته وكشفته القرصنة العبرية وما نتج عنها، منها على سبيل المثال:

 

• انتصار خيار المقاومة بالرغم من اشتداد الحصار وتكالب الأعداء وتواطؤ النظام العربي الرسمي، فالدولة العبرية في مأزق وقد أظهرها المحاصرون والمناصرون على حقيقتها, دولة مارقة تقودها عصابة خارجة على القانون الإنساني والدولي. فالثبات على المبادئ وعدم الهرولة وتقديم التنازلات المجانية حقق للقضية الفلسطينية أكثر بكثير من التهافت والترامي على سلام موهوم، يشتد إلتزام أدعائيه به رغم ضروب المذلة والمهانة والتي يواجهونها.

 

• النظام العربي الرسمي، بعد تطورات الأحداث الأخيرة وبعد إعطائه الغطاء لسلطة أوسلو للعودة المهينة للمفاوضات مع الصهاينة، وقع في حرج كبير. ليس لإنه اضطر للوقوف "إعلاميا" خلف المقاومة بمواقف محتجة ومعارضة فحسب، بل لأن الخوف من أن يأتي بشائر التغيير السياسي في العالم العربي من غزة المحاصرة ومن قيادتها والتي أصبحت محط إعجاب رجل الشارع العربي بصمودها ومرونتها. خيارات النظام العربي الرسمي تتأرجح ما بين المر والعلقم بالنسبة لصانعي القرار والذي يرى بعضهم في فكر المقاومة تهديد لطروحاتهم المهادنة فيما يخشون من انفجار الغضب الشعبي العارم ضد سياساتهم ومواقفهم.

 

• السلطة الفلسطينية أمام خيارات صعبة، فبعد مواقفها المخزية من حرب غزة وتقرير غولدستاين وهجوم رموزها المتواصل على حكومة غزة وعودتها المهينة للمفاوضات، تجد نفسها مضطرة للحاق بمواقف حكومة هنية من حيث التنديد بالجرائم الصهيونية وهي بذلك تحاصر نفسها بعد أن صاغت معادلة التنافر مع الطرف الأخر والكيد له، مع التذكير بأن الصهاينة لا يتحملوا من سلطة عباس حتى المواقف والتي تكون للاستهلاك ولإرضاء الرأي العام الفلسطيني.

 

• أعادت أحداث الأثنين الدامي للقضية الفلسطينية أبعادها العالمية والإسلامية والعربية، بعد محاولات مستميتة لوضع قضية في مثل هذه القدسية والأهمية في أيدي رجال أسلو والذي حولوها إلى قضية تسول للمساعدات وسلام اقتصادي، عناوينها الرشوة وإفساد الضمائر وإلى عقد صفقات تجارية لهم ولحاشيتهم. الدماء التركية التي سالت في عرض البحر دفاعا عن حقوق المستضعفين في غزة في حياة كريمة والغضب التركي الشعبي العارم أعطى دعما عميقا للقضية الفلسطينية ولإهلها المصابرين والمرابطين.
• قافلة الحرية ومنطلقاتها التركية جغرافيا وبشريا، يعطي أنقرة مزيدا من الريادة في المنطقة ويدفع بها كقوة إقليمية تحظى بشعبية عارمة من شعوب عربية أصابها الإحباط من مواقف أنظمتها المذلة والمهينة والبعيدة عن تطلعات شعوبها وآمالها. الأعلام التركية والتي حملها المتظاهرون العرب تشير إلى تعطش عربي لمواقف فيها شيء من الصلابة والكرامة بعد عقود من الامتهان السياسي ومبادرات السلام المقيتة.

 

• مشاركة المرأة العربية خصوصا من الكويت حيث الداعية سنان الأحمد الناطق الرسمي باسم الوفدين الكويتي والبحريني وزميلاتها هيا الشطى ومنى شستر وسندس العبد الجادر ونجوى العمر ومن الجزائر نجوى السلطاني زوجة الشيخ أبوجرة سلطاني، تظهر دورا شجاعا ومشرفا للمرأة العربية الملتزمة والتي تشارك في صناعة الحدث وصياغة التاريخ. هذه الأدوار للمرأة الملتزمة والمثقفة لا تنال ما تستحق من إعلام الليبراليين والذي لا ينفك يثير قضايا الاختلاط وما شابهها بزعم الدفاع عن قضية المرأة وتبنيها.

 

• أوباما تنهار مصداقيته عربيا ودوليا وبإيقاع سريع، فسياساته المنحازة تشكل ذخيرة حية للمقاومين في أفغانستان والعراق، فبحسب الجنرال بترايوس فإن الصراع في فلسطين يؤجج مشاعر مناهضة للأميركيين في كلا البلدين نظرا لوجود تصور عن تحيز أميركي لـ"إسرائيل" كما أفاد في شهادته أمام الكونغرس في شهر مارس الماضي. المواقف الأمريكية تجدد التأكيد على أن العلاقة بين الاحتلال الصهيوني والاحتلال الأمريكي علاقة عضوية، وبالتالي فإن أي حديث عن وسيط أمريكي بين العرب والصهاينة ينافي المنطق ويجافي الواقع.