الجيش المصري يتجاوز مرحلة الاشتغال بالسياسة
28 ذو الحجه 1433
علا محمود سامي

عكست التدريبات العسكرية التي يقوم بها الجيش المصري خلال الفترة الأخيرة رغبة من قاعدة القوات المسلحة على تجاوز مرحلة اشتغاله بالعمل السياسي، التي ظل عليها طوال إدارته للمرحلة الانتقالية، والتي استمرت لنحو 15 شهرا.

 

هذه الرغبة جاءت في ظل تغييرات جذرية وهيكلية داخل المؤسسة العسكرية، بدأها الرئيس  الدكتور محمد مرسي بالإطاحة بعدد كبير من القادة خلال شهر أغسطس الماضي، بغية تحقيق الهدف الذي صار حاصلا أمام جميع المراقبين والمحللين بأن الجيش عاد بالفعل إلى ثكناته وأطلق رصاصة الرحمة على عمله بالسياسة، التي وجد نفسه مدفوعا إليها بحكم إدارته للمرحلة التي أعقبت تنحي الرئيس المخلوع حسني مبارك.

 

وخلال الأشهر الأربعة الأخيرة شهدت القوات المسلحة تدريبات مكثفة لمختلف التشكيلات بالمؤسسة العسكرية، كانت الأولى في العديد منها التي جرت بالذخيرة الحية، للدرجة التي جعلت مثل هذه التشكيلات تستحضر نموذجا لعبور قناة السويس في الذكرى التاسعة والثلاثين لانتصارات أكتوبر، علاوة على التدريبات الجوية التي توصف بأنها الأولى من نوعها، والتي جرت أخيرا عندما قامت بعض الطائرات باختراق حاجز الصوت.

 

ومنذ تولي وزير الدفاع والإنتاج الحربي الفريق أول عبدالفتاح السيسي لمهامه ظهرت رغبة جديدة من القائد الشاب في إحداث نقلة نوعية بداخل المؤسسة العسكرية برفع كفاءة جميع العناصر وزيادة الروح القتالية، ومواجهة أي استعدادات طارئة، للدرجة التي جعلته يقوم في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك بتفقد وحدات العناصر الخاصة "الصاعقة" بل وممارسة يوم تدريبي كامل معهم، بدأه منذ الصباح وانتهى مع غروب شمس هذا اليوم، وهي كلها دلالات تعكس رغبة قوية من قادة المؤسسة العسكرية برفع الروح المعنوية للعناصر من ناحية، ورفع الكفاءة القتالية لديها من ناحية أخرى، وهو ما عبر عنه القادة أنفسهم أكثر من مرة.

 

وربما يكون فهم رفع الروح المعنوية للعناصر نتيجة لما أثارته المرحلة الانتقالية من تداعيات، كانت نتيجتها المطالبة بإسقاط حكم العسكر، فضلا عما شهدته من شعارات ولافتات ضد إدارة المجلس الأعلى للقوات المسلحة لهذه المرحلة، وهي كلها تحركات تعكس رغبة القادة العسكريين بتجاوز المرحلة الانتقالية بكل تداعياتها، وأبرزها الاشتغال بالسياسة.

 

غير أن اللافت في هذا التجاوز، أنه قد لا يكون بالكلية، إذ يعرف أن المؤسسة العسكرية  خلال حكم مبارك لم تكن مشتغلة بالعمل السياسي، غير أنها كانت تراقب كل ما يدور في هذا المعترك، وفق ما عبر عنه قادة عسكريون كانوا ممن أداروا المرحلة الانتقالية بأنه كان هناك رفض فيما بينهم لما يعرف بتمرير مشروع توريث الحكم من مبارك الرئيس إلى نجله جمال الابن، فضلا عن حالة الرفض العسكري لبعض سياسات نظام مبارك نفسه المتعلقة بالتوسع في إجراءات الخصخصة، وبيع مؤسسات القطاع العام، الأمر الذي يعكس أن المؤسسة العسكرية حاليا وهي تودع الاشتغال بالعمل السياسي على الأرض، أنها قد ترصد ما يدور في داخل مشهده بأعين قادته ترقبا لأي عارض قد يخفيه القدر.

 

واللافت في دور الجيش المصري الحالي في رفع معناوياته وتعزيز قدراته الدفاعية والهجومية، فانه أصبح يتعرض لحملات تشويه واسعة من داخل أبناء الوطن أنفسهم، فخلال تدريباته المتقدمة والتي اخترقت حاجز الصوت بمقاتلات جوية، خرج من هو حانق على القوات المسلحة المصرية بأن هذه الطائرات لم تكن مصرية، وانها كانت مقاتلات عسكرية صهيونية اخترقت المجال الجوي المصري واخترقت حاجز الصوت فيه، وانها عبثت في القاهرة ومحافظات أخرى في ظل حالة ثبات عميق لأجهزة التحكم المصرية.

 

على هذا النحو يذهب المثبطون من دعاة كسر الارادة العسكرية، وتثبيط الروح القتالية لدى عناصر وأفراد القوات المسلحة الى إضعاف هذه الارادة، وعدم احداث أي تطور نوعي في داخل المؤسسة العسكرية، والسعي دائما الى تشوية صورة ذات المؤسسة على الرغم من النقلة الكبيرة التي صارت عليها خلال الشهور الربعة الأخيرة، منذ أن ودعت الاشتغال بالسياسة، وعاد عناصرها الى ثكناتهم على الحدود لممارسة الدور الطبيعي لأفراد هذه المؤسسة، وهو نفس ما كان يطالب به من صاروا يروجون اليوم لدعايات مغرضة ضد الجيش المصري ، والمطالبة بعودته الى ثكناته، وهى كلها أمور تكشف مدى ازدواجية المطالبة بعودة المؤسسة العسكرية الى ثكناتها أثناء المرحلة الانتقالية للجيش، وما بين حملات الاثارة والتشوية الجارية حاليا لاضعاف الروح المعنوية لأفراد المؤسسة العسكرية.

 

وتأتي هذه الحملات في الوقت الذي أصبحت فيه العناصر العسكرية في أشد الحاجة الى رفع معنوياتها، بعدما عادت الى ثكناتها وقد أعياها كثيرا الهتافات البذيئة التي كانت توجه اليها أثناء ادارة المرحلة الانتقالية من جانب بعض القوى والنشطاء، والذين ترجموا ذلك في شعارات ورسومات وتعبيرات على الجدران، وخاصة في وسط العاصمة المصرية.

 

وهنا يبدو التناقض بين دعوات صادقة كانت تطالب بعودة الجيش الى مهامه الطبيعية وإنهاء اشتغاله بالسياسة، وأخرى كانت تثير ضجيجا بلا طحين وفق ما ظهر من تصريحاتها حاليا من تثبيط واسقاط للهمم، ليضاف الى تناقضها الذي كان باعادة القوات المسلحة الى مهامها قبل الاستحقاق الرئاسي، غير أنه وبعدما كانت نتيجة الانتخابات تولي رئيس من خلفية اسلامية مهام منصبه، حتى أبدى أمثال هؤلاء الندم، وعادوا أدراجهم ليطالبون الجيش بالتدخل، وانهاء هيمنة الاسلاميين على مفاصل الدولة المصرية على حد زعمهم.

 

أمثال هؤلاء انكشفت أراجيفهم بأنهم لايرغبون في دولة مدنية ، بل يرغبون في دولة عسكرية ، أو غيرها شريطة ألا تكون اسلامية، او حتى ديمقراطية تعكس رغبة شعبية ، فالديمقراطية في عرفهم هى ما تسفر عن مصالحهم وفق ما يتفق مع آرائهم وافكارهم البالية، على نحو ما تنادي به كثير من أصواتهم حاليا بضرورة غضبة الجيش ضد ما يزعمونه من أخونة او أسلفة للدولة، ما يعني دعوة صريحة منهم لعودة العسكر الى المشهد السياسي، وليس هذا وفقط ، ولكن إعادة مصر الى مفهوم الدولة العسكرية، وليست المدنية، بما يفضح مطالبهم السابقة بالدعوة الى مدنية الدولة، وأنها دعاوى كاذبة، تتناقض مع واقع ما يدعون اليه، ولكنها فقط تتفق مع معاييرهم المزدوجة وسياساتهم المفصلة فقط على مقاساتهم.