حرب المياه على العراق
13 شوال 1433
د. جاسم الشمري

الزراعة نفط دائم، هذا الشعار لطالما قراناه في مراحل دراستنا المختلفة؛ وذلك لأن اعتماد الدول على النفط، وعلى الاستيراد الكامل، يعد خللاً واضحاً في التنظيم العام للدولة، والدولة الناجحة هي التي تحاول الاكتفاء ذاتياً في أغلب القطاعات الزراعية والصناعة وغيرها.

 

والزراعة لا يمكن تصور وجودها بدون المياه، وعليه فإذا فقدت المياه فان النتيجة الحتمية للأمر هو موت القطاع الزراعي والاعتماد على الاستيراد مما يعني هدر الميزانية الوطنية في مجالات ينبغي أن لا تشملها، وكذلك بث روح الاعتماد على الغير في أبسط جوانب الحياة.

 

والعراق تعرض لهجمات مختلفة منذ تسعينيات القرن الماضي، ومنها الهجمات العسكرية المباشرة وغير المباشرة، والمؤامرات على القطاعات الحيوية الزراعية والصناعية والحيوانية والثقافية والتكنولوجية، والنتيجة بلاد تعاني اليوم من دمار في كل هذه القطاعات.

 

هذه المؤامرات تدار وتنفذ من قبل مجموعة من العراقيين الذي ماتت ضمائرهم، وتحكمت بهم الشياطين، وكذلك من الجار اللدود الجمهورية الإيرانية التي ما تركت باباً يفتح على خراب العراق إلا وطرقته، وآخر هذه الأبواب هو حرب المياه التي تهدف لقطع أرزاق الناس وقتلهم عبر قتل أراضيهم الزراعية التي تعد مصدر رزقهم الوحيد تقريباً.

 

وفي هذا الملف الخطير أعلنت مصادر في وحدة (كرميان) يوم 11/8/2012، أن السلطات الإيرانية أقدمت على قطع مياه نهر ( قورتو) عن قضاء خانقين بمحافظة ديالى، وأن أهالي القرى في المنطقة يهددون بالرحيل عنها بسبب معاناتهم من الجفاف، وحال استمرار السلطات الإيرانية بقطع مياه النهر عنهم.

 

سردار محمد مدير ناحية (قورتو) أوضح أن السلطات الإدارية المعنية في وحدة كرميان طالبت السلطات الإيرانية بإطلاق مياه نهر (قورتو)، إلا أنها لم تتلق الرد حتى الآن، وأن السلطات المعنية في (كرميان) ستعمد إلى تأمين المياه للقرى المتضررة لحين إيجاد حل لهذه المشكلة الخطيرة.

 

وهذه الحقيقة عن الجارة إيران ليست ضرباً من الخيال، ولا من " فبركة" العراقيين، وإنما هي حقائق موثقة، وبعيداً عن التقارير المحلية العراقية، سأحاول هنا ذكر تقرير دولي يظهر حجم الهجمات الظالمة على الحياة في العراق، والتي وثقها التقرير الصادر عن المركز العالمي للدراسات التنموية، ومقره لندن في منتصف شهر تموز 2012، والذي حذر فيه من كارثة بيئية كبيرة قد تحل بمحافظات العراق الشرقية والجنوبية، وذلك بسبب استمرار إيران بالامتناع عن إطلاق مياه بعض الأنهار، ومنها نهر الوند الذي تحتجز حكومة طهران مياهه منذ أربع سنوات، حيث أنها قامت مؤخرًا بتحويل مسارات عدد من روافد نهر دجلة، بالإضافة إلى بناء سدود على ما تبقى من هذه الروافد، وهو ما زاد معاناة سكان المحافظات العراقية التي تمر بها هذه الأنهار، ما أدى الى تدمير نحو 10% من الأراضي الخصبة، وساهم في تشريد أهالي العديد من القرى بسبب جفاف أراضيهم، فضلاً عن تراجع الإنتاج الزراعي لبعض المحاصيل في العراق بنسب كبيرة وصلت في بعض السنوات إلى 80% مع وجود تردٍ كبير في جودتها.

 

وحسب التقرير فان ايران لم تكتف بمنع ضخ المياه، وإنما ضخت مياه البزل في بعض مجاري الأنهار التي تمر بالأراضي العراقية؛ الأمر الذي أدى إلى ارتفاع درجة الملوحة، وهو ما أسفر عن  تدهور الثروة السمكية، وموت أنواع كثيرة منها، وحجب المياه ساهم أيضًا في تغيير المناخ الطبيعي لبيئة بعض المناطق، فضلاً عن هجرة أنواع عديدة من الطيور وظهور بعض الأفاعي التي داهمت المزارع والمناطق السكنية، وتسبب ذلك كله في القضاء على العديد من المواشي التي يعتمد عليها السكان المحليون في معيشتهم.

 

كما أوضح المركز العالمي للدراسات التنموية في تقريره بأن نسبة المياه الصالحة للشرب في عموم العراق قد انخفضت بمقدار 20%، لافتـًا إلى أنه من المتوقع أن تنخفض إلى 40% خلال السنوات العشرة القادمة إذا لم تتخذ الإجراءات اللازمة للحد من هذا الانحدار المتسارع، عازيًا أسباب ذلك إلى مشاريع السدود التي تقيمها الدول المجاورة كمشروع سد (أليسو) الذي تعمل تركيا على بنائه.

 

واعتبر التقرير أن إقامة تركيا لسد (أليسو) سيساهم بدرجة كبيرة في جفاف بعض الأنهار التي ترفد كل من نهري دجلة والفرات، حيث إنه سيؤدي إلى انخفاض منسوب المياه المتدفقة إلى الأراضي العراقية بمعدل 10 مليار متر مكعب سنويًا، كما إن مناسيب المياه العذبة في الجانب العراقي سوف تتناقص إلى قرابة 70% إذا ما أضيف إليها ما قامت به إيران من إجراءات طالت بالسوء روافد نهر دجلة، وأن تناقص الحصص المائية لكل من نهري دجلة والفرات بات ينذر بعواقب بيئية وخيمة قد تغير من مناخ المنطقة بشكل عام، وذلك بسبب ارتفاع حرارة الأرض في العراق، الذي من شأنه أن يؤدي إلى اختلاف الضغط وتغيرات مناخية كبيرة في المنطقة برمتها، خصوصاً مع وصول درجات الحرارة في بعض الأوقات إلى أكثر من خمسين درجة مئوية، وازدياد العواصف الترابية بنسبة 30% خلال السنوات الثلاثين الماضية، ما تسبب بتصحر مساحات شاسعة من الأراضي الزراعية،  تجاوزت في بعض الأحيان (2,8) مليون دونم، وهو ما يعني خسارة بيئية واقتصادية كبيرة للعراق، وينذر بانتشار هذه الظاهرة إلى مساحات أكبر!

 

وبخصوص نهر دجلة، فقد أكد التقرير أنه يفقد سنوياً ما يعادل (33) مليار متر مكعب من مياهه، ما يعني تهديداً حقيقياً لوجوده بشكل كامل خلال العشرين سنة القادمة، خصوصاً وأن العديد من المحافظات العراقية تعاني، ومنذ سنوات، من نقص الأمطار، والمياه الصالحة للشرب، الأمر الذي اضطرها إلى استيراد مياه الشرب من معامل في الكويت والمملكة العربية السعودية، وهو ما جعل التقرير يتساءل عن السر في قدرة تلك الدول الخليجية، التي لا تمتلك أنهاراً  كتلك الموجودة في العراق، على تصدير المياه الصالحة للشرب، في حين يعجز العراق الذي يُعرف أنه بلاد ما بين النهرين؛ عن توفير المياه لشعبه؟!

 

وخلص المركز العالمي للدراسات التنموية في تقريره إلى القول بوجوب التحرك السريع لمعالجة هذه الأزمة التي قد تتفاقم في حال انقطاع الكهرباء عن محطات التحلية، ما يؤدي إلى توقف ضخ المياه عبر الشبكات، خصوصاً في المحافظات الجنوبية التي تشكو من نقص حاد في مياه الشرب، لكن ذلك لم يلق آذاناً صاغية من جانب الحكومة الحالية، ومؤسساتها المعنية بالأمر!

 

يذكر أن الكوارث البيئية كالجفاف والتصحر والأتربة، بدأت تغزو العراق منذ نحو عقد من الزمان، بسبب عدم اتخاذ التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوعها، وذلك لكون الأحزاب والكيانات التي تألفت منها الحكومات التي شكلها الاحتلال بعد 2003 ـ والتي من المفترض أن تكون هي المسؤولة عن ذلك ـ منشغلة بمكاسبها الخاصة وجني الثروات على حساب البلد وأبنائه الذين يقاسون شظف العيش ويفتقرون إلى أبسط مقومات الحياة.

 

هذا هو الوضع العام في العراق قتل على مدار الساعة بنية تحتية مدمرة، مستقبل مجهول ينتظر البلاد والشعب، وحكومة ديمقراطية تمتع نظرها بكل صباح ومساء بحجم القتل والخراب!
[email protected]