ضرب نواب الكويت..وتأبين مغنية
3 محرم 1432
أمير سعيد

وضع الكويتيون أيديهم على قلوبهم وهم يشاهدون الأنباء ترد إليهم من قلب المتوسط عن الاعتداء الصهيوني على سفينة مرمرة التركية في شهر مايو الماضي، فالنشطاء الأحرار معظمهم من العرب والمسلمين على مقربة أمتار من فوهات بنادق الكوماندوز الصهيوني الذي اقتحم السفينة.. ما زاد القلق أن من بين هؤلاء 16 ناشطاً كويتياً، كان على رأسهم النائب بالبرلمان الكويتي د.وليد الطبطبائي من بين من كانوا على متن السفينة التي اقتيدت إلى ميناء أسدود الفلسطيني المحتل.

 

نجا الطبطبائي من الاعتداءات كما لم تصبه النيران "الإسرائيلية" عندما وصل إلى غزة عبر نفق في يناير 2009 وهو الشهر الذي شهد المجزرة الوحشية التي ارتكبت بحق الآلاف من أهلها، لكن الطبطبائي دخل مستشفى الصباح ليعالج من جروح أصابته عندما ضربته وآخرين وحدات الشرطة الكويتية التي اقتحمت ندوة للمعارضة..

 

ما بين دخول الطبطبائي ورفاقه إلى الكويت مجللا بالزهور التي لفت حول أعناقهم لدى استقبال الأمير الكويتي لهم بعد اعتداء "إسرائيل" على سفينة مجزرة، وكسر يده إثر اعتداءات الشرطة الكويتية عليه ورفاقه، ستة أشهر فقط، وذلك خلال تجمع في ديوانية عضو كتلة التنمية والإصلاح بمجلس الأمة الكويتي بعد أن قام الأمن بتفريق تجمع خارج منزل النائب الإسلامي جمعان الحربش، وداخل حديقة منزله، بالقوة.

 

ما بُث على الفضائيات كان حدثاً استثنائياً في الكويت التي لا تتعاطى بهذه الأساليب العنيفة  في تعامل الحكومة الأمني مع معارضيها، وكثيراً من تلك الأحداث التي قد كان من الممكن ألا تمر بسلام قد جرى إخمادها بكل سلاسة من قبل ووجدت من طول النفس وجميل الصبر ما جعل الأمور لا تتفاقم لهذا الحد الذي شببه أحد النواب الكويتيين بأنه "أعاد أجواء الغزو العراقي للكويت"، حتى الاحتفال التأبيني بمقتل القيادي بـ"حزب الله" اللبناني عماد مغنية الذي تقاطر إليه طائفيون كويتيون وغير كويتيين، لم يشهد هذا الاندفاع الذي تبدى به الجنود في ندوة "إلا الدستور" الثانية التي أقيمت ببيت النائب جمعان الحربش، على الرغم مما رافق هذا الحفل التأبيني من استعدادات غير عادية، وما أفرزه من تحدٍ واضح لثقافة وذاكرة ووطنية الكويتيين بتأبين مغنية المتهم سابقاً باختطاف طائرة "الجابرية "وكذلك العمليات الإرهابية التي شهدتها الكويت خلال فترة الثمانينات والتي دعت السلطة الرسمية تأخذ احتياطات غير مسبوقة في تأمين كبار مسؤوليها تحسباً لتكرار تلك العمليات.

 

ومقاربة كهذه، بمقدورها أن ترفع الأصوات الهامسة بهذا التمييز إذا ما وضعت في الصورة شخصيات غير تلك التي كسرت أذرعتها في ندوة عامة تضم نواباً ذوي تاريخ سياسي وبرلماني كمسلم البراك وفيصل المسلم ووليد الطبطبائي ومحمد هايف المطيري، وتحضر ندوة تضامنية لمحاولة إيقاف عملية رفع الحصانة عن النائب فيصل المسلم الذي تدفع الحكومة نوابها لعدم حضور جلسات البرلمان لتمرير إخراجه من البرلمان (يمكننا أن نتذكر في تلك المقاربة هشاشة محاولة رفع الحصانة عن نائبي تأبين مغنية، عدنان عبد الصمد وأحمد لاري الشهيرة في المقابل).

 

لكن مهما يكن من أمر، وبعيداً عن تلك المقارنة التي لو رفعت بالفعل الأصوات الهامسة لقالت كيف إذن كان الحال لو كان حسين وعدنان وغيرهما مثلاً مكان وليد الطبطبائي وعبدالرحمن العنجري والصواغ وجمعان الحربش، الذين خرجوا على باب البيت للتفاهم مع الأمن فعاجلهم بهراواته، هل لنا أن نربط بين هذا الاعتداء الذي استهدف تجمعاً سياسياً لنواب معارضين معظمهم ينتمي إلى التيار الإسلامي السني، وبين المساعي المحمومة التي تسعى إليها قوى تتطلع بعينيها وأحلامها نحو شرطي الخليج الجديد، وإذا ما أضفنا إلى الحادثة غير المألوفة أخرى تخص الاعتداء على الناشط السياسي والإعلامي الغريب محمد الجويهل، الذي ضرب هو الآخر في ندوة سابقة لـ"إلا الدستور"، وما رافقها من استنكارات سعى بعضها للصيد في الماء العكر وتجيير الحادثة باتجاه كتلة برلمانية بعينها، ومن ثم احمرت له أنوف لا تنظر بارتياح لاستقرار الكويت؟! هل يمكننا ألا نخرج من الحادثتين اللتين وقعتا بفارق زمني لا يتجاوز أسبوعاً  فقط إلا بنتيجة مفادها أنه أياً كانت الأسباب؛ فإن هذه الظواهر الغريبة للتعامل العنيف بين الفرقاء السياسيين بعضهم بعضاً، والشرطة وبعض معارضي حكومتها مؤذنة بغد مجهول للكويت التي بدأت في كتابة مرثاة ديمقراطيتها "النموذجية الخليجية"؟! بل هل يمكننا أيضاً أن نخرج بحقيقة أكثر سوداوية تقول بأن الاعتداء على نواب الشرق العربي ليس غريباً عن إقصائهم في قلب العروبة، ولا بعيداً عن مرحلة تبدو فيها الديمقراطية ماضية نحو الغروب..