تداعيات قطع جامبيا علاقاتها مع إيران
28 ذو الحجه 1431
رضا عبدالودود

بعد ربع قرن من العلاقات الدبلوماسية السرية والعلنية بين جامببا وايران، أعلنت جامبيا الثلاثاء 23/11/2010 قطع جميع علاقاتها الاقتصادية والسياسية والدبلوماسية مع إيران وطلبت من ممثلي الحكومة الإيرانية مغادرة البلاد في غضون 48 ساعة، كما أعلنت إلغاء جميع المشاريع والبرامج التي يجري تنفيذها بالتعاون إيران. وذلك عقب اكتشاف محاولة إيران تسريب أسلحة بطريقة سرية داخل جامبيا، قد تكون سببا في إثارة القلاقل الداخلية بين الشعب الأفقر في افريقيا.

 

وذلك عقب تقديم نيجيريا لشكوى - قبل أسبوع من قرار جامبيا قطع العلاقات -إلى مجلس الأمن الدولي بعد توقيف نيجيريا شحنة أسلحة غامضة قبل دخولها إلى جامبيا، حيث أشارت وثائق الشحنة أنها أسلحة (13 حاوية بعضها كان يحمل قاذفات صواريخ وقنابل يدوية ومتفجرات كانت مخبأة في أسفل أرضية السفينة) غير قانونية من إيران اعترضتها المخابرات النيجيرية في ميناء لاجوس، وكانت في طريقها إلى جامبيا.  ومن جانبها لم تتخذ الحكومة الإيرانية أي رد فعل رسمي حيال القرار الجامبي إلا أن وزير خارجيتها منوشهر متقي سارع إلي زيارة نيجيريا لإقناع مسئوليها بتقليل حجم المناوشات عقب ضبط شحنة الأسلحة.

 

وكشف النائب الايراني علاء الدين بوروجردي رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى الايراني الذي اتهم جامبيا بانها انصاعت للضغوط الاميركية، ان الاسلحة كانت مرسلة فعلا الى جامبيا, وقال "لقد وقعت شركة ايرانية عقدا لبيع اسلحة الى جامبيا منذ عدة سنوات".

 


تداعيات القرار

رغم تقليل الايرانيين من القرار الجامبي إلا أن المتابع للاستراتيجية الإيرانية يستطيع أن يقدر حجم الخسارة السياسية التي تواجه إيران في الغرب الإفريقي بعد اتهامات نيجيرية لطهران بممارسة التشيع وإثارة القلاقل في البلاد، وكذلك قطع العلاقات المغربية وطرد دبلوماسيين ورجال أعمال من المغرب لممارستهم المخالفة للقوانين المحلية ونشر التشيع في البلاد.
ويضيف القرار الجامبي الذي اتخذ تحت ضغوط من المعارضة السياسية والخوف من المسألة الدولية لخرق القرارات الدولية بفرض عقوبات اقتصادية على ايران، يضيف خسائر كبيرة للإيرانيين الذين حاولوا التقليل من تأثير القرار بوصفهم جامبيا بالدولة غير المؤثرة بالسياسة الدولية تارة، وتارة أخرى بأن القرار يعبر عن الخضوع للأجندة الأمريكية. إذ تمثل جامبيا ساحة مهمة للسياسة الإيرانية ومخططات التوغل في إفريقيا، لموقعها الاستراتيجي وقربها الجغرافي من نيجيريا أكبر دولة إفريقية منتجة للنفط وصاحبة علاقات إستراتيجية مع "أمريكا". كما تمثل أدغال القارة الإفريقية متنفسا معتبرا للسياسة الايرانية التي تعاني من العقوبات الدولية، وكسوق واعد لبضائعها الثقافية والاقتصادية، ومورد هام للمواد الأولية كاليورانيوم والمعادن.

 


تسريب الأسلحة من وراء الحكومة

كما أثار الكشف عن صفقة الأسلحة من قبل نيجيريا –وليس من قبل النظام الحاكم- استياء المعارضة الجامبية، حيث أعلن زعيم المعارضة الغامبي خليفة صلاح "ان شحنة الاسلحة كانت قد اعلنت على انها مواد بناء" منددا بـ"خرق خطير للأمن الاقليمي"، مما يفاقم الأزمة السياسية التي تعايشها جامبيا في ضوء محاولات الرئيس تشريع بقائه في السلطة مدى الحياة، رغم الانتقادات المحلية والدولية الموجهة إليه فيما يخص ممارسات قمعية وانتهاكات لحقوق الانسان بحق المعارضة والتيارات السلفية التي يستخدم ضدها فزاعة "تنظيم القاعدة" لتبرير انتهاكاته وقمعه بحق الجماعات المحلية..

 

انقلاب فاشل
-توقيت قرار قطع العلاقات الجامبية مع ايران يثير الكثير من علامات الاستفهام، حيث جاء عقب 10 أيام من محاولة انقلاب فاشلة اتهم الرئيس الجامبى يحيى جامع ضباط الشرطة الذين تم اعتقالهم، الخميس 11/11/2010  بمحاولة إقصائه عن رئاسة جامبيا وقلب نظام الحكم فيها.
وكشف في بيان متلفز بث في العاصمة بانجول الجمعة 12/11/2010 عن أن المسألة برمتها كانت مسألة وقت للإطاحة بنظامه، كاشفا أن المقبوض عليهم وعددهم 11 مسؤولا أمنيا من بينهم لويس جوميز مدير جهاز الاستخبارات الوطني في بلاده. وتعد المحاولة الانقلابية التي كشف عنها الرئيس جامع ـ الذي اعتلى السلطة في بلاده بانقلاب في يوليو 1994 ـ هي الثانية التي يتورط فيها مسؤولون كبار في المؤسستين العسكرية والأمنية في جامبيا بعد إحباط المحاولة الانقلابية الأولى قبل أربعة أشهر والتي تورط فيها تسعة ضباط كبار من بينهم رئيس الأركان السابق ونائب مدير المخابرات العسكرية ونائب مدير الشرطة السرية وجميعهم حكم عليهم بالإعدام رميا بالرصاص الشهر الماضي بعد محاكمة استغرقت ثلاثة أشهر....ما يطرح المزيد من التساؤلات حول الدور الإيراني والانقلابات الأخيرة بجامبيا، في ضوء القرار الجامبي الذي جاء قويا وسريعا، ولربما تكون الإجابة عن تلك التساؤلات فاضحة في القريب من الأيام.

 

المصالح تهزم القيم
ولعل الدرس الأبرز في مسيرة العلاقات الجامبية الإيرانية الممتدة منذ نحو ثلاثين عاما، أن التمدد الإيراني لا يريد سوى مصالحه فقط ، إذ أن زيارات المسئولين الإيرانيين ورجال الأعمال وآخرها الرئيس نجاد في العام 2009م ووعوده بتنمية وتطوير جامبيا، لم تسفر سوى عن عدد من قوارب الصيد القديمة تم تحديثها ومجموعة من الدبابات القديمة، رغم أنه وخلال كل زيارة رسمية يقوم بها الرئيس الإيراني أو المسئولين البارزين في حكومته يتم تقديم عروض للاستثمار في البنية التحتية والصحة والتصنيع وصلت إلى عروض بنقل خبراتها في مجال الطاقة النووية، إلا أن إيران ليس لديها أموال كافية تستطيع الاعتماد عليها للعب دور الدولة المانحة.

 

الاستبداد السياسي والتضييق على القوى المعارضة في جامبيا طوال الثلاثين عاما الماضية لم يدفع إيران الثورة "الإسلامية" و"المبادئ" أن تقف ضد سياسات جامبيا أو تدفع نحو تحقيق التصالح بين الحاكم والشعب المقهور، ما يؤكد أن مصالحها فوق كافة الحقوق والشعارات التي ترفعها، ففي الوقت الذي شنت فيه طهران هجوما على قرار جامبيا قطع علاقاتها معها ووصفها بأبشع الأوصاف من الخضوع والانصياع للأجندات الأمريكية والدولية، لم تتحرك لدعم حق الشعب الجامبي الذي يعاني الاستبداد المؤبد، إذ يؤكد المراقبون أن الرئيس الجامبي يحيى جامع الذى دخل عامه التاسع والعشرين في الرئاسة وكان ضابطا شرفيا برتبة ملازم في الجيش قبل تنفيذ انقلابه يسعى الى تأبيد حكمه لمدى الحياة من خلال دعوته للاستفتاء على ذلك، كما أنه بسبب معارضة الأحزاب والقوى السياسية لهذه الخطوة من جانب جامع بدأ نظامه في تضييق الخناق على انشطتها بصورة تكاد تقترب من حظر نشاطها واتهام نشطائها له بالسعي إلى تقويض نظام حكم البلاد من الجمهوري إلى الملكي وهو ما بدأ التمهيد له بإصدار القيادات التقليدية والعرقية الموالية له مسمى ملك جامبيا عند مخاطبته.

 

كما رصد المعارضون للرئيس الجامبى قوله في لقاء مع القيادات الدينية والتقليدية المقربة منه أن الانتخابات والديمقراطية هي آفة البلدان الإفريقية لأنها لا تصلح لهم وأن ما يحدث الآن على أرض غينيا والصومال هو نتاج تلك الديمقراطية وهو ما جعل المراقبين يبدون مخاوفا شديدة على مستقبل الأوضاع في جامبيا التي تقترب من انتخابات عامة على مستقبل نظامها السياسي والدستوري الحالي في 2011 يرى المعارضون أنها ستزيف لصالح إلغاء الأحزاب وترسيخ مخططات أحكام رئيسها بصورة فردية على السلطة.

 

 
جانب آخر قد يخفى على المتابع للشأن الجامبي أن تزايد تجارة الدعارة والترخيص لها كمهنة قانونية وتحصيل الدولة للضرائب منها، لم يثر الشريك الإيراني أن يقدم نصائحه للحكومة الجامبية التي تدعم السحر والشعوذة وتحارب المجموعات الإسلامية التي تسعى لنشر السنة وتعليم القرآن في أوساط الشعب الجامبي الذي يبلغ نسبة مسلميه 95%..ولكن لا قيم في السياسة الإيرانية...

 

يذكر أن جامبيا الواقعة في غرب إفريقيا، تطل على المحيط الأطلسي، وتحيطها السنغال من ثلاثة جوانب. ومساحتها 11,3 ألف كيلومتر مربع، وعدد سكانها 1,4 مليون نسمة. ويمر نهر جامبيا في وسط البلاد. وهي من أفقر الدول في العالم مع معدل وفيات مرتفع. وتقع في المرتبة الأولى بين الدول المتفشية فيها مرض الملاريا. ويعتمد اقتصادها على زراعة الفول السوداني. ولا تزيد ميزانية الدولة عن 100 مليون دولار. وأغلبية الشعب من الولوف، ماندينكا، فولبي و ديولا.
ويبقى التمدد الإيراني في افريقيا عنوان الكثير من المفاجآت السياسية التي ستكشفها الأيام القادمة!!