الحكومة التونسية.. الأولوية للإقتصاد
12 صفر 1433
عبد الباقي خليفة

بعد منح المجلس التأسيسي ،الذي أفرزته انتخابات 23 أكتوبر الماضي،( 217 عضوا )  ثقته في حكومة رئيس الوزراء حمادي الجبالي( 62 عاما ) تكون الدولة التونسية قد استكملت بناء مؤسساتها الشرعية،التشريعية والتنفيذية، حيث فازت الحكومة الجديدة بثقة 154 عضوا من أصل 217 عضوا واعترض عليها 38 نائبا واحتفظ 11 نائبا بصوته، وتلك طبيعة العمل الديمقراطي، الذي لا يستقيم بدون معارضة حقيقية.

 

وتتكون حكومة الجبالي من 29 وزيرا و12 كاتب دولة. وكما ذكرت" المسلم" في وقت سابق حصلت النهضة على رئاسة الوزراء، وعدد من وزارات السيادة، مثل الداخلية، (علي العريض)، والخارجية، (رفيق عبدالسلام)،والعدل، (نور الدين البحيري)، ووزارة حقوق الانسان والعدالة الانتقالية،( سمير ديلو)، والصناعة والتجارة،(محمد الأمين الشخاري)، ووزارة الصحة، (عبداللطيف مكي)،ووزارة الاستثمار والتعاون الدولي، ( رياض بالطيب)، ووزارة النقل، ( عبدالكريم الهاروني)، ووزارة التكنولوجيا والاتصالات،( منجي مرزوق)،ووزارة التجهيز (محمد سلمان)، ووزارة التنمية والتخطيط ، (جمال الدين الغربي)،ووزارة الزراعة، (محمد بن سالم )،بالإضافة لوزارة التعليم العالي، (البروفيسور المعروف منصف بن سالم)، وعدد من الوزرات الأخرى التي تقلدها مقربون جدا من النهضة .وحصل المؤتمر من أجل الجمهورية، والتكتل من أجل العمل والحريات، على 4 وزارات لكل منهما.

 
النجاح أو النجاح:
تجد حكومة حمادي الجبالي ( مهندس في الطاقة الشمسية) نفسها في الوضع الذي وجد فيه جيش طارق بن زياد نفسه عند فتح الأندلس، بعد أن أحرق قائده الفذ السفن" البحر من ورائكم والعدو أمامكم ...." فالحكومة بين خيارين النجاح أوالنجاح، فهناك عام أو 18 شهرا لتحقيق تقدم في جميع الملفات المطروحة وفي مقدمتها الاقتصاد، والوضع الاجتماعي، وحل مشكلة البطالة. وهناك معارضة تتمنى فشل الحكومة بل تسعى لافشالها من خلال وقوف بعض فصائلها وراء الإعتصامات التي لا تكاد تنتهي، ومعارضة كل شئ، السياسات، والبرامج، بل والأشخاص.

 

وقد سعى رئيس الوزراء حمادي الجبالي في كلمته أمام، المجلس التأسيسي، بعد تسميته يوم الخميس 22 ديسمبر2011 م على رأس أول حكومة ديمقراطية نابعة من الشعب في تاريخ تونس، إلى انتهاج سياسة وفاقية، من خلال تأكيده حرص"الحكومة على جمع كلمة التونسيين وتوحيد صفوفهم حتى تستطيع مواجهة التحديات المطروحة " وأعلن عن طرق مغايرة في العمل السياسي، لم يعهدها التونسيون والعرب من قبل" الالتزام بروح المسؤولية في تحمل مهام شؤون الوطن يحتم توخي الصراحة والشفافية والوضوح والتشاورمع الشركاء والاستماع إلى الشعب مع تشريك المجتمع المدني من أجل التقدير الموضوعي لأوضاع البلاد والتشخيص الدقيق لمجمل المشكلات الهيكلية والظرفية الموروثة عن النظام البائد بهدف رسم معالم السياسات المناسبة والقطع النهائي مع حقبة الاستبداد".

 

وأشار رئيس الوزراء، في حديث مع "المسلم" إلى أن نجاح القيادة هو نجاح لتونس وكل التونسيين" جميع التونسيين يوجدون في هذه الفترة الحرجة في مركب واحد وليس أمامهم من خيار غيرالنجاح " وأكد " سننجح جميعا وستكون تونس أكثر قوة ومناعة". وأعلن القطع نهائيا مع سياسات التهميش. وركز على أن حكومته ستعمل على" بناء الثقة بين السلطة والشعب وتحصين الحريات الفردية والعامة".

 

وتحدث عن الدستور الدائم لتونس، والذي سيقر" نظام الجمهورية المدنية الديمقراطية المتأصلة في هويتها العربية الإسلامية المنفتحة على العالم، جمهورية تستفيد من الانسجام الديني والثقافي والسياسي الذي يميز الشعب التونسي.

 

وأوضح الجبالي بأن "الحكومة ستعمل على استرجاع حقوق عائلات الشهداء والجرحى من أبناء الثورة وضحايا الاستبداد وجبر الأضرار ورد الاعتبار والاعتراف بما قدموه للوطن".

 

الإقتصاد أولوية:
تحدث الجبالي عن برنامج حكومته الجديدة في المجال الإقتصادي، ودفع وتنشيط الإستثمار الداخلي والخارجي وتشجيع المبادرات والأفكار الخصبة وتفعيل وتوسيع مراكز التكوين وربطها بحاجيات السوق والإحاطة بالباعثين الشبان عبرآليات وسياسات تأخذ بأيديهم وتحفيز المؤسسات والحرفيين على انتداب  وتأهيل العاطلين مع تحمل الدولة منح تكوينهم حتى يقع إدماجهم في الدورة الإقتصادية وتمكينهم من بعث المشاريع الصغرى المحلية والجهوية بمنحهم قروضا. وبين الجبالي أن الحكومة ستعتمد خطة لايجاد فرص عمل ضمن العائلة المنتجة وتحقيق هدف الدخل لكل عائلة مع إعطاء الأولوية للعائلات المعوزة وايجاد آليات لترويج منتجاتها موضحا أن الدولة ستساهم في جهود التشغيل باحداث ما بين 20 و25 ألف موطن عمل في الإدارة العمومية مع استثمار فرص العمل في الدول الشقيقة والصديقة، ليبيا ودول الخليج وأوربا وذلك عبر رصد حاجيات أسواقها بإنشاء قاعدة بيانات لطلبات العمل فيها وتسخير جهود وإمكانات الوكالة التونسية للتعاون الفني للاستجابة لهذه المطالب مع التأكيد على استيعابهم في الدورة الإقتصادية عند الرجوع للوطن.

 

وشدد رئيس الحكومة على أن الدولة ستعمل على الضغط على الأسعار ومراقبتها وإحكام مسالك التوزيع ،على أن تتدخل الدولة عند اللزوم لتعديل السوق وخاصة في المواد الأساسية مع ترشيد الإستهلاك للحد من مديونية العائلة التونسية.إلى جانب الحرص على دعم المقدرة الشرائية للمواطن ، مع ضمان التوازنات المالية العامة للبلاد يحتم تعميق النظر مع الأطراف الإجتماعية المعنية بالزيادات في الأجور أو الاقتطاع من أيام العمل في إطار المفاوضات الاجتماعية .

 

وأبرز أهمية إرساء عقد اجتماعي جديد يرتكز على الشراكة الوطنية بين كافة الأطراف الاجتماعية يمكن من ارساء سلم اجتماعية متينة ودائمة للنجاح في كسب رهانات المرحلة الجديدة مقترحا في هذا السياق إنشاء مجلس وطني للعقد الاجتماعي برئاسة شخصية وطنية مشهود لها بالكفاءة يتولى إدارة الحوار والتواصل بين مختلف الفيئات الاجتماعية قصد التوصل إلى وفاق وطني.

 

الوضع الاجتماعي أولوية:
 لم يغفل رئيس وزراء تونس الجديد حمادي الجبالي، الوضع الاجتماعي في برنامج حكومته التي" ستعمل على تعزيز الإحاطة بالعائلات المعوزة والفاقدة للسند من خلال الترفيع في المنحة الشهرية المخصصة لها لتستجيب لحاجياتها المعيشية الضرورية وأيضا من خلال الزيادة في عدد المنتفعين بهذه المنحة لتصل إلى حدود 235 ألف عائلة أي بزيادة 50 ألف عائلة، مع تمتيعها ببطاقات العلاج والدواء المجاني وتنويع مصادر هذا الدعم بفتح وتشجيع باب العمل الخيري والإغاثي وصناديق الزكاة ودعم الجمعيات التنموية إضافة إلى الجهد الاجتماعي للدولة. وحذر من تداعيات التوترات السياسية والأمنية عقب الثورة وتعطل آليات الانتاج وتراجع الاستثمار الخارجي وانكماش الاستثمار الداخلي وضعف أداء القطاع السياحي زاد من حدة الوضع.ورغم تأكيده على الحق في التظاهر والاحتجاج السلمي والحق في الإضراب إلا إنه عبر عن رفض حكومته المس بالممتلكات الخاصة والعامة وتعطيل حياة الناس وإرباك الوضع العام وتعطيل المرافق العمومية مثل قطع الطرقات وإحراق المصانع والمؤسسات والاعتصامات غير المبررة مؤكدا عزم الحكومة على توفير الأمن على قاعدة احترام القانون وحقوق الانسان.

 

وتطرق للمناطق الداخلية التي ستكون على رأس أولويات منوال التنمية. إضافة لمراجعة الخدمات الصحية وتوسيع المستشفيات ، وتعبيد الطرق الزراعية وتوسيع شبكات المياه والغاز وتوفير الماء الصالح للشراب لجميع المواطنين دون استثناء. وتطوير المنظومة التربوية وإصلاح القضاء وجميع المؤسسات التي نخرها الفساد في الحقبة الماضية. وزيادة الترويج السياحي.

 

عدد من الوزراء الجدد أبدوا استعدادهم للعمل بكل تفان من أجل انجاح برنامج الحكومة وقال وزير الداخلية علي العريض، سيتم تقديم جميع الملفات ذات الأولوية في الوقت المناسب"وقال وزير الفلاحة محمد بن سالم" من أهم الاولويات أن تستعيد وزارة الزراعة مكانتها وسنعمل على مقاومة الفساد وتغيير العقلية الشجعة حيال المال العام" وقال العالم الفيزيائي منصف بن سالم وزير التعليم العالي والبحث العلمي"شكلت الحكومة وفق مقايسس عالية الدقة وتضم طاقات مشهود لها بالكفاءة وبالنسبة لوزارة التعليم العالي سأسعى لاعادة إشعاع الجامعة ... سنقوم بمراجعة البرامج التعليمية صلب الجامعة"

 

علاقات تونس الخارجية:
 يعطي حمادي الجبالي الأولوية للأقربين في العلاقات الدولية ويعتبر ، تطوير العلاقات مع الدول المغاربية من أولى أولويات السياسة الخارجية لتونس، ولا سيما مع الجارتين الجزائر وليبيا، وتمتين صلات تونس بأشقائها العرب وتنشيط علاقتها بالاتحاد الاوروبي والأمريكيتين فضلا عن الفضاء الاسلامي والافريقي والانفتاح على القوى العالمية والاقليمية الصاعدة مثل تركيا والصين والهند والبرازيل وغيرها في إطار الإحترام المتبادل وخدمة المصالح المشتركة.
وشدد على أن تونس ستعمل على دعم القضية الفلسطينية والدفاع عن أشقائها وحقهم المشروع في استعادة أرضهم وبناء دولتهم وعاصمتها القدس الشريف.وذلك تحقيقا لأهداف الثورة التي كان من بين هتافاتها" الشعب يريد تحرير فلسطين" ووفاءا لأجيال من أبناء الحركة الوطنية الذين ظلوا أوفياء للقضية الفلسطينية ولكن يد العمالة قامت بتصفيتهم بالابعاد أو القتل أو التضييق والتهميش.