12 محرم 1433

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تتلخص مشكلتي في أنني أعاني من كسلٍ شديدٍ جداً، وخمولٍ، وانعدام الإنجاز في جميع المجالات، حتى في المجالات الحياتية المهمة والدينية والعلمية، وغير ذلك، وأعاني من تأجيل الأمور بشكل كبيرٍ جداً.. أقضي الكثير من وقتي في النوم، وربما الأكل، ومتابعة القنوات الفضائية والأفلام، والإنترنت بشكلٍ كبير جداً.. رغم أنني أحب القراءة، وأقتني الكتب وأخطط لقراءتها إلا أنني أؤجل التنفيذ كثيراً.. قررتُ الالتحاق لإكمال دراستي العليا، فتكاسلت عن تقديم الملف والأوراق والتحضير لاختبار القبول حتى فات الموعد، وقررت الالتحاق بدورات تحفيظ القرآن في المراكز النسائية إلا أن التأجيل جعلني ألغي الفكرة تماماً.. وهكذا في كل أمور الحياة المهمة.. دعيتُ إلى وظيفة لأعمل بها، فعملت عدة أيام ثم تكاسلتُ عن الذهاب إليها، وفُصلتُ منها بسبب الكسل.. حالياً أقضي نهاري وليلي على الإنترنت والقنوات الفضائية بدون فائدة! أخطط لعمل الكثير، ولا أجد في نفسي الهمة لتنفيذ شيءٍ من ذلك، كما أنني أعاني بشدة من البطء في إنجاز الأعمال الموكلة إليَّ، كالبطء في الاغتسال مثلاً، أو في ترتيب وتنظيف البيت، أو غسل وتنظيف الأواني، وغير ذلك، فما يحتاج إلى ربع ساعة مثلاً؛ يأخذ معي ساعة أو أكثر من ساعة، أغرق كثيراً في أحلام اليقظة، وأتخيل نفسي في حياةٍ غير التي أحياها، وفي واقعٍ غير الذي أعيشه، وأمكث في ذلك الأوقات الطويلة.. كيف العلاج؟!!
أعيش في همٍّ بسبب الكسل وعدم الإنجاز، وأحس بعدم جدوى حياتي.. أحس بأنني فاشلةٌ في الحياة بسبب إيثاري للدعة والراحة والكسل.. أريد أتحول إلى إنسانة جادةٍ إنجازيةٍ نشيطةٍ عمليةٍ أنفذ ما أخطط له.. أريد أن أكون مداومةً على الأعمال، وبقوة إلى نهايتها.. أريد أن أحارب الكسل والملل وأن أستطيع أن أتحكم في ذاتي.. أريد ذلك فهل من سبيلٍ؟
دلوني.. جزاكم الله خيراً.

أجاب عنها:
د. علي الدقيشي

الجواب

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أختي السائلة:
أشكر لك حرصك على الخير من حبك للقراءة واقتناء الكتب النافعة، والتفكر في الالتحاق بدور تحفيظ القرآن الكريم، وإكمال الدراسات العليا، والشعور بعظم المشكلة التي أنت فيها، وسعيك لحلها.
أقول لك: أولاً: أبشري وأملي اليسرى عما قريب تفاؤلاً بوعد الله تعالى: {فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْراً} [الشرح:5-6].
ثانياً: أرى الحل والعلاج الناجع – بإذن الله – لكل ما ذكرتيه يكمن في تجديد الإيمان والاجتهاد في الإكثار من أعمال الإيمان للوصول إلى الرصيد الذي به يصبح المؤمن مهيمناً على نفسه وعلى أقواله وأفعاله يسهل عليه قيادة نفسه حينما يريد ووقتما يريد في الأعمال والأقوال في سائر المجالات فالذي أراه – والله أعلم – ما ذكرتيه هو آثار ونتائج ضعف الإيمان التي تحدث عنها العلماء.
فعليك الآن الاجتهاد بصدق وحسن تضرع والتجاء إلى الله واستعانة به على أن يرزقك حقيقة الإيمان الذي به تتحصلين على الهيمنة على النفس والقدرة على القيام بالأعمال وقتما تريدين.
فعليك بالأخذ بالأسباب التي يتجدد بها الإيمان في القلب، ويزيد حتى تظهر آثار ذلك – بإذن الله – من علو الهمة والنشاط في القيام بالأعمال، والنشاط في أثناء القيام بها، ومراقبة الوقت والحرص على الجدولة والنظام والترتيب.
واعلمي أن الإيمان يزيد بالأعمال الصالحة، وينقص بالمعاصي والذنوب. إذاً فعلينا الاجتهاد والإكثار من الأعمال الصالحة بشتى أنواعها، ابتغاء مرضاة الله وليزيد الإيمان، والحذر بتجنب الوقوع في المعاصي والذنوب حتى لا نضيع ما تحصلنا عليه من رصيد الإيمان بالأعمال الصالحة.
وأذكرك بأعظم الأعمال الصالحة التي جعلها الله سبباً لزيادة الإيمان وتجديده بصورة مستمرة، وهذه الأعمال يجب المحافظة عليها قدر المستطاع بصدق، ولأنها تعوض النقص أولاً بأول وتجدد الإيمان:
1 – المحافظة الصادقة على إقامة الصلوات الخمس في أوقاتها بخشوع وخضوع وإقبال على الله ومناجاته سبحانه، بحضور قلب، مع المحافظة على السنن القبلية والبعدية للصلاة، المحافظة على أذكار ما بعد الصلاة، والمحافظة على الدعاء بعدها لأنه مستجاب.
2 – المحافظة بهمة على أذكار الصباح والمساء فهي يزيد بها الإيمان ويدفع بها شر الشيطان الذي يوهن الإنسان، ويدفعه إلى الكسل والخمول، والتسويف والتواكل.
3 – الحرص على الارتباط بصحبة حسنة، والمداومة على لقاء تجتمعون فيه حول دراسة القرآن، أو في مجلس علم.
4 – أنصحك بالالتحاق وبسرعة بدور تحفيظ القرآن، والغرض الأول هو حضور مجالس القرآن التي يزيد بها الإيمان وتعلو الهمة، وتزول الغفلة وتشجع الإنسان للخير، فالغرض الأول اجعليه تلاوة القرآن وتدبره ثم الحفظ بعد ذلك.
5 – أنصحك بسؤال أهل الدور عن أوقات المحاضرات الأسبوعية فيها أو في دور أخرى ومجاهدة النفس على الحضور ليزيد إيمانك.
6 – أنصحك بالالتحاق بدروس الداعيات التي تعقد في بيوتهن كالداعية أسماء الرويشد وكذلك دروس الأستاذة نوال العيد وريم الباني، ويمكنك معرفة أماكن الدروس ومواعيدها عن طريق النت أو الدور النسائية.
7 – وأنصحك بالاجتهاد بالأعمال الصالحة (صلاة – قراءة قرآن – ذكر لله) في الأوقات التي ينشر فيها رحمته ولا سيما في ثلث الليل الآخر والجلوس بعد صلاة الفجر إلى الشروق في ذكر الله، وليلة الجمعة ويوم الجمعة وخاصةً آخر ساعة قبل مغرب الجمعة ففيها رحمات عظيمة.
8 – الإكثار من دعاء الله بدعاء الرسول الكريم الذي شرعه لمثل هذا الحال: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال)، لا سيما الإكثار من جملة (اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل).
9 – الإكثار من قول (لا حول ولا قوة إلا بالله) بالمئات والآلاف.
10 – الحذر من الأعمال التي ينقص بها الإيمان – من مشاهدة ما لا ينفع، فضلاً عن اشتماله على مخالفة أو حرام من القنوات الفضائية أو النت – فالإدمان على هذه الأشياء يضيع بها الإيمان وتقوي شوكة الشيطان على الإنسان فيحبب إليه الكسل والخمول، والتسويف والتواكل فيؤدي به إلى العجز عياذاً بالله.
11 – الإكثار من الدعاء والتضرع إلى الله مع أخذك بالأسباب وأن يوفقك وأن يعينك أن تكوني على ما يحب الله، محافظة على وقتك، مرتبة له، وتعطي كل ذي حق حقه، وربك، ونفسك وأهلك ومجتمعك، وسائر من تتعاملين معهم في الحياة..
وإني لأرجو الله تعالى لك في القريب بعد الأخذ بما سبق أن يحقق لك ما ترجينه في الخير واغتنمي أول فرص النجاح فابحثي عن عمل حتى يساعدك على الانتظام في الوقت وعدم ضياعه، وإن شاء الله ستوفقين في حسن القيام به، وكذلك التسجيل في الدراسات العليا في العام القادم وأن تدعي الله أن ييسر لك الزواج إن لم تكوني كذلك حتى تنشغلي في القيام برسالتك كزوجة وأم ومربية.
وأرجو الله أن يجعلك من النساء الكاملات الفضليات النافعات لأنفسهن وأهلهن ومجتمعهن والمسلمين.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد.