30 جمادى الأول 1434

السؤال

السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته، نفع الله بكم وبعلمكم. أعرف شخصًا ملتزمًا، ويحبُّ أن يكون داعية إلى الله، لكن! يقول لي: إنَّ لديه مشكلة، وهي الخوف من الخروج والظُّهور على الجمهور، وخاصَّة في البرامج الدِّينية في القنوات الفضائية وغيرها، (يرتبك).. ولا يعرف كيف يكون ملقيًا جيدًا..
السُّؤال: ما السُّبل التي يسلكها للتَّخلص من عملية الارتباك بحيث يكون ملقيًا بارعًا؟.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: بداية أرحب بك أجمل ترحيب في موقع المسلم، وأشكركَ على ثقتكَ، بموقع المسلم، ومتابعتكَ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، كما أبدي سعادتي لحرصك على إعانة أخيك المسلم، وإرشاده لطريق الصّواب للعمل في الدَّعوة إلى الله، وتغلبه على مشكلة الارتباك أثناء التّكلم أمام الجماهير، سائلا المولى عزَّ وجلَّ أن يقرَّ عينك بأن يكون متكلِّمًا بارعًا في المستقبل، وذلك عن طريق إبلاغه الإرشادات والتَّوجيهات الآتية:
أولاً: عليه بالعلم، والتّزوّد الكثير منه.
اثنان لا يشبعان: طالب علم، وطالب مال، واثنان لا يتعلَّمان: المستحيي، والمتكبر. فلا حياء ولا خجل في طلب العلم ونشره، لأن تعلّم العلم الشّرعي ونشره ديانة وأمانة، فإذا استشعر الدّاعية والعالم أنّه يبلِّغ عن الله، وهو خليفة الله في إيصال دينه للنّاس، هان أمر النّاس في نفسه، وصار اهتمامه الأكبر في النّقل الصّحيح، والتّوصيل الواضح للمتلقين.
ثانيًا: كلُّ خير في اتِّباع من سلف.
أوصِ صاحبك أن ينهج نهج السَّلف في تعلُّم العلم الشَّرعي، فيبدأ أولاً بحفظ القرآن الكريم، ومعرفة معانيه، وتفسير آياته، فإذا أتمَّ حفظ كتاب الله وتعلَّم معانيه، انشرح صدره، وانطلق لسانه، وعلا شأنه، وقويت حجّته، وتناثرت الحكمة منه، ثمَّ بعد ذلك ينطلق إلى أحاديث من أوتي جوامع الكلم، فيحفظ ما يتيسَّر له منها، وحبَّذا لو حفظ الأربعين نووية مع الشّرح لها، وكذلك رياض الصّالحين مع شرح له، فهذان المعينان من أحاديث خير البشر يعطيان صاحبك قوة بلاغية، وثروة كلامية وبيانية كبيرة، وأنا أعتقد أنَّ صاحبك ما زال دون العشرين من عمره، ولذلك حثَّه على اتِّباع طريق السَّلف الصَّالح في طلب العلم، واطلب منه التركيز في مرحلته الحالية على حفظ القرآن الكريم، ولا يحفظ القرآن الكريم لوحده، بل ليحفظه على شيخ قارئ مجوِّد، فسيجد في القرآن بغيته وأمله.
ثالثًا: من كان شيخه كتابه، فخطؤه أكثر من صوابه.
ليتخيَّر صاحبك شيخًا يأخذ عليه العلم الشَّرعي، وهذا الشَّيخ مشهود له بالعلم والعقيدة السلفيَّة الصَّحيحة، ليأخذ عنه ما هو بارع فيه، ثمَّ ينتقل إلى آخر متخصِّص في فنٍّ آخر من علوم الشَّريعة، حتَّى يتضلَّع في كافَّة العلوم الشَّرعية، فعندما يصل لهذه المرحلة، يكون أهلاً لأن يظهر على الجماهير بشكل كبير كالقنوات الفضائية، والبرامج الدِّينية.
رابعًا: القصد القصد يصل.
علاج ارتباك صاحبك سهل، قل له: لا تبدأ موعظتك مباشرة أمام ألف مستمع، ولكن! احفظ موعظتك بشكل جيد، ثم تكلَّم بها إلى واحد، ثمَّ تكلم بها نفسها إلى اثنين، ثمَّ اجمع أسرتك وألقها عليهم، ثم ألقها على زملائك في الاستراحة، ثمَّ ألقها على جماعة مسجد حيِّك، ثم في جامع أكبر، تكون في كلِّ مرَّة أعدَّت فيها الموعظة تثبتت أكثر في ذهنك، وثبتَّ أنت أكثر في إلقائها، ثمَّ حاوِّل إلقاءها في اجتماع كبير كخطبة الجمعة، ثمَّ تكون قادرًا على أن تلقيها في الأقنية الفضائية وعلى الهواء مباشرة بعون الله وتوفيقه، فالعلم بالتعلم، والحلم بالتحلم، ومسافة الألف ميل تبدأ بخطوة..
خامسًا: توجَّه إلى من بيده قضاء حاجتك.
موسى عليه السَّلام توجَّه لربه لقضاء حاجة قريبة من حاجتك فقال داعيًا ربه: {ربِّ اشرح لي صدري. ويسِّر لي أمري. واحلل عقدة من لساني. يفقهو قولي} طه: . فهنا موسى عليه السَّلام طلب من ربِّه قضاء حاجته، فحري بصاحبك أن يتوجَّه إلى الله لقضاء مسألة الارتباك من نفسه، والله لن يخزيه أبدًا، ما دام مخلصًا لله، وقصده الدَّعوة إلى الله، ونشر العلم الشَّرعي للنَّاس، فأحسن النَّاس قولاً من دعا إلى الله وعمل صالحاً وقال إنَّني من المسلمين. وفق الله صديقك إلى ما فيه الخير والصَّلاح، وآخر دعوانا أن الحمد لله ربِّ العالمين، وصلَّى الله وسلَّم على نبينا محمَّد وعلى آله وصحبه أجمعين..