فلسطين : هل المفاوضات المباشرة غطاء لعدوان جديد ؟!
24 رمضان 1431
عبد الباقي خليفة

بعد تمنع الغنج، ها هم يعودون للمفاوضات المباشرة، وهم يرددون قولتهم المفضلة، ليس بالإمكان أحسن مما هو كائن. واتضح بأن حكام العرب.. يتمنعون وهم الراغبون. وبدا المشهد سرياليا.."اسرائيل" تخطط، وأميركا تصادق، وحكام العرب، الذين لم ينتخبهم أحد، يمثلون الأرضية، وفتح عباس تستجيب. هذه الدائرة الدوارة التي دوخت المسلمين لا تزال تدور، وتلف المسلمين وفي مقدمتهم الشعوب العربية، التي وجدت نفسها، خارج اللعبة التي أدمنها حكامها وشربوا نخبها حتى الثمالة.

 

السيرك السياسي: يبدو المشهد المرافق للإعلان الاشهاري عن المحادثات المباشرة، أقرب ما يكون للسيرك، وتحديدا لفقرة التهريج في برنامجه، فقد تزامن الحديث عن المحادثات المباشرة، مع أنباء خوض الكيان الصهيوني حربا ضد لبنان أو سوريا، لكن الأقرب والأكثر احتمالا هو خوض حرب ضد الفلسطينيين في غزة، وهوما أكدته مصادر صهيونية يوم 31 يوليو الماضي، من أن العدو الصهيوني، أنهى استعداده لشن عدوان جديد على غزة، بعد 9 أشهر من العدوان الهمجي السابق والذي استشهد فيه أكثر من 1400شهيد وجرح نحو 6 آلاف آخرين، وألحق دمارا هائلا بالمباني والبنية التحتية في غزة. فالكيان الصهيوني لا يمكنه العيش بدون عدوان، ولأن نتائج الحرب على سوريا، وحتى على جنوب لبنان غير مضمونة العواقب، فإن ممارسة السادية الصهيونية في غزة قد تكون أقل كلفة، من الناحيتين العسكرية والسياسية، وقد بدأت عملية جس النبض من خلال العدوان الذي شنه الكيان الصهيوني على غزة نهاية يوليو وأسفر عن مقتل 8 فلسطينيين من بينهم القيادي في حماس، عيسى البطران.

 

الجانب الآخر من السيرك التهريجي، هوما كشفت عنه المصادر الصهيونية أيضا من وجود مخطط صهيوني لبناء آلاف المستوطنات بالقدس، هومشروع تقدم به، أريييه كينج " مؤسس ما يسمى ب " سلطة أراضي إسرائيل " ويهدف لبناء 187 ألف وحدة سكنية، استيطانية، جديدة في مدينة القدس المحتلة. وكل ذلك يقوض من الاساس لعبة المفاوضات التي يتحدث عنها. وقبل ذلك وتحديدا في 30 يونيو الماضي كشفت مصادر صهيونية أن " لجنة التنظيم والبناء "الإسرائيلية" صادقت على بناء 1400 غرفة فندقية قرب جبل المكبر بالقدس المحتلة، إلا إذا كانت المفاوضات غطاء للعدوان، واستمرار الاستيطان، ودفع الفلسطينيين للرحيل من خلال التضييق عليهم، كما يفعل الأشقياء بمن يريدون طرده من الجالسين على مقاعد الحدائق العامة. لا سيما وأن الصهاينة يتحدثون عن توسيع الاستيطان في القدس الشرقية حتى لا تتحول إلى غزة أخرى بزعمهم.

 

وعملية التضييق لا تشمل الفلسطينيين فقط، بل كل من ساعدهم ويساعدهم، سواء كان في فلسطين المحتلة، أو أي مكان من العالم. ومن ذلك سجن، وطرد كل من يثبت تعاونه مع الفلسطينيين وتحديدا المحاصرين في غزة، وتعتبر الولايات المتحدة الامريكية، الوسيط المنحاز، في لعبة المفاوضات، الأكثر تضييقا واضطهادا وعدوانا على المتعاطفين مع قضية فلسطين، سواء كانوا أفرادا أو مؤسسات،تحت طائلة مكافحة الارهاب. وفي المدة الأخيرة دعا 87 عضوا في مجلس الشيوخ الأمريكي الرئيس باراك أوباما إلى إدراج مؤسسة الإغاثة الانسانية التركية في قائمة المنظمات الارهابية، لمساهمتها في أسطول الحرية لرفع الحصار عن غزة. لقد استكثروا على الفلسطينيين أن يعيشوا بكرامة، وبحرية، وبشكل طبيعي مثل بقية شعوب الأرض، بل استكثروا عليهم حتى حق الحياة، فاشتركوا مع الصهاينة في قتلهم، إذ أن السلاح الذي يقتل به الفلسطينيون أمريكي بالدرجة الأولى. فأنى لهم السعي لقيام دولة للفلسطينيين حتى وإن كانت على حدود 1967 م.

 

على ماذا يتفاوضون ؟: فإذا كان العدو الصهيوني مستمرا في مشروع الاستيطان، ويستمر في إفراغ القدس من سكانها، وفي طرد وسجن المقدسيين، ولا سيما الرموز كالشيخ رائد صلاح، وقاضي قضاة فلسطين الشيخ تيسير التميمي، ونواب حماس الثلاثة، وغيرهم. وفي الاستيلاء على منازل المقدسيين بحي السعدية وغيره. وهو واحد من 57عقارا استولى عليه الصهاينة حتى الآن في القدس العتيقة، وذلك في اليوم الذي أعطت فيه الجامعة العربية غطاء المفاوضات المباشرة.ويرفض المبادرة العربية، وليس هناك مرجعية يستند عليها في المفاوضات، بما في ذلك قرارات الأمم المتحدة،فعلام يتفاوضون إذن. ولماذا يتم التفاوض مع فصيل معين، دون بقية الفصائل، وهو يفتقد للشرعية، غير شرعية الرضا الصهيوأمريكي، والغطاء العربي الذي يحتاج هو الآخر لشرعية مفقودة ؟!!!وبالتالي تحولت مفاوضات الأمريكي الصهيوني مع الجانب ( العربي ) إلى ما يشبه لعبة " عسكر وحرامية ".

 

وبالتأكيد فإن الجانب الأمريكي الصهيوني يدرك بأن المفاوضات بسقفها الحالي لن تفضي إلى أي نتائج تذكر، فليس لدى النظام العربي الرسمي، أو سلطة عباس أي قوة سواء على الصعيد السياسي، أو المعنوي، والبقاء في السلطة، والابقاء على الدعم الخارجي،هو رأس المال، أما الشعوب فلها قوات القمع، وطبخ الحصى.
وبعد تجريد عباس من سلاح المقاومة، وخلو السلام العربي الرسمي من خيار دعم المقاومة الفلسطينية فضلا عن سلاح القوة، أصبح العدو الصهيوني يملي شروطه، ويفاوض عبثا، بارتياح كامل. فالذي يخشاه لم يعد قائما ( عربيا ).وبالتالي تفرغ للمقاومين الحقيقيين، سواء في غزة أو غيرها. ومن المفارقات أن يتماهى النظام العربي الرسمي مع التوجه الصهيوني لتصفية المقاومة، مع رفض المبادرة ( العربية ) ؟!
بل لم نر أي تحرك أمريكي أو أوروبي لدعم المبادرة، مما يكشف عن وجود تواطؤ بين جميع الأطراف لتعديل المبادرة، لتنزل عن سقف حدود 1967 م. ومن المفارقات أيضا أن تعرب حماس نفسها عن استعدادها للقبول بحدود 1967 م رسالة إلى الرئيس باراك أوباما، ولم يرد عليها ايجابيا حتى الآن. إذ أن المطلوب هو الحصول على المزيد من التنازلات، وتقديم الاعتراف تلو الاعتراف بالإجراءات الصهيونية ودون مقابل، حتى يكتشف العرب في النهاية أنهم خسروا كل شيء، دون أن يحصلوا على أي شيء!
إذن على ماذا يتفاوضون ؟!.. الجواب الذي سمعناه من رام الله، هو أنه لا يوجد بديل. أي طالما لا يوجد بديل فلنتسلى بالمفاوضات، فالوضع العربي لا يساعد على شيء، وعدم الاشتراك في المفاوضات قد يحرمنا من المساعدات الاميركية ويعزلنا،كما عزل عرفات !!!

 

هذا المنطق الذي يتحدث به عباس وفياض ومن سار في ركبهما، وهو موقف خطير يتلاعب بمصير فلسطين والفلسطينيين.
وفي الجانب العربي، القضية لا تعدو فدية للبقاء في السلطة، تأخذ أحيانا بعدا وطنيا مزيفا ( خدمة المصالح الوطنية ) وهي في الحقيقة خدمة شخصية فردانية خصوصية جدا. ولتنظر الأمة في من يسوسها أو قل يسوسها ( بضم الياء ونصب السين وتشديد الوا وكسرها ).

 

لقد اعترف الأمين العام لجامعة الدول العربية عمر موسى بحقيقة الوضع، حيث قال " إن الأسلوب الذي تتبعه السياسة الاسرائلية لا يبشر بخير" قال ذلك قبل الحديث الأخير عن توسيع الاستيطان في القدس.
هل المفاوضات غطاء للعدوان الجديد ؟: وهل يتحول الغطاء العربي للمفاوضات بشكل مباشر أو غير مباشر لغطاء لعدوان جديد على غزة عسكريا، وعلى كامل فلسطين التاريخية، ولا سيما حدود 1967 م استيطانيا. والوقوع مرة أخرى في ما أسماه رئيس الوزراء الفلسطيني اسماعيل هنية " وقوع في المراوغات الصهيونية الأمريكية وإنقاذ الاحتلال من الورطة التي يعيشها بعد مجزرة أسطول الحرية " هل المفاوضات التي دعا إليها نتن ياهو، ولاقت موافقة أمريكية مفتوحة دائما للكيان الصهيوني، وخضع إليها عباس والنظام العربي صاغرين، ثم حدد نتن ياهو موعدها في 15 أغسطس الجاري، دون مشاورة الطرف الآخر الذي أدمن الانقياد إلى حد الرثاء. هل هي أيضا لاستمرار الانقسام الفلسطيني، والتغطية على جريمة أسطول الحرية، إلى جانب التغطية على الاستيطان، وحتى العدوان على غزة ؟!!! وإذا كان الأمر كذلك، وهو كما يبدو كذلك، أي جريمة وأي كارثة، وأي جناية، ينخرط فيها من انخرط فيها ؟!!!
لقد بات من الواضح أن الاحتلال الصهيوني يستغل لعبة المفاوضات لمواصلة عدوانه على الشعب الفلسطيني

 

في إطار مشروع جهنمي لتصفية القضية الفلسطينية على طريقة " زحلقة " الجالسين على مقاعد الحدائق العامة، أو حصرهم في النهاية الحادة، فيختنقون أو يغادرون.
وقد ذكرت دورية، لانسيت، الطبية يوم 2 يوليو الماضي أن العدوان الصهيوني على غزة عام 2009 م كان له تأثير مدمر سبب إصابات وعمليات نزوح ومعاناة خاصة بين الأطفال، وضعف في النمو وغير ذلك من الأضرار التي تلحق بعملية النمو السكاني، والصحة، والوضع الاجتماعي.
وكشفت دراسة علمية حديثة أن بقايا مواد سامة مسرطنة خطيرة ترسبت في أجساد الشهداء والجرحى الفلسطينيين جراء العدوان الصهيوني على قطاع غزة العام الماضي. وقالت الدراسة إن " هناك تأثيرات خطيرة كالإصابة بالسرطان والتأثير على معدل الخصوبة والاصابة بالعقم ".

 

إن الاعتداءات التي يمارسها الكيان الصهيوني، والمستوطنون الصهاينة تؤكد بأن العدو الصهيوني لا يعمل فقط على تهجير وطرد الفلسطينيين من أراضي 1948 م فقط، بل من الضفة الغربية وقطاع غزة أيضا، وهناك دعوات لعودة الاستيطان في غزة، ومشاريع لطرد الفلسطينيين من الضفة، واستمرار الاستيطان، ومواصلة الحصار لغزة أكبر دليل على ذلك، وسط بلاهة أو ( عبط ) بل استبلاه، و( استعباط ) عربي رسمي. فلا نزال نسمع ونرى عملية الدهس المتعمد للفلسطينيين من قبل الصهاينة، وعملية القصف الجوي لغزة وغيرها. ومن ذلك دهس مستوطن صهيوني لثلاثة فلسطينيين يوم 6 يوليو الماضي، والتضييق على الفلسطينيين في القدس وكامل فلسطين، ورفض واشنطن أي مصالحة فلسطينية، كما أكد ذلك مستشار رئيس السلطة الفلسطينية، صبري صيدم، في 3 يوليو الماضي في حديث نشرته صحيفة السفير اللبنانية في تاريخه.

 

بل إن المفاوضات قد تكون غطاء لعدوان أوسع ضد الدول العربية المجاورة، ففي الوقت الذي تتحدث فيه الأنظمة العربية عن خيار السلام الاستراتيجي، يواصل العدو تكديس السلاح وبناء القواعد، وتطوير القدرات العسكرية، واجراء المناورات الضخمة، وهي مناورات لا تستهدف حماس أو حزب الله، وسوريا، وربما ايران فقط، بل هي أبعد من ذلك، فهي تدرك أنها تلاعب الأنظمة العربية، وربما الجميع منخرط في لعبة معروفة نتائجها سلفا لذلك يعد العدو للحظة لا يستبعدها وهي حرب يقودها رجال بدل أصحاب السراويل الرخوة الذين يعرف عوراتهم جيدا.