كيف نحصن البرلمان المقبل في مصر من الطعون؟
26 ذو الحجه 1432
همام عبدالمعبود

اتفق خبراء مصريون متخصصون في القانون على ضرورة وأهمية تحصين المجالس التشريعية (الشعب والشورى) المقبلة، وبصفة خاصة مجلس الشعب، ضد أية طعون مُحْتَمَلة في صحة عضوية أعضائه، لكونه المجلس الأهم في تاريخ مصر، مؤكدين أن الاحتمالات الأقوى للطعون يتوقع أن تكون بسبب "منح المصريين بالخارج حق التصويت دون سند قانوني"، أو "منع/منح أعضاء الوطني من الترشح وفقًا لحكم محكمة القضاء الإداري بالمنصورة، أو وفقًا لحكم المحكمة الإدارية العليا".

 

وأوضح الخبراء، في تصريحات خاصة لموقع "المسلم"، أن "الطريق القانوني لتحصين البرلمان القادم من الطعن عن صحته، يكون بإدراج نصوص واضحة ومحددة في الإعلان الدستوري، تبيح حق المصريين بالخارج في التصويت، وتلغي شرط الإشراف القضائي في حالتهم، وتمنح القناصل والسفراء المصريين بالخارج حق مراقبة الانتخابات لفترة محددة"، مؤكدين على ضرورة أن يتم ذلك "بموجب مرسوم بقانون من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، بوصفها الحاكم في البلاد خلال المرحلة الانتقالية".

 

وكشف الخبراء القانونيون عن أنه "كان ينبغي حل الحزب الوطني، الذي أفسد الحياة السياسية في مصر، بموجب تشريع قانوني يصدر من مجلس الشعب، أو بموجب مرسوم بقانون يصدره المجلس العسكري الحاكم في البلاد، وليس بموجب حكم قضائي"؛ مشيرين إلى خطأ صدور حكم من المحكمة الإدارية العليا بحله، لأن الأحكام القضائية تنبني على اجتهادات فردية للقضاة، والقضاة هم في النهاية أفراد، تختلف مشاربهم وآراؤهم" وهو ما يفسر إصدار قاضي في المنصورة حكمًا بمنع الفول من الترشح، ثم بعدها بأيام يصدر قاضي آخر في الإدارية العليا حكمًا بالمنح وإلغاء المنع!.

 

وفي محاولة منه؛ للوقوف على حقيقة المخاوف التي تتردد حول إمكانية قيام البعض بالطعن على صحة عضوية أعضاء البرلمان المقبل، والسبل القانونية لتحصينه من هذه الطعون، التقى موقع "المسلم" كلاً من: المستشار أحمد مكي، النائب السابق لرئيس محكمة النقض، والمستشار محمود الخضيري، النائب السابق لرئيس محكمة النقض، أحد قيادات تيار الاستقلال، والرئيس السابق لنادي قضاة الإسكندرية، والدكتور أحمد أبو بركة، المستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة، والنائب السابق في برلمان (2005 - 2010) عن جماعة الإخوان المسلمين... فكان هذا التحقيق:

 

مطلوب تشريع أو مرسوم ليس حكمًا

في البداية، يشير الخبير القانوني المستشار أحمد مكي، النائب السابق لرئيس محكمة النقض، إلى ضرورة أن يسبق قرار الحكومة بالسماح للمصريين المقيمين بالخارج بالتصويت في الانتخابات التشريعية المقبلة، صدور إعلان دستوري يبيح للمصريين المقيمين بالخارج حق التصويت في لجان انتخابية تُعقد بمقار السفارات والقنصليات المصرية بالخارج أمام الدبلوماسيين.

 

ويقول المستشار أحمد مكي، في تصريحات خاصة لموقع "المسلم": "كما أؤكد على ضرورة النص في هذا الإعلان الدستوري على إلغاء الإشراف القضائي، لعدم القدرة. لأن النص القانوني اشترط أن يُشرف على الانتخابات قضاة، وأن يكون رؤساء اللجان الفرعية أعضاء في هيئة قضائية، ومن ثم لابد من إلغاء هذا النص في حالة تصويت المصريين المقيمين بالخارج، لنضمن تحصين هذه الخطوة من أية طعون محتملة مستقبلاً في صحة النتائج التي ستسفر عنها الانتخابات بدعوى وقوع مخالفة في تصويت المصريين المقيمين بالخارج".

 

وأضاف المستشار مكي: "أما بخصوص التخوف من الطعن في صحة عضوية المجلس القادم بسبب منع أو منح فلول الحزب الوطني المنحل حق الترشح في الانتخابات التشريعية، بعد صدور حكم محكمة القضاء الإداري في المنصورة بمنع ترشحهم، أو بعد صدور حكم المحكمة الإدارية العليا في الطعن المقدم على حكم المنصورة بإبطال الحكم ومنحهم حق الترشح، فأود أن أوضح بداية أن شروط الترشح في الانتخابات محددة ومعلومة، ومنصوص عليها في القانون، وليس من بينها شرطًا يقول (على ألا يكون عضوا للحزب الوطني)".

 

واعتبر المستشار مكي أنه "ما كان ينبغي من الأساس صدور حكم المحكمة الإدارية العليا بشأن الحزب الوطني، (في 16 أبريل 2011م، بحل الحزب الوطني الديمقراطي وتصفية أمواله وأيلولتها إلى الدولة)، بل كان يجب أن يُحل الحزب ويُلغى من الوجود بموجب تشريع قانوني، يصدر من مجلس الشعب، في الحالة الطبيعية، وفي حالتنا الطارئة كان يجب أن يُصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بوصفه الحاكم في البلاد، في هذه المرحلة الانتقالية، مرسومًا بقانون بحل الحزب نهائيًا"؛ مؤكدًا على أن "الفساد لا ينصرف من المؤسسات إلى الأفراد، وهذا ما أحدث اللبس لدى الكثيرين".

 

وتابع مكي، النائب السابق لرئيس محكمة النقض مكي قائلا: "حتى قانون العزل السياسي لابد أن يصدر إما بتشريع قانوني من مجلس الشعب، أو بمرسوم بقانون من المجلس العسكري، حتى يكون محصنًا من الطعن عليه مستقبلاً"، معتبرًا أن هذه "كلها متاهات أدخلنا فيها عدم صدور تشريعات قانونية تحقق رغبات جماهير الثورة، والحل كان لا بد أن يكون بتشريع قانوني أو بمرسوم بقانون، وليس بأحكام قضائية، لأن الأحكام القضائية تنبني على اجتهادات فردية للقضاة، والقضاة هم أفراد تختلف مشاربهم وآراؤهم".

 

سد كل المنافذ المُحْتَمَلَة للطعون

متفقًا مع المستشار أحمد مكي؛ يرى الخبير القانوني المستشار محمود الخضيري، النائب السابق لرئيس محكمة النقض، أن "تحصين أي شيء من الطعن عليه، يكون بالتزام القانون في جميع تصرفاتنا وإجراءاتنا، فالمخالفات معروفة ومنصوص عليها في القانون، ومن الممكن تجنبها وتلافيها".

 

وقال الخضيري، أحد قيادات تيار الاستقلال، والرئيس السابق لنادي قضاة الإسكندرية، في تصريحات خاصة لموقع "المسلم": "بالنسبة للمصريين المقيمين بالخارج، فلا أحد يستطيع منعهم من ممارسة حقهم في المشاركة والتصويت في الانتخابات التشريعية، لأن هذا حق لهم، مقررٌ في القانون، بوصفهم مواطنين مصريين حاملين لجنسية بلادهم، وأيضًا تنفيذًا للحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا بحقهم في التصويت"؛ معتبرًا أن "الباب الذي يمكن الطعن عليه في هذه الحالة هو كيفية أداء هذا الحق".

 

وأضاف الخضيري؛ المُرَشح في انتخابات مجلس الشعب المقبلة، في محافظة الإسكندرية: "لكن من الممكن تحصين هذا الأمر، بأن يُنَصَ في الإعلان الدستوري على إعطاء القناصل والسفراء المصريين، العاملين في سفاراتنا في الخارج، حق مراقبة الانتخابات التشريعية، على أن يُنَصَ أيضًا على منحهم هذا الحق خلال مدة محددة، منذ بدء التصويت في الانتخابات وحتى وضع دستور جديد للبلاد"؛ مشيرًا إلى أنه "بعدها سيقوم الدستور بدوره في مراقبة كل هذه الأمور، فيسمح بالإبقاء عليها أو إلغائها".

 

واختتم المستشار محمود الخضيري، النائب السابق لرئيس محكمة النقض حديثه قائلاً: "الطعون لكي تقبل لابد أن يكون لها أسباب ومبررات قانونية، والمطلوب منا كمصريين حريصين على تحصين المجلس المقبل، أن نعمل على سد كل هذه المنافذ والأبواب المفتوحة والمحتملة للطعون"؛ موضحًا أن "عمر المجلس المقبل قصير، ولن يزيد عن عامين أو ثلاثة أعوام في أكثر الأحوال، وبعدها سيحل المجلس نفسه، تمهيدًا لإجراء انتخابات تشريعية جديدة، على ضوء الدستور الجديد، الذي سيكون قد تم الانتهاء منه، وأصبح هو الحاكم الفعلي لكل تصرفاتنا القانونية".

 

فتح الباب للطعون في صحة العضوية!

ومن جهته، يعتبر الخبير القانوني الدكتور أحمد أبو بركة، المستشار القانوني لحزب الحرية والعدالة أن "فكرة البحث عن حصانة للمجلس القادم هي فكرة غير صحيحة، والتخوف من الطعن في صحة عضوية المجلس القادم في غير محله، مشيرًا إلى أن من يقولون إن المجلس القادم مهم ومستهدف من قبل الكثيرين، أرد عليهم بأن كل المجالس مهمة، وكلها كانت وستكون مستهدفة، وطالما أن المسائل ينظمها القانون والإجراءات القانونية الصحيحة فلا يجب أن نخاف".

 

ويقول أبو بركة، في تصريحات خاصة لموقع "المسلم": "الأفضل في النظام الدستوري الجديد أن يُفتح باب الطعون في صحة العضوية، بعد إعلان النتائج النهائية للانتخابات، من قبل اللجنة القضائية العليا للانتخابات، ولمدة شهرين مثلاً، ليتقدم من لديه مستند بطعنه للجنة القضائية، وبعد انتهاء هذه المدة، يغلق باب الطعون، ولا يُسمح لأحد بالطعن، ولا تُقبل أية طعون بعد ذلك".

 

ويضيف أبو بركة؛ النائب السابق في برلمان (2005 - 2010) عن جماعة الإخوان المسلمين: "لتبدأ بعدها عملية فحص الطعون، وتأخذ وقتها المحدد ثم تعلن اللجنة القضائية العليا للانتخابات الكشف النهائي بأسماء الأعضاء الجدد في البرلمان، ممن لا يوجد شائبة قانونية على صحة عضويتهم، ليبدأ البرلمان في ممارسة مهامه باطمئنان محصنًا من أية طعون في صحة العضوية".

 

ويختتم أبو بركة قائلاً: "نحن إذن بحاجة إلى تنظيم دستوري، من خلال وضع نص في الإعلان الدستوري، يُرسم خارطة الطريق واضحة تضمن تحصين المجالس التشريعية القادمة من أية طعون محتملة في صحة عضوية أعضائه، بحيث لا تنعقد المجالس النيابية ولا تبدأ في ممارسة مهامها إلا بعد انتهاء كل مراحل وخطوات وإجراءات الطعون، وصدور الكشف النهائي من اللجنة القضائية العليا للانتخابات. معتبرًا أن "هذا هو الطريق العملي لضمان تحصين المجلس القادم ضد الطعون".
ـــــــــــــــــ