أمريكا تحت الإعصار
18 ذو الحجه 1433
خالد مصطفى

الإعصار ساندي الذي ضرب أمريكا في الايام الماضية لفت انتباه العالم كله ليس فقط لمكانة أمريكا كاقوى دولة في العالم, ولكن لتأثير ما يحدث فيها على كل بقعة في العالم,كما لا يخلو الامر من دروس مستفادة في التعامل مع مثل هذه الكوارث التي قد تصيب أي دولة في أي وقت...

 

وما يلفت النظر في البداية هو المنهج العلمي الذي تتبعه الولايات المتحدة لمواجهة هذا النوع من الكوارث فهناك خطط معدة سلفا ومراكز أبحاث ترصد الإعصار قبل مجيئه وتأهب كبير من قبل السلطات المعنية وتوعية واسعة من خلال أجهزة الإعلام, كما هناك صراحة ووضوح من اللحظة الاولى بشأن ما يمكن أن يسببه الإعصار من خسائر وتغطية لكل الأضرار المترتبة عليه دون إخفاء أو تبرير إذا ما حدث تقصير من قبل أجهزة الدولة المختلفة, بل هناك حساب لكل متهم بالتقصير دون النظر إلى منصبه وهو ما حدث في كوارث سابقة أصابت الولايات المتحدة واتهم الشعب الحكومة فيها بالتقصير رغم كل الإجراءات التي اتبعتها, هذه أمور إيجابية ينبغي أن توضع في الاعتبار رغم حجم الخسائر الضخمة التي خلفها الإعصار والتي أدت إلى إغراق مناطق واسعة لها شهرتها كأماكن راقية في الظلام وقتل العشرات وتشريد الآلاف حتى أن البعض شبه بعض المناطق في الولايات المتحدة بالعشوائيات من شدة الضرر الذي أصابها, كما الإعصار أدى إلى تعطل مفاعلين نوويين وتوقف الحياة السياسية تماما, ولكن جميع هذه الاضرار وغيرها الكثير كان يمكن أن تتضاعف لو لم يكن هناك الاحتياطات التي ذكرناها آنفا والتي نفتقد الكثير منها في بلادنا...

 

الإعصار كذلك أوضح لأمريكا وللمنبهرين "بالحلم الامريكي" أن القوة والعنفوان والتقدم التكنولوجي مهما بلغ لا يستطيع الوقوف أمام قدرة الله سبحانه وتعالى, وأن الظلم والطغيان على الضعفاء من القوى الكبرى المستكبرة التي لا تجد من يقف في وجهها في الوقت الحالي, يمكن أن يرد من خلال ريح أو فيضان أو زلزال أو بركان قد يعيدها إلى العصر الحجري في أيام قليلة, كما أنه يشفي غليل المستضعفين الذين قتلت الولايات المتحدة أطفالهم ونساءهم وأزواجهم وأباءهم ظلما في العراق وأفغانستان..

 

كذلك هذا الإعصار وغيره من الكوارث التي تصيب الولايات المتحدة قد تحرك معاني الإنسانية داخل نفوس المواطنين الأمريكيين المنشغلين برفاهيتهم وحياتهم دون التفكير في أرواح ومشاعر الفقراء والمحتاجين الذين تنهب حكومة واشنطن خيراتهم من أجل المحافظة على هذه الرفاهية لمواطنيها, ولعلهم يشعرون بمدى قسوة الحصار على غزة وما يصيب مواطنيها جراء القذائف الامريكية التي تسقط على مواطنيها بواسطة الكيان الصهيوني, ومصير الجرحى والمرضى في مستشفياتها دون علاج أو كهرباء وهو مشهد تكرر في أمريكا مع الإعصار..قد تكون أمريكا في مأمن في الوقت الحالي من هجوم عسكري من قوى معارضة يذيقها بعض ما تذيقه للأبرياء الذين يتعرضون لغاراتها العشوائية الغاشمة في باكستان واليمن وقد يدوم ذلك مستقبلا لبضع سنوات ولكن هذا لا يعني أن سكانها في مأمن من القتل والتشريد والموت تحت أسقف المباني المنهارة..إن المشاهدة التي نراها جراء الإعصار ساندي على شاشات التلفزة لا يختلف كثيرا عن المشاهد التي نراها بعد القصف على المناطق السكنية في الدول العربية والإسلامية والتي يقتل فيها الأبرياء باسم "مكافحة الإرهاب"...إن أياما صعبة عاشتها أمريكا قد تجعل الشعب الامريكي يشعر بما يشعر به الشعب السوري الذي يفتقد للدعم والسلاح والحماية وأصبحت مشاهد الموت التي يتعرض لها ليل نهار على أيدي الأسد وزبانيته مادة صحفية تتصدر أجهزة الإعلام دون أن تتحرك الدول التي في يدها القرار...

 

إن الشعب الامريكي شريك لحكومته في أخطائها وكوارثها التي تقوم بها بالنيابة عنه في الخارج؛ لأنه من يأتي بها من خلال صناديق الاقتراع ولأنه من يهمل محاسبتها إلا إذا امتد الخطر إلى معيشته  فهو لا يأبه في معظمه لقتل الابرياء في الخارج على أيدي قوات بلاده أو القوات المتحالفة معها, ولكنه يثور بشدة إذا تم إيقاف مواطن أمريكي بغير حق أو إذا قتل حيوان يخاف من انقراضه, هذه المفاهيم المتناقضة والمعاني المتضاربة لحقوق الإنسان تحتاج إلى وقفة حاسمة, وهذه الاعاصير والكوارث رغم ما فيها من مآسي إلا أنها فرصة رائعة للشعب وللحكومة الامريكية وللعالم أجمع للنظر في الأسس التي  يقوم عليها المجتمع الإنساني ومدى مصداقيتها وتطبيقها على الجميع بشكل محايد ومنصف في ظل هذه المذابح والمجاعات التي تجتاح الملايين في شتى أنحاء العالم دون تفكير حقيقي في كيفية نصرتهم والأخذ بأيديهم.