برلمان تاريخي لمصر لم تشهده طوال 30 عاما
3 ربيع الأول 1433
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

جلسة تاريخية تلك التي شهدها البرلمان المصري أو برلمان الثورة يوم الإثنين وكانت الأولى بعد الثورة وبعد انتخابات حقق فيها الإسلاميون فوزا كاسحا على حساب الأحزاب الليبرالية والعلمانية.. وشهد هذا البرلمان مع انعقاده مفارقات عديدة مقارنة ببرلمان 2010 الذي هيمن عليه الحزب الوطني المنحل لرئيسه المخلوع حسني مبارك، أهمها اختيار أحد كوادر جماعة الإخوان المسلمين (المحظورة سابقا) التي كان لحزبها الحرية والعدالة نصيب الأسد في عدد مقاعد مجلس الشعب يليه حزب النور السلفي.

 

فقد فاز الدكتور محمد سعد الكتاتني أمين عام حزب الحرية والعدالة برئاسة البرلمان بحصوله على 399 صوتاً ليخلف الرئيس التاريخي للبرلمان المصري الدكتور أحمد فتحي سرور، الذي يمضي حاليا عقوبة الحبس الاحتياطي في سجن "ليمان طره" لاتهامه في قضايا قتل المتظاهرين والفساد السياسي.

ويعتبر الكتاتني أول مسؤول ينتمى لجماعة الإخوان المسلمين يحصل على منصب رفيع ورسمى في الدولة المصرية منذ إنشاء الجماعة عام 1928 ولم يدخل السجن ولو مرة واحدة في حياته رغم التاريخ المرير للصراع بين الإخوان والدولة الذي كان عهد مبارك هو الأشرس فى تاريخ العلاقة بينهما، والذي دخل فيه أغلب قيادات وأعضاء الجماعة السجون ولكن هاهم الآن داخل المجلس الشعب يحتلون أماكن قيادات الوطني الفاسدين واللصوص الذين طالموا استخدموا هذا المجلس لاستغفال الشعب وسرقته.

وفور انتخابه رئيا للبرلمان تعهد الكتاتني في كلمته بعدما اعتلى منصة رئاسة البرلمان باستمرار الثورة والقصاص للشهداء بمحاكمات عاجلة وفعالة وسريعة، واعدا أيضا  بالتزام المنصة الحياد وعدم الانحياز لطرف ضد آخر، كما شكر الجيش المصري والمجلس الأعلى للقوات المسلحة الذي أنجز وعده بإجراء انتخابات يشهد بها العالم، وطمأن القوى السياسية بأن تشكيل الجمعية التأسيسية لصياغة الدستور سيكون معبّراً عن كل الأطياف.

 

وقبل اختيار الكتاتني رئيسا للبرلمان شهدت الجلسة الأولى عدد من المشادات بين الأعضاء إلا أنها لم تفسد أجوار الديمقراطية التي يعيشها المصريون حيث إن عدد من النواب من مختلف الاتجاهات لم يلتزموا بنص اليمين الدستورية لأعضاء البرلمان، فعلى سبيل المثال أضاف النائب السلفي ممدوح إسماعيل جملة للنص تقول "بما لا يخالف شريعة الله"، ما أدى لاعتراض الرئيس المؤقت للمجلس الدكتور محمود السقا بمطالبة النائب الالتزام بالنص، وسط رفض من "إسماعيل"، قبل أن يستسلم لرغبة عدد من النواب لإقناعه بالعدول عن رأيه، وقد تبعه عدد من النواب السلفيين في ذلك.

 

كما تمسك نائب شاب وهو زياد العليمي، من ائتلاف شباب الثورة، بإضافة جملة أخرى لنص القسم مفادها، "والحفاظ على دم الشهداء وأهداف الثورة"، الأمر الذي دفع رئيس الجلسة لمطالبة جميع النواب بالالتزام بنص القسم، فيما التزم نواب الإخوان بنص اليمين حفاظاً على التقاليد البرلمانية .

 

وأثار أحد أعضاء مجلس الشعب جدوى قسم اليمين الدستورية في ظل عدم وضع دستور جديد للبلاد، حيث قال أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على سلامة الوطن والنظام الجمهوري.. حتى الآن لم يتضح لنا ما سيقرره الدستور، إن كان جمهوريا أو برلمانيا أو مختلطا»، لكن الرئيس المؤقت للمجلس قاطعه، قائلاً إنه بحسب اللائحة الداخلية للمجلس لا يجوز للعضو أن يناقش أي قضية قبل أداء قسم اليمين.

 

وكان لافتاً أن ارتدى عدد من النواب أوشحة صفراء كتب عليها لا للمحاكمات العسكرية، ورفع نواب آخرون لافتات كتب عليها (استكمال أهداف الثورة ومحاسبة المعتدين على المتظاهرين) و(شهداء الثورة شكراً لن نبيع دماءكم) و(يجب محاكمة المخلوع محاكمة سياسية ثورية).

وفي مشهد اختلف تماما عن افتتاح جلسات البرلمان في الأعوام الماضية إبان حكم الرئيس مبارك حيث كان لا يستطيع أي مصري الاقتراب من مقر البرلمان وإلا يكون مصيره الضرب أو القتل، احتشد آلاف المواطنين أمام البرلمان لاستقبال النواب الجدد، مرددين الأناشيد الوطنية، ورافعين لافتات تطالب النواب بتحمل المسئولية الوطنية، واستكمال أهداف الثورة، مذكرين إياهم بأنهم أول ثمار الثورة والديمقراطية، وأنهم يجب أن يتحملوا مسئولياتهم في استقرار الأوضاع في مصر.

 

وطالب المحتشدون النواب بإصدار التشريعات التي تخدم الوطن والمواطنين، بحيث تحفظ حقوقهم وتصون كرامتهم، لاسيما معالجة قضايا الأجور والبطالة، وتطهير المؤسسات والجهاز الحكومي للدولة من الفساد، فضلاً عن الاهتمام بالخدمات الصحية والتعليمية، ومعالجة ارتفاع الأسعار.

المعارضون أيضا احتشدوا أمام مقر مجلس الشعب الذي طوقته قوات الأمن دون تدخل أو إرهاب ورددوا هتافات منددة بالمجلس العسكري وفي بعض الأحيان بالبرلمان نفسه.

 

وفي مشهد آخر لم يعتاد عليه المصريون داخل مجلس الشعب الذى كان مكانا لاصدار قرارات تخدم مصلحة اشخاص معينة دون النظر الى الشعب ، وقف النائب الإخواني أكرم الشاعر ليتحدث بعفوية عن الظلم الذى عانى منه المصريون ، وواجب القصاص للشهداء والمصابين بأسلوب غلب عليه العاطفة ووصلت كلماته الى قلوب كل المصريين ، وبكى وبكى معه كل من سمعه، أبكى الجميع خاصة عندما تحدث بلسان كل المظلومين والذين قهروا أيام النظام السابق، لأنه شاهد عيان مطالبا بوقف المحكمة الهزلية لمبارك واعوانه ومحاكمتهم بطريقة عادلة.

 

وينتظر المصريون الآن بعد مرور عام على الثورة من نواب البرلمان الجديد مساعدتهم في استكمال وتحقيق مطالب ثورتهم وخروج المجلس العسكري من السلطة  وإعداد دستور واختيار رئيس جديد لتبدأ مصر عهدا جديدا تنسى من خلاله عصر الظلم والقهر والاستبداد.