المؤامرات الإجرامية تجاه قرغيزستان وآسيا الوسطى وكيفية مواجهتها
20 شعبان 1431
عبد الحق الأنديجاني

بادئ ذي بدء وقبل الشروع في صلب الموضوع أودّ أن أذكّر إخواني الكرام الذين يطالعون مقالاتي بأني - كمثل أي كاتب غيور لدينه وأمته بإذن الله وعونه - إنما أكتب هذه التحليلات والتوقعات من باب التذكير والإعلام والاستعداد لمواجهة الأعداء بمعرفة سياستهم وكشف أساليبهم الخبيثة، وهذا مما أمر به ديننا الإسلامي، وقد قال الله سبحانه وتعالى: {وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين}.

فحين نقول بأن تطورات الأحداث في بلادنا تشير إلى أن المسلمين سيتعرضون لمذابح وفتن ومؤامرات دموية لا نعني أبداً أن نجلس متشائمين ومتفرجين على كل هذه الجرائم التي تنفذ وتدبر من وراء الكواليس ويكون ضحيتها الشعوب الإسلامية المغلوبة على أمرها، وأنه لا قبل لنا بأعداء الإسلام وأننا لا نملك شيئاً سوى الدعاء، بل كل ما نريده من كتابة ونشر مثل هذه الأخبار والتحليلات والتوقعات المؤلمة والمخيفة هو أن نبادر ونتسابق إلى العمل الجادّ لإنقاذ الأمة الإسلامية من تلك الخطط الإجرامية التي يعدها وينفذها أعداء الإسلام ونجاهدهم - أولاً - بتقوية إيماننا وعبادتنا لله وتضرعنا إليه سبحانه وتعالى ليل نهار والابتعاد عن جميع الذنوب والمعاصي صغائرها وكبائرها، و- ثانياً - أن نجاهد هؤلاء الأعداء المجرمين - الذين يتشدقون بمزاعم الدفاع عن حقوق الإنسان في العالم وهم الذين يبيدون العباد والبلاد ويهلكون الحرث والنسل ولا سيما بغزوهم العالم الإسلامي بجميع أنواع الغزو – نجاهدهم باستخدام كل ما نستطيع من وسائل سلمية – إعلامية وسياسية واقتصادية وثقافية واجتماعية ودعوية وغير ذلك - إذ إن الجهاد بكلمة الحق وبالسياسة الشرعية الحكيمة من أوجب الواجبات على الأمة الإسلامية ولا سيما في هذه الأيام.

 

فمن هذا المنطلق نقول إن أعداء الإسلام المهتمين بآسيا الوسطى – المحلّيين منهم والدوليين- والذين ما زالوا يظهرون قلقهم من اليقظة الإسلامية التي بدأت تتصاعد خلال السنوات الأخيرة ويزداد إقبال الشباب والفتيات هناك على تعلم الإسلام والتزام شرائعه في شتى مجالات الحياة رغم المحاولات المستميتة لإفسادهم وإغراقهم في فتن الشبهات والشهوات وزرع التيارات الهدامة في صفوفهم شرعوا أخيراً في تنفيذ مؤامراتهم الإجرامية وخططهم الدموية لإبادة المسلمين باختلاق الذرائع المزيّفة والدعاوي المكشوفة التي أزعجت العالم كله برياحها النتنة، حيث لم تعد فلسطين وأفغانستان والعراق والشيشان وحدها ضحية للإرهاب العسكري الدولي برعاية الصهيونية العالمية وشركائها وعملائها الذين يخوّفون الناس من تصاعد "الإرهاب الإسلامي" المزعوم، ويقصدون به إقبال الناس على الإسلام تعلماً وعملاً، فقد شملت سياسة الإرهاب الدولي هذه معظم بلدان العالم الإسلامي، ومنها بلدان آسيا الوسطى.

وكانت حكومة أوزبكستان برئاسة الدكتاتور والدجال الأوزبكي المدعو "إسلام كريموف" على رأس حكومات آسيا الوسطى حيث بادرت وسارعت من تلقاء نفسها لقمع المسلمين وتقتيل الشباب الإسلامي وتعذيبهم في السجون وتجويع عامة الشعب المسلم حتى يضطر لعدم التفكير في غير لقمة عيشه اليومي التي لا يكاد يجدها إلا بشق الأنفس، وقد حصل والله المستعان.

وأما المسلمون في قرغيزستان فكانوا يتمتعون بنوع من الحرية منذ سقوط الاحتلال السوفييتي في عام 1991م إلى حين إسقاط رئيسها الأول "عسكر أكاييف" في عام 2005م.

ومنذ أن تولى الانقلابي الأول "كرمان بيك باكييف" السلطة بعد الإطاحة بـ"عسكر أكاييف" بمساعدة قوى خارجية خفية سارع لتثبيت سلطته الدكتاتورية وبدأ ينفذ الاغتيالات السرية والعلنية والاعتقالات الجماعية لمعارضيه، بالإضافة إلى تأجيج الأحقاد القومية بين القرغيز والأوزبك وغيرهما من العرقيات المتعددة التي تعيش في قرغيزستان.

 

ولكن يبدو أن الدكتاتور السابق "كرمان بيك باكييف" ارتكب خطئين سياسيين جسيمين تسببا في سقوطه السريع:

 

الخطأ الأول: استعجاله الشديد للقضاء على خصومه ومعارضيه السياسيين، والسبب الذي جعله يستعجل في ذلك هو اعتماده أو خضوعه لضغوط عائلته "آل باكييف" الذين شكلوا عصابة مسلحة قوية في جنوب قرغيزستان منذ سنين طويلة، فهم كانوا واثقين من قوتهم وقدرتهم على تصفية كل من يقف في طريقهم للسيطرة على قرغيزستان، وغفلوا من القدرة الإلهية أولاً، وغفلوا ثانياً من كون العديد من السياسيين القرغيزيين قد تفتحت عيونهم وتعلموا كثيراً من الألاعيب السياسية الكبرى.

 

الخطأ الثاني الذي وقع فيه "باكييف": محاولته خداع روسيا وأمريكا وغيرهما من الدول الكبرى في آن واحد، مما جعله يفقد الدعم الخارجي تماماً في محاربة معارضيه في الداخل.

 

والدول الخارجية التي ساعدت "باكييف" في إسقاط "أكاييف" عام 2005م كانت تعرف شيئاً كثيراً عن طبيعة عائلة "باكييف" وإخوانه الذين كانوا يديرون العصابات الإجرامية الكبيرة في الجنوب، وكانت ولا زالت تستخدمهم في تنفيذ الخطط والمؤامرات بعيدة المدى والتي ربما لا يدركها الكثير من السياسيين القرغيزيين أنفسهم.

 

والذي يدفعني إلى هذا التحليل هو اختيار "باكييف" رئيساً لقرغيزستان بعد الإطاحة بـ"أكاييف" رغم أن الشخصية الأخرى المهمة وهي الانقلابية الثانية "روزا أوتونباييفا" كانت موجودة ومشاركة فعّالة في العملية الانقلابية الأولى، وكانت في ذلك الوقت أيضاً تتمتع بشعبية دولية كبيرة بالنسبة لغيرها، كما هي حالها الآن، إلا أنهم لم يختاروها آنذاك للرئاسة، بل اختاروا "باكييف" بدلاً منها، وأظن أن هذا كان نتيجة دراسة دولية سرية عميقة.

 

فالمهمة التي طلبتها القوى الخارجية السرية من "باكييف" وعائلته الإجرامية المسلحة كانت تتلخص في أمرين فقط وكانا ضروريين وعاجلين:

 

1. قمع الصحوة الإسلامية التي تمتعت بنوع من الحرية في عهد "أكاييف" (1991-2005م).
2. تأجيج الأحقاد القبلية أو العرقية بين القوميات التي تسكن قرغيزستان، ولا سيما بين أكبر قوميتين فيها: القرغيز والأوزبك.
وقد قام باكييف بمساعدة إخوانه وأقربائه الذين يديرون العصابات المسلحة من تنفيذ هاتين المهمتين بكفاءة عالية.
إلا أنه وعصابته المتسلطة تمردوا على أسيادهم الذين أوصلوهم إلى الحكم، فلم يعودوا يطيعونهم في كل شيء، فهم أضافوا إلى المهمتين السابقتين أشياء أخرى أهمها: القضاء على مختلف أنواع المعارضة، وكذلك محاولة خداع الدول الكبرى وابتزازها، فباكييف لم يطع روسيا كاملة ولم يطع أمريكا كاملة، مما جعل الدولتين تنزعان أيديهما من باكييف وتمدانها إلى معارضيه الآخرين، وعلى رأسهم تلك المرأة السياسية الشهيرة "روزا أوتونباييفا" التي أوصلوها الآن إلى الحكم.

 

حتى الآن ما زالت المؤامرات الدولية تؤتي أكلها المرة حسب ما يريده أعداء الأمة الإسلامية، فهم انتقلوا حالياً إلى الخطوة التالية بعد أن أجّجوا شباب القرغيز السفهاء المتوحشين ضد الأوزبك بمساعدة "باكييف" وعصابته ووزّعوا عليهم الأسلحة المختلفة ليقتلوا الأوزبكيين العزّل في داخل أحيائهم ويحرقوا بيوتهم على رؤوسهم في مدينتي أوش وجلال آباد وفي قرى "بازار قورغان" و"ناريمان" وغيرها في جنوب قرغيزستان.

 

والسر في اختيار الجنوب وإقليم "وادي فرغانه" بالذات لزجه في الاضطرابات الدموية يكمن في كونه "معقل الإسلاميين المتطرفين في آسيا الوسطى" كما يسميهم الغرب والشرق ويتخوفون منهم أشد الخوف، مع أن المسلمين هناك وأغلبهم من القومية الأوزبكية هم أشهر الناس بالحِلم واللين والتسامح والتعايش السلمي وإكرام الأجانب واحترامهم، فلا ذنب لهم أمام المتآمرين عليهم سوى تصاعد الصحوة الإسلامية بينهم.

 

الخطوة التالية الآن هي إرسال قوات أمنية دولية بعدد محدود وقليل وبدون أسلحة ثقيلة، وهذه خطوة رسمية معلنة (عشرات من الشرطة الأوروبية يرسلون إلى قرغيزستان هذه الأيام) بدعوى حفظ السلام بين الأوزبك والقرغيز.

 

وأما الخطوة السرّية غير الرسمية هي السماح بدخول مجموعات صغيرة من الشباب المسلّح إلى هذه المنطقة المضطربة ليقوموا بقتل بعض الجنود والشرطة من قوات حفظ السلام المحلية والدولية وتفجير بعض الأماكن بدعوى الجهاد، هذا من جهة.

 

ومن جهة أخرى القيام بتأجيج بعض الأوزبكيين الغاضبين الذين ذاقوا الأمرّين من بعض القرغيزيين المتوحشين الذين قاموا بقتل وإحراق الناس وهم أحياء، فمن المحتمل الآن أن يقوم أعداء الأمة المتآمرون بتسليح وتوجيه بعض شباب الأوزبك ليقوموا بعمليات انتقامية ضد القرغيز.

 

فيتخذ كبار المجرمين والمتآمرون على الأمة الإسلامية هذا وذاك ذريعةً لمواصلة تقتيل المسلمين وتدمير بلادهم واعتقال وتعذيب رجالهم ونسائهم، وتشويه سمعة الدين الإسلامي وتنفير الناس منه ومن العلماء والدعاة إلى الله، والله المستعان، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

 

والوقائع والتطورات الحالية تشير إلى هذه الاحتمالات المخيفة، فنحن نرى بأم أعيننا في هذه الأيام مدى تجبر وطغيان السلطات القرغيزية ضد المسلمين ولا سيما المسلمين الأوزبكيين في جنوب قرغيزستان، فإنها لا تزال تواصل عمليات القتل والاعتقال وإذلال الرجال والنساء علنا وبكل وقاحة، وقد اعترفت منظمة الأمم المتحدة بذلك أخيراً وبعد ازدياد صراخات الأوزبكيين والأوزبكيات، فأكدت في آخر تقرير لمفوضيتها لحقوق الإنسان نشر في وسائل الإعلام العالمية بأن قوات الأمن القرغيزية اعتقلت أكثر من 1000 شخص في أوش وجلال أباد منذ اندلاع العنف في يونيو/حزيران، وأن أعدادا كبيرة من الشبان كلهم تقريبا من الأوزبك يعتقلون بصورة تعسفية ويتعرضون لسوء المعاملة على أيدي الشرطة أو الجيش أو قوات المليشيات المحلية، وأن بعضهم تعرض للتعذيب بانتزاع الأظافر والحرق بلفافات التبغ المشتعلة... الخ ما جاء في التقرير الأممي.

 

وهذا قد يكون مقصوداً من أجل زيادة وشحن غضب الأوزبك على الحكومة القرغيزية المتعصبة لقوميتها ليصبوا جام غضبهم على كل القرغيز فيبدءوا بعمليات انتقام عشوائية مما يبرر للسلطات مواصلة القمع والتقتيل للمسلمين.

 

ومن المشاهد الآن في هذه الأيام هو اعتقال الشخصيات القيادية المؤثرة من الأوزبكيين واتهامهم بتأجيج الصراع العرقي، مع أن القرغيز هم الذين غزوا الأوزبك وهجموا عليهم وأحرقوا بيوتهم وقتلوا النساء والأطفال وآلاف الشباب، ولم يُقتَل أحد من القرغيز في حيه أو في بيته، وإنما قُتِل عدد قليل من الغزاة القرغيزيين أثناء هجومهم على الأوزبكيين.

 

وبعد كل هذه الجرائم التي وقعت من القرغيزيين ما زالت السلطات القرغيزية تدعي بأن الأوزبكيين هم الذين بدءوا وأججوا الفتنة العرقية.

 

ألا يثير مثل هذا الظلم وقلب الحقائق حفيظة الأوزبكيين ويدفع من يدفع منهم للقيام بعمليات انتقامية عشوائية ؟! كيف يستطيع الأوزبك ضبط أنفسهم وحجز شبابهم الغاضبين والسلطات تركز على اعتقال قيادييهم الذين يملكون التأثير الإيجابي عليهم؟!

ومما يزيد في كشف وفضح الخطط الإجرامية لأعداء الإسلام هو إعلان وادعاء رئيس هيئة الأمن القومي القرغيزي (الاستخبارات القرغيزية) "كينيشبيك دوشيبايف" بأن "القلاقل والاضطرابات التي نشبت في الجنوب تقف وراءها الحركات الجهادية، وأن حركة أوزبكستان الإسلامية وحركة اتحاد الجهاد الإسلامي أرسلوا مقاتليهم من أفغانستان لتنفيذ هذه الهجمات الدموية، وأنهم يستعدون الآن لموجة جديدة من الهجمات" !

 

ونفس هذه المزاعم المثيرة للدهشة والسخرية في آن واحد أعلنها رئيس جهاز الأمن الفيدرالي الروسي (الاستخبارات الروسية) "ألكسندر بورتنيكوف" أيضاً وبالتزامن مع إعلان المسئول القرغيزي.

 

وقد سبقهما المبعوث الأمريكي للمنطقة "ريتشارد هولبروك" العام الماضي حين زعم بأن تهديدات تنظيم القاعدة والحركات الإسلامية وأنشطة تلك الجماعات لا تقتصر على أفغانستان وباكستان فحسب، بل ستتسع لتشمل دول آسيا الوسطى، وقد كتبت مقالا حول ذلك في حينها نشر في موقع المسلم وموقع أوزبكستان المسلمة وغيرهما.

 

أضف إلى ذلك تصريحات الرئيسان الروسي والكازاخي وغيرهما في مناسبات عدة يحذرون فيها باتساع رقعة الاضطرابات من قرغيزستان إلى دول آسيا الوسطى وأن التطورات الجديدة في قرغيزستان قد تتسبب في وصول "المتشددين والإرهابيين" إلى السلطة.
كل هذا وغيره من التصريحات السياسية الدولية يدل دلالة واضحة على أن هناك خططا ومؤامرات إجرامية يعدها أعداء الإسلام والمسلمين وربما قد أكملوا إعدادها وشرعوا في تنفيذها على رؤوس الشعوب الإسلامية في آسيا الوسطى، والله المستعان.

 

أما الحركتان الجهاديتان "حركة أوزبكستان الإسلامية" وحركة "اتحاد الجهاد الإسلامي" فقد أصدروا بياناتهم بشأن مأساة المسلمين الأوزبكيين الأخيرة في قرغيزستان ودعوا الناس إلى الجهاد والنفير العام وأن كل هذه المؤامرات الدولية الدموية لا يمكن إيقافها إلا بالجهاد، ولم يشيروا لا من قريب ولا من بعيد أن لهم علاقة بهذه الأحداث المأساوية، وهم أصلاً بعيدون عن المنطقة تماماً، فهم محاصرون في منطقة القبائل في وزيرستان بشمال غرب باكستان، وقد تولى الجيش الباكستاني بمحاربة المسلمين في وزيرستان، نيابة عن أمريكا، فهم في أوضاع مأساوية للغاية لا يستطيعون التحرك بحرية حتى في داخل باكستان، اللهم إلا أن تكون أعداد قليلة جداً يمكن أن يكونوا في أفغانستان أيضًا، ولكن كيف يمكن أن يصلوا إلى قرغيزستان ليقوموا بعمليات منظمة وكبيرة وبالدبابات والآليات العسكرية الرسمية لتجبر مئات الآلاف من الناس للهروب من ديارهم ؟! بل كيف يمكن لعاقل أن يصدق بأنهم يهاجمون أهل الإسلام وأبناء قومهم وأهل ديارهم ويحرقون بيوت أنفسهم؟!

 

والبيانات التي تصدرها الحركتان تدل أيضاً على أنهم يكتبونها بمجرد العاطفة والحماس دون التفكير فيما يقولون وما ينتج عن ذلك من تداعيات خطيرة، فكونهم لا ينكرون علاقتهم بمثل هذه الأحداث الإجرامية بكل صراحة ووضوح يثير الشكوك في نفوس الناس، بل تصل إلى درجة اليقين عند البعض من أنهم مجرد أداة وسلاح بيد الأعداء، وإن كان هناك احتمال آخر وهو أن الذي يُعِدّ لهم مثل هذا البيان ربما يريد استغلالهم واتخاذهم ذريعةً بل وحجةً على علاقتهم وتدخلهم فيما لا يقدرون عليه إطلاقاً ويورّطهم في جلب المآسي والمصائب على الآلاف من المسلمين، فضلا عن تشويه سمعة أهل الإسلام وأهل الجهاد الحق من حيث لا يدركون، وإلى الله المشتكى.

 

وأما نحن فإننا نقول وبدون أدنى شك أو ريب إن نصر الله للمؤمنين الصادقين قادم والله غالب على أمره و{إن الله يدافع عن الذين آمنوا} وسينصر عباده المتقين، فنداؤنا لجميع إخواننا في قرغيزستان وأوزبكستان وغيرهما من بلدان العالم الإسلامي المظلوم: {يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم * والذين كفروا فتعساً لهم وأضل أعمالهم}، فلا تحقروا من المعروف شيئاً، وقدّموا لأنفسكم وأمّتكم ما تقرّ به أعينكم يوم القيامة من الأقوال والأعمال الصالحة في شتى المجالات من الميادين السلمية المتنوعة والميسرة في خدمة الإسلام وأهله، ولله الحمد؛ {فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره * ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره}. وثقوا تماماً أن أعداء الإسلام مهما حاولوا في إيقاف المدّ الإسلامي كمّاً وكيفاً فلن يستطيعوا عليه أبداً، ولن يجدوا إليه سبيلاً، فكلما أغلقوا باباً من أبواب خدمة الإسلام فتح الله لنا أبواباً أخرى كثيرة، فعلينا أن نبحث ونجتهد في أبواب الخير تلك، لأن هذا الدين العظيم قد تكفل الله بحفظه وحمايته إلى يوم الدين، فلا خوف على الإسلام، وإنما الخوف علينا نحن يا معشر المسلمين؛ هل نحن مسلمون حقاً أو مسلمون اسماً فقط ؟!

 

فمن أبواب الخير الجامعة التي لن يستطيع أعداء الإسلام إغلاقها كلياً أبداً ويجب علينا الاستفادة منها والتركيز عليها دائماً : الجد والاجتهاد في نشر العلوم الشرعية وتعليمها وتربية أطفالنا وشبابنا وفتياتنا وجميع المسلمين بالتربية الإسلامية الصافية متحملين جميع أنواع المخاطر والتهديدات في سبيل ذلك، كما فعل الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.

 

كذلك من أبواب الخير التي يجب علينا الاستفادة منها؛ الاهتمام بنصرة المسلمين المظلومين والمسلمات المظلومات برفع قضاياهم وتبليغ أصواتهم إلى العالم، والدفاع عن حقوقهم باستخدام كافة الوسائل الإعلامية الممكنة، وعدم تحقير هذا العمل بسبب عدم رؤية النتائج أو لقلة تأثيرها الإيجابي في بداية الطريق.

 

وأيضاً؛ الاتصاف بالشجاعة الحقيقية في موضعها وذلك في مقاومة طغيان الحكومات الدكتاتورية بكلمة الحق ومواصلة كشف جرائم هؤلاء المجرمين أمام العالم. فعلى كل من يقتل قريبه أو يعتقل ويعذب ويعرض للإذلال ظلماً وعدواناً بأيدي الأجهزة الأمنية الحكومية وعملائها أن يبادر لإعلان ذلك عبر المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام ويواصل المطالبة بإطلاق سراحه وسراح جميع المظلومين، فعليه أن لا ينصاع للتهديدات الحكومية بالاعتقال والتعذيب إن هو فعل ذلك، فالسلطات الدكتاتورية تحاول إخفاء جرائمها بمثل هذه التهديدات أيضاً، فالذي يخاف منهم ويسكت يكون قد ارتكب جرماً في حق قريبه المظلوم وفي حق من سيعتقلون بسبب الصمت القاتل الذي يشارك فيه هذا الخائف إلى جانب ملايين الخائفين والمستسلمين لظلم الحكومات.

 

ونقول وبكل أسف إن الكثير من المسلمين المظلومين يفضلون السكوت والاستسلام للسياسة الإجرامية للحكومات، ففي أوزبكستان مثلاً عشرات الآلاف من الشباب المسلم والفتيات المسلمات يعذبون في السجون، ومئات الآلاف في خارج السجون يتعرضون كل يوم للإذلال والاضطهاد ونزع الحجاب في الشوارع وإدراج أسماء كل الملتزمين في القوائم السوداء لدى الاستخبارات والشرطة ولجان الأحياء الحكومية، والتحقيقات الظالمة معهم بشكل دوري، ومع ذلك لا نكاد نجد من يتحدث عنهم ولا يدافع عن حقوقهم وقضاياهم، بسبب سكوتهم وسكوت أقاربهم، وعدم الكشف عن مآسيهم استجابة لتهديدات الاستخبارات ورجال الشرطة، وبالتالي تواصل الحكومة اعتقالاتها وتعذيباتها وتقتيلها وقمعها للمسلمين بكل أريحية وبعيداً عن أعين الإعلام و{إنا لله وإنا إليه راجعون}.

 

اللهم اجعلنا من المؤمنين بك حقاً، العاملين بطاعتك صدقاً، وارزقنا الشجاعة الحقيقية في نصرة دينك وخدمة المسلمين، ونعوذ بك من التهور والاستعجال والإضرار بالأمة من حيث نشعر أو لا نشعر، ونسألك نصرك وتأييدك لأمتنا الإسلامية وأن تنقذ إخواننا وأخواتنا في قرغيزستان وأوزبكستان وفي شتى بقاع الأرض، يا رب العالمين.

 

ويجب أن يعلم أيضاً بأن اليقظة الإسلامية الحالية في آسيا الوسطى لم تبلغ حتى الآن إلى درجة كثير من الدول الإسلامية، بل لا يزال أكثر الناس غارقين في ظلمات الجهل المطبق بالإسلام وتعاليمه، ولا تزيد نسبة المحافظين على الصلوات الخمس – على سبيل المثال- أكثر من 10% من إجمالي سكان آسيا الوسطى (البالغ عددهم أكثر من خمسين مليون نسمة)، وكذلك النساء المتحجبات لا يزلن يشكلن القلة القليلة من النساء، ومع ذلك يملأ أعداء الإسلام أرجاء العالم ضجيجاً وصراخاً بالتخويف من "الخطر الإسلامي القادم". وبالمناسبة أذكر أن أحد الإخوة من البلاد العربية سمع عن تصاعد الصحوة الإسلامية في آسيا الوسطى فاشتاق لزيارتها، فلما جاء إلى بلادنا عام 2008 تقريباً ونزل أول ما نزل في كازاخستان لم ير أمامه إلا النساء الكاسيات العاريات، ولم يكن يرى أحداً من الرجال يعفي لحيته، ثم زار جنوب كازاخستان ثم مدن قرغيزستان أيضاً فشاهد شيئاً قليلاً من الصحوة الإسلامية المضطهدة ورأى بنفسه مدى الأخطار الكبيرة التي تحدق بالمسلمين من قبل الحكومات الظالمة، فصار يقول لكل من يسأل رأيه عن هذه البلاد: "كنت من كثرة ما أسمع عن الصحوة في آسيا الوسطى أتصور أنها صارت مجتمعا إسلاميا وأن النشاط الدعوي قوي جدا ولكن لما زرتها وشاهدتها بنفسي أدركت أن الشعوب الإسلامية ما زالت بعيدة عن الإسلام وتعاليمه الحقة إلى الآن بسبب تضييق الحكومات على عمل دعاة الإسلام رغم الإقبال الكبير على التدين، وأن الناس ما زالوا بحاجة ماسة إلى عشرات الآلاف من الدعاة إلى الله ومن يعلمهم بفرائض وأساسيات الدين قبل النوافل.

 

حتى وإن كانت نيتهم صالحة وقصدهم في الجهاد صادقا إلا أن صفوف هؤلاء الشباب المتحمس مخترقة من قبل أعداء الإسلام، وهذا واضح تماماً لمن يتابع أخبارهم وأفكارهم وتوجهاتهم، وهم شباب مراهقون حدثاء الأسنان حُرِموا من تربية وقيادة العلماء الربانيين الصادقين الذين قامت الحكومات الظالمة في آسيا الوسطى بقتلهم واعتقالهم ومطاردتهم في كل مكان.