20 رجب 1432

السؤال

طالبي في التحفيظ في الصف الثانوي متعلق بموضة جديدة بها سلبيات أخلاقية وعقدية موضة (الإيمو) كيف أقنعه بتركها؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الكريم:
السلام عليكِ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكِ، وشكر الله لكِ ثقتكِ بإخوانِكِ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
يحسن بنا في البداية أن نتعرف ونعرف قراءنا الكرام على هذه الظاهرة؛ فنقول وبالله التوفيق إن: موضة "الإيمو"؛ بدأت في أوائل التسعينيات, وهي عبارة عن فرَق موسيقية كانت تغني أغاني عاطفية؛ كان لها أثر في جذب الأطفال، والشباب، في مرحلة المراهقة، ممن يشعرون بالحرمان، والهجران, ثم انبثق عنها فرقة متخصصة في أغاني الأطفال, سميت فرقة (Weezer)، ولقب قائد هذه الفرقة بلقب "إله الإيمو"، وتميزت هذه الفرق وأتباعها بلباس معين، وشكل مميز، فملابسهم ضيقة، وشعورهم داكنة محترقة, ولهم مكياج خاص.
وقد اكتنف هذه الفرقة جو من الغموض والسرية ظهر بعد ذلك في حادثة أثارت الرأي العام؛ وهي حادثة انتحار فتاة تدعى "هنا بوند"، تنتسب لهذه الفرقة, وقد تبين أن لهذه الموسيقى- "الإيمو"- سبب في إقدامها على الانتحار؛ فقد تبين خلال التحقيق أن هذه الفتاة كانت تناقش روعة الانتحار في صفحتها على الإنترنت؛ بل شرحت لوالديها بأن إيذاءها لنفسها كان فقط جزءً من كونها "إيمو"؛ وخرجت تقارير صحفية تحذر من خطورة فرق "الإيمو", وأثرها على الأطفال، والمراهقين, وخصوصاً من يعيش منهم في حالة من اليتم والحرمان, مما حدا ببعض الدول إلى منع هذه الفرق, وحظر أي شكل من أشكال "الإيمو".
وشيئًا فشيئًا تطورت هذه الفرق الموسيقية إلى اتجاه سلوكي, حتى صارت السمة البارزة لهذه الفرق: إيذاء النفس؛ بتشريط وتقطيع الجسم؛ عند المعصم، أو الذراع، أو الساق، أو البطن، أو القيام بحرق الجسم بسيجارة، أو كبريت مشتعل، وفسر الدافع لهذا الإيذاء بأنه محاولة لتحمل الألم والمشاكل العاطفية، أو الضغط الشديد من قبَل والديهم، وقد تكون نتيجة لمشاعر قوية لا يعرف الشخص كيف يعبر عنها، كالغضب، والألم، والعار، والاستياء، أو الإحباط، أو لفراغ روحي تكون نهايته الإيذاء والانتحار.
ثم نأتي إلى المشكلة محل الحديث؛ وهي أن طالبك في التحفيظ؛ في الصف الثانوي؛ متعلق بهذه الموضة (الإيمو)، وهو ما تخشى أن يؤثر سلبًا على أخلاقه وعقيدته، وتتساءل: كيف أقنعه بتركها؟؛ وقد سرني في سؤالك انتقاؤك لكلمة (أقنعه)؛ وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على إدراكك الشديد للمرحلة العمرية التي يمر بها طالبك، فهو ما زال بعد في الصف الأول الثانوي، أي أنه في بداية المرحلة الحرجة؛ التي يمر بها قرناؤه؛ وهي مرحلة المراهقة (15 – 25 عامًا)، والتي يصفها الخبراء بأنها مرحلة انتقالية بين الطفولة والرجولة، أو أنها فوق الطفولة ودون الرجولة، وكما يقول خبراء التربية وعلم النفس فإن "لكل مرحلة خصائصها وسماتها المميزة".
وتتلخص أهم وأبرز سمات هذه المرحلة في رغبة المراهق في الشعور بالاستقلالية، والذاتية، وفرض شخصيته وإثبات نفسه على الآخرين، ولهذا فإن الشاب في هذه المرحلة يكون أكثر تصادمًا ونزاعًا ضمن العائلة، فيرفض الانصياع لأفكار وقيم وقوانين الأهل، ويصر على فعل ما يحلو له. كما يحلو للكثير من الشباب في هذه المرحلة أن يجربوا الأمور الممنوعة، أو غير المقبولة لدى الاهل، كالتدخين وشرب الكحول أو السهر خارج المنزل لساعات متأخرة، ومصادقة أشخاص مشبوهين، كنوع من التحدي للأهل ولفرض رأيهم الخاص.
كما يصبح الشاب المراهق في هذه المرحلة أكثر مجازفة ومخاطرة، ويعتمد على الأصدقاء للحصول على النصيحة والدعم، كثر من اعتماده على الأب أو الأخ الكبير. وعلى الأسرة خلال هذه المرحلة أن تظهر لشابها المراهق تفهمًا شديدًا، حتى يفقدوا ثقتهم به، خاصة وأنه يكون – نظرًا للتغيرات الفسيولوجية والنتفسية التي تحدث له- أقل اهتمامًا بمظهره الخارجي، واكثر انجذابًا للجنس الآخر، ويظل هكذا حتى يتغلب بمساعدة من حوله على تخطي هذه المرحلة الحرجة من حياته، فالمهم أن يخرج منها بأقل الخسائر الممكنة.
فاعتمد الإقناع سبيلا لتخليصه مما يمر به؛ والزم اللين معه وتجنب العنف، فإنه (ما دخل اللين في شيئٍ إلا زانه وما نزع من شيئٍ إلا شانه)، فعليك بمصاحبته، وإظهار الاهتمام به، ولا تبدأ بمحادثته في هذه الموضة التي هو مبهور بها، ولا في هذا السلوك الذي طرأ عليه، وإنما يمكنك أن تعالجه بحكمة شديدة، من خلال منحه المزيد من الثقة في نفسه؛ بأن تثني على حفظه للقرآن، وأن تكافأه على إجادته، فإن هذا من شأنه أن يعيد إليه ثقته بنفسه شيئًا فشيئًا.
وأن تعالجه بنظام البدئل؛ بنظام قوائم الممنوعات، فتهديه بعض الأشرطة والأسطوانات المدمجة (سي دي) المسجل عليها القرآن الكريم بأحب أصوات القراء إلى نفسه، وكذا بعض الأناشيد الإسلامية المعبرة والمؤثرة لأفضل وأحب المنشدين إلى نفسه، وهكذا.... حتى يجد أمامه بدائل أجمل وأروع مما تميل إليه نفسه الأمارة بالسوء، فالإنسان عدو ما يجهل، وحبيب ما يعلم.
كما يجب أن تكثر من الدعاء له أن يصلح أحواله، وأن يصرف عنه قرناء السوء وأصثحاب السوء وأصدقاء السوء وجيران السوء، ولا تستهين بالدعاء فإنه سهم نافذ، خاصة إن كان بظهرلا الغيب، ولله وفي الله، ولا يرجى منه إلا مرضاة الله، وعلى قدر جتهادك وإخلاصك يصلح الله لك طالبك... وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.