الإسلاميون في مصر أمام لحظة فارقة
22 جمادى الثانية 1433
علا محمود سامي

الناظر للحراك المصري الحالي في مشهده السياسي يلاحظ أن كل ما كان يتوقعه الاسلاميون من منع وصولهم الى سدة الحكم، والسعي للحيلولة دون تماسكهم، يجد كل ذلك قد حدث بالفعل، وعلى الرغم من أن ذلك كانت له إرهاصاته، إلا أن تداعيات الحنق ضد الاسلام بدأت تظهر بوضوح، وصار ما كان يخشى منه كثيرون بأن يتم التربص بالإسلاميين قد وقع بالفعل،خلاف علانية المخططات التي تحاك ضدهم.

 

وكثيرا ما تمنى أوساط الرأي العام في مصر بأن يكون التيار الاسلامي كفسطاط واحد ، لاتتنازع فصائله، على نحو ما جرى بانتخابات مجلسي الشعب والشورى، عندما كان يترشح اسلاميون في منافسة بعضهم البعض، إلى أن تواصل الأمر نفسه كما هو الحال في الانتخابات الرئاسية حاليا، عندما أعلن أكثر من مرشح محسوب على التيار الاسلامي خوضه الماراثون الانتخابي.

 

هذا التمنى في أوساط الرأي العام لم يكن من باب الرغبة في توحد التيار الاسلامي وفقط، ولكنه كان بغرض مواجهة حجم التحديات التي تعترضهم، والتي بات الاعلان عنها حاليا بشكل أكثر، مستثمرة حالة الشقاق والخلاف التي تدب بالشقاق في صفوف الاسلاميين بمصر.
وعلى الرغم من أن السياسة الشرعية من السعة بمكان في أن تشهد تنوعا في الاختلاف، وليس تضادا فيه، فان التيار الاسلامي في مصر اليوم أصبح مدعوا الى أن يمعن البحث والتحقيق في أمور السياسة الشرعية، وليكن مرجعهم في ذلك كتاب الامام الراحل ابن تيمية، علهم يجدون فيه ما يعن لهم، بعدما أصبحوا على مقاعد السلطة التشريعية، وتقف موانع عدة في طريقهم للسلطة التنفيذية، وغن كانوا هم على حافتها.

 

ومنذ فوز التيار الاسلامي بالأغلبية البرلمانية في مصر قبل نهاية شهر فبراير الماضي، وبراكين الغضب والتشوية تلاحقهم، ترافق معها وبمستويات مختلفة انقساما داخل الصف الاسلامي ، للدرجة التي قام البعض بتوظيفها في اطار من الحكم بالفشل على تجربة هذا التيار قبل أن تبدأ،ودون أن تتح له فرصة صنع القرار بعدم امتلاك زمام السلطة التنفيذية بشقيها رئاستي الدولة والوزراء، علاوة على  حجم التحديات التي تواجه ثورة 25 يناير عموما، بكل ما يحاك لها من مخططات لإجهاضها عن طريق الطرف الثالث الذي صار لهوا خفيا، أو عن طريق من يريدون اختطاف الثورة لتكون حكرا عليهم، ونسوا أو تناسوا أن الشعب المصري كله هو من شارك بهذه الثورة، وترجم خياره فيها لاحقا باختياره للإسلاميين.

 

واليوم، وأمام العنوان الأبرز في مصر ، وهو الانتخابات الرئاسية ، فإن الاسلاميين أصبحوا أمام لحظة فارقة، حقيقة لا شعارا، وأنه بعد نزع صلاحيات سلطتهم التشريعية لإضعاف أدائهم، أو لتعمد اظهارهم على هذا النحو، وأمام حالة الانقسام الواضحة التي تدب في مفاصلهم، فإنهم أصبحوا مدعوين اليوم واكثر من أي وقت مضى للنظر فيما يجرى، وما هو آت، بعدما أصبحوا على المحك ، ما يتطلب منهم الاسراع في تجاوز ما يواجههم، وأن يكونوا على مستوى هذه اللحظة الفارقة.

 

وعلى الرغم من مرارة مراجعة الذات، فإن الاسلاميين بمصر عليهم برهة للتأمل مع الذات ومع الأداء، وقبل كل ذلك وبعده النظر الى عظم المشروع الذي يحملونه، وما ينتظره منهم أوساط الرأي العام ، ليس في أرض الكنانة وحدها، ولكن جموع المسلمين بشتى بقاع الأرض انطلاقا من ادراك الجميع بأن مصر اذا قامت قادت. فالمسلمين في شتى بقاع الأرض يتوقون الى دولة يحكمها الاسلام قول وفعلا، ويحملون مصر في ذلك مسؤولية كبيرة، ليس ذلك من قبيل المبالغة، ولكنه بحكم معطيات عدة، لايسع المجال للخوض في تفاصيلها.
وعلى الأقل ينظر أوساط الرأي العام في مصر للإسلاميين نظرة مغايرة عن غيرهم، فيتوقعون منهم الكثير، بل وترجموا ذلك على الأرض بالاقتراع لصالحهم في انتخابات عكست ارادة شعبية ومطالب يتوق لها المصريون في أن تعكس حرية اختيار القرار، بعدما ظل مسلوبة منهم على مدى 60عاما أو يزيد.

 

هذه العقود الستة حرم منها المصريون في أن يحكمهم منهج كالمنهج الاسلامي، لذلك ومع أول اختيار لهم ، كان القرار الشعبي الحاسم باللجوء الى هذا المنهج، غير أن تجربة البرلمان ذات الأغلبية الاسلامية المسيطرة عليه حظيت بالعديد من التوقف في أوساط الراي العام في مصر، والذي يعد مقياسا يقاس عليه حجم الاسلاميين في الشارع، دون أن يقاس حجمهم باللهجة الزاعقة لليبراليين في الاعلام المرئي والمطبوع، أو من جانب من يسمون أنفسهم بالنخبة ممن يجعلون من الغرف المغلقة بوقا لدس ضغائنهم ضد الاسلاميين.

 

واليوم، ومع دخول اثنان من بقايا النظام السابق سباق الانتخابات الرئاسية ، هو أمر يجعل من هذه الانتخابات بمثابة اللحظة الفارقة التي يجب للإسلاميين التنبه اليها.إذ أنه في ظل تعدد المرشحين الإسلاميين ونزول المرشحين بكل ثقلهما في الانتخابات، وبدعم من مؤسسات الدولة ، والتي يسيطر عليها بقايا النظام السابق أمر يجعل الاسلاميين على المحك ، خاصة وأن كل ما حصلوا عليه من استحقاقات عبر أكثر من عام من أحزاب اسلامية وأغلبية في داخل البرلمان بمجلسيه، كل ذلك سيصبح على المحك، فرئيس البلاد كما هو معروف تكون لديه من الصلاحيات ما يجعله يقوم بحل البرلمان، خاصة وأن هناك دعاوى قضائية تطعن على شرعيته بالأساس، وأخرى أحالتها المحكمة الادارية الى المحكمة الدستورية العليا للتأكد من دستورية قانون الانتخابات التشريعية من عدمه، وهو ما يعني وقتها حل البرلمان فور صدور حكم بعدم دستوريته، الأمر الذي سبق أن تحدثت عنه جماعة الاخوان المسلمين وحذرت منه نتيجة التلويح بأن ملف حل البرلمان داخل الأدراج ، وأن تزوير الانتخابات الرئاسية يمكن أن يتم من خلال حكومة كمال الجنزوري القائمة ، في ظل ما قد يتم توظيفها لتزويرها.