الدول "المسيحية" المستقلة!
8 صفر 1432
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

ينتقد الغرب ومن خلفه الطابور العلماني دوما المطالبة بتطبيق الشريعة في الدول الإسلامية وضرورة النص على ذلك في دستور البلاد بحجة أن ذلك ضد مفاهيم "المواطنة" وسيفرق بين المسلمين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى, إلا أننا لم نسمعهم ينتقدون المطالبات "المسيحية" المستمرة بدول وكيانات مستقلة لهم والتي تزايدت في الفترة الأخيرة بدعوى تعرضهم للعنف رغم أن ما يتعرض له المسلمون في تايلاند وبورما والهند أضعاف ما تعرضوا له.

 

لقد تصاعدت هذه المطالب في ظل حماية دولية واضحة من الدول الكبرى والفاتيكان الذي يمارس دورا سياسيا ملحوظا ويعتمد على علاقته القوية بالدول ذات النفوذ والتي تقوم بضغوط من أجل منح "المسيحيين" المزيد من الامتيازات وهو ما سيؤدي في النهاية إلى مضاعفة التوتر الطائفي.

 

في وقت  أدانت فيه الفعاليات الإسلامية الحكومية والشعبية في مصر التفجير الأخير لكنيسة "القديسين" بالأسكندرية ووقفت الدولة بمختلف أجهزتها بجانب "المسيحيين" لمواساتهم رغم الاعتداءات التي تعرض لها شيخ الأزهر والمفتي وبعض الوزراء على أيدي المتطرفين الاقباط خلال أدائهم للعزاء إلا أننا فوجئنا ببيان من أقباط المهجر يعلن عن قيام دولة "مسيحية", وأن الدولة الجديدة تشكلت من خلال هيئة تأسيسية من مائة قبطى من داخل وخارج مصر، مطالبين بالحصول على 25 بالمائة من المناصب السيادية في مصر وإطلاق حرية بناء الكنائس بلا حدود وتشكيل محاكم للأقباط، تمهيدًا لحكم ذاتي للأقباط في مصر. وتبنى تأسيس الدولة "المسيحية" موريس صادق رئيس "الجمعية الوطنية القبطية" ومنظمة "كميل الدولية من أجل يسوع"، وقناة "الحقيقة" المسيحية ومنظمة "ستاند آب أمريكا"، وقناة "الطريق" المسيحية بولاية نورث كارولينا.

 

وقد رحب عدد من الأقباط في الداخل على المواقع الاجتماعية بالدولة المزعومة, وكان الرجل الثاني في الكنيسة المصرية قد صرح منذ فترة بأن المسلمين هم ضيوف على الأقباط في بلادهم وهو ما يعني أن القضية أبعد من أن تكون محصورة في عدد من المتطرفين في الخارج, ياتي ذلك في وقت يوشك جنوب السودان على الانفصال بدعم غربي, وهو ما يسعى إليه أقباط المهجر الذين صرحوا بلا مواربة أوخجل أنهم سيتوجهون إلى عدد من أعضاء الكونجرس وأعضاء لجنة الحريات الدينية خلال الأيام المقبلة لبحث إمكانية دعم الولايات المتحدة والدول الأوربية للدولة القبطية الجديدة خلال الأسبوع الحالي.

 

والامر لم يقتصر على مصر فقد طالب "مسيحيو العراق" أيضا بدويلة مستقلة لهم, حيث طالب "المجلس السياسي المسيحي" باستحداث محافظة جديدة خاصة بـ"المسيحيين" في سهل نينوى لتوطينهم بها بدعوى أن "ذلك هو الحل الأمثل لإنهاء معاناة المسيحيين في العراق", وكان بابا الفاتيكان قد طالب بتدخل دولي لحماية "المسيحيين" في مصر والعراق, وهو دعم وتحريض غير مباشر "للمسيحيين" بتعلية سقف مطالبهم, رغم أن ما يعاني منه أهل السنة في العراق على ايدي المليشيات الطائفية أقل بكثير مما يعاني منه "المسيحيون" ومع ذلك لم نسمع مطالبات مشابهة. 

 

وعلى نفس الطريقة يصر الرئيس النيجيري "المسيحي" جودلاك جوناثان خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة ليحكم البلاد فترة رئاسية جديدة رغم الاتفاق المعمول به والذي يقضي بالتناوب على المقعد الرئاسي بين المسلمين والمسيحيين, وغير بعيد عنه يواصل لوران جباجبو "المسيحي" في ساحل العاج تحدي المجتمع الدولي رافضا تسليم الرئاسة للمرشح المسلم الفائز بالانتخابات بينما يكتفي المجتمع الدولي بالشجب والادانة دون تدخل فعلي كما هدد في بداية الازمة فاتحا الطريق أمام التوصل لحل وسط لحفظ ماء الوجه وإبقاء السلطة في يد جباجبو .

 

إن "المسيحيين" يتحركون بخطى واثقة وفي ظهرهم الفاتيكان ودول كبرى تدعمهم وتضغط من أجلهم, ويسعون لاستغلال المشهد السياسي الدولي الراهن الذي يبرر التحامل على المسلمين, ولكن ذلك لن يستمر طويلا وستكون له عواقب وخيمة على المنطقة, كما أنه يتنافى مع الدعاوى الغربية بشأن المساواة وحرية المعتقد والعدالة ويكشف عن وجهه القبيح, وستصبح هذه الدول كيانات مفخخة تشعل المزيد من النيران.