عقابيل الثورات ومابعد الثورات
2 شعبان 1433
د. محمد العبدة

ليس من السهل انتصار ثورة على الطغيان والظلم الذي عشش وفرخ خلال عشرات السنين ، واستطاع أن يؤسس أحزابا أفسدت الحياة السياسية والإجتماعية ، ولكن الأصعب من الإنتصار هو مابعد ذلك من إدارة البلاد وسياسة العباد ، لأن الفشل عند ذلك سيؤدي إلى خيبة آمال مريرة ، وربما سيؤدي إلى عكس النتائج التي تريدها الثورة ، خاصة وأن بعض الناس يشعرون بالإجهاد بعد الإنتصار ، وبعضهم يميل إلى الإستسلام لحكومات ليست هي الأمل وليست هي الهدف ، والذين أشعلوا الثورة ربما يعتزلون ويختفون ، وفي الغالب هناك من يتربص بالثورة ويوجه الأحداث لصالحه ، وستقام أحزاب من أفراد قلائل يحسنون الكلام ويعلنون تفانيهم في خدمة الأمة ، ولكنهم في الحقيقة يسرون خدمة أنفسهم ، وإذا تم لهم الأمر ظهرت الأنانية وحب الذات .
 

هذه بعض عقابيل الثورات وقد سألني أحد الأخوة : هل يستطيع الذين نجحوا في الإنتخابات القيام بما بجب عليهم أوبما هو مؤمل منهم ؟ وهل يستطيعون مجابهة الإرث الكبير من التخلف والفساد الإداري المستشري ،وانعدام التنمية الحقيقية خاصة وهم في ظروف انتقالية صعبة ؟ قلت له :نعم ، هم قادرون بشرط أن يكونوا مخلصين في عملهم إلى درجة التفاني والبعد عن شهوة الرئاسة والتواضع في المسكن والمركب والقرب من الناس والتواضع لهم ، ولابد أن تكون التجمعات من القيادات الشابة على هذا المستوى أيضا ، ليكونوا عصبية الدولة بتعبير ابن خلدون .
 

هناك مشاكل كبيرة يجب أن يتصدى لها من سيأتي بعد استقرار الأمور ، وحل هذه المشاكل لايحتمل التأخير . مشكلة ثروة البلاد وحفظ المال العام وبالتالي حل مشكلة الفقر والعاطلين عن العمل ، وقد وهب الله البلاد العربية ثروات كثيرة ولكن سياسات الحكام الخرقاء بددت هذه الثروات ،في العهود السابقة كان المال ينفق على توافه الأشياء ولا ينفق على المشاريع ذات النفع العام كالمدارس والمشافي . بعض الناس في بلادنا يعيشون في مدن الصفيح بل في أعشاش لاتليق بالحيوان .
 
هناك مشكلة التعليم والمدارس والجامعات والمناهج والمدرسين . هناك مشكلة الحرية وعودة الكرامة للناس وإنهاء الأجهزة الأمنية التي أرعبت الناس عشرات السنين ، فلا يمكن أن يكون هناك تقدم وإنتاج في ظل الاستعباد والقهر والخوف .
 

الحكومات السابقة خضعت للعولمة الثقافية وفرضت هذه العولمة في الإعلام وفي المناهج الدراسية ، واصبحت اللغات الأجنبية تزاحم اللغة العربية , وروجت هذه الحكومات لثقافة الوطنية الضيقة التي ترسخ الأنانية والتجزئة والفرقة ، فهل يستطيع الحكام الجدد طرح البدائل وهي مشاريع التعاون والإتحاد . إن الإستعمار بعد الحرب الكونية الأولى وضع حدودا بين الشعوب العربية المسلمة ورسمها ( بالقلم والفرجار ) كما يقال , وقسم العشيرة الواحدة بين دولتين .
 

هل يستطيع أهل الحكم الجديد مصارحة الناس بحقائق مايجري ويبتعدون عن أساليب الخداع والوعود الخلابة ، وهل يستطيعون ايقاف هذه البيروقراطية التي أرهقت الناس وذهبت بالأوقات والأموال . إذا كانت الأهداف واضحة فالتدرج والإستفادة من عامل الزمن شيء مهم لتنفيذ الخطط وتحقيق الآمال .
 

إن سلامة المجتمع هي في مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما جاء في حديث السفينة الذي ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم مثالا للمجتمع المتماسك ، إنها الحرية المقيدة ولكنها في سبيل الإنقاذ ، ولابد للمجتمع الصالح أن يقول ( لا ) لخرق السفينة ، إننا نخشى أن نقول ( لا ) إما ضعفا أو حتى لانغضب الآخرين وهذا لايحل المشكلة .
 

إن السياسة الحقيقية هي التي تعلم الناس أسباب التعاون وتدفع عنهم أسباب التنافر ، فهذا الذي ينعش الآمال ويجدد العزائم بحول الله وقوته .

 

المصدر/ المختصر