مسلمو بانجسامورو.. بين نيل الحقوق ومواجهة التحديات
2 ذو الحجه 1433
تقرير إخباري ـ إيمان الشرقاوي

اتفاق سلام أنهى صراع امتد لأكثر من 40 عاما بين الحكومة الفلبينية وجبهة تحرير مورو الإسلامية-وهي أكبر جماعة إسلامية في البلاد -ويمثل خارطة طريق تضع أسس السلام الدائم والنهائي في جزيرة ميندناوا الجنوبية وحكم ذاتي للمسلمين في خطة نحو نيل حقوقهم وسط تحديات تواجه الاتفاق التاريخي قد تعوق تنفيذه.

وجاء هذا الاتفاق بعد مفاوضات سلام برعاية ماليزيا  استغرقت 15 عاما لإنهاء صراع أسفر عن مقتل 120 ألف وتشريد مئات الآلاف من مسلمي مندناوا ويبدأ بخريطة طريق تنشئ كياناً سياسياً جديداً سيطلق عليه اسم بانجسامورو، التي تشير إلى المسلمين في جزيرة مينداناو ، ومن المقرر أن يُوقع هذا الاتفاق بصورته الأخيرة قبل نهاية ولاية الرئيس الفلبيني الحالي، بينينو أكينو، عام 2016.
وستحدد جغرافية منطقة الحكم الذاتي أو بانجسامورو الجديدة وصلاحياتها الدستورية عن طريق استفتاء عام، يقرر فيه الشعب الفلبيني موقفه من الاتفاق المبرم بين الحكومة وجبهة تحرير مورو الإسلامية.
كما سيكون للحكومة الجديدة التي ستتمتع بحكم ذاتي سلطات سياسية أوسع وسيطرة أكبر على الموارد بما في ذلك الثروات المعدنية والنفط والغاز الطبيعي، كما سيحصل المواطنون الفلبينيون في بانجسامورو على حصة عادلة من الضرائب والعائدات، بحسب الاتفاق.
بينما ستبقى العملة وخدمات البريد والدفاع والسياسة الخارجية والجنسية والتجنس تابعة للحكومة المركزية في مانيلا،.
ومن شأن هذا الاتفاق تخلي المنظمة العسكرية التي كانت تابعةً لجبهة مورو الإسلامية، ويبلغ تعدادها ما يقارب 11 ألف مقاتل، عن سلاحها، حيث إنه يفترض أن ينخرط مقاتلو جبهة مورو في برنامج لتفكيك مليشياتهم المسلحة بحيث تصبح غير قابلة للعمل، لكن الاتفاق لم يحدد جدولا زمنيا لذلك.
ولا يصنف المقاتلون التابعون لجبهة مورو الإسلامية ضمن الجماعات المتشددة، ولا تشملهم القوائم السوداء المعتمدة لدى الدول الغربية. لكن الجيش الفلبيني استخدم في معاركه مع الجبهة مختلف الأسلحة الثقيلة، بما في ذلك راجمات المدفعية، فضلاً عن المروحيات الهجومية المتقدمة.
وتحل منطقة الحكم الذاتي المنصوص عليها في الاتفاق الإطاري محل المنطقة الموجودة حاليا في ميندناو التي أقيمت عام 1989, وتشمل خمس مناطق تقطنها أغلبية مسلمة يبلغ عدد سكانها أربعة ملايين، بينما تشير بعض المصادر غير الرسمية إلى أن هذا العدد يصل إلى عشرة ملايين، من إجمالي سكان البلاد، الذي تجاوز في العام 2011 المائة مليون نسمة.
ويمتد تواجد الأقلية المسلمة في الفلبين على أراض تتجاوز مساحتها 116 ألف كيلومتر مربع. وهو ما يزيد على ثلث مساحة البلاد الإجمالية البالغة 300 ألف كيلومتر مربع.
وكان الرئيس أكينو قد تعهد عقب وصوله للسلطة بإيجاد حل عادل ونهائي لقضية الأقلية المسلمة ، التي أخفقت كافة الحكومات السابقة في بلورة حلول بشأنها.
ورحبت الأطراف المشاركة في الاتفاق والراعية له أيضا بتوقيع الاتفاق حيث اعتبروه حلا للصراع، الذي أعاق النمو الاقتصادي والتنمية الاجتماعية في ميندناو كما أنه عبر هذا الاتفاق التاريخي سيجري حماية حقوق وكرامة وازدهار مستقبل شعب بانغسامورو، في حين يتم في الوقت نفسه الحفاظ على سيادة ودستور الفلبين".

ورغم الترحيب بالاتفاق فإنه يواجه عددا من التحديات، أولها شبح الفشل الذي مني به اتفاق عام 2008 في عهد الرئيسة السابقة جلوريا أرويو والذي تم التخلي عنه في اللحظة الأخيرة بسبب المعارضة الفلبينية الداخلية القوية له في ذلك الوقت، والخوف من تكراره مع الاتفاق الحالي إذا ما عرض للاستفتاء في هذا البلد ذي الأغلبية المسيحية الكاثوليكية.

وبحسب مراقبين فإن هناك خطر آخر يتمثل في احتمال انفصال بعض الفصائل عن جبهة مورو وتواصل القتال في المنطقة، ويستشهدون بانفصال أحد قادة المقاتلين ويدعى أمريل أومبرا كاتو عن الجبهة عام 2011 وتشكيله فريقا يرفض المفاوضات، كما شنت قوات كاتو هجمات على عدة معسكرات للجيش في أغسطس الماضي مما أدى إلى رد القوات النظامية ووقوع أكثر من 50 قتيلا من مجموعة كاتو التي تضم 200 مقاتل.
ووصل الإسلام إلى الفلبين عن طريق التجار في القرن الثالث الهجري، وبدأت تظهر سلطنات إسلامية مستقلة، خاصة في مانيلا والجنوب، وإضافة لدورهم الكبير في المقاومة الوطنية ضد المستعمرين الأسبان، كان لمسلمي الفلبين حضورهم في مقاومة الغزو الياباني والأمريكي وتحرير الفلبين، وحصولها تالياً على الاستقلال عام 1946، لكن انضمت أراضي بانجسا مورو إلى الجمهورية الفلبينية الوليدة الحديثة رغم معارضة شديدة من شعب مورو، ومنذ ذلك الحين أصبحت أرض مورو خاضعةً للحكومة الفلبينية فكانت احتلالاً جديدًا لشعب "مورو" المسلم.
ولم ينعم شعب "مورو" نعمةَ السلام الحقيقي في البلاد، وعان من كساد اقتصادي ومشكلات تربوية وتعليمية وسياسية، وحيل بين المسلمين وبين تطوير بلادهم واستغلال مواردها الطبيعية، واتبعت الحكومة الفلبينية سياسات من أجل إفقار المسلمين، ودعوة المسيحيين للهجرة الجماعية وبناء مغتصبات لهم ليكون المسلمين أقلية في بلادهم.
 وفي مطلع السبعينيات قامت مؤسسات عسكريه تابعه للحكومة الفلبينية بإمداد المسيحيين المهاجرين بالسلاح، شنوا بها سلسلة من المذابح والقتل الجماعي ضد المسلمين؛ ما جعل المسلمون يعلنون الجهاد ضد الحكومه الفلبينيه رسميًّا، وتكونت جماعات مقاومة أبرزها جبهة تحرير مورو الوطنية ومورو الإسلامية لتخوضا حربًا ضد هذا الإجرام.
في عام  1976 جرت سلسله من مفاوضات السلام بين الحكومه وقادة الجبهة الوطنية بوساطة ليبيه أسفرت عن توقيع "اتفاقية طرابلس" التي تنص على منح المسلمين حكمًا ذاتيًّا، إلا أن الاتفاق لم يدخل حيز التنفيذ نظرًا لمماطلة الحكومة الفلبينية، وسرعان ما عادت الأمور إلى التوتر وعادت معها العمليات المسلحه من الجانبين، عملت الحكومة الفلبينية بعدها على تغيير التركيبة السكانية للمسلمين في "مورو" بتوطين النصارى من الشمال إلى الجنوب حتى قل عدد المسلمين إلى 50% بعد أن كانوا أغلبية كاسحة.

 وانتظم في جبهة مورو الإسلامية نحو 70% تقريبًا من شعب مورو في التسعينات ، وانضمام 6 ملايين عضو جديد للحركة، ووصل أعضاء المقاومة إلى 100 ألف مجاهد مدرب تدريبًا جيدًا وسلح حوالي 60% منهم، وقد اعتمدت الجبهة على السلاح الذي يحصلون عليه من العدو ومن تجار السلاح حتى تمكنت الجبهة بعمل مصانع لصناعة الأسلحة، صنعت فيها البنادق البسيطة والذخائر حتى تمكنوا من تطويرها إلى أسلحة متطورة حتى أصبح المصنع قادر على إنتاج الصاروخ المضاد للدبابات.
 
 وبعد الاتفاق التاريخي الذي تم توقيعه مؤخرا لإنهاء الصراع الذي ذاق فيها مسلمو الفلبين الويلات وحرموا خلاله من نعم وطنهم، هل يستطيعون الآن استرداد حقوقهم المنهوبة أم سيواجهون العقبات من الحكومة والشعب الفلبيني المسيحي الديانة الذي منعهم طيلة سنوات من نيل حقوقهم الأساسية البسيطة؟