"منجم أسرار القذافي".. ما الذي ينتظره في ليبيا؟
28 ذو الحجه 1432
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

إصرار شديد أبدته الحكومة الليبية الجديدة على محاكمة سيف الإسلام القذافي داخل البلاد وليس أمام المحكمة الجنائية الدولية كما يطلب الغرب، هذا الإصرار فسره مسئولون ليبيون وأيضا خبراء قانونيون بأن الحكومة الجديدة تريد أن تحاكم سيف الإسلام أو "منجم أسرار" معمر القذافي بتهم خطيرة قد تصل للإعدام في حين أن المحكمة الدولية لا تأخذ بعقوبة الإعدام بل أن العديد من الدول الغربية ومنظمة العفو الدولية طالبت بمحاكمة عادلة لسيف ولكن في الوقت نفسه دون أن تصل للإعدام رغم كل الجرائم التي ارتكبها هو ووالده بحق الشعب الليبي طيلة 8 أشهر. 

 

وبعد اعتقال نجل العقيد الليبى الراحل معمر القذافى على يد الثوار قبل أسبوعين، بدا أن هناك نزاعاً بين السلطات الليبية الجديدة والمحكمة الجنائية الدولية حول مكان محاكمته، هذا النزاع فصلت فيها الحكومة أخيرا بالتأكيد على أن محاكمة سيف الإسلام ستكون في ليبيا وأنها لن تقبل بانتهاك سيادتها موجهة في الوقت نفسه الدعوة إلى المنظمات الدولية والمحلية إلى حضور محاكمته.

 

هذا التأكيد تلاه إعلان المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية لويس مورينو أوكامبو بأنه يمكن محاكمة سيف الإسلام داخل ليبيا مادام القضاء الليبي قادرا على تولي المهمة وبشرط تحقيق العدالة الدولية. وكانت المحكمة الجنائية الدولية قد أصدرت هذا العام أمرا باعتقال معمر القذافي ونجله سيف الإسلام ومسئولين آخرين بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثناء قمعهم للاحتجاجات في ليبيا والتي بدأت في منتصف فبراير الماضي للمطالبة بتنحيه.

 

وأثناء إصدار مذكرة التوقيف، واجهت المحكمة الدولية صعوبة في كتابة المذكرة بسبب الدور الغامض الذي لعبه سيف الإسلام أثناء الثورة الليبية، ونصت المذكرة على أن "هناك أسبابا وجيهة تؤدي إلى الاعتقاد بأن سيف الإسلام القذافي، على الرغم من عدم وجوده بمنصب رسمي، هو خليفة معمر القذافي غير المعلن والشخص الأكثر نفوذاً داخل حاشيته، ويتمتع بالسيطرة على أجزاء حاسمة من أجهزة الدولة، بما فيها المالية واللوجستية وصلاحيات رئيس الوزراء".

 

لكن قانونيين تحدثوا لمجلة  "فورين بوليسي" الأمريكية عن أنه رغم الإدانة القوية التي تحملها هذه الكلمات، إلا أنها تخفي الكثير من الثغرات التي يمكن أن يستغلها الفريق القانوني الذي سيدافع عن سيف الإسلام ولا سيما أنها لا تشير إلى ممارسته صلاحيات رسمية في البلاد التي تجعله مسؤولاً عن القرارات التي أعطيت، كما أن وفاة المدعي عليه "الأول والأساسي"، أي معمر القذافي الذي قتله الثوار قبل نحو شهر ، يمكن أن تساهم في تعقيد استراتيجية الادعاء في هذه القضية، فمذكرات الاعتقال ركزت بشكل كبير على دور الوالد، الذي كان صاحب السلطة المطلقة في الدولة الليبية، حيث إن المدعين العامين قد يجدون صعوبة في تقديم بعض الأدلة التي تعتمد بشكل كبير على الممارسات التي قام بها القذافي الأب.

 

هذا يأتي في وقت رأى فيه المراقبون على سبيل المثال أن مقابلة سيف الإسلام في 20 فبراير الماضي على التلفزيون الوطني الليبي قد تكون دليلاً يسرع في عملية الاتهام، حيث قال وقتها: "سوف نقاتل حتى آخر رجل وآخر امرأة وآخر رصاصة"، محذراً من "أنهار من الدماء"، كما وعد حشد من أنصاره بأنه سيقدم لهم السلاح من أجل القتال، كما أنه من الممكن الحصول على إفادات من شهود تثيت مسؤولية سيف الإسلام عن الكثير من الجرائم التي ارتكبها في أثناء الثورة في ليبيا.

 

ورفضت بعض الدول الغربية مثل هولندا محاكمة سيف الإسلام أمام إحدى المحاكم الوطنية، زاعمة أنه من الأفضل أن تتم المحاكمة دوليا، حرصا على الاستقرار والأمن الداخلى فى ليبيا، وتجنب أى أعمال عنف أو انتقام، يمكن أن تنجم عن المحاكمة الوطنية لسيف الإسلام سواء من عناصر الثورة، أو من مؤيدى النظام السابق.

 

وحيث إن سيف الإسلام يعتبر بمثابة "منجم أسرار نظام والده" ، فإن محاكمته قد تسبب بعض الحرج بحسب المحللين لبعض السياسيين البريطانيين السابقين أمثال رئيس الوزراء الأسبق توني بلير، ووزير الأعمال الأسبق بيتر ماندلسون وآخرين ، إذا كشف عن تفاصيل علاقته الودودة معهم.

 

فبلير قد يواجه التحقيقات إذا كشف سيف عن أسرار صفقاتهما، بما في ذلك عقود النفط وإطلاق المدان في قضية لوكيربي عبدالباسط المقرحي، فضلا عن الحرج الذي قد يتسبب به للفرنسيين إذا كشف عن أسرار أخرى، خاصة أن سيف -والذى كان المرشح الأكثر احتمالا لتولى رئاسة ليبيا خلفا لوالده -كان ادعى في وقت سابق أنه مول الحملة الرئاسية للرئيس الفرنسي الحالي نيكولا ساركوزي.

 

كما أن قيام سيف الإسلام بدور مبعوث نظام والده إلى الدول الغربية، بالإضافة إلى أنه فى عامى 2002 و 2003 ساعد كوسيط فى الاتفاقية التى شهدت تخلى ليبيا عن برامجها لامتلاك أسلحة دمار شامل والتى تعتبر بداية رحلتها فى العودة إلى الساحة الدولية، تعد من بين الأمور التى تؤكد على امتلاك سيف الإسلام لمعلومات موثقة عن العلاقات والاتفاقات السرية التى قام بها نظام والده مع الدول الغربية.