كازاخستان.. في انتظار ربيعها
19 ربيع الأول 1433
ايشان تارور

ترجمة: حسن شعيب

خلال عطلة نهاية الأسبوع الفائت, شهدت ألماتي, العاصمة السابقة لكازاخستان والمدينة التجارية الرئيسية, تجمع 500 شخص في مسيرة احتجاجية, مطالبين بالتغيير الديمقراطي في بلادهم التي يحكمها نفس الرجل منذ استقلالها في العام 1991, بعدما خرجت من تحت أنقاض انهيار الاتحاد السوفيتي، ومنتقدين الانتخابات البرلمانية الأخيرة؛ حيث ثم إقصاء المعارضة السياسية بشكل كامل تقريبا.. بدا الأمر في البداية كما لو أن السلطات سمحت للاحتجاجات بالاستمرار, لكن سرعان ما أتى الرد, فزُجَّ بثلاثة من المعارضين البارزين إلى السجن.

 

على مدى عقدين, لم يعانِ نظام الرئيس الكازاخستاني نور سلطان نزارباييف, المدعوم بثروة البلاد النفطية الهائلة واحتياطي الغاز الطبيعي, من معارضة قوية, لكنه الآن يواجه أحد أكبر تحدياته وأصعب تجاربه, بعد تطور الأحداث, في ديسمبر, حينما اشتبك العمال في مدينة جانزوين النفطية الغربية مع قوات الأمن, وسقط حوالي 17 قتيلا في أسوأ حملة للقمع في تاريخ البلاد القصير, فيما قالت منظمة "هيومان ريتس وتش": إن بعض المتظاهرين الذين تم اعتقالهم تعرضوا للتعذيب والضرب والذي قد يكون أسفر عن وقوع بعض الوفيات غير المؤكدة.

 

ويبدو أن المظاهرة بدأت احتجاجًا على الأجور التي تدفعها شركات الدولة، إلا أنها سرعان ما اتخذت بعدا سياسيا متشددا وصارخا, وفي الوقت الذي تبذل فيه الجهود للتحقيق في تقارير وحشية لقوات الشرطة وإخفاقات الإدارة المحلية في مدينة جانزوين, أشار نظام نزارباييف أيضا بأصابع الاتهام إلى عناصر مؤيدة للديمقراطية في المجتمع المدني, ووسائل الإعلام وبعض السياسيين، باعتبارهم عوامل تخريب وإثارة للشغب والفتنة, ومن ثم كانت عملية الاعتقالات التالية للعديد من الإعلاميين والصحفيين والمنتقدين للحكومة لاستجوابهم في هذا الصدد.

 

وقد ارتفعت حدة التوتر فحسب عقب الانتخابات التشريعية التي جرت في وقت سابق من شهر يناير, بينما ما زال نزارباييف, والذي أعيد انتخابه رئيسا للبلاد في إبريل الماضي بنسبة تصل تقريبا إلى 100 % من التصويت, يدافع هو وآخرون في القيادة الكازاخستانية عن نموذجه للتعددية الديمقراطية المفترضة, والتي يعتبرها المراقبون مجرد صورة رمزية: حيث تصدر حزب "نور أوتان" التابع لنزارباييف في الانتخابات بنسبة 81 %, وحصل حزبين آخرين موالين للحكومة على حفنة من المقاعد البرلمانية.

 

وفي الوقت الذي ذكرت فيه التقارير أن صناديق الاقتراع كانت ممتلئة لصالح المرشحين الموالين للحكومة, قال بعض المراقبين, الذين يمثلون منظمة التعاون والأمن في أوربا والمنظمة التابعة للأمم المتحدة لدعم الديمقراطيات الناشئة, أن الانتخابات "لم ترق للمبادئ والإجراءات الأساسية في الانتخابات الديمقراطية", ويبدو أن التعددية السياسية الحقيقة بعيدة عن كازاخستان, لسنوات وربما لعقود, كما هو الحال في كثير من دول آسيا الوسطى.

 

طوال فترة حكمه, ظل نزارباييف، معتبرا نفسه وكأنه أب متسامح للأمة بأسرها, وباعتباره زعيما يملك رشدا راسخا ولازما من أجل ضمان استقرار هذه الأمة, (17 مليون نسمة), المعقدة من حيث تعدد الأعراق وإستراتيجيتها الجيوسياسية ومواردها الغنية, وقد ظلت هذه الرواية تحكى طوال السنوات الماضية باستخدام ملاحظة ما لدى كازاخستان من ثروة نفطية هائلة, وازدهار الصناعة أثار دهشة الناظرين مثل مدينة أستانا, عاصمة نزارباييف الجديدة, وتفيد التقارير بأن الحكومة سترفع من أجور العمال في مدينة جانزوين النائية وتضخ نحو 300 مليون دولار للاستثمار في هذه المدينة وحدها.

 

قد يكون بريق هذه الأموال مفيدا لضمان الهدوء, لكنه لن يكون نافعا طويلا إذا ما كان خدعة, فهناك تعطش وتوق للتغيير السياسي في المنطقة, أضف إليه هذه النجاحات الرمزية للانتفاضات في العالم العربي, وهذا ما منح كازاخستان وجيرانها الفقيرة في آسيا الوسطى أملا في أن تنعم مجتمعاتهم بتغيير شامل وواسع كتلك التي حدثت في الشرق الأوسط.

 

وفي نهاية المطاف يتساءل المرء, بعد ذلك, إذا ما كان نزارباييف سيقوم باتباع نفس حسابات الاستبداديين الديماغوجيين في طرابلس ودمشق الخاسرة, أو ستكون لديه الحكمة حتى يتجنب الوصول إلى ذروة مثل هذه الأزمات.

 

 

المصدر/ الاسلام اليوم