في مسبح الدماء يغرق نظام الأسد
13 شوال 1432
عبد الباقي خليفة

يحاول النظام السوري عبثا أن يعيد عقارب الساعة إلى الوراء ، دون أن يدرك أن الأساليب القديمة في قمع الشعوب لم تعد تجد نفعا. وأن مع كل قطرة دم طاهرة تسيل في شوارع المدن والبلدات السورية تقترب نهايته من نهايتها، وتسرع من ساعة حتفه حتما.
إذ أن ما يزيد عن 4 عقود من الاستبداد والاستفراد بالحكم لم تترك مجالا للمراجعة في وقتها، وتمادى النظام في ديكتاتوريته معتبرا ملفات وطنية شائكة ومعقدة فيها الانساني والسياسي والثقافي والاجتماعي "أرشيفا مغلقا"، في حين كانت حاضرة في الهم السوري اليومي لآلاف المناضلين والأسر المنكوبة والمحرومة، والشعب المتعاطف معها في صمت، والصمت ليس موتا، وإنما بركان لا يعرف أحد متى يثور ويخرج عن حالة الصمت إلى الغليان والثوران والفيضان.

 

 واليوم تقود السياسات التي مارسها ( صاحب النظرية العالمية الثالثة ) معمر القذافي، ومن قبله صدام حسين، والنظام العبثي في سوريا، إلى ما وصفناه في وقت سابق "من الاستبداد إلى الإستدمار". و"من الديكتاتورية إلى الإمبريالية". إذ أن هناك علاقة بين الطرفين تنسج في ظل تبادل المصالح، وتنه بانقلاب الثانية على الأولى مع أول تحرك شعبي ضد الحكم العضوض، وذلك لاستباق الأحداث، وبناء علاقة مصالح جديدة مع السلطات الجديدة تحت لافتة الصداقة الظرفية التي أسست لها بريطانيا إبان حكم الملكة أليزابيت" مصالح دائمة ولا صداقات دائمة".

 


نهاية نظام الأسد:

 ليس هناك شك في أن نظام الأسد ومن ورائه النصيرية وبقية الأذيال قد انتهى في سوريا، لكن السؤال هو كم من الوقت ومن الدماء والتضحيات سيستغرق ذلك؟ وهل سيكون هناك تدخل دولي وكيف ؟ وهل سيكون على الطريقة العراقية، أم الليبية ( وهو الأقرب ) بعد تعذر حيادية الجيش، وإن كانت هناك إرهاصات لحصول انشقاق عسكري بدأت بمبادرات شجاعة ولكنها غير كافية ـ فالجيش الذي يقتل المواطنين ليس جيشا وطنيا ولا يمكنه أن يكون كذلك . فالدولة هي دولة المواطنين، دولة الشعب، ولا يمكن أن تستمر المعادلة السابقة إلى ما لا نهاية، وهي( شعب ) الدولة، بمعنى الرعية بالمفهوم السلبي، فهناك مفهوم سلبي ومفهوم ايجابي لمصطلح الرعية، مفهوم اسلامي بمعنى أن الذي يفوضه الشعب يكون خادما له برضاه لا غصبا عنه، ومفهوم استبدادي يرى في الشعب ملكية خاصة للحكام يفعلون به ما يشاؤون ويعاملونه كالرقيق، ويقسمون المجتمع على حد قول أحد ضباط القمع السابق في مصر إلى "عبيد وأسياد" أو بتعبيره "إلي يطاول على أسياده يضرب بالجزمة".
 فإذا كانت إمامة الصلاة لا تصح إلا برضا المأمومين فإن إمامة الدولة أولى برضا الأمة ( الرعية ) وأوكد، ففي الحديث "لا يقبل الله صلاة من أم قوما وهم له كارهون" أو كما قال صلى الله عليه وسلم.

 

لكن نظام العبث في سوريا، يريد أن يحكم الشعب السوري رغما عنه، بمعنى استعباد الشعب، الذي ينتفض ضد المذلة حسب بعض شعارات الثوار في سوريا. ويتحدى الشعب السوري الرصاص الحي وأرتال الدبابات التي ظلت كليلة عن تحرير الجولان فضلا عن جنوب لبنان والقدس، وواصل رغم ذلك المظاهرات الليلية ، فيما يوغل النظام المستبد في قمعه وجرائمه ضد الشعب بالاعتقال والتعذيب والقتل حتى وصل عدد الضحايا نحو 3 آلاف قتيل فضلا عن مئات الجرحى وآلاف المعتقلين.

 

ويعتقد نظام العبث في سوريا أنه بإمكانه التغلب على إرادة الشعب ورغبته في الانعتاق من ربقة القمع والاستبداد، وربما غره سكوت ما يوصف بالمجتمع الدولي دون أن يدرك أن ( الجماعة ) ينتظرون تورطه أكثر وانزلاق يده على الزناد بفعل نوافير الدماء التي يقيمها في المدن السورية ليكون ذلك مبررا للتدخل، وجمع الأدلة ضده لتقديمه للمحكمة الجنائية الدولية أو محكمة جرائم حرب خاصة على غرار يوغسلافيا السابقة. وفي نفس الوقت يقتل المزيد من المسلمين، فأصل الخصومة معهم ، وإن اتخذت أساليب النظام في قمعهم سببا للتدخل بزعم إنقاذهم وهو إنقاذ إن تم فسيكون على طريقة العصابات إذ أن "الذئاب لا تركض عبثا" كما يقول المثل. ومن ذلك ما قاله المتحدث باسم الإدارة الأمريكية  جاي كارني" إن الانتقادات الدولية للرئيس السوري بشار الأسد تتزايد بسبب أفعاله الشائنة " و" نحن جميعا نراقب بفزع ما يفعله بشعبه".

 


سقوط الأسد في المصيدة:

 لقد وقع نظام بشار الأسد في المصيدة عندما اختار أسلوب هدر الدماء سبيلا للاحتفاظ بالسلطة، فالوضع الذي تمت في جرائم قتل الشعب السوري في حماة سنة 1982 م ومجزرة تدمر وغيرها من الجرائم في ثمانينات القرن الماضي، يختلف عن الوضع الذي تتوق فيه الشعوب العربية للتغيير، وامتلاك زمام أمرها بنفسها في بداية العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين الميلادي، القرن الخامس عشر الهجري، أي بداية الألفية الثالثة الميلادية ومنتصف الألفية الثانية وفق التقويم الهجري. فجرائم نظام بشار الأسد تواجه هذه المرة بهبة شعبية، في حين كانت انتفاضة الثمانينيات حزبية وتحديدا إخوانية. وكان المزاج الدولي في ذلك الحين يميل إلى دعم نظام قمعي موغل في وحشيته وطائفيته، ولا سيما الموقف الفرنسي الذي كان متحالفا مع حافظ الأسد.

 

ورغم تغير الظروف إلا أن النظام السوري ظل رافضا للتطور، ومتمسكا بالمهلكة، فهو لا يرغب في النزول عند إرادة الشعب، ويقدم الحلول التي فات أوانها، وكان بإمكانه تجنب سوء الأحدوثة في التاريخ لو أعلن عنها قبل عدة سنوات، وحتى يتجنب مصير القذافي الذي كان يجرم العمل الحزبي، وعندما سقط نظامه فاجأ ابنه سيف العالم بالدعوة إلى اجراء انتخابات؟!!!

 

كان بإمكان القذافي قبل 6 أشهر أن يجنب ليبيا ما وقعت فيه، وقبل ذلك انقاذ نفسه لو دعا إلى اجراء انتخابات وإقامة مصالحة وطنية حقيقية، وبذلك ندرك معنى التوبة قبل الغرغرة. فالنظام السوري كما هو حال النظام الليبي( القضية = مسألة وقت ) وصل إلى مرحلة الغرغرة ولا رجوع، فقد فات الأوان .

 

لقد تخلى أقرب الأصدقاء عن نظام القمع في سوريا، وفي مقدمتهم تركيا التي قال نائب رئيس وزرائها بولنت أرينج  بعد الأعمال الوحشية التي قامت بها قوات الأسد في حماة " إن الحكومة التي تقوم بهذه الأعمال الوحشية لا يمكن وصفها بالصديقة" وأشار إلى أنه بغير الاصلاحات الحقيقية سينهار نظام الأسد" قلنا لهم سينهارون بغير ذلك، ولم يستفيدوا بأي من هذه الاقتراحات" .

 

سقط نظام الأسد في مصيدة القمع، ومحاصرة حماة واللاذقية وحمص ودير الزور وإدلب ودرعا غيرها بالدبابات في بداية شهر رمضان المبارك، وهو ما تقوم به قوات هي في الأصل لحماية استقلال البلاد وسلطة الشعب فإذا بها تتحول إلى أداة مافياوية في يد عصابة استولت على الحكم بانقلاب عسكري وحافظت عليه على مدى 4 عقود وتزيد بالحديد والنار.

 

الأسد والحل النهائي: من المؤكد أن نظام الأسد بات يدرك أن جميع المناورات في هذا الوقت بالذات باتت عديمة الفائدة، وهو أمام خياران إما التنازل للشعب، والكف عن إراقة الدماء بالتوصل إلى صيغة اتفاق ترضي جميع الأطراف، أو مواصلة إراقة الدماء مفضلا الموت على التنازل للشعب، وهو بالتالي كالفار من حكم بالإعدام فهو لن يستسلم على أمل النجاة ، أو كالمحكومين بالإعدام في العهد الروماني يعطون أنفسهم فرصة للبقاء على قيد الحياة بالقبول بمبارزة الوحوش الضارية. بيد أن النظام السوري وهو يحاول النجاة يزهق أراوح العشرات من أبناء الشعب السوري، وفي انتظار الوحوش الضارية سيذهب آلاف الأبرياء من أبناء الشعب ضحية لشبق السلطة التي يتمسك بها بشار الأسد.

 

وقد بدأت الأمم المتحدة من خلال فريق تابع لها بجمع الحقائق عن جرائم نظام بشار الأسد وتوصل حتى الآن إلى توثيق جرائم ارتكبها ما لا يقل عن 50 مسؤولا في سوريا يمكن محاكمتهم بجرائم ضد الإنسانية. وتفيد التقارير الأممية أن " القوات السورية أطلقت النيران على المحتجين السلميين في أنحاء البلاد ومن مسافة قريبة دون تحذير وقتلت نحو 3 آلاف مدني على الأقل بينهم أطفال تؤكد إصاباتهم بأنها تتسق مع سياسة اطلاق النار بهدف القتل" ومن الفظائع التي ترويها التقارير الأممية" وضع جرحى في ثلاجات الموتى إلى أن يفقدوا الحياة" ويقول تقرير مجلس حقوق الانسان التابع للأمم المتحدة أنه " تم استخدام دبابات وقنابل وقناصة وأسلحة ثقيلة وطائرات هيلوكوبتر في العدوان الذي يستهدف سحق المعارضة لحكم بشار الأسد" كما يشير التقرير إلى مقابر جماعية. ومعنى ذلك دخول سوريا في دائرة العقوبات المنهكة، والمطالبة بتسليم المتهمين بارتكاب جرائم حرب ضد الانسانية إلى المحكمة الجنائية، إلى حين التدخل العسكري، لا سيما في ظل حديث عن اختلافات في وجهات النظر داخل العلويين أنفسهم والتي تمخض عنها اغتيال وزير الدفاع  علي حبيب في ظروف غامضة، وقيل أن الوفاة كانت طبيعية، بينما جاءت بعد أيام قليلة من إقالته من قبل بشار الأسد.

 

ومما يعزز الاعتقاد باختيار نظام الأسد للحل النهائي على طريقة، سيف القذافي" طز في المحكمة الدولية" ما أعلنه المدعي العام بالمحكمة الجنائية الدولية، لويس أوكامبو، وهو تلقيه تقارير عن فضائع ارتكبتها قوات نظام بشار الأسد ضد المتظاهرين " مجلس الأمن يستطيع إحالة الوضع في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية إذا اعتبر أن العدالة يمكن أن تسهم في احلال السلام والأمن في هذا البلد". كما دعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا بشار الأسد للتنحي وقالت في بيان مشترك إنها " تؤيد فرض عقوبات جديدة من جانب الاتحاد الاوروبي للمساعدة في وقف إراقة الدماء"

 

الحل النهائي الذي اختاره نظام بشار الأسد، يقود إلى عقوبات أوروبية وأمريكية وحظر نفطي، وحظر سفر المسؤولين السوريين، وتجميد الأصول المالية، فقد أعلنت مفوضة الشؤون الأمنية والعلاقات السياسية بالاتحاد الاوروبي كاترين آشتون أن " تصاعد القمع ضد المتظاهرين السلميين والاستخدام المتزايد واسع النطاق للقوة العسكرية العشوائية أظهر افتقاد النظام السوري للشرعية والحاجة لتنحي الأسد". ومرة أخرى يلجأ الأسد للحل النهائي، من خلال الكذب ومحاولة خداع الرأي العام العالمي بإخفاء الحقائق أو قلبها أو صنع واقع مزيف يخفي واقعا حقيقيا دمويا وتراجيديا بكل المقاييس. لكن أبشع ما وصلت إليه مسيرة الحل النهائي التي قاربت على نهايتها بإعلان فشلها، هو إطلاق النار على المآذن ومهاجمة المصلين في المساجد والإلحاد " لا إله إلا بشار" و" لا إله إلا ماهر"( هذا القول المتهالك يشرح عقيدة شركية تقول الاثنين والثلاثة واحد)  تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

 

 وكان الالحاد وادعاء الالوهية مقدمة لزوال سلطان فرعون مصر، واسكندر المقدوني، والملك ( أكبر ) في الهند، وكثير من الطغاة في التاريخ ، كما أغرق سيل الدماء وإزهاق الأرواح البريئة طغاة كثيرون منهم بوبالة، وزعماء الخمير الحمر، بوكاسا، ونيرون، أما بشار الأسد فقد جمع بين الاثنين سفط الدماء وادعاء الألوهية.