أفغانستان.. تغيير الأشخاص وليس ثبات الإستراتيجية
19 رجب 1431
علا محمود سامي

جاءت إقالة الجنرال ستانلى ماكريستال من موقعه كقائد للقوات الأمريكية في أفغانستان، وليس استقالته كما روجت لذلك أجهزة الإعلام الأمريكية، لتعكس حالة من ارتباك داخل الإدارة الأمريكية، في ظل تصاعد الهجمات التي تشنها حركة "طالبان" ضد الحكومة الموالية للاحتلال الأجنبي في أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

 

ولم تكن التصريحات التي أطلقها ماكريستال وحدها هي السبب المباشر وراء إقالته أو استقالته ، حسب دعاية البيت الأبيض، ولكن نتيجة الإخفاق الأمريكي الواضح في أفغانستان، والمقاومة الشرسة من جانب حركة"طالبان"، للدرجة التي جعلت الحركة تسيطر على مناطق عديدة في أفغانستان، فيما يذهب بعض شهود العيان إلى أن كابول نفسها إذا كانت حكومة حامد كرزاي تحكمها بالنهار، فان "طالبان" تحكمها في المساء.

 

هذا علاوة على تزايد أعداد القتلى والمصابين، الذي يواجهه جيش الاحتلال الأمريكي في أفغانستان هو وأعوانه من قوات حلف "الناتو"، وذلك على الرغم من الإستراتيجية التي وضعتها القوات الغازية، حتى صارت تتحدث عن أن تغيير ماكريستال لم يكن ثمة تغيير في طبيعة هذه الإستراتيجية، ولكن تغيير فقط في الأشخاص ، مع ثبات خطة الحرب والمواجهة.
وأيا كانت الانتقادات العنيفة التي وجهها الرئيس باراك أوباما لقائده السابق في أفغانستان بسبب جرأة تصريحاته حول فشل الخطة الأمنية ، فإنها تعكس درجة هائلة من الانقسام الذي يثيره استمرار غزو أفغانستان في داخل الإدارة الأمريكية، فضلا عن تأثير مثل هذه الاستقالة على مجريات الحرب في كابول.

 

ولاشك أن الانتقادات التي وجهها ماكريستال لأوباما تعكس مؤشرا واضحا للنظرة التي ينظر بها كثير من العسكريين إلى الرئيس الأمريكي "قليل الخبرة"، على حد اتهام الجمهوريين، والذين يزيدون على ذلك بأنه على الرغم من قيام أوباما بزيادة الميزانية العسكرية بشكل قياسي، إلا أن العسكريين في الولايات المتحدة يفضلون التعامل مع الجمهوريين وليس مع رئيس مصنف ضمن "حمائم" الديمقراطيين.
ولعل هذا يبرر رد الفعل العنيف من جانب البيت الأبيض، الذي اعتبر تصريحات ماكريستال سيئة، ثم سرعة ما أعلن عن استقالته، في محاولة للحفاظ على هيبة الإدارة الأمريكية في أعين الأمريكيين عامة، والعسكريين خاصة.
وفي المقابل ، جاءت تصريحات ماكريستال لتعكس طبيعة الأزمة التي عانتها الولايات المتحدة في أفغانستان، حيث استنكر تردد أوباما لفترة طويلة قبل اتخاذه قرار بزيادة القوات الأمريكية في كابول . معتبرا أن تلك الأيام كانت مضنية، وأنه لم يجتمع أبدا بأوباما وخرج من مقابلته شاعرا بالارتياح.

 

ولاشك أن تلك التصريحات تعكس نجاح حركة "طالبان" في تصدير الأزمة الأفغانية إلى داخل الولايات المتحدة، حيث فرضت الخسائر المتصاعدة في صفوف القوات الأمريكية هناك ضغطا على الجبهة الداخلية، لاسيما بعد قرار زيادة القوات الأجنبية.
ولاشك أيضا أن التغيير في القيادة سيكون له تأثيراته على الجبهة العسكرية في أفغانستان، حيث كان ماكريستال يعتنق إستراتيجية عسكرية تقوم على "التصفية التدريجية" لعناصر "طالبان"، من خلال استهداف قادتهم، وهو ما سيختلف في ظل وجود خلفه الجديد الجنرال بترايوس، الذي يعتمد أسلوبا يقوم على "تطهير" المناطق بشكل كامل ، على نحو ما كان يفعله إبان عمله في العراق ، من استهداف المقاومة العراقية.

 

غير أن الأسلوب الذي أثبت نجاحا في العراق، ذي الطبيعة المنبسطة، قد لا يتميز بنفس النجاح إذا تم تطبيقه على أفغانستان بطبيعتها الوعرة والجبلية، ما يعكس أنه قد ينتج خسائر بشرية مرتفعة بين صفوف القوات الأمريكية في أفغانستان وهو ما لا يمكن لإدارة أوباما قبوله، مما يثير التساؤل حول الإستراتيجية الجديدة التي سيستخدمها بترايوس فى أفغانستان، على الرغم مما قيل عن أن الإستراتيجية ثابتة، وأن من تغيروا فقط هم الأشخاص، في الوقت الذي تشير فيه التقارير إلى تنامي نفوذ "طالبان"، ما يزيد من فرص تغيير الإستراتيجية، وليس فقط تغيير الأشخاص.

 

ويرى مراقبون أن أوباما أخطأ باختياره لبترايوس، إذ أن الحرب في أفغانستان مختلفة عن العراق ، فالعراق بلد مدني غنى بالنفط، أما أفغانستان فبلد مبعثر، تمزق نسيجه الاجتماعي، وانهارت بنيته التحتية جراء ثلاثة عقود من الحرب. كما أن المقاومة في العراق إذا كانت في المدن، فإنها في أفغانستان تتحرك عبر الجبال والصحارى.

 

ويسعى الجنرال بترايوس إلى إبعاد المدنيين عن حركة "طالبان" وكسب تأييدهم، وتطبيق بعض تكتيكاته التي نجحت في العراق، مثل العمل على استمالة بعض قادة "طالبان" عبر وعود بالوظائف والأمن.
وفي هذا السياق، تعتبر حركة "طالبان" استقالة ماكريستال نتيجة حتمية لضربات المقاومة, وتتوقع استمرار انهيار القوات الغازية ، وتراجع معنوياتها نظرا لما وصفته ب "التخبط", وفشل قيادة القوات، وأن "استبدال الجنرال ديفد بترايوس على رأس القوات الأميركية وقوات ناتو بأفغانستان بالجنرال ماكريستال, لن يفلح في إنقاذ القوات الأميركية من الهزيمة, حيث أن بتراوس شارك في صناعة إستراتيجية أوباما الجديدة في أفغانستان والتي أثبتت فشلها". ووصفته الحركة ب"الجبان"، وأنه فقد وعيه وأغمي عليه أثناء استجواب الكونجرس له بشأن الوضع في أفغانستان.

 

يأتي ذلك، وكل أوجه الحرب في أفغانستان تنحدر إلى الأسوأ بالنسبة للقوات الغازية، فالحملة العسكرية في مدينة قندهار تواجه مقاومة من السكان، وحامد كرزاى - حسب الأمريكيين أنفسهم- غريب الأطوار ولا يمكن التنبؤ بتصرفاته، كما أن حركة"طالبان" تبدى مقاومة أقوى من أي وقت مضى، ما يجعل التغيير الحاصل أخيرا ليس فقط تغييرات في الأشخاص، ولكن سيصحبه تغييرا في الإستراتيجية الأمنية لقوات الاحتلال، وهو ما سيعمل عليه الجنرال الجديد، حتى لو ذهب البيت الأبيض إلى غير ذلك ، بأن "التغيير هو في الأشخاص مع ثبات الإستراتيجية".