خطة تقشف اليونان.. إنقاذ من الإفلاس أم استعمار أوروبي؟!
22 ربيع الأول 1433
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

احتجاجات عارمة وحالة من الهياج واشتباكات عنيفة بين المواطنين والشرطة تلك التي شهدتها العاصمة اليونانية أثينا بعد إقرار البرلمان خطة تقشف صارمة لإنقاذ البلاد من الإفلاس ومواجهة أزمة الديون السيادية الخانقة التي تمر بها البلاد منذ أكثر من عامين، وسط مخاوف من أن تؤثر هذه الخطة بشكل عكسي على اليونان وتجرها إلى أزمة اقتصادية وانهيار اجتماعي غير مسبوق بدعم من دول أوروبية تحاول إنقاذ اقتصادها على حساب دول أخرى.

 

وعقب إقرار البرلمان مشروع قانون ستفرض بموجبه إجراءات تقشفية اشترطها الاتحاد الأوروبي لمنح اليونان قرضا بقيمة 130 مليار يورو، من أجل تجنب الإفلاس، اندلعت أعمال عنف في أثينا هي الأسوأ التي شهدتها المدينة في الاحتجاجات التي اندلعت منذ شهور، حيث قام آلاف المحتجين على هذه الخطة بإشعال النيران في عدد من المنشآت وتخريب مصارف ومتاجر ودخلوا في اشتباكات مع قوات الشرطة أسقطت إصابات عديدة.

 

وترغب اليونان من منطقة اليورو الإفراج عن خطة الإنقاذ الثانية والتي تنص على منحها قرض ال130 مليار يورو، كما تطالب دائنيها في القطاع الخاص بشطب مائة مليار يورو من ديون اليونان الإجمالية البالغة نحو 350 مليار يورو.

 

والخطة اشترطها الدائنون الدوليون (الاتحاد الأوروبي وصندوق النقد الدولي) لإنقاذ البلاد من الإفلاس وبقائها ضمن منطقة اليورو، كما تحرص أثينا من جانبها على سرعة تنفيذ الإنقاذ لأنها مهددة بالإفلاس، ففي حال لم تعتمد لها القروض الدولية فإنه يتوقع تخلفها عن سداد قيمة سندات بقيمة 14.5 مليار يورو مستحقة يوم 20 مارس القادم.

 

وتنص خطة التقشف على برنامج زمني جديد لعمليات الخصخصة والإصلاحات البنيوية، وعلى خفض الحد الأدنى لأجور موظفي القطاع الخاص بنسبة 22%، و وإلغاء 15 ألف وظيفة حكومية بنهاية العام وطرد 150 الف عامل حتى عام 2015 واقتطاعات في رواتب التقاعد إلى جانب خفض مخصصات الصحة والضمان الاجتماعي والدفاع.

 

وتحدد الخطة سقف العجز في الميزانية بأقل من 2.06 مليار يورو في 2012 قبل أن يبلغ في 2013 فائضا أوليا لا يقل عن 3.6 مليارات يورو، يفترض أن يرتفع إلى 9.5 مليارات في 2014.

 

وتعانى اليونان من أكثر من عام، من عجز كبير فى ميزانتيها، نتيجة كثرة الديون السيادية، وتخطيها للمستوى الآمن مقارنة بالناتج القومي، ما دعا الدول الأوروبية للتدخل محاولين فرض' خطة تقشف على اليونان، لمساعدتها فى الالتزان بالجدول الزمني لسداد فوائد القروض والسندات.

 

وفي الوقت الذي تسرع فيه اليونان لإقرار خطة التقشف والحصول على قرض "الإنقاذ" إلا أن خبراء في الاقتصاد يرون أنه سيكون له الكثير من الآثار السلبية على اليونان، حيث دعا "لابافيستاس"، أستاذ الاقتصاد البارز في جامعة لندن، اليونان إلى عدم الاقتراض والاعتماد على الموارد الداخلية، لأن الاقتراض من شأنه أن "يكبل" أيدي اليونان.

 

فيما علق "سيمون تيليفورد"، الباحث في مركز الإصلاح الأوروبي، بقوله لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن «اليونان حفرت لنفسها حفرة عن طريق الاقتراض، مشيرا إلى هناك أيضا شعور متزايد بأن الترويكا، التي تضم فرنسا وبريطانيا وألمانيا، ضمن دول الاتحاد الأوروبي، تسعى لدفن اليونان على قيد الحياة لمنع انتقال العدوى إلى باقي دول اليورو، على حساب الاقتصاد اليوناني".

 

وتوقعت الصحيفة تزايد التطرف السياسي والاقتصادي المدمر، مع المزيد من سياسات التقشف، معتبرة أن استراتيجية «الترويكا»، المجموعة الثلاثية الدولية لليونان، والتي تضم صندوق النقد، والبنك المركزي الأوروبي، والاتحاد الأوروبي هي السبب في فشل الاقتصاد اليوناني، الذي يعاني من عجز الميزانية، ونقص عائدات الاقتصاد والتجارة.

 

ويعلق خبير اقتصادي عربي على خطة التقشف اليونانية قائلا إن لها تبعات كبيرة خاصة على طبقة العمال ، وستحمل اليونان خسائر بعشرات المليارات من الدولارات، مشيرا إلى أن خفض رواتب التقاعد سيؤدي الى خفض الاستهلاك وبالتالي الى خفض مستوى الانتاجية وتراجع النمو، وهو ما يتناقض مع التوقعات وفق خطة التقشف بعودة النمو في عام 2013 ، خاصة ان النمو هذه السنة هو في حده الادنى.

 

كما يرى العديد من اليونانيين في خطة التقشف خسارة لـ"السيادة القومية" ويشعرون أنه يتم دفعهم نحو الفقر "لإرضاء أو إنقاذ بنوك" الاتحاد الأوروبي وأن اليونان قد تصبح مستعمرة للدول الأوروبية.

 

ويتوقع محللون تزايد تداعيات خطة التقشف التي يبدو أنها لم تأت لإنقاذ المواطنين اليونانيين الذين اقتربوا كثيرا من الانهيار الاجتماعي، والغرق في الفقر بل جاءت لتنقذ قوى استعمارية أوروبية تتوجه هذه المرة إلى جنوب أوروبا.